(228)
(536)
(574)
(311)
الدرس الرابع من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة محمد، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) }
الخميس 4 رمضان 1445هـ
الحمد لله، مولانا المُتَفَضِّل علينا بالخطاب والكلام، والتَّعرُّفِ والتَّنَزُّلِ، والتبيين والهداية، والتعليم والإرشاد، له الحمد، له المِنَّة، له الفضل. وهو ذو الإمداد والإسعاد، والكريم الجواد، نشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، رَبُّ جميع العباد، مالك الدنيا والبرزخ ويوم الحَشْرِ والمَعَاد، ومالك الجنة والنار، والسماء والأرض، والأرواح والأجسام، والحِسِّ والمعنى، والأوَّلين والآخرين، والظاهر والباطن؛ فلا إله إلا هو، به آمنَّا، وعليه توكلنا، ونسأله أن يَزِيدَ إيماننا ويقيننا في كل نَفَسٍ وحين. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله النَّبِيُّ الصادق المصطفى الأمين، حبيبه الذي اختاره من بين جميع العالمين، وقدَّمه على جميع الأوَّلين والآخرين، وخَتَمَ به النبيين، وهدانا به إلى طريق الهدى والحق المبين.
اللهم أدم صلواتك على النور المبين، عبدك الهادي إليك والدَّالِّ عليك الأمين، سيدنا محمد، وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وأصحابه الغُرِّ الميامين، ومَن والاهم فيك واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
فإنَّنا في نعمةِ تأمّلنا لخطاب ربنا -سبحانه وتعالى- وكلامه وتعليمه وإرشاده وصلنا في أواخر سورة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى قوله جَلَّ جلاله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)). يقول الحَقُّ -جَلَّ جلاله- إِنَّا جَاعِلُونَ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاة من أحوالٍ وَشُؤُونٍ وَظُرُوفٍ؛ مَا يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ مَن صَدَقَ مَعَنَا وَآمَنَ وَاتَّبَعَ، وَحَقِيقَةَ مَنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ وَهَوَاهُ وَنَافَقَ وَكَذَبَ وَابْتَدَعَ.
حتى تَظْهَر العلامات فيمن صَدَقَ معنا وجاهد في سبيلنا واتبع نبينا، وفيمن مالَ إلى هواه ونفسه وشهواته أو اتَّبَع (مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا) [الكهف:28]، وأبعدناه عن قربنا من الكفار والفجار والأشرار والمُغتَرِّين والغافلين.
(حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ ..(31)) أي: يَظْهَر عِلمُنا مَن المجاهد في سبيلنا حقيقة؟ أهو الذي يزعم بلسانه أو يدّعي؟ أو يجعل له مظاهر وشِعَارات، ويقول: أنني سأُطَلِّع وأُنَزِّل وأُقيم وأجيب ذا؟ أو هل هو الذي يَتَّبِع ويقتدي ويهتدي ويَصُدق ويخلص ويُنيب ويَخْشَع؟
مَن المجاهد في سبيلنا؟ سنُظهِر لكم، سنُظهِرُ ونُبيِّنُ لكم الحقيقة (حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ..(31))؛ لأنَّ مِن أكبر وأعظم مظاهر الجهاد والصدق فيه: الصبر، فيعلَم مَن الصابر على أوامرنا فيمتثلها، وعن نواهينا فيجتنب عنها، ويُلاحِظ قلبه وصفاته معنا، وحالاته مع اطّلاعنا وأوامرنا ونواهينا. (نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ) أي: ونُظهِر في المقابل الكاذبين والجَزِعين المُتَبَرِّمين بالظروف والأحوال إذا نازلتهم وإذا اشتدّت عليهم، والذين يتقلَّبون في مبادئهم وفي أُسسهم وفي أطروحاتهم مع الظروف والأحوال.. إذا جاءت كذا وجاءت كذا تَقلَّبوا معها! ومَنْ الثابت الصابر؟ ومَنْ المجاهد الصادق؟
