تفسير سورة الإسراء، من قوله تعالى: (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا ..)، الآية: 1

تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الإسراء:

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

( سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (1) وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا (2) ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا (3) )

ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرمنا بمِنَنه وآلائه وآياته، ومُبيِّنِها على لسان خير برياتِه سيدِ أهل أرضه وسَماواته، سيدنا محمد خاتم إنْبائِه ورسالاته، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهلَ ولائهِ ومحبته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين المُرتقين في الفضل أعلى ذِروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميعِ عباد الله الصالحين وعلينا مَعهم وفيهم إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين بفضله ومنَّته. 

 وبعد،،

فإنَّنا في نعمة التأمل لكلامِ ربنا الخلاَّق وما بعث به عبده عظيم الأخْلاق، وبيَّن لنا -سبحانه وتعالى- ووضَّح وعلَّم وأرشد وهَدى ودلَّ، له الحمد والمنَّة في هذه النعمة الكبيرة؛ انتهينا إلى أوائل سورة الإسراء: بسم الله الرحمن الرحيم، ( سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (1))؛ أَشرنا أنَّ الحق ابتدأ بتنزيِه نفسه وتقديس سبحانه (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ) تنزيهًا وتقديسًا لصاحب القوةِ المُطلقة والقدرةِ الفائِقَة، وهو على كل شيءٍ قدير.

(أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا): أي في وقتٍ يسيرٍ من الليل. (لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ) المُعّظم المُنور الذي هوَ أول بيتٍ وُضِع للناس، (إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ) حيثُ أرضُ الحشر واجتماع النَّاس إذا بدَّل الله الأرض غير الأرض والسماوات ومُدَّت الأرض مُدَّى وبُسِطَتْ،  فيُحشر النَّاس؛ فيجتمِعون في حواليْ بيت المقدس فهو مكانٌ له خَصائص ومزايا وشَرَف من ربِّ البرَايا، شرَّفَه جلَّ جلاله. وقال: (ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا) بعظَمتنا وجَلالنا جَعلنا بركةً حولَه من أجله فكيف بذاته؟ وكانت تلك البركة: 

  • وجود الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، والشرائع التي أنزلها الله سبحانه وتعالى عليهم يُبلِّغونها عبادة.

  • وأنواعٌ من الفَضل والصلاح. 

  • ووجود صديقين ومقرَبين وباذلِين ومتصلين بالله اتصالاً قوياً. 

  • وكان من تلك البركة طِيبُ الأرض وكثرة ثمارها وحسنُ زَرعها وعذوبة مائها وما إلى ذلك من البَركات الحسية والمعنوية الظاهرة والباطنة. 

(بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ) وليس لِبركة الله من نهاية إذا بارك في شيء بلغ الشيء منتهاه. والبركة: فيضٌ إلهي إذا حلَّ في شيء بلغ ذلك الشيء المنتهى فيما يُراد منه وفيما خُلِق من أجله وفي تحصيل مقاصده. وإنَّ أعظم البركة ما يبارك الله به في الذوات المحبوبة لديه، فيبارك بسببهم في ذراريهم وعَقِبهم، ويبارك في آثارهم، وفي محبيهم ومن اتصل بهم، ثم يُعدُّ لهم: " ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر"، اللهم بارِك لنا فيما أعطيتنا ومَا أنعمت به علينا واجعلنا مباركين في شؤوننا وأحوالنا-. 

قال سيدنا عيسى بن مريم: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) [مريم:31]. وقال سبحانه:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران: 96]. وهكذا يصيرُ نتائج وثمارُ البركة تكثير القليل الذي يُطلب ويحسن تكثيره، وصلاحُ ما فسد من شؤونه وأموره،  وعافية المريض من مرضه،  إلى غير ذلك من أوجه البركة التي تَجلُّ عن الحصر والاستقصاء، وهكذا بركة الله فيمن شاء.

وقد جعل الله البركة في الإنسان، وجعل المباركين من الناس: الأنبياء والمرسلين، ثم أتباعهم من النبيين والصديقين، وجعل ما يُبدِي ويُبرز ويُخلُق ويُوجِد من الخيرات في العالم الأرضي على مَمر العصُور متعلقًا بهؤلاء المباركين وببركتهم؛ حتى إذا فُقدوا مِن على ظَهر الأرض وحَلَّ الأشرار جاءت الآيات الكبرى بقيام الساعة على شِرار الخلق المغضوب عليهم، -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. فأناط الله الخير بهم، وجَعل البَركة في الأمَم الذين أجابوا المُرسلين، وجعل في أُمَمِ أولي العزم بركةً أكثر من سواهم، وجعل في مَن كانت درجتُه أعظم وأقرب إلى درجة حبيبه محمد الأعظم ﷺ البركة في أمته أعظمَ ، البركة في أمَّة إبراهيم بعد البركة في أمة سيدنا المصطفى محمد ﷺ،  فكان من أعظم بركات الأمَم؛ البرَّكة التي جعلها الله في هذه الأمَّة. 

وعَظُمَ شأن البَركة حتى كان بقاءُ الخير وحِفظ القرآن فيها لا يُستطاع طَمسه ولا تحريفهُ ولا تغيير كلمة منْه بل حُفظ بالتواتر، وكيفية النطق بكل حرف من حروفه ومن مدوده إلى ما تعلَّق بذلك من أحكام تلاوته، فضلاً من الله تبارك وتعالى على هذه الأمة، وجعل فيها من الصديقين والمقرَّبين وأرباب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين أعدادًا كثيرة، وجعل فيهم مُجدِّدين دين الأمة على رأس كل مائة عام يمرُ بهم، - فضلاً من الله تبارك وتعالى-. 

وجَعل عِلم الدِّين المّصون الذي بُعث به الأمين المأمون محفوظًا "يحمله من كل خلفٍ عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"، وجَعل الخير فيهم إلى أوَاخرهم؛ حتى يجد عيسى بن مريم في الأمة مثل حَواريه وخيرًا منهم فضلاً من الله - جلّ جلاله وتعالى في علاه-. ثم جُعل من بركة هذه الأمَّة أن لا تُحاسَب أمَّةٌ في القيامة حتى تُحاسَب هذه الأمة، وأن لا يَمر على الصراط أمَّة حتى يمرَّ خيار هذه الأمَّة، وأن لا يدخل الجنة قط أُمَّة من الأُمَم حتى تدخلها هذه الأمة، فما أعجب هذه البرَّكة في هذه الأمة؛ لمكانة نبيِّها الذي تميَّز عن جميع الأنبياء ﷺ. 

وكان الإسراء آية عظيمة من الآيات التي بَرزت فيها خُصوصيات نبينا وميِّزاته التي ميَّزها به ربُّ السماوات والأرض ومكوِّن الأكوان ربُّ العرش العظيم -جل جلاله وتعالى في علاه-. وكان من جملة ذلك تَقديمه على الأنبياء والملائكة ليأُمهم في حضرة الله في الصلاة، وفي بيت المقدس أقام جبريل الصلاة فَقدَّم المصطفى محمد بن عبد الله وكما جاء في رواية البزار: "أنَّه أيضا في السماء في ليلة الإسراء والمعراج أذَّنَ جبريل ليقيم الصلاة، وإذا بمَلك ينزل، فيقول ﷺ لجبريل: من هذا؟  فقال: يا رسول الله إنِّي وأنا من أقرب الملائكة والخلق لمْ أرى هذا المَلك منذ خلقني الله تبارك وتعالى وأنه لم يخرج إلا اليوم إلى السماء السابعة،  قال: " فتناول الملك يد سيدنا محمد فقدَّمه يأُم الملائكة والنبيين ويصلي بهم وصلى وصلوا خلفه". فإذًا هو المقدم وهو الرأس لأهل الرئاسة - صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله- ،  لم يجعل الرحمن في خلقه أكرم عليه مِنهُ ولا أحب إليه منهُ ﷺ،  فالحمد لله الذي جعلنا من أمته. -اللهم وفِّر حفظنا من البَركة التي جعلتها في أمته والخَيّريَة التي جعلتها في أمته والخصوصيات التي جعلتها لأمته والمِنح التي مُنحت بها أمته وِّفر حظنا يا ربنا منها برحمتك يا أرحم الراحمين-. 

( سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآ ) فأراه الآيات الكبرى وأراه كُبرى الآيات فقال: ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) [النجم:18]. وقال عن بصره الذي مَكّنه: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) [النجم:17]، صلى الله على سيدنا محمد وبصره الذي ما زاغ وَلا طغى، وهو البصر الذي تعرض لتلك الأنوار والتجليات التي تخطف الأبصار، فما زاغ البصر وما طغى ولا أُغشي عليه ولا أُغمي عليه ولا إنحرف في حسن نَظره وبَصره -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-. (لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآ) فأراه الآيات وإذا كان قال عن الخليل إبراهيم:  (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام:75]. ولم يقل: ملك السماوات والأرض فذلك راجع إلى حسها وأجرَامها والأمر الظاهر فيها ولكن الملكوت: الغيب والباطن والأمُر الخفي (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام:75].

فما الذي أَرى سيد الأنبياء وخاتمهم ﷺ؟ (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُ)، وبَادره أهل السموات بالتكريم والترحيب والتأهيل، وكُّل رسول مرَّ عليه بشَّره بما عَرفَه مِن منْزلته عند الله، مِن قدْره عند الله وشريف منزلته لديه، حتى جاوز السبعَ الطِّباق، ووصَل إلى حضرة الإطْلاق ﷺ.

 بَعد أنْ تأخر الأمين جبريل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام يقول في ذلك الإمام البصيري عليه رحمة الله: 

سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلى حَرَمٍ   ***  كَمَا سَرَى الْبَدْرُ فِي دَاجٍ مِنَ الظُّلمِ

وَبِتَّ تَرْقى إلى أنْ نِلْتَ مَنزِلَةً  ***  من قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلمْ تُرَم

وقَدَّمَتْكَ جَميع الأنْبَياءِ بِهَــــا  ***  وَالرُّسل تَقدِيمِ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَمِ

وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ  ***  في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَــمِ  

حتى إذا لَمْ تَدَعْعنا شَأْواً   ***  من الدنوِّ ولا مرقيً لمستنــــــــمِ 

خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافة إذ  ***  نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَـــم

-صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله-  

بُشْرَي لَنا مَعْشَرَ الإسْلامِ إنَّ    ***  لَنا مِنَ العِنايَةِ رُكْناً غَيْرَ مُنْهَدِمِ

لما دعا اللهُ داعينا لطاعتها    ***  بأكرم الرُّســـل كنّا أكرم الأممِ

 فحمدًا لربٍ خصَّنا بمحمدٍ - ﷺ. 

وجاء الاقتصار في هذه السورة على حادثة الإسراء: والتي فيها من الأدلة التي يواجه بها المشْركين الحسية؛ المادية القريبة، والمعراج لا يعرفُون أَدلته وما يستدلون عليه بشيء من حِسهم ومعناهم، حسهم الظاهر في مَادياتهم، ولكن بيت المقدس سَألوا عن وَصفه وجلَّاه الله له،  وسَألوه عن العِير التي في طريقهم ما بينهم وبين بيت المقدس وأنباءهم عنها، وجاء بأخبارٍ واضحةٍ صريحة ومع ذلك أصَّروا واستكبروا -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.  وهكذا الإنسان إذا لم تَتداركه العنايةُ والهداية من الرَّب يُكذِّب بما يتيقن أنَّه حقّ، ويُعاند ويكابر، ويَجحد ما يتيقن أنه الهدى والصواب، إلى غير ذلك من الأحوال الغريبة عندَ هذا الإنسان؛  ليكون المصير إمَّا الجنان وإمَّا النيران. اجعلنا اللهم من أهل جنَّتك وأعذنا من النَّار يا قوي يا كريم يا غفَّار يا أرحم الراحمين. 

وهكذا كان مِمَّا أراد امتحانه واختباره به أنْ سألوه عن بيت المقدس بالتفصيل، - ولم يذهب ليعُدَّ سَواريه ونوافذه وأبوابه أو ألوانَ جدرانه وإلى غير ذلك!!  ولكن قال: " كُربت كربا فجلَّ الله لي بيت المقدس فجعلتُ أنظر إليه لا يسألوني عن جهة مِنه إلا تحوَّلت لي فكان ينظر ويجيبهم"ﷺ، وجاءهم بالخَبر عن عيرهم في الطريق وعمَّا كان وحتى حَدد وصولها إلى مكة، وكان كما أخبرَ الذي لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-. 

وفاز الصدِّيق بالتصديق له وهرعَ من هرع إلى أبي بكر يقول له:  تعال إنَّ صاحبك اليوم قد جُنَّ وأتى بكلام لن تصدِّقه أنت ولا غيرك،  ماذا قال؟  يقول إنه البارحة سرى إلى بيت المقدس وأصبح اليوم بيننا !!  مسيرة شهر ذهاب وشهر إياب وليلة وحده ؟!!. قال: "إن كان قال فقد صدق، إن كان قال فقد صدق"؛ هذا صوت المؤمن، هذا صوت الموقن، هذا صوت عقلاء بني آدم، الأصفياء من العقلاء، أصفياء العقلاء الذين أُكرموا بالإيمان أدركوا الحقيقة، ومن أدرك الحقيقة يعلم أنَّ الأمر منوطٌ بكلام الله وكلام رَسله (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس 52].، وليس منوطًا بفكر مُجرب ولا مُخرب ولا مُدَّعي مِن صغير ولا كبير والأمر دائر، "إن كان قال فقد صدق، إن كان قال فقد صدق"؛ إذا الأمر من قوله هو، ولسانه هو، ليس من افترائكم، أنتم ولا اختراعكم!؟  إذا هوَ،  فهو الصادق. "وتُصدِّقه في هذا؟"  لماذا خربتم عقولكم كذا وأفْسدتموها؟  أنا أصدِّقهُ في ما هو أكبر من ذلك، افتحوا عقولكم، اتركوا هذا الانحصار وسوء الاستعمال للعقل، "يأتيني بخبر السماء في غدوة وروحة، أفلا أصدقه أنه يذهب إلى بيت المقدس؟  أنا آمنت بإله قادرعلى كل شيء ، تعجِّزون ربي أن يذهب بشيء إلى مكان؟!"؛ هذا الإيمان، هذا العقل، هذا الإدراك للحقيقة.

وانظرإلى عمل إبليس كيف سَاق العقول لإنْ تُكذِّب بعظمة الله وقدرته، ثم تُعظِّم الضعفاء، وتعظم العاجزين، وتعظم المُتكونين مِن النُّطف على غير بصيرة. لأنَّهم اخترعوا! اخترعوا؟ ماذا اخترعوا؟ وهم ومُخترعَهم والأدوات التي اخترعوهُ بها، سواء في ذواتهم أو على أيديهم، كلها من اختراعهِ هو. ووراء كل ذلك وأكبر من كل ذلك، اخترع ما لم يعلموا وفوق ما عَلِمُوا. وأدواتهم وآلاتهم وما عندهم كلها مِن اختراعه وإيجاده هو. وتنازلْنا أشد التنازل، هذا الذي عظمْتهُ المخترع الكبير، قل له: بيستعمل عقل مِن خلق ربي، بيستعمل بصر مِن خلق ربي، بيستعمل يد مِن خلق ربي، ربي الذي خلقه ليس هو جاءهُ بنفسه. طيب رضينا، اتركه واليد التي أعطاه إياه ربي، والبصر الذي أعطاه إياه ربي، والسمع الذي أعطاه إياه ربي، لكن لايأخذ شىء من مواد ربي الأخرى واتركه يخترع، يخترع، رخصة، بهذه القوى، لن نحاسبك؛ هي من ربنا ما هي منك، الله أعطاك إياها فقط، هيا اخترع! فقط اترك المواد الثانية اللي اخترعها ربي لا تلمسها، واخترع؛ هات مادة ليست التي خلقها. إنت أخُلُق! هات! هات! يأتي بماذا!!؟ هات! ماذا؟ يأتي بماذا؟ اعمل ماذا؟ والله ما بيدهم شي؛ إلاَّ خلق ربي، وتطاولوا على ربنا وجحدوا بربنا وكذبوا ربنا، وهم في ذرات مِن عُشِر عُشِر عُشِر عُشيِرٍ مِن مُلكهِ الواسع؛ والاختراع له والعظمة له، والقوة له، والقدرة له جلَّ جلاله -وتعالى في علاه-. 

وهكذا قال:"إِن كان قال فقد صدق"؛ إذن فمناط إيماننا أَن يكون الخبر جاء عَن اللهِ وعَن رسوله وانتهت المسألة، ولا يتقدم أمامهم أحد، ولا يرد قولهم ولا كلامهم بقول ولا بفكر أحد، مَن هو هذا الأحد؟! الذي يناقض الجبار الأعلى ويناقض رسوله المصطفى من هو هذا؟! وماذا يساوي؟ ألا إنَّهُ لا إله إلاَّ الله، ألا وإنَّ خير الخلقِ على الإطلاقِ رُسُلُ الله، ألا وإنَّ سيدهم ومصطفاهم محمد بن عبد الله؛ هذه ثقافتنا، وهذا ديننا، وهذه عقولنا، ادركت هذا؛ لأن الذي خلق العقول وفَّقنا لحُسن استعمالها؛ فاهتدينا إلى هذه الحقيقة عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاء الله لا نشك، ولا نرتاب، ولا نتردد فيما قال الوهاب، ولا ما بلَّغ سيد الأحباب هو الحق والصواب، وما خالفهُ كذبٌ وسراب كائنًا ما كان مِن عند إنس أو جان (قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) [الانعام: 73]. 

وإننا نُنمِّي يقيننا هذا، وثِقتنا هذه، ومداركنا الصحيحة هذه في كل يوم، وفي كل ليلة، ونقول للرب: أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق، والساعة حق، وقد كان يكرر هذه الكلمات إمامُنا وهادينا كلما يقوم مِن منامه. وإنَّا نصبح ونمسي؛ اللهم إنَّا أمسينا نشهدك ونشهد ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلاَّ أنت وحدك لا شريك لك وأنَّ سيدنا محمدًا عبدك ورسولك، نمسي هكذا، ونصبح هكذا نُشهدك، ونُشهد ملائكتك، وحملة عرشك وجميع خلقك؛ عرب، عجم، صغار، كبار، شعوب، دول، نُشهدهم: أنَّك أنت الله لا إله إلاَّ أنت وحدك لا شريك لك وأنَّ سيدنا محمدًا عبدك ورسولك؛ فلا نصغي لقول أحد أمام قولك وقول رسولك، ولا نصدق كلام أحد خالف قولك وقول رسولك، ولا نهتدي بهدي أحد خالف هدي رسولك إنَّا نصبح ونمسي نشهد أنَّك أنت الله لا إله إلاَّ أنت لا إله إلاَّ أنت. ما في إله ثاني غيرك! لا إنسي، ولا جني، ولا صغير، ولا كبير، ولا جسد، ولا روح، ولا بشر، ولا مدر، ولا شمس، ولا قمر؛ أنت الله وحدك الإله. لا إله إلا أنت وحدك لا شريك وأنَّ سيدنا محمدًا عبدك ورسولك على ذلك نحيا وعليه نموت وعليه نبعث إن شاء الله مِن الآمنين. 

يقول: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1))؛ وعلِمنا أنَّ الله خصَّ محمدًا في سمعه وبصره بما لم يخُصَّ به سواه ولقد جاءنا في الأحاديث أنَّهُ يرى في الظلمةِ كما يرى في ضوء النهار-صلى الله عليه واله وصحبه وسلم- ويرى مِن خلفه كما يرى مِن أمامه صلواتُ ربي وسلامهُ عليه، وقد أسمعهُ الله حديث أقوامًا حدَّثوا به أنفسهم وقال لأحدهم: "هذا خيرٌ مما كنت تضمره" -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله- وسمع ما لا يستطاع سماعهُ لغيره ورأى ما لم يرهُ سواه من البشر(لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) [النجم:18].

