فوائد من افتتاح ملتقى الدعاة التاسع عشر (حُسن استخدام نعمة العقل)

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:

 

 رسالة الأنبياء في التعايش السلمي:

جاء خطاب الأنبياء والرسل لمن لم يستعدّ بلفظ الغبار وإبعاد الحواجز والحواجب عن عقله في إدراك عظمة الله والخضوع له، لا أقلّ مِن أن لا تعتدي ولا تظلم، (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا)، يعيشون معكم بأيّ شيء كانوا وهم في هذا المستوى: لا يؤذون ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يمنعون الناس من الخير، ويتركون للناس مكانتهم ومِيزتهم وحُرِّيَّتهم في ما يدخل تحت دوائر عدم الإخلال بحقوق الغير ولا الاعتداء ولا الظلم.. هذا أقلّ القليل!

الذي يُخاطِب به أهل الإسلام مَن على ظهر الأرض: إن لم تؤمنوا بالله فلا أقلّ من أن تؤمنوا أنه يضرّنا الظلم، ويضرّنا اعتداء بعضنا على بعض، ويضرّنا تقصُّد بعضنا البعض بالإيذاء، ويضرُّنا أن لا نرضى بالتعايش وحُسن الجوار بيننا.. مَن ينكر هذا؟

الصورة

 خطورة الهوى على العقل والعلم:

إنَّ مجال الفِكر الذي هو عمل العقل يَصلُح ويستقيم إذا بَعُد عن الأهواء، وإلا فإنّ قطرة من الهوى تُخَمِّج بحراً من العلم. 

واعلم هُديتَ وخير العلم أنفعه ** أن اتّباع الهوى ضربٌ من الخَبَلِ

معنى الخَبَل: إبطال مجال العقل أو البُعد عن حُسن استعماله.

فكم وكم ضلّ بالأهواء وطاعتها ** من عاقل جامع للعلم والعملِ!

 يعني عنده نصيب من العقل لكن ما أحسن استعماله، بل وتعمَّد أن لا يُحسن استعماله من أجل الهوى، فما عاد نفعه العقل الذي أوتيه ولا العلم الذي عنده لدخول الهوى عليه.

الصورة

(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ)! وهذا من مُقتضيات سوء استخدام العقل.

فإنّ العاقل كُلما علم وكلما ازداد علماً يوقن بأن ما لم يعلم أكثر مما علم، ويوقن أن وراء ما علم علماً، وكلما اتّسع اتّسع عنده هذا الإدراك، قال في الحديث: "فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل".

 مظاهر سوء استخدام العقل:

صاروا من الهوى بحيث لا يتقبّلون من أحد أن يكون أقوى منهم حُجّة ولا دليلاً ولا أعرف منهم بحقيقة، ما يتقبّلون ذلك! ولذا وجدتموهم في سوء استعمال العقل ما يمكن يتفاوضون معك من أجل قِيَم ولا من أجل فضائل ولا من أجل عَدل، لكن المصالح وهواها، إلا إذا جئتهم بقوّة ماديّة رادعة يقفون عندها، ممكن يتخاطبون معك! فهذا تبطيل لحسن استخدام العقل أصلاً.

الذي فقد العقل خرج عن المخاطبة وعن المحاسبة وعن المعاقبة ورُفع عنه القلم، لكن ما دام عنده أيّ مسكة للعقل فعنده ما يكفيه لأن ينجو من النار ويدخل الجنة، أمّا أن يرتقي في الدرجات فلا، إنما لمن توسَّع عقله وإدراكه حتى وعى مِن أسرار الخطاب ما يُرفع به في مراتب الاقتراب.

الصورة

 التقرب إلى الله بالعقول:

يقول سيدنا علي: "إذا تقرَّب الناس إلى الله بأعمالهم فتقرّبوا إليه بعقولكم". وما معنى عقولكم؟ وعيها أسرار صفاته وأسمائه وعظمة ذاته، واختيارها لما هو أحبّ إليه في الأقوال والأفعال والمعاملات والحركات والسكنات، هؤلاء المُتقرّبون إلى الله بعقولهم أعظم من الذين تكثر أعمالهم وهم لا يعون أسرار الأدب مع الله واختيار الأفضل في الأحوال المختلفة.

الصورة

 تزكية العقول:

أهل التزكية الذين زكت نفوسهم وزكت عقولهم، إليهم الإشارة: "حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئت به"، وهناك كمال الإيمان والارتقاء في مراتب حسن استعمال العقل، بعطايا واسعة كبيرة يخصّ الله بها من يشاء.

أُنعِم على هذه الأمّة بهذه الأنوار الشارقة التي تستضيء بها العقول، فتُدرِك حسن التهيّؤ للقاء الحقّ، والتزوّد من العمر القصير؛ ما يوجب سعادة الأبد.

 اللهم انظر إلينا وإلى الأمّة، اللهم زَكِّ لنا العقول وارزقنا حسن مُتابعة أعقل خلقك وأوعاهم لما أوحيتَ ولما بيّنتَ لخلقك وعبادك، وما وهبتَ مِن خصائص معرفتك والفهم عنك.

اللهم وهَيِّئ لنا ولهذه الأمّة أمراً رشداً، واجعلنا للمتّقين إماماً، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبيّك ظاهراً وباطناً، وارزقنا حسن الخدمة للأمّة بأوسع العقول وأوعاها لما هو أحبّ وأطيَب.

الصورة

__

اقرأ: محاضرة مكتوبة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ، في افتتاح ملتقى الدعاة السنوي (19) بعنوان: حقيقة العقل وحُسن استعماله ومهمته في العدل بين الشهوات والغضب والحُكم في المحسوسات الماديّة والغيبيّات المعنوية وأثر كل ذلك على اتجاه ووجهة الافراد والجماعات والشعوب والدول، ليلة الخميس 1 محرم 1447هـ

لقراءة المحاضرة كاملة أو الاستماع:

https://omr.to/multaqa19-5

 

#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #ملتقى_الدعاة #عاجل #تريم #العقل #فكر #حقيقة #حكمة #فوائد #دار_المصطفى #habibumar #habibumarbinhafidz #tarim 

تاريخ النشر الهجري

03 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

28 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية