تفسير عبس -3- من قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)
يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1438هـ.
نص الدرس مكتوب:
﷽
(قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37))
الحمدُ لله مُكرِمنا بوحيه وتنزيله, وصلى الله وسلّم وبارك وكرّم على عبده وحبيبه ورسوله سيدنا محمد الذي قضى بتقديمه وتفْضيله، وعلى آله وصحبه وأهل مَحبَّته واتِّباعه في فِعله وقِيله، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم، وعلى الملائكة المُقرّبين وجميع عباد الله الصالِحين وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،،
فإنَّنا في تأمُّل معاني كلام ربنا -جلّ جلاله- وخِطابه إيّانا، مَرَرنا على آيات في سورة (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1)) حتى انتهينا إلى قوله -جلّ جلاله وتعالى في علاه-: (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24)).
ذكّرنا -الحق تعالى- بأصل خِلقَتِنا: (مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22)) أقامه.. فالنَّشر هو: القيام، والنُّشور؛ قيام الموتى من قبورهم.
- فالنشر قيامٌ وإخراج من القبور.
- والحشر جمعٌ، يُحشرون يُجمعون في مكان الحشر؛ ا
لذي يبدأ بعد التَّغييرات التي تَطرأ على الأرض، يبدأ التّجمُع مِن أرض بيت المقْدس، فيكون الحشْرُ إليها، حتى يجتمع جميع بني آدم ويُحيط من ورائهم بهم الجِنّ، ثم حيوانات البَرّ، ثم حيوانات البحر، ثم ملائكةُ السماوات، كُلُّ طائفة عشرة أضعاف مَن قَبلهم في الأعداد، وملائكة كلِّ سماء عشرة أضعاف مَن قبلهم من السماوات، وهكذا -قال تعالى-: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:47].
(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22)) في الوقت الذي قد سبق في علم ربنا وحدّدهُ، تكون النفخة الأولى ثم تكون النفخة الثانية: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الزمر:68-69].
(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22)) قال -جلّ جلاله- هذا الإنسان الذي وقعَ في الكُفر، وما كان ينبغي له ذلك (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)) نازَلهُ الموت وخرجَ من الدنيا ولم يقضِ -يُؤدّي ويُعطي- ما أمرَهُ:
- الحقّ الذي جعله عليه،
- وما شرع له،
- وما أمره به من التوحيد والطاعة والعبادة (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ).
(كَلَّا) -حقًا- (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)) فإنَّ عادة الإنسان الإدّعاء، ويقول الكافر أنَّه أدّى كل ما عليه وما يَلزَمُه، حتى أنهم يحتجُّون على الأنبياء أنهم لم يُبلِّغوهم، ويحتجّون على الملائكة أنّهم كتبوا عليهم ما لم يفعلوا ولم يصدر منهم! إلى هذا الحد، غرور الإنسان وبقاء آثاره..
- فتشهد عليهِم أيديهم وألسنتهم وأرجلهم،
- وتشهد عليهم جلودهم،
- وتشهد عليهم الأرض التي عملوا عليها،
- ويَشهد عليهم الزمان الذي عمِلوا فيه.
ويُزكّي -الحق تعالى- بذلك الملائكة الكِرام، وما كتبوه في الصُّحف من أعمال المُكلَّفين.
(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)) أيّ ما كلّفه به من التوحيد والطاعة، لم يقُمْ به.. وهو الذي طلب -الحق تعالى- مِن عبادهِ بالقيام به؛ لِيُثيبهم الجنَّة ولِيتجاوز عنهم. أمّا القيام بحقوق -الله تعالى- على التَّمام والكمال فما يطيقها أحدٌ؛ لا من الإنس ولا من الجنّ ولا من الملائكة، فكلهم خلْقه وإيجاده وصُنعه، وما عملوا إلا بتوفيقه وبفضله ومن يقوم بحقه؟!
قال بعض الأنبياء: "ربّ كيف أشكرك وأنا مهما شكرتك كان شُكري إيّاك نِعمة منك جديدة عليّ تحتاج إلى شُكر"، ما أقوم به من الشكر لك توفيق وإمدادٌ وإفضالٌ ورحمة ونعمة هي تحتاج شكر!
- كيف أشكرك؟ قال: إذا علمتَ ذلك فقد شكرتني.. فقط أنا أكتفي منك بذلك..
- وماذا تستطيع أن تفعل؟ (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13] أي قاموا بما أكتفي بهِ منهم وأتجاوز به عنهم،
أمّا القيام بحق الله -تبارك وتعالى- من أيّ كائن ومن أيّ مخلوق على وجه التّمام فمُستحيل؛ ولكن رضيَ بالحمد شكرًا له من خلْقه، رضيَ -سبحانه وتعالى- باليسير من الطّاعات، رضيَ لهم بالتوبة إذا عملوا الذنوب والمخالفات ويُسامحهم؛ فهذا كريم، وهذه مُعاملةِ الكريم.
ومع ذلك كم مِن لئيم في هذه الدنيا يقول: هو لم يوَفّقنا، هو لم يُعْطِنا،! يُريد أن يحتجّ، تعال يا مَن أصلك عدم، ماذا تقول؟ تتكلم بهذا الكلام؛ بهواء من؟ وتحت سماء من؟ وفوق أرض من؟ و بعروق من أين؟ و بأعصاب من أين؟ يا قليل الحياء، أما تستحي؟ يعطيك هذا كله وأنت تُريد أن تحتجّ عليه؟! (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) [الأنعام:149] لكن اللّوم عند بني آدم، واللّوم عِند هذا الكائن والمخلوق، يحمِله على مثل هذا؛ غيًّا وبَغيًا وجُحودًا وجهلًا محضًا، يقع فيه أهل الإلحاد وأهل الزَّيغ والفساد. أجارنا الله من ذلك ورزَقنا شُهود نِعمته علينا ومِنّته علينا، ووفّقنا وأعاننا على ذِكره وشُكره وحُسن عبادته، فضلًا وجودًا ومنًّا وكرمًا.
(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(23)) فيَعيب على الذين أعطاهم القُوّة والقُدرة على الإيمان فأبَوا، وعلى الطّاعة وتَرك العصيان فأبَوا..
- (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) يقول: أمَا يَستحي هذا الإنسان الذي خلقته مِن العَدم، ثم أُوالي عليه نِعَمي، أُوالي عليه إِفضالي، حتى قُوامه وقُوُته الذي تقوم به حياته مِن أين؟!
- (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ) -هذا الغافل الجاهل المُتطاول- (إِلَىٰ طَعَامِهِ (24)) من أين؟ بأيّ قُدرة؟ بأيّ تصرّف؟ (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [الواقعة:63-67] قولوا ما تقولون! قد لا يطلع الزرع، أو يطلع ويهلك، ذهب غيره..
قل يا دولة من! قل يا جمعيّة من! قل يا مؤسسة مَن! مِن أين تحضره؟ (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة:64-65] تقولون: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:66-70] هيا اذهب، قل يادولة فلان! يا حكومة فلان! فما أعجب الناس في تعامُلهم مع ربهم! أما يَستشعرون إفضاله وإنعامه الواسع على من آمن ومن كفر! ومع ذلك يَعصُون ويتطاوَلون ويجحدون -وإنا لله وإنا إليه راجعون-.
(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) إنَّا) وفي قراءة: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)) كيف أُنشِئت هذه السُّحب؟ كيف أُنزِلت هذه الأمطار؟ كيف جَرت؟ كيف خُزِّنت في الأرض؟ وأُنشِئت بها الجنّات والحبوب والثمار والزروع؟ (إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)) -جل جلاله وتعالى في علاه-.
- تضعون فيها بُذوركم فنرعاها لكم،
- تقومون بأسباب، علّمناكم إياها فنُنبِت لكم به الزرع والنخيل والأعناب ومن كلِّ الثمرات.
