(228)
(536)
(574)
(311)
الدرس الخامس من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأحقاف، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
الأربعاء 10 رمضان 1445هـ
الحمد لله مولانا العليم الحكيم على نعمة التَّدبر في كلامه العظيم، وتوجيهاته وإرشاداته ووحيه إلى حبيبه المُصطفى الرَّؤوف الرَّحيم، سيِّدنا مُحمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أفضل الصلاة والتسليم، وعلى مَنْ والاهم في الله واتبعهم بإحسان إلى يوم الهول العظيم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين أهل القدر العليّ والمكان الفخيم، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
وبعدُ …
فإننا في نعمة تأمُّلِنا لكلام ربنا -جلَّ جلاله- مررنا في آيِ سورة الأحقاف حتى وصلنا إلى قوله -جلَّ جلاله-: (وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (19))، وهو يُبين لنا في هذه الآية:
(وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْ ..(19)). وإذا قيل لأهل الجنّة مِنْ قِبلِ الحقّ تعالى: "أدخلوا الجنّة برحمتي"، قال: "واقْتسموها بأعمالكم". (وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْ ..(19))؛ فليحذر العاقل المؤمن أن يستهين بشأن العمل، فإنّ العمل لا بُدَّ له من وزنٍ، إما في الخير وإما في الشر، وللحسنَات كفّة توضع فيها في القيامة (.. فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ..)، قال الله: (.. أَتَيْنَا بِهَا ..) [الأنبياء:47]، وإن للسيئات كفّة توضع فيها. فلا تَحْقِرَنَّ شيئًا من الطاعات، ورُبما كان فيها رضا ربّ الأرَضين والسماوات. ولا تَحْقِرَنَّ شيئًا من المعاصي والسيئات ورُبما فيها سخط الجّبار -جلَّ جلاله-.
إذًا فشأن العمل يجب أن يقوم في مقامه مع أنه سببٌ للرحمة أو للعذاب، والفضل كُلّه من الله، والحُجّة لله، ويوم يقول: (وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْ ..(19))، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8].
(.. وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ .. (19))؛ يجْزِيهُمْ إِيَّاهَا وَافِيَةً كَامِلة، لا ينقُص منها شيء. (.. وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (19))، "يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".
قال تعالى: (وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ ..(20))، أذكُرْ يا عبدنا وذَكِّرهم بيومٍ يتمُّ فيه عرض الكفّار على النّار، كما يدخل المؤمنون الجنّة. قال تعالى: (وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ ..(20))؛ أي: يؤمرون بدخولها ويُدخلونها، ويقول العرب: عُرِض آل فلان على السيف؛ يعني: قُتِلوا به. (وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ ..(20))؛ يدخلونها ويحترقون بها ويحِلّون فيها.
(وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ ..(20))، ويُقال لهم: ( .. أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا ..(20))؛ يعني: النَّصيب من الطيبات لهذا الإنسان يكون بسبب الإيمان والعمل الصالح؛ درجات ورحمات، ونعيم وفضل واسع، وعطاء لا يُحد.
إذًا فطيبات للمؤمنين شأنٌ عجيب لهم، ما للناس من شأن اللذات الفانية القاصرة إلا أنها:
هذا حال المؤمن، وهذا شأن المؤمن، قد قال عنه ﷺ: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له، .. وليسَ ذلكَ.. إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، .. وليسَ ذلكَ.. إلَّا لِلْمُؤْمِنِ ..".
أما هؤلاء قال: (.. أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا ..(20)) ليس لكم إلا هذه المُتعة المشوبة بأنواع الغُصص والآفات وخلاص انتهت، لم يعد لكم الآن طيب ما، الآن لم يعد لكم ريح لذة، ولا مُدّة لحظة، عذاب مستمر و(.. كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ..) [النساء:56]، (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون:106-108]. انتهى؛ لم يعد لهم من الطيبات شيء، لم يعد لهم من اللذائذ شيء؛ خابوا؛ خابوا؛ وخدعوا أنفسهم، وخسروا حقائق اللذة.
بينما يعيش المؤمنون فيترك أحدهم الشهوات المُحرمة؛ فيعتلي قدره، ويكبُر أمره، ويجِلّ نعيمه؛ ويحوز بدلها لذائذ لا غاية لها. "النظرةُ سهمٌ … من سهامِ إبليسَ .."-المرجوم-، قال الله: من تركها من مخافته أبدلته إيمانًا يجدُ حلاوتَه في قلبِه، ويبدأ يطعم لذّة أعظم في الدُّنيا قبل الآخرة؛ حلاوة الإيمان يذوقها وهو في الدُّنيا، ثم نتيجة ذلك في الجِنان، وتتهيأ العين للنظر إلى وجوه النّبيّين والصّديقين والمُقرّبين.
وهكذا يجد المؤمن بترك الشهوات من أجل الله -تبارك وتعالى-، ولهم في ذلك درجات فـ:
وهكذا بعد ذلك هم درجات، وبذلك نعلم وسطًا وموازين فيما يتعلق بالانطلاق في المباحات، أما أن يُجعَل اللذائذ هذه وإن كانت مباحة هو المقصد وعليه النهم؛ فهو مفتاح الشرور، وسبب كل محذور، وخداعٌ وغرور، يقصُر بصاحبه عن ارتقاء مراقِ النور، والدخول مع الخيور، والحظ الموفور، من الشهود والحضور، والقُرب من العزيز الغفور؛ إذا تَحوَّلتْ نهمته وهمته، ونظلم الحيوانات إذا قلنا إلى الشهوات البهيمية؛ فإن الحيوانات مسبِّحة بحمد ربها وما تأخذ من الشهوات إلا بقدر الحاجة، حتى أن الحمار يرى الدابة حاملًا فلا يقربها، فيترك شهوته وما يقربها حتى لا يتعبها وإلى غير ذلك، وما نجد لهم تنوعات و زِينات، لا في ألبسه ولا في أطعمه ولا في شيء، ذا الطعام معروف تأكل منه، ذا الحيوان يأكل من ذا، وذا يأكل من ذا وذا أمور، مالها طبخات منوعة وألوان وأذواق، هذه الحيوانات! فنظلمها نحن.
هذا الآدمي إذا استُعبِد للشهوات هو صاحب الشهوات ما هو الحيوانات، والحيوانات خير منه؛ ولذا قال الله في هؤلاء الضالين: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الفرقان: 44]، فلا سبيل بأن يُجعل اتباع الشهوات وإن كانت مباحة مقصدًا في الحياة ولا سُمُوًّا ؛ وهذا باب من أبواب إبليس يدخل فيه على القلوب، وعليه يطنطن كثير من هؤلاء -جنده من الإنس والجن- يملؤون الناس بالرغبة في الكماليات واللذايذ هذه، وكأنها كل شيء وأعظم شيء في الحياة، والأمر ليس كذلك، مع أننا في الميزان نفسه لا نحرِّم شيئًا أحله الله، ومع ذلك نوقن أن تعلق القلب بغير الله نقصان، وأن المؤمن مدعو إلى تهذيب شهواته؛ حتى يكون همَّته وما يشغل باله:
فهذه من مظاهر التحرر الصحيح دعا إليه الأنبياء، وطلبوا من أتباعهم أن يتحرروا أن يُستَرَقُّوا لشيء من الشهوات ولو كانت المباحات، "وتَعِسَ عَبْدُ الدِّينَار، وَتَعِسَ عَبْدُ الدِّرهَم، وَتَعِسَ عَبْدُ القَطِيفَةَ، وَتَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَة، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ".
إذًا فعندنا موازين:
أما اللذائذ الحسية مشتركة في الدنيا بين المؤمن والكافر، والصغير والكبير، ثم بعد ذلك الناس درجات، فطالِبُو الخصوصية في القُرب من الرب والفهم عنه عليهم شؤون خاصة، في تعلقات القلب في حماية أنفسهم من التعلق بالشهوات، والاشتغال بما لا يُقرِّب إلى هذا الإله -جلَّ جلاله- وبذلك جاءت الأحاديث:
إذًا: فأمامنا موازين، كما أن في خصوصيات الأكابر قوة صدقهم الباطن مع الحق، يقيم لهم الوزن فيما يأخذون وما يدعون ولا تنحرف قلوبهم إلى الغفلة عن الله ولا الإنقطاع بشيء، لا إله إلا الله.
على أن الحق -سبحانه وتعالى- يجعل من الجزاء المعجل للناس في الدنيا، توفير المآكل والمشارب لهم:
وفيما قضى الحق -تبارك وتعالى- وأخبر رسوله، أنَّ هذه الجزيرة للعرب، تعود في آخر الزمان مروجًا وأنهارًا خضراء، وفي مجموع الأحاديث إشارة إلى أن ذلك أيضا يكون في وقت فيه إقبال للناس على ربهم وإقامة شرع الحق بينهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف:7]، فلا سبيل إلى تحريم ما أحل الله، ولا إلى التشديد في غير موضع، ولا إلى تجهِّل مراتب الذين يتركون الشهوات من أجل الحق، (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) [ال عمران:163]، (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا) [الأنعام:132]، "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه".
(ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى النّارِ أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكم في حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ..(20))، وَقُلْتُمْ مَا في شيء حَرَام وَمَا في شيء مَمْنُوع، وَقَنَّنْتُمْ لِلْفَوَاحِشِ وَلِلشَّذُوذ الجنسي، وَقَنَّنْتُمْ لِلْخُمُورِ وَلِكُلِّ شَيْء، (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا)، وانتهى ولا يوجد شيء معكم؛ هذه حقيرة وزالت قد انتهت ولا كانت مع طمأنينة ولا فرح ولا سكينة، خلاص لا يوجد شئ معكم إلا هذا، أنتم تجرأتم على نظام الخلاق، على نظام المكون، وَأَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تُخَالِفُوا شَرْعه، وَأَنْ تَسْتَحِلُّوا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فما لكم من الطيبات إلا ذاك الوسخ الذي مضى مشوبًا بالغُصص وانتهيتم خلاص، ماشي لكم شيء ثاني غير هذا.
(أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكم في حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا..)، ولما كان هذا الاستمتاع منكم باستهانة لأمر الله وجراءة، لكم الهون اليوم، أنتم الهيِّنون (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ..(20))، كل معاني الهوان تنزل بكم، حتى أن المتكبرين يُحشرون على صورة ذَرْ؛ آدمي كما الذرة يمشي على بطنه في الأرض، ويُجمعون في وادي، يقال له وادي بولس؛ يمر الناس أهل المحشر فوقه، وهؤلاء المتكبرين الكبار اللذين كانوا بهذا الكبر في الدنيا، على صورة نملة وذرة، حالة في المحشر يكون هذا شأنه، (تجزون عذاب الهون)، وفضائح كبيرة تظهر في القيامة؛ وهوان وما بعده هوان -نعوذ بالله من غضب الله-. وهكذا من استهان بأمر القوي القادر العزيز، ومن عظم شعائر الله فهي من تقوى القلوب، فله التعظيم وله التكرمة وله العز، ارزقنا تعظيمك وتعظيم أمرك وتعظيم شعائرك وتعظيم دينك ياحي يا قيوم.
قال: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ..(20))، أي: شيء حقير ما حقُّه أن يُستكبر به، وأنتم تستكبرون، تستكبرون بخداعكم، تستكبرون بخطتكم المبنية على الغش والغل والكذب، والمستجيبة للأهواء والشهوات، تستكبرون بأسلحة الدمار، بغير الحق تستكبرون، من عنده سلاح يُهدد به الناس يدمر به أراضيهم، يحق له يتكبر؟ ما الفضيلة التي معك حتى تتكبر بها؟ (تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، شيء حقير ما حقه أن تتكبر به أو ترفع به، أي فضيلة؟ في أنك ملكت هذا وإلا قلت عندي صناعة عندي، وبعدين! ما خلقك؟ ما معاملتك؟ ما أدبك؟ ما إيمانك؟ (تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ).
تستكبرون في الأرض بغير الحق أو بمعلومات يستوي فيها البر والفاجر، تختزنوها وتدخرونها على غيركم، وتقولون نحن متقدمون عندنا العلوم الفلانية، هل هذه فضائل؟ هل هذه كمالات إنسانية؟ هل هذا موطن شرف؟ هذه معلومات يستوي فيها البر والفاجر والصغير والكبير والذكر والأنثى، من تعلمها يعرفها، أين الشرف؟ أين الكرامة؟ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13]؛ فبها الكرامة وبها الشرف، الحمد لله على نعمة الإسلام، اللهم أكرمنا بالتقوى.
(بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (20))، تخرجون عن سواء السبيل، تشذُّون، تخرجون عن المنهج وعن الدين وعن الخُلق وعن الشرائع وعن الفطرة وعن الإنسانية، تخرجون عنها؛ تفسقون، فسقتم فسق كمثل الثمرة تخرج من أكمامها يُقال فسقت الثمرة، هذا خرج، خرجتم من مكانكم، خرجتم من طريقكم، شذذتم هذا هو الفسق، (..وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (20)) -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فالله يجعلنا ممن أسعدهم في الدنيا وفي الآخرة، وفقنا للأعمال الصالحات ورجَّح لنا بها الميزان في الحسنات، وثبتنا أكمل الثبات، ووقانا جميع الآفات في الدنيا والآخرات، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
على أنه في الموازين التي تلقيناها، أن العبرة أيضاً في هذه الشؤون بأحوال القلوب، حتى قال سيدنا علي: رُبَّ مالك الأموال الكثيرة -بمعنى كلامه- وهو عند الله من الزاهدين، ورب ما من لا يجد غداه وعشاه وهو عند الله من الراغبين في الدنيا، لقلب هذا ولقلب هذا، الحق ينظر إلى قلوبهم، ومن عدم وجود الدنيا ليس زهد، ولكن انصراف القلب عن تعظيمها، والجود بها إذا وُجدت من أجل الجواد الحق، هو الزهد.
الله ينور قلوبنا ويقيمها على ما يحب، في لطف وعافية إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ، ويصلح الله شؤوننا والمسلمين في المشارق والمغارب، ودفع عنهم المصائب والنوائب، يا أكرم الأكرمين الطف بأحبابنا وبالمؤمنين في غزة وفي الضفة الغربية وأكناف بيت المقدس، وفي السودان وفي الصومال وفي ليبيا وفي الشام وفي اليمن وفي الشرق والغرب، ألطف بالمؤمنين، أصلح شؤون المؤمنين، أعز المؤمنين، اجمع قلوبهم على تقواك وازرع في قلوبهم قصد إعلاء كلمتك بحركاتهم وسكناتهم، يا حي يا قيوم خلصهم من أسر الكفر والفجور والفسوق والعصيان، وحبب إلينا وإليهم الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
10 رَمضان 1445