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)) نُظهِر الحقيقة منكم، وكان الفضيل بن عياض إذا ذكر الآية يقول: "اللهم إنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا فاسترنا بسترك الجميل". فنسأل الله أن يُسِير بِنَا مَسَار المجاهدين الصابرين الصادقين المخلصين، وأن يعفو عنَّا ويُعافينا، ويلطف بنا في جميع شؤوننا وأحوالنا، إنه أكرم الأكرمين.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ..(32)) بالحق تعالى، أو بكتابه، أو برسوله ﷺ، أو بأحد من أنبيائه ورسله وكتبه… (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا..)؛ ستروا الحق الظَّاهر الواضح بطغيانهم ومحاولتهم في استكبارهم أن يَصدُّوا عن سبيل الله، وأن يُظهِروا أن الحق باطل وأن الباطل حق؛ (كَفَرُوا) أرادوا أن يُغَطّوا؛ فهم كمن أرادَ أن يُغَطِّيَ نور الشمس فقال بيده هكذا؛ وإلا أتى بمنشله-مشخال- ليغطي بها نور الشمس! لا يُمكن أن يُغطّيه! الحق واضح في صفوف الأنبياء وأتباعهم الأصفياء، لكل مُنصِف، ولكل ذي عقل، ولكل ذي إدراك، ولكل ذي إيمان.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ..(32)) منعوا الخلق في الانتهاج في النَّهْجِ المرضي، حاولوا بالترغيب والترهيب، بالإغراء والتهديد؛ أن يَصرِفوا الأفكار، وأن يَصرِفُوا الوجهات؛ عن أن تؤمن وتعرف الحقيقة، وعن أن تَثْبُت على قَدَمِ الهدى.
(وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ ..(32))؛ هذا مظهر الكفر والصد عن سبيل الله: مُشَاقَة الرسول، مخالفة الرسول، معاندة الرسول، التحامل على الرسول، إيذاء الرسول، استصغار الرسول، احتقار الرسول، سبِّ الرسول!
(وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ ..(32)) كمثل أهل الكتاب الذين قرأوا أوصافه، كمثل قريشٍ الذين شاهدوا نشأته، وشاهدوا أخلاقه، وشاهدوا شِيمه، بينهم أربعين سنة! وسمّوه في مجتمعهم (الأمين)! حتى صار يقول قائلهم: ذهب الأمين هنا، جاء الأمين هنا، رأيت اليوم الأمين.. يقصدون محمدًا! واشتهر في أوساط عشيرته ومجتمعه بالصادق الأمين، وهو كذلك ثم كذَّبوه! بعد أن أمرهم بعبادة الله وأخبرهم أن الله أرسل إليهم ليَنْبُذُوا ما هم عليه من الشرك والكفر، وليصدُقوا، وليأخذوا الأمانة، ولِيَصِلُوا الرَّحِم، وليتخلَّقوا بأحسن الأخلاق.. كذَّبوه، وشاقوه، وقالوا: ساحر، وقالوا: مجنون، وقالوا: كذاب، ووضعوا الشوك في طريقه، ووضعوا الأذى في قِدْرُه، ووضعوا السَّلَا فوق ظهره!
(شَاقُّوا الرَّسُولَ) وآذوا مَن آمن به! وعذَّبوا مَن اتبعه من الضعفاء بمكة! وغيرهم من الأصناف الذين تبيَّن لهم الحق والهدى فكابروا، كمثل المتزعمين للشر والفساد في زماننا، من شرق الأرض وغربها، ومن أتباعهم وأذنابهم من صور المسلمين، (كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ..(32))؛ يحبون نشر الفساد في الأرض، ويُقلقهم الإيمان، ويُقلقهم الصدق مع الرحمن.
(مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ ..(32))؛ قال الله هؤلاء كلهم (..لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا) وذلك أنهم في معاداتهم للنبي محمد أو أتباع النبي محمد الصادقين؛ إنما يُعادون في الحقيقة مولاهم الذي آمنوا به ومنهجه ودينه وشريعته، وما دام الأمر كذلك قال الله تعالى: هم لن يقدروا أن يضروني، فيَا مَن آمن بي وقام لنصرتي مُتَّبِعًا سبيلي: لا تخافوا ولا تحزنوا ولا تهنوا، كما أنهم لن يقدروا على ضُرِّي وأنتم مَن اصطفيتُ للإيمان بي والقيام بأمري فلن يضروكم..