(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) ولو خرج الماء، بدَل أن ينبت لكم الزرع، أخذ يُكسِّر دياركم منازلكم وأموالكم، ويأخذكم أنتم وجُثثكم وتغرقون وانتهَوا.. كما فعل بقوم نوح بقدر، قال: أنزلناه بقدر (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [المؤمنون:18-19].
(إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)) وهيّأها للإنبَات، ولو جِئتَ بأيِّ حبَّة تُريد أن تُنبِتها فانقلبت كذا أوانقلبت كذا لا يطلُع شجرها إلى جانب، ولا يغوص في الأرض، يرجع لك ينقلِب إلى وضعه الصحيح، ويطلع إلى فوق، مَن مِنكم داخِل، وسط الأرض يتحكّم فيها؟! اقلب النواة اقلبها كذا وتنبت من وسطها، واقلبها إلى تحت تنقلب لك هكذا.. وأي حبة وأي ذرة، من أين تعرف الشجرة الطريق كذا؟ لا تغوص في الأرض تحت، ولا تذهب في الجوانب، تطلع إلى فوق لماذا؟! من علّمها؟ من تصرّف فيها؟
يقول: (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)) أنواع الحبوب التي ستأتونها (وَعِنَبًا) -فواكه- (وَقَضْبًا) قضبًا: أكل الحيوانات والأنعام والمواشي؛ قضبًا، ما تأكله من أنواع هذه البقول والحشيش (وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)) متكاتفة الأشجار ظمة (غُلْبًا) يقول للأغلب غليظ الرقبة، وهذه أشجار مُلتفّة مُتجمِّعة مُحيطة ببعضها البعض (وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً) -من أصناف وأنواع الفواكه- (وَأَبًّا) أيضا يرجِع إلى نفس النوع من الإبريسَم وأكلِ الحيوانات (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)).
"وسُئِل مرة -سيدنا أبو بكر- ما هو الأب؟ ولم يستحضر معناه في تلك الحالة قال: أي سماء تُظِلُني وأي أرض تُقلني إن قلتُ في كتاب الله برأيي، لا أعلم؛ " أدبُ الصَّحابة مع كلام الرب، وفات من قال في القرآن برأيه: "فليتبوأ مقعده من النار".
(وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31))؛ قال الله: كلُّ هذا فعلناه (لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)) رتّبنا لكم الحياة بهذا الشكل.. فهل يملِك حضارة أن تُغيرها؟ أو تقلِبها، تقول -مثلا- لا نريد ماء ينزِل، لا نريد أرض تُنبت، عندنا تطوّر الآن، نحن معنا الطريقة، هل تمكنّوا في شيء أن يتقدّموا ويتطوروا؛ الله أكبر، آيات من الآيات.
- انظر إلى تطوّر البشر الذي يُهوَّل شأنه، مُجرَّدُ أسبابٍ في الوصول إلى الأصل الموضوعِ قائم، ليس بترتيبهم هم، أصلُه موضوع قائم، يطوّرون أسبابهم للوصول إلى نتائج، هذا الأمر القائم فقط، أمّا أرض غير أرض لا يستطيعون، هواء غير هواء مافي؛ من أيام آدم تطوّروا الناس هل اغتنوا عن الهواء؟
- أية حضارة متقدِّمة أنتم جالسين على الطبقة الهوائية هذه أكسجين، اتركوها،.. ماذا اتركوها؟! موتوا يعني؟! قل هذا موضة قديمة، ناس يستنشقون أكسجين هذا من أيام آدم، عدّت قرون تطوّروا تطوروا.. ماذا تطوروا؟! هل قدروا أن يعملوا شيء؟ يعملوا هكذا قاعدين؛ شرب الماء، شرب الماء، أي آدمي يشرب الماء، من أيام آدم وأيام نوح وأيام ماذا ..
- لو قالوا مثلا؛ الآن نحن نريد حاجة كذا، بس واحدة، غير الماء، هل ممكن؟ لا شيء غيره، ماذا غير الماء؟! تطوّروا إلى أن تشبعوا! اخضعوا لما وُضِعَ لكم من قِبل الواضِع، أنتم ما وضعتم شيء، ما خلقتم شيء!
سبحانه وتعالى، يقول: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [الأحقاف:4] نريد البُقعة التي خلقوها هم أصحاب الحضارة، أصحاب التقدم، فأيها من بقعة يعني؟! ما من قرية في العالم هم خلقوها، أين؟ أيّ جزيرة (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) ولا شِبر واحد، ولا اصبع واحد ولا.. (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ) -هل توجد شركة لهم هنا؟- (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ) [الأحقاف:4] أدنى أدنى أثر يدُلّ! لا خلقوا من الأرض شيء، ولا لهم في السماء شيء، ثم تَنْسون رب الأرض والسماء وتمشون وراء هؤلاء، وهم راجِعون إليه -جل جلاله-
يقول سبحانه وتعالى: (مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)) رتّبنا هذا بهذه الصورة، إذا علِمنا ذلك من العجَب المنطِق الذي يلعبون به على كثير من العقول يمسّون القِيَم والأخلاق والمبادئ المربوطة بالفِطرة يقولون: تقدّم وتطوّر! اسمع معنى في وقت متقدم متطور الإنسان يمشي على كم؟ قال: على رِجلين، قال: لا، موديل قديم هذا! قال: ضروري نتقدّم.. إيه يعني نعمل أربعة؟! أو نرجع نمشي على واحدة، أو كيف نعمل ها!! يا أخي ما عرفت تغيّر شكلك، تريد أن تغيّر أخلاقي!! خَلْقي ما قدرت أن تغيره، تريد أن تغير أخلاقي؟! وقيمي؟! وديني! تقول: تبدّلت!!
الفضيلة فضيلة من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة ما تتبدّل لحضارة أحد، والرذيلة رذيلة من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة ما تتبدّل لتقدم أحد؛
- الزنا رذيلة،
- الكذب رذيلة،
- الخيانة رذيلة،
- الظلم رذيلة؛
من أيام آدم، ما تقبَل التغيير ولا التبديل، ما قدرتوا تُغيّرون تكويني وكيفية خَلقي! تتعدّون إلى خُلُقي وديني! بأيّ حق؟
عملتَ لك صاروخ تطلع إلى عند واحد من الكواكب وترجع؛ فتَتَحكَّم على أخلاقي، أنت ما دخلك في أخلاقي، والذي عملت هذا ماذا يُحكِّمك في ديني وفي صفاتي وفي معاملاتي؟ الذي كوّنني بهذه الصورة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]؛
- هو الذي جعل الفضيلة في الصدق والأمانة والتقوى والعدل والبِرّ والإحسان والعفة، وجعلَ الرذيلة فيما خالف ذلك، فلا يُمكن أن يتبّدل ولا يُمكن يُقبَل منك ولا من غيرك،
- لا يوجد عار وعيب في شرائع الأنبياء، تتحوّل في زمانك إلى أمر طيب وجميل، كما أرادوا أن يفعلوا ويسْتصدِروا القوانين حتى في أخسِّ الأشياء وأفظَعِها وأفضَحِها، ويتحدّثون بلا حياء عن المِثْلِيين وزواج المِثليين، ويقول بعض زُعمائهم: انتصرت الحرية وانتصرت الديموقراطية.
الرَّذيلة رذيلة، القبيحة قبيحة ما تتبدّل لأنه انتُخِب الرئيس الفُلاني، أو نزَل الوزير الفُلاني! هذا وضْع مِن قِبَل الخالق الذي كوّن قل: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [فاطر:3] يا أخي كما أنه جعل السماء فوقي، أي مما يلي رأسي، والأرض من تحتي، أنت لا تملِك تغيّر هذا، فلا يمكن أن تملِك آن تبدّل أن الرذيلة تتحول فضيلة، أو أن الفضيلة تتحول الى رذيلة! هذا الذي يجب أن يعقِله الناس وأن يُدرِكوه. وأنَّ الحلال ما أحلّ الربّ والحرام ما حرّم الرب، أمّا نتحوّل إلى عبيد لبعضنا البعض بقوانين نضعها ونحكم بعضنا البعض بها؛ هذا هو الاستبداد هذا هو الظُّلم، هذا هو التَطاول، هذا هو استعباد الناس لبعضهم البعض، ولكن أن يخضع الكُل للقُوّة العُليا لإله الكُل؛ هذا هو الحرية، هذا الكرامة للإنسان اتّباع الأنبياء والرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-.
خلاصة ما يقولون للنّاس؛ ربّ وإله وأنبياء وملائكة ورسل، اتركوهم جانبًا، نحن نحن نحن لكم، من أنتم من أنتم؟ وبدَل ما أتّبع الأنبياء والأولياء آتي إلى عِندك يا شقي ابن شقي، يا كافر ابن كافر أتبِعُك من أجل ماذا! لا خلقتني، لا رزقتني، لا بيدك أمري الظاهر والباطن، ثم تضحك علي بالأجهزة التي معك!!
دع المخلوق للخالق -جل جلاله وتعالى في علاه- يقول: أوجَدْنا الأرض بهذه الصورة، وأوجدناكم بهذا الشكل، تقدرون أن تُغيّروا-الله أكبر-، وعلى هذا الحال السُنّة الثابتة من أيام آدم حتى في خلقِكم وتشكيلكم وقضاء حاجاتكم ومآربكم وشهواتكم هي هي.. إلى أن تقوم الساعة -سبحان الله- أسباب، مظاهر، وسائل، صُور؛ تتبدّل تتغيّر، لكن تحوم حول محور واحد، حول الأمر الموضوع من قِبل المُنشِئ الفاطر -سبحانه وتعالى- علمنا هذا.
يقول الله: هؤلاء في غيّهم وغُرورِهم بما أمثال هذه الأفكار وغيرِها.. وإلى كم يستمِرّون ويقومون؟ (فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ (33)) -الله- لهم آماد مُحددة، وليس كلهم تقوم الصّاخة، الصيحة التي تصخّ الآذان؛ وهي النفخة في الصور، والمراد النفخة الثانية.
فالنفخة الأولى في الصور بأمر الله تعالى، يأمر عبده الملَك سيدنا إسرافيل -عليه السلام- وبالنسبة لمرور الزمان، الوقت الطويل الذي مرّ من أيام خلق هذه الأرض وخلق آدم -عليه السلام- بعد ذلك بأوقات طويلة؛ لكن حتى من أيام خلق آدم فضلاً عما كان قبل، إلى يوم بعثة النبي محمد ﷺ يُعتبر ما بعد البعثة إن استمر ألف أو ألفين أو أكثر من ذلك قليل أو أقل، يسير جدا بالنسبة للذي مضى.
ولذا وصف النبي ﷺ استعداد إسرافيل للنفخ، أي لم يبقَ من عُمر الدنيا بالنسبة للماضي إلّا يسير، حتى أنّه وضعَ يدَه وأخذ يُصغِي بإذنه يستمع الأمر من الله لينفخ في الصور؛ يعني الفترة الباقية من زمن النبي محمد إلى أن تقوم الساعة سواءً كانت؛ ألف، ألفين سنة، تقل، تزيد قليل، تقصر قليل، فهي قليل بالنسبة لماضي الدنيا؛ مثل هذه اللحظات، فإن سيدنا إسرافيل مُستعد، لا إله إلا الله.
مع ذلك كم عُمرك أنت؟ وما عمر جميع المُغترّين مِن أصناف الناس على ظهر الأرض، كم أعمارهم؟ لا أحد منهم يجلس إلى أن تقوم الساعة، يذهبون واحد بعد الثاني بالأسباب المختلفة، وإذا جاؤوا في القيامة بعد ذلك (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أيّام الدُّنيا تصبح عندهم -كُلّ السّنين التي قضوها- مثل يوم أو نصف يوم! (فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) [المؤمنون:112-113] يقول الله: (قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 114-115] هو عبث كل واحد يأتي في الدنيا هذه بقوّة وبمظهَر يعطيه إياه الله فيظلِم هذا وهذا، ويذهبون يفعلون ما شاؤوا!! فوق الكون مكوّن، وفوق المملكة ملك، وفوق الخلق خالق والمَرجِع إليه -سبحانه وتعالى-.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)) الصَّيحة التي تصُخُّ الآذان:
- فالأولى يصعَق بها مَن في السموات والأرض.
- والثانية يُبعثُون بها قيامًا بأمر الله -تبارك وتعالى-: (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [الزمر:68].
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) ماخبر ذلك اليوم؟ قال: اعْتبِروا في الدنيا، فإنها ستحصُل لكم بعض المواقف، شِدّات ونكبات تصيب واحد مِنكم، فيذهَل عمّا حوَاليه، يتوجّه عليه خطاب من جهة يخافها، يحيط به شيء من الغثاث، يقع في حادثة من الحوادث، يُذهِب فِكره وعقله ورأيه لم يعد يُفكّر في قريب ولا في بعيد يقول: (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)) هناك الهَول الذي يشغل الواحد منكم حتى لا يدري بمَن حواليه! ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ) -زوجته- (وَبَنِيهِ (36)) هذا أصل الناس، وهذه التي تُكَوَّن منها الكُتل الأسرية والاجتماعية ،كيف يفِر منهم؟ لماذا؟
- (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) أمامه مِن المُخاطبة والسُؤال والهَول الذي يُريه (يُغْنِيهِ) يملأ كل فراغه وكل كيانه وكل إحساسه وكل شعوره لم يعد باقي نَفَس لأحد، لم يعد باقي وَسَع لأحد
- (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)، وهكذا كما سمِعنا فيما قالت بعض أمهات المؤمنين للرسول ﷺ كيف يُحشرون يا رسول الله عراة؟ وكيف النساء؟ قال الأمر أكبر مِن أن يهُمُّهم ذلك! (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) الله.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36))؛ بل (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) المجرمين هؤلاء يودون (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ) لو يقع فِداء سيقع خلاص من ذلك العذاب (بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، لم يعد يعرف صديق ولا ولد ولا أب ولا أم، خذوهم كلهم؛ أخرجونا خلِّصونا، ما في؛ (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا) [المعارج:11-15] لا أحد يقوم مقامك (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) [فاطر:18] كلٍ يأخذ حقه؛ لا إله إلا الله.
(لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) [المائدة:36] لو كان لهم..! يُقال للواحد منهم: أرأيت لو كان لك مثل الدنيا كلها التي كنت عشت فيها تُقدّمه للنَّجاة مِن هذا العذاب؟ يقول: نعم نعم نعم. يقول: إنَّ الله قد طلب منك دون ذلك! طلب منك تؤمن به وتطيعه، وتترك المعاصي فقط، ما طلب منك تسلمه الدنيا ولا طلب منك شيء؛ فبخلت على نفسك.
يقول: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) هذا حال العامّة، من شِدّة هول ذلك اليوم، الأكابِر والمخصوصين بالقُرب من الله، تنزّل عليهم الملائكة تُطمئِنهم، تؤمِّنهم؛ فهم احتاجوا لذلك، في وقت يعمُّ الخوف فيه من هَيبة الجبَّار (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [فصلت: 30-31]، الله، (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء:103].
والعجَب؛ حتى في المواقف الأولى؛ في الهيبة -هيبة الجبَّار- تُصرف مع خلقه -جل جلاله- الرُّسل -خيار الرسل- كبار الأنبياء لمّا تطلب منهم الشفاعة يقول: " نفسي نفسي إنَّ ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى غيري" ويحول كل نبي إلى نبي إلى أن يرجعوا إلى نبينا محمد ويقول: "أنا لها" أبو القاسم ﷺ، في ذلك اليوم لا كلام لشركات، لا كلام لمؤسسات، لا كلام للحضارات ،لا كلام للدول الكبرى؛ دول كبرى لا كلام، دول صغرى لم يعد شيء، لا كلام، محمد يقول: "أنا لها".
يريدوننا أن نترك حبيب الله محمد، مقابل ماذا؟ مقابل ماذا؟ ومن يكون معهم؟ اتركونا معه..
- هو الذي يقول "أنا لها" وقت ما يفِرّ المرء من أخيه
- هو الذي يقول "أنا لها" وقت الشدائد حيث لم يعد يعرف الإنسان حتى أولاده وأهله!
- عند الصراط، عند الميزان يكون هناك من أجل الشفاعة، يقول -سيدنا أنس- في الحديث الصحيح: "يا رسول الله أسألك الشفاعة يوم القيامة قال: إنّي فاعل إن شاء الله، قال: فأين أجدك؟ قال: اطلبني عند الميزان، قال: فإن لم أجدك، قال: فاطلبني عند الصراط، قال: فإن لم أجدك قال فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطأ هذه المواضع الثلاثة"
تلك المواضع التي لم يعد أحد يعرف أحدا فيها، وهو يأتي من شأن ماذا؟! يتفقد أمته؛ سجدات له عند الربّ واحدة بعد الثّانية كلما سجد:
- "يا ربّ أمتي أمتي"؛ أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن إلى الجنة، وهم شركاء الناس فيما عدا ذلك من الأبواب.
- "يا رب أمتي أمتي"؛ أخرج من النار من أمتك من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وكل ساعة يأتي بصكاك ويخرج أناس من أمته!
حتى -سيدنا مالك- خازن النار يتعجب فيقول: محمد لم تدع لغضب ربك في أمتك من بقية!! وانظروا كلٌّ يفر من أخيه وأمه وأبيه؛ وهذا يقول أنا لها! كيف ما نحبه؟ كيف ما نحبه؟ كيف ما نحبه؟!
- هذا الأرحم بنا من أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا،
- صاحب الوجاهة عند الرب،
- أقرب قريب وأحب حبيب إلى الرحمن،
"وأمتي أمتي" يذكرهم ما ينساهم؛ وهو قد عُرضت عليه أعمال أمته، ورأى الذين خالفوا سنته والذين خرجوا عنه، والذين شتموه والذين تكلموا عليه؛ ومع ذلك "أمتي أمتي، أمتي أمتي" ما هذا القلب! ما هذه الرحمة!
- الشفاعة الأولى -المقام المحمود- كُلٌّ ينتفع به؛ حتى أصناف الكفار يخرجون من تحت الشمس! وإن كانوا يرجعون بعد ذلك إلى النار، لكن بشفاعة محمد ﷺ خرجوا، بعدما يفتح باب الشفاعة،
- يشفع الأنبياء،
- يشفع الشهداء،
- يشفع العلماء؛
لكن قبل، لا أحد يقدر أن يتكلم: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا) [النبأ:38-39].
اجعل لنا مآبا إليك، سبيلا إليك، صلة بك بواسطة نبيك هذا يا رب حتى تحشرنا جميعا في زمرته وأهلينا وأولادنا وذرارينا..
المُجرمون الكبار، والظلمة الكبار، والكفار الكبار؛ يتمنُّون القرب من محمد يوم القيامة (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27] لايوجد لي صلة بهذا النبي، لو لي قُربة أقرُب منه (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) [الفرقان:27-28] أصداقائي لا فائدة منهم، وعلاقاتنا ذهبت، وما عاد نفعنا شيء -لا إله إلا الله- يقول عن خليله وصديقه: (لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) [الفرقان:29].
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) فلم يعد باقي إلّا وجوه الناس على صنفين: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران: 106].
جعلنا الله ممّن تبيض وجوههم في ذلك اليوم، وكفانا كل لوم، اللهم ثبّتنا على ما تحب، واجعلنا فيمن تحب، واحشرنا في زمرة من تحب مع سيد من تحب، حبيبك محمد ﷺ وآله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم
اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه
12 رَمضان 1438