يقول الله تعالى: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ..(2))؛ التوراة المُنْزَلَة عليه. (وَجَعَلْنَاهُ ..(2))؛ أي موسى هدىً لبني إسرائيل، فيعود الهدى إلى موسى وإلى الكتاب الذي أنزل على موسى، والذين تطاولوا عليه فحرَّفوه، وأدخلوا فيه ما ليس منه، وأخرجوا منه ما هو منه. كما عمل أصحاب الإنجيل بعدهم كذلك وهكذا أُسْتحفظ أتباع الأنبياء قبْلنا على كتب الله، فلم يقوموا بحقها وبدلوا، وغيروا، وحرفوا، (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) [التوبة:9]، (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة:79] والعياّذ بالله تبارك وتعالى.

وأكرمنا الحق بحفظ القرآن الذي أنزله على النبي محمد. (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ..(2))؛ فإنَّ الحقَّ أمدَّ العباد بالفضل بالبيان بواسطة الإنزال والإرسال. (أَلَّا يَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2)) في قراءة أبي عمرو، وقراءة غيره (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2))؛ إلهًا معبودًا تَكِلون أموركم إليه وتعتمدون عليه، لا يوجد إله إلاَّ هو سبحانه. (أَلَّا يَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2))، وقال الله لنبيه سيد المتوكلين عليه (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) [المزمل:9]، اتخذنا الله وكيلاً وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(أَلَّا يَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2))، فإنهم يُفتنون ويتناقضون مع المقومات التي آتيناهم للفهمِ بعقولهم وأرواحهم؛ فيتوكلون على مَن لا بيدهِ شيء، ويتخذ بعضهم بعضًا أربابًا مِن دون الله والعياذُ بالله تعالى، ويعتمدون على بعضهم البعض، ويظُنُّ هذا أنَّ هذا منقذه، وأنَّ هذا منجيه، وأنَّ هذا مُرقيَّه، وما بيدهم مِن حقيقة الأمرِ شيء. إنِ الأمرُ إلاَّ لله وإنِ الحكمُ إلاَّ لله تعالى في علاه. (أَلَّا يَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2))، فمصيبة الناس أن يتوكلوا على غيرِ الله، وأن يعتمدوا على غيرِ الله، وأن يثقوا بغير الله؛ فيصيبهم ما تسمعون، ما ترون ما تنظرون مِن هذه الحروب، والكروب، والآفات.

(أَلَّا يَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2))، قال: تتوكلون على مَن؟ وتَكِلون  إلى مَن؟ أنا الذي خلقتكم وأعلم بكل شيء ارزقنا الاعتماد عليك، والاستناد إليك. يقول صلحاء الأمة:

رب عليك اعتمادي  ***  كما إليك استنادي

صدقا وأقصى مرادي  ***  رضاؤك الدائم الحال

اجعل اعتمادنا عليك واستنادنا إليك وارزقنا حقيقة التوكل عليك. ومَن قال: "حسبي الله لا إله إلاَّ هوعليه توكلتُ ربِّ العرش العظيم" في صباحٍٍ كفاهُ الله ما أهمهُ ذلك اليوم، أو في مساءٍ كفاهُ الله ما أهمهُ في تلك الليلة. (حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة:129]، حسبنا الله لا إله إلاَّ هو عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم.

قال: (أَلَّا يَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2))، مِن هم هؤلاء؟ الذي أُرسل إليهم موسى مِن بني إسرائيل، أي بني سيدنا يعقوب مِن إسرائيل يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. بنو إسرائيل ذريته، أولاده وعترته. قال: بنو إسرائيل؛ فإسرائيل معناه عبد الله، فهو بالعبرية إسرائيل؛ معناه عبد الله وهو سيدنا يعقوب بن سيدنا إسحاق بن سيدنا إبراهيم؛ والد سيدنا يوسف عليه السلام، فسيدنا يوسف إبن إسرائيل أي ابن يعقوب. قال عنه ﷺ: "الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم". 