ومرَّت أيام انتهوا فيها إلى وضع الخطة ونهاية الفكرة والمكر، وعشرة شباب من قبائل مختلفة من قريش كُلٌّ حَامِلٌ سَيْفه ويضربونه ضربة رجل واحد، ونزل الوحي عليه وأخبره، وأمره أن يَستَقِر في بيته ويُنفِّذوا خطتهم التي ستفشل؛ إن الله سيُفشلها.. قال: دعهم محلَّك، ارجع إلى بيتك، وسيأتون في الوقت الذي نأمرك بالخروج اخرج. ودخل عنده سيدنا علي وأخذ ينام على فراشه ويتغطَّى بالبُرْد الأخضر الذي كان يتغطَّى به ﷺ، وجاءت الساعة قال له جبريل: أخرج، والعشرة موجودين تحت البيت، ما فتح الباب إلا وقد ناموا..! ما هذا السلاح؟ نوم يُرسَل عليهم! لا هو سَيْف ولا بُنْدُق ولا خَسْف ولا….! أمر يسير وانتهى المكر (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) [الأنفال:30]، ولمَّا خرج ما فزع منهم، ولا هرب بسرعة فرصة ما داموا نائمين، وكان يقرأ أول السورة: (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سُدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سُدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [يس:1-9]. وحَمَل التراب يحطّه فوق رأس الأول، فوق رأس الثاني، والثالث، حطّ-وضع- التراب على رؤوس العشرة كلهم! ولو كان إنسان عادي يقول بينتبهون بيقومون بيمسكونا! دار عليهم بطمأنينته وسكينته ومشى إلى عند سيدنا أبوبكر والمحل الذي وعده وإلى جبل ثور..
قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖوَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]، وراح إلى الغار ثلاث أيام في الغار متخفّي؛ ووصلوا إلى الغار، ولكن أيضًا الخطة فاشلة فاشلة.. إلى الغار وصلوا، وماذا بعد ذلك! وكيف تفشل الخطة؟! الآن الخطة عند الباب فشلت بنوم، والخطة عند الغار فشلت بعنكبوت، ماهذا النوم؟! وما هذا العنكبوت؟! وتفشل خطة الدولة كلها، الدولة بقوتها وعسكرها وجندها تفشل الخطة، ساعة بنوم وساعة بعنكبوت، -سبحانه- (وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖوَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
وقال بعضهم: سيدنا ابو بكر يرى أقدامهُ ويبكي، النبي يقول له: "ما ظنك بأثنين الله ثالثهما"، (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40]، ويسمعهم يقولوا: ربما أنهم وسط هذا الغار، فكان واحد من كبارهم قال: يا مجنون عنكبوت على الغار! وتقول: هذا العنكبوت أقدم من ميلاد محمد يا أبله، روحوا دوروا وابحثوا، ما هذا؟! سبحان المدبر، (وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖوَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]، وراحوا وبعد ثلاث أيام خرج، وتعرضوا، وجعلوا مئة من الإبل ثم مئتين لمن قتلهُ أو أمسكهُ أو دلهم عليه، خذ لك مائتين من الإبل، كما أحد يقول لك الأن سنعطيك مليونين دولار ولا ريال سعودي ولكن دلنا عليه، وإلا أمسكه أوأقتله وخذ؛ وفشلت الخطة كذلك.
ولما رأى بعض المشركين والكفار وهو في الطريق يمشي مع سيدنا أبو بكرو والدليل، هذا هو الذي تطلبه قريش، جاء إلى عند جماعته الجالسين يتحدثون، قال لهم: إني رأيت ثلاثة يمشون وأظن أنهُ محمد هذا الذي تبحث عنه قريش، فوقع في قلب سراقة أنهُ هو، ولكن مائتين من الإبل، مائتين من الإبل، مائتين من الإبل، ما يريدها لواحد ثاني، قال: لا، لا هذا فلان وفلان مشوا من هنا صباحا، وخلاهم-وتركهم- يغفلون وقاموا الى البيت، وأخذ الرمح والسلاح والفرس ولحق في الطريق نفسها، وهذا النبي يمشي وأبو بكر، وهو يمشي وراهم، يقرب منهم حتى أسمع قراءته النبي سيدنا ابو بكر يقول: أدرك أن الطلب يا رسول الله يقول له: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40]. فلما دنا منهم دعا ﷺ فساخت-غاصت- قوائم فرسه في الأرض، قال: علمت أنكما دعوتما علي، فقال: ادعوا الله أن يخرجنا ويخرج الفرس ولا أضركم ولا أدُلْ عليكم، فدعا رسول الله ﷺ فجاء في بعض الروايات: أنهُ رجع ثاني مرة وثالث مرة، كل ساعة تغريه نفسه تقول تترك هذا المبلغ الكبير، ثالث مرة قال: خلاص توبة، قال: "كيف بك يا سراقة وأنت تلبس سواري كسرى وقيصر"، أنت الآن تعادينا هنا وتؤذينا هنا وهنا في الطريق، وديني هذا بيظهر ويعلو، والأسورة حق كسرة وقيصر ستأتي وستلبسها أنت البدوي الأعرابي من البدو، عرف أنهُ سيظهر، قال له: اكتب لي كتاب، أمر سيدنا أبو بكر اكتب له كتاب، قال أي شيء يخدمكم، هذا سهم، كانت علامة تمرون على غنمي في المكان الفلاني وتأخذون.. قال له ﷺ: لا حاجة لنا بك لكن رد الطلب عنا، خذِّل عن، رجع من الطريق يحصل أيضا الذين يبحثون، كل الذين حصلهم في الطريق هذا رجعهم؛ فردهم، كان أول النهار خرج يريد أن يمسك به ويؤذيه، وباقي النهار صار خدام له يبعد الناس من الطريق، سبحان الله! استخدمه الله، كل ما حصلهم قال أين تذهبون؟ قالوا: نبحث عن هذا محمد، قال: هذا الطريق أنا وصلت فيها الى الأخير لا يوجد أحد، يذهبوا إلى المحلات الثانية، ومشى النبي وأبو بكر ﷺ.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32))؛ هذا حكم صدر من الله لكل هؤلاء الكفرة المشاقين لرسول الله ﷺ أن أعمالهم محبطة؛ فوالله إنها لمحبطة في الدنيا والآخرة، فلا في الدنيا تقوم القائمة لهم على ما يريدون، ولا منهم أحد يستأصل بيضة الإسلام أبداً، مهما قالوا، ومهما عملوا، ومهما تجندوا، ومهما خططوا، ومهما مكروا، ومهما كادوا، ثم لا يحققون ما يدعونه في بُلدانهم، فيما عدا ظنون كاذبة وأوهام وخيالات فاسدة، أما حقيقة الأمر فلا الطمأنينة ولا السكينة ولا الاستقرار في بلدانهم ولا في معيشتهم، ووراءهم الهموم والأكدار.
ولذا نرى حتى أخطر الأمراض الجسدانية، أبحث عنها في العالم أين موجودة؟ في بلدان المتقدمين المتطورين المتفوقين عندهم؛ حتى ما تصل إلى بلاد الفقر إلا من بعدهم؛ من عندهم تأتي، البلدان الفقيرة ما يعرفون، لا يعرفون الإيدز؛ ولا يعرفون أنواع البلاية حقهم؛ من عندهم تأتي، حتى كورونا من عندهم جاءت. المتطورة المتقدمة المتفوقة، أخطر الأمراض في العالم من عندها تجي، الأرض فوقها ملك يحكم ويدبر يقدم ويؤخر ليسَ هم.
(..وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32))؛ يعملون ما يشاء، وعملهم محبط؛ حكم صدر من فوق، محبط في الدنيا والآخر ويلٌ لهم؛ (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ) [طه:127]، (وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) [الرعد:34]؛ ودين محمد سيظهر، والبيوت التي هم فيها ساكنين الآن لا بد أن يدخلها دين هذا النبي، بوعد الله -تبارك وتعالى-، "إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي -ديني- سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها"، رجع من الغزوة مرة وكان ينصرف أول ما ينصرف إلى المسجد يصلى ركعتين ثم إلى بيت فاطمة، استقبلته ذاك اليوم ورأت شدة تأثر التعب عليه والغبار والجهد فيه؛ بكت سيدة فاطمة قال: ما يبكيك يا ابنتي؟ قالت: يا رسول الله أقبلت عليك الغبار وعياء، قال: "إيه يا ابنتي إيه، يا فاطمة إن أباك بعث بأمر عظيم، والله لا تذهب الدنيا حتى يصل دين أبيك إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولا يبقى بيت من حجر ولا مدر ولا وبر إلا ودخله دين أبيك بذل ذليل او بعز عزيز" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32))، لكن أرباب الإيمان والطاعة أعمالهم مذخورة، أعمالهم مكنوزة، أعمالهم مدخرة لهم؛ هولاء الرابحون، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..) تبينت لكم الحقائق فاغنموا في أعماركم القصيرة العيش الرايق والعطاء الفائق، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ..(33))، لا تخضعوا وتنقادوا لأهوائكم ولا لشهواتكم ولا لنظام زيد وعمر المخالف لأمر الجبار الخالق في السر والجهل، أطيعوا الله ويقول -سبحانه وتعالى- وأطيعوا الرسول حبيبهُ محمد ﷺ، فتشوا ما قال لكم، ما أمركم وما نهاكم؛ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر:7]، (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)) بالمعاصي بالرياء بطاعة من كره ما نزَّلَ الله، قالوا الذين كرهوا ما نزل: سنطيعكم في بعض الأمر، قال: (لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)، وكان بعض الصحابة يتصور كما أنه ما ينفع عمل مع نفاق فكذلك مع التوحيد والإيمان ربما لا يضر الذنب قالوا: ولا تبطلوا أعمالكم فانتبهوا أن لا تحبط شيء من صالحاتهم وحسناتهم بشيء من الذنوب والسيئات (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)؛ لا تتعرضوا لبطلانها:
(لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)) بالوسواس واليأس وضيق النفس، وتصديق إبليس أنكم لن تنالوا الخير ولن تفلحوا ولا ينفعكم العمل، ولا بالرياء ولا بالعجب ولا بالكبر ولا بالغرور ولا بالحسد ولا بطاعة أعداء الله.
(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33))، وارزقنا طاعتك وطاعة الرسول ظاهراً وباطناً بجميع ما آتيتنا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34))، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ) [النساء:48] لمن؟ من مات على الكفر تخلد في النار ولا سبيل للمغفرة له، (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر:48]؛ لكفرهم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا ..)، واستمروا على ذلك وتمادوا حتى جاء الموت، (وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34))؛ فبئس المأوى مأواهم وشر المستقبل مستقبلهم، يبين لنا -سبحانه وتعالى- وسيحبط أعمالهم.
ويقول سبحانه وتعالى: (فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34))، وهذه نهاياتهم، فماذا يعجبكم فيهم؟ وإلى ماذا تميلون من شؤونهم وأحوالهم هؤلاء؟ اغنموا أعماركم هذه القصيرة لتنالوا العطايا الكبيرة، وتعيشون عيشة الأبد وأعينكم قريرة، في دار الخلد والنظر إلى وجه الله الكريم، يا ربِ أكرمنا بذلك، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34))، وما دام الأمر هكذا والحقيقة هكذا، وآتيناكم نظاما لن يجد الناس أحسن منه، وقانون لن يجد الناس أسدَّ وأجمل منه، فلا تضعفوا ولا تصدقوا الوهم والخيالات، ولا تهنوا.
يقول: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ ..(35))، كسبتم علوكم من الإيمان به والتصديق بما أوحى، وصلتكم القلبية والروحية برب البرية -جل جلاله-، علوتم وتشرّفتم فما تكونوا واهنين، ولا أذلة؛ لا تضعُفوا فإنكم في منهج، أنتم أصلًا لا تبدؤون أحد بظلم، ولا تقاتلوا إلا من صد عن سبيل الله وقاتلكم، ما في شيء أحسن من كذا، فما يحملكم على أن تضعفوا وتدعوا إلى السّلم، إلا خروج عن هذا المبدأ والتخوّف من هؤلاء الأعداء؛ يقول الله لا: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [ال عمران:175]، ولا تكونوا أنتم المبادرين إلى سَلْمِ المعتدين، سَلْمِ الغاصبين، سَلْمِ الظالمين؛ مسالمة الصادّين عن سبيلي، قال: لا، لا، أنتم بمنهجي وديني لا تظلمون أحد، ولا تعتدوا على أحد، ولا تبدؤوا أحد بظلم، فاثبتوا على ذلك، مهما يتوصل بكم الحال، يقولون: الآن كيف؟ كيف يا مرحبا بتصالح معتدي؟ بتصالح غاصب؟ بتصالح ظالم؟
لذا من الجميل من الأخبار التي تسمعونها في زمانكم أن أهل الجهاد في فلسطين يعرضون عليهم صورة السِّلم، أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء السِّلم وأعداء الإنسانية على الحقيقة، فيقولون سِلم بصدق وحق وفيه رفع الظلم ورجعة المظلوم المُهجّر عن مكانه إلى مكانه، تمام أما سلم ضحكه كما فعلتم في المرات السابقة وتخرجون أسراكم وتهيّئون قوتكم للضرب مرة ثانية؛ هذا لعب؛ (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ..(35))، ما لهم علاقة بي حتى أنصرهم، ما لهم صدق معي حتى أؤيدهم، وإذا لم أكن أنا معهم فمن لهم؟ الله؛ (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم) [ال عمران:160]، (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ..(35))، فمن أي القوى تخافون إذًا؟ من أي الجماعات؟ من أي الدول تخافون إذا الله معكم؟ (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) [المائدة :12].
( ..وَاللَّهُ مَعَكُمْ..(35))، فمهما حصل عليكم من شدة أبتليكم بها؛ (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة :155]، لكن لا تهنوا، (وكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قُتِلَ) -وفي رواية: (قَاتَلَ) وفي قراءة: (قُتِلَ) وفي رواية: (قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثِيرٌ)- (مَعَهُ رِبٍّانِيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * مَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ) [آل عمران:146-148]؛ فازوا هنا وهناك.
والذين قاتلوهم وصادوهم وعادوهم خسروا في الدنيا والآخرة وهؤلاء (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ) [آل عمران:149-148]؛ مهما أطعتموهم يردوكم ورا؛ لن يقدموكم سيستغلونكم ويستعبدونكم ويأخذون ثرواتكم ويضحكون على عقولكم، ولن يقدموكم ولن يعزوكم أصلا؛ يعيشونكم عبيد لهم مُباعين كلكم، مبادئكم ودينكم ودنياكم مبيوعين لهم مباعين، (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ) [آل عمران:149]، لكن إن أدركتم الحقيقة (بل اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران:150]، وإذا وُجد المتصلون به القائمون معه المخلصون معه؛ (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ) [آل عمران:151]، وإنما ينتزع الرعب من قلوبهم أمام أهل الخيانة، وأمام أهل المهانة، وأمام أهل البيع للقيم وللدين والأعراض، أمام من يغرى بملك أو بسلطان بقيمه وبثروة، ومن يخاف من تهديده وإخراجه عن كرسيه وعن سلطته، هم أمام هؤلاء لا يرعبون منهم ولا يخافون منهم؛ بل يستهينونهم، لكن إذا وجدوا الصادقين، إذا وجدوا المخلصون: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) [آل عمران:151]، وهذا في الدنيا بس وما بعده أشد (وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [آل عمران:151] والعياذ الله تبارك وتعالى.
يقول: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ..(35))، ما يقطع بينكم وبين أي أعمال صالح قمتم بها لوجهه الكريم، صحيح على المنهاج النبوي؛ لن يضيع شيء من أعمالكم (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ..(35))، ما يظلمكم فيها ولا ينقص عليكم شيء منها، ولا يقطع خيرها عنكم، بكل عمل صالح عملتموه لوجهه سيصلكم أثره ونفعه وفائدته في الدنيا والآخرة؛ (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ..(35))؛ فأحسنوا العمل وأخلصوا لوجهي وسترون الجزاء الحسن مني فأنا خير من يجازي وخير من يكافي وخير من يثيب جل جلاله وتعالى.
(وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ..(35))، ثم ذكر الخلاصة عن هذه الدنيا وأحوال الناس فيها وأخبر أنه يختار في كل زمان من يريد لنصرته ونصرة رسوله، وكلما تولى قوم من المسلمين وانحازوا إلى أهوائهم وشهواتهم وتبعية عدوهم، اختار الله تعالى واستبدل بهم غيرهم ولم يكونوا على نفس انحرافهم وبقي الدين منصورًا على رغم أنوف الكافرين: (يرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون) [التوبة :32-33].
ونسأل الرحمن أن يجعلنا وإياكم ممن اختارهم لحقائق الإيمان واليقين والنُّصرة له ولرسوله والتضحية بالأنفس والأموال والأوقات والأعمار وبكل ما ملكنا وفاءً بعهد ربنا -جل جلاله وتعالى في علاه- وكسبًا لهذا الرّبح الأعلى في هذا البيع الذي قال عنه أوائلنا: "ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل.. ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل"، ويحفظنا من الاغترار بكل ما يطرح الفجار والكفار والأشرار والصادون عن الله ورسوله وكل ما يزمجرون به وكل ما يخوفونه من دونه، (ألَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * ومَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ *ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) [الزمر:38-36]؛ الأمر له وحده الأمر له وحده؛ (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر:38].
تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ وَأَنَبْنَا إِلَى اللَّهِ، اللهم احْرُسْنَا، اللَّهُمَّ أنصُرْنَا، اللَّهُمَّ سَدِّدْنَا، اللَّهُمَّ أنصُرْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ، اللَّهُمَّ انصُرْ الْمَظْلُومِينَ وانصر المعتدى عليهم بالحق وعلى الحق، اللهم وألهم قلوبهم أن تريد إعلاء كلمتك ولا تجعل مسلطًا على قلوبهم شيء من المرادات غير إرادة أن تكون كلمتك هي العليا، اللهم أكرمهم بذلك واجمع شملهم واجمع شمل المسلمين في المشارق والمغارب، وادفع عنهم كيد عدوهم إبليس ومن والاه من شياطين الإنس والجن واجعلنا في حصونك الحصينة وفي حروزك المتينة وفي الاستقامة على ما تحبه.
وبارك لنا في ليالينا وأيامنا واجعل لنا في كل يوم زيادة في الإيمان في رمضان خاصة والعمر عامة، وفي كل ليلة زيادة في الإيمان في رمضان خاصة في العمر عامة، وزيادة في القرب منك والمحبة منك والمحبة لك والمعرفة بك والرضا منك والرضا عنك زدنا من كل ذلك زيادات، وأسعِدنا بأعلى السعادات، وهيئنا للحسنى والزيادات، ولا تكِلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك يا ملك الأرضين والسماوات، يا من بيده أمر الظواهر والخفيات يا حي يا قيوم يا حاكم الدنيا والبرزخ ويوم الميقات، لا إله إلا أنت آمنت بك وبرسولك فثبِّتنا على دربه واجعلنا له قرة عين وسُرّ اللهم قلبه بأقوالنا وأفعالنا ونياتنا ومقاصدنا ومجامعنا ومجالسنا وأحوالنا وصفاتنا.
ونعوذ بك من كل وصف لا يسر قلبه، ونعوذ بك من كل قول لا يسر قلبه، ونعوذ بك من كل مجلس لا يسُر قلبه، ونعوذ بك من كل حركة لا تسُر قلبه، ونعوذ بك من كل سكن لا يسر قلبه؛ اجعلنا محض سرور له إن ابتليت فشاقُّوا الرسول فاجعلنا محض سرور له محض سرورا لقلب هذا الرسول، ومحض رضاء منك ومنه وعنك وعنه في جميع أقوالنا وأفعالنا وحركاتنا وسكناتنا وصيامنا وقيامنا وقراءتنا وصلاتنا وعبادتنا وتعلمنا وتعليمنا وأحوالنا وأهلينا وأولادنا وجميع ما أعطيتنا جعلنا قرة عين له واجعلنا سرورًا لقلبه واجعلنا في رضاك ورضاه، والله ورسوله أحق أن نرضيه، فنسترضيك ونسألك أن ترضي عنا رسولك ﷺ فارضَ عنا وأرضِ نبيك عنا وزدنا رضى في كل لمحة ونفس برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صل وسلم مبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
04 رَمضان 1445