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ .. (3)) وسيدنا إسرائيل يعقوب، وأولاده كلهم من ذُرِّية مَن حُملوا في السفينة مع نوح. (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا .. (3))، قد أجرى الله ذلك الماء الذي لا يبقي أحد على ظهر الأرض مِن بني آدم؛ لكن حمل مَن في السفينة نوح ومَن آمن معه برعايةٍ منه سبحانه وتعالى، ولهذا يخاطبنا يقول: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) [الحاقة:11]، وقولوا لنا أي دولة من دِولكم؟! أو هيئة مِن هيئاتكم ؟!  أو مِن هَذَه التُّكْنُولُوجِيا   حَمَلَتكم عَلَى السَّفِينَة وَنَجَّتْكُم مِن الْغَرَق؟ مَن الذي حملكم؟ (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) [الحاقة:11-12]، وهذه إلاَّ إشارة وعلامة يقول: وإذا أردتكم الآن بسوء أو ضرٍ لن ينجيكم غيري، ولا تظنوا أنَّ شيئ أسلحة، ولا قنابل، ولا نووية، ولا غير نووية، ولا هدرجونية، ولا غير هدرجونية بتنجيكم، إذا أردت بكم سوء (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد:11]، لا إله إلاَّ الله.

يقول:  -جل جلاله- (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ .. (3)) في السفينة (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)) كان يشكر الله، كثير الشكر لله بمعاني الشكر كلها، وعلى كل أكلة، وعلى كل شربة، وعلى كل لباس، وعلى كل حال، كان عبدا شكَّار، حتى يقولون له في القيامة إذا استشفعوا به الله: أنَّ الله سماَّك في كتابهِ (عَبْدًا شَكُورًا).

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3))، وماذا حملنا مع نوح؟ هو الرأس حقهم ومرجعهم كلهم؛ لكن هذا أساس، وهذا رأس، فقال لهم: هم مع نوح الرأس حقهم هذا فاللناس انتماء، وانطواء في كبرائهم وعظمائهم. (حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) ليس لوحدهم بأنفسهم؛ حملهم إلاًّ بالواسطة هذا، وبسبب هذا.

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)) صلوات الله عليه، ورأيت شكره تسعمائة وخمسين سنة يُضرب ويُسَب، ويُشتم، ويُغطَّى منه الرؤوس والوجوه ومع ذلك مستمر في الدعوة؛ شكور، عبد شكور. وقد يضربونه حتى يغمى عليه فإذا أفاق ذهب يدعوهم، (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًاثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) [نوح:8-9]، (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) [نوح:7]، وما سئِم سنة، سنتين، ثلاثة، أربع، خمس، ست، سبع، ثمان، تسع، عشر، احدى عشر، اثنا عشر، عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، ستين، سبعين؛ سنين وهو صابر يدعوهم، مئة، مئتين، ثلاث مائة، أربع مائة، خمس مائة، ست مائة (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) [العنكبوت:14]، تسع مئة وخمسين سنة شكور سيدنا نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)).

ثم ذكر لنا الحق -جلَّ جلاله- ما قضى في كتابهِ في الأزل على بني إسرائيل، وما كان مِن شؤونهم واختلاف أحوال وأطوار قد مرت عليهم، وأيضاً هم الآن أمام أطوار مقبلة عليهم أخبرنا مَن أُنزل عليه الكتاب وعنها، وأشار إليها الحق في هذا الكتاب وهي تحت ثابتِ سنةِ الله التي لا تغير لها ولا تبديل، قال لهم عنها: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .. (7))، ثم قال: ( .. وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا .. (8))؛ النتائج والعواقب محسومة بسنَّة الله تبارك وتعالى فلا نجاة إلا للأنبياء وأتباعهم والنصر لهم (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-172]، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ* يَوْمَ لَا تَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر:51-52].

رزقنا الله الإعتبار والإدِّكار بهذا الكتاب والآيات وما فيه من الذكر الحكيم والتعليم مِن الإله العلي العظيم -جلَّ جلاله- اللهم اجعلنا مِن خواص أهل القرآن عندك، واحشرنا في زمرة أهله وأنت راضٍ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين وفرِّج كروبنا والأمة ،واكشف الغمة وأجُل الظلمة، واختم لنا بالحسنى وأنت راضٍ عنا.

اللهم صل وسلم بارك عليه وعلى آله

تاريخ النشر الهجري

01 ذو الحِجّة 1444

تاريخ النشر الميلادي

19 يونيو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام