(229)
(536)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
عصر يوم الجمعة 14 ربيع الأول 1445هـ في مسجد عقيل، صلالة، عمان
قراءة المقدمة (ص٢٣-٢٥).
أكرمنا الله وإياكم في هذه الساعات المباركة لنتذاكر رسالة لصاحب هذا المسجد الشيخ عقيل بن عمر المشهور بعمران من ذرية سيدنا أحمد ابن الفقيه المقدم، وهو من ذرية الإمام المهاجر أحمد بن عيسى، وهو من ذرية الإمام الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
عاش الشيخ عقيل في أواخر القرن العاشر وفي القرن الحادي عشر الهجري، وأخذ عن الأكابر في ظفار وفي مكة المكرمة وفي حضرموت، واتصل بأبناء الشيخ أبوبكر بن سالم ومنهم الحسين، وأخذ عن الحبيب عبدالله بن علي صاحب الوهط، وله رسوخ القدم في الوجهة إلى الحق تعالى، ومرتبة علية في الإرث النبوي علما وخلقا وسلوكا.
شرح في هذا الكتاب قصيدة للشيخ سعيد بن عمر المكنى بالحاف عليه رحمة الله تعالى، وهو من تلامذة الإمام الفقيه المقدم محمد بن علي، وتلقى منه العديد من المعارف والعلوم، ومؤلف المشرع الروي قرأ هذا الشرح على شيخه صاحب الكتاب لما جاء إلى ظفار.
هذه القصيدة حوت إشارات بديعة في السير إلى الله تبارك وتعالى بالشريعة المطهرة التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ابتدأها الشيخ بالبسملة والحمدلة اقتداء بالقرآن الكريم واتباعا للسنة الغراء، وذكر خلق الله تعالى الإنسان من عدم، والعدم أصل كل كائن عدا الحق تبارك وتعالى صاحب الوجود المطلَق الذي لا افتتاح لأوليته ولا ابتداء لوجوده سبحانه وتعالى، وكلُّ ما سواه فِعلُه سبحانه فهو خالق كل شيء.
قال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا} فينبغي للمؤمن أن يتذكر وألا يغفل أنَّ أصلَه عدم؛ حتى يتدرج في مدارج السجود القلبي.
وسجود القلب به ينتَفي شهودُ وجودِه الذاتي ذوقا، وأما عِلما سهل؛ تعلم أنك كنت معدوماً وأنك وُجدت قريباً وأن مُوجدَك متصرِّفٌ فيك.. كل هذا سهل عِلما، وأما أن تتذوق أن أصلك عدم ولست بشيء فلا تنازعِ الحقَّ في وجوده.. هذا سجود القلب، وإذا وصل إليه صاحبُه وتحقَّق به.. يرتفع اختباره وامتحانه بالذنوب والسيئات، ويكون في حفظِ الله تبارك وتعالى بتحقُّقه بسجود القلب وشهوده فناءه، وأن لا وجود له ولا حول ولا قوة له، عندها يكون هذا الإنسان محفوفاً بالألطاف مما يحولُ الله به بينه وبين كلِّ ذنب وكلِّ معصية ظاهرة وباطنة صغيرة وكبيرة، فينال درجة الحفظ التي يصل إليها الأولياء، والعصمة مخصوصة بالأنبياء والملائكة، ولكن الحفظ ينتهي إليه كثيرٌ من الأولياء، وقد يُبتدأ به أهلُ السوابق فيُحفظون من البداية، وقد يصل إلى هذه الدرجة بعد أن يكون تلطَّخ بشيء من الذنوب والمعاصي مَن صدقت توبتُه وأقبل بكليَّته حتى ظفرَ بسجود القلب، فيدخل دائرةَ الحفظ من الذنوب والسيئات حتى يلقَى اللهَ على حال جميل.
مَن سبقت له السعادةُ في السَّير إلى الله تبارك وتعالى.. يُوقَظ قلبُه عن سِنةِ الغفلة التي يَغرق فيها أكثرُ الخلق، قال تعالى: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}.
قال المؤلف: (..وعافاها عن جميع الألم) أي قلوب السالكين، عافاها عن الألم الموجب للندم وهو الغفلة بأصنافها والمعاصي والذنوب والسيئات.
قال رحمه الله: (وأشكره شكرا أستزيد به ترادف النعم) هذا بشاهد قوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}.
ثم قال: (وأشهد أن لا إله إلا الله..) وكل خطبة لا شهادة فيها فهي كاليد الجذماء.
خاطب الشيخ رحمه الله في كتابه الإخوان الذين في قلوبهم نور المحبة، وقوَّتها المُعبَّر عنها بالعشق، وقوَّته المعبَّر عنه بالولَه، فالذين عندهم هذا الإقبالُ مِن المحبة والعشق والولَه والعطش إلى المعارف والعلوم.. فأنا أخاطبهم؛ لأن الكلام ينفع معهم لأنهم محطُّ البذر الذي يثمر في قلوبهم وأرواحهم وينتج المعارف والعلوم.
وأما المحجوب، وفوق حجابه هو أيضامنتقد فصار فتان؛ يفتن نفسَه ويفتن غيرَه بكلامه الفارغ بصدِّه عن سبيل الله تعالى.. فكلامي غير موجه لهم لكونهم لا ينتفعون ولا يرتفعون ولا يتصلون إلا مَن سبقت له منهم سابقةٌ برجوعه عن انتقاده وافتتانه.
كذلك بين المسلمين من ينتفع بالقرآن ومن لا ينتفع، ومن يكون انتفاعه كثيرا ومن يكون انتفاعه قليلا، والمنتفع بالقرآن ينتفع بأهل سرِّ القرآن كذلك، ومنهم وهو مسلم لا ينتفع بهذا القرآن ولا يرتفع، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع آخرين، فالمنتفعون بالقرآن والسنة هم المنتفعون بكلام حاملي القرآن والسنة ورثة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى قدر انتفاعِهم بهذا.. يكون انتفاعُهم بهذا.
أصحاب الانتقاد والفتنة.. تجد الواحد منهم يعرف ينتقد لكن هل يعمل شيئا ويبرز منه شيء من الخير؟ لا! فقط يعرف يتكلم على فلان ويسب فلان وينتقد ولا يترك وليا ولا صالحا.. هذه علامة الفتنة، والمنتقد لا ينتفع حتى لو عنده أكبر الأولياء وأعظم الصديقين في زمانه!
المنافقون والكفار في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا لما سمعوا القرآن من النبي عليه الصلاة والسلام: {إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} فهم يستمعون ولا ينتفعون بالآيات التي تتلى عليهم! وكما قال عنهم: {وإذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا} وهو ذاتُه الكلام الذي ارتقت به قلوب الصحابة وأرواحهم إلى المراتب العلى، هؤلاء الذين لا يحدُّون النظر له تعظيما وينصتون لما يقول.. هؤلاء ينتفعون بكلامه صلى الله عليه وآله وسلم وبلاغه، ويخرجون ملآنين بالنور بسبب صدق إقبالهم.
وصف المؤلف رحمه الله صاحب القصيدة بأنه العالم الرباني.. وأهل العلم الرباني هم الذين يأخذون العلم بسنده عن أهله، ويأخذون صغاره قبل كباره، فيرتقون ويصيرون ربانيين روحانيين، لا أصحاب أهواء ولا نفوس ولا ميل عن القدوس.
الشيخ سعيد بالحاف صاحب القصيدة مدفون في الشحر في نفس المقبرة المدفون فيها الشيخ سعد الدين الظفاري، وهذا من تلامذة صاحب الإمام صاحب مرباط وشيخ الفقيه المقدم.
ذكر الشيخ المؤلف سبب كتابته لهذا الشرح وذكر تبرِّيه من الحول والقوة والدعوى، أي لا أدَّعي أنني من أهل سر العارفين وأتذوق كلامَهم ولكن أحاول بما آتاني الله من فهم، وهذا شأن كل الصادقين المخلصين الذين يرون أنفسهم بهذا التذلل والخضوع للرحمن.
قال لما ذكر الصالحين: (أقر وأعترف أني طُفيليهم) الطُّفيلي الذي يحضر المائدة والعزومة من غير دعوته إليها، وقيل طفيلي الكرام لا يُطرد، وقال الحبيب علي الحبشي ومائدة فضلك تقبل الطفيلي.
قالوا: لو صدق المريد لوجد الشيخ على الباب.. فإن صدق المريد يجد المشايخ قريب، وإن ما كان عنده صدق ويقول ماحد في ذا الزمان، نقول له هل هناك من طوى القرآن أم أنه لا زال موجود! إذا كان القرآن لا يزال موجودا.. فمراتب الولاية كلها موجودة لا زالت في الأمة، وأما إن كان عندك عمى في عينك.. فأحسن الظن ويدلُّك الله عليهم ويوصلك إليهم.
ورد أن امرأة من أهل الفسق من بني إسرائيل رحمها الله بسبب خدمتها لكلب، فكيف بمن يخدم الصالحين وأهل الله المقربين.
قراءة شرح الأبيات: لما بدت لي جلبة المسافر، في بحر باحات الهوى زواخر، ناديت يا أهل الود.. (ص٢٧-٢٩)
السفينة ////// المتخذة من هذه الأخشاب.
قال (ناديت) أي نصيحة وأداء للمهمة.. ناديت من يركب في مثل هذه السفينة التي تقصد الشؤون العظيمة والمفاخر.
لما بدت له وانكشفت وتجلت كيفية السير إلى الله تعالى والوصول إليه وكيف يُنال ذلك، وما هي الصفات والأعمال والنيات التي بها يوصل إلى الله.. هذه الجُلبة انكشف له سرها في رفعها شأن العابد إلى مراتب القرب من المعبود، عبر عنها بجلبة المسافر، وشبّهها بالسفينة التي يدخل بها إلى البحر فتمشي به، وإن كان من أهل الصيد صاد، وإن كان من أهل اكتساب الجواهر اكتسب، وإن كان ينوي الوصول إلى مكان بعيد أوصلته.
يقول لما انكشفت لي أسرار الطريقة في السير إلى الله ناديت من حولي حد بيسافر، وهذا السفر إلى الرحمن بغية كل مؤمن صادق، وهو المشار إليه في الآية: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} هذا السفر من أرض العادات ومن الذنوب والمعاصي إلى التحقق بالتوبة، والسفر بالطاعات إلى حقائقها وأسرارها، والسفر بحقائقها وأسرارها إلى معرفة الصفات ومعرفة الذات ثم القرب من الذات.
قال: (في بحر باحات الهوى زواخر) الهوى أي المحبة والشوق، هذا الهوى العُلوي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" إذا تحول هواه تبع.. صار هواه عُلوي يرفع صاحبه بخلاف الهوى النفسي والهوى السفلي وهو اجتماع قوى الشر عليك حتى تميل للذنوب والمعاصي والتأخر، هذا هوى يهوِي به صاحبه، وأما صاحب الهوى العلوي يَهوَى المراتب الرفيعة والمنازل الشريفة، ويهوى القربَ من الرب ومرافقة النبي المحبب، فهذا هوى عجيب وسيطر على قلوب الصحابة الذين هوَوا مرافقته والبقاء معه، وكانوا قد ذاقوا حلاوةَ مرافقته في الدنيا فكان الواحد منهم وهو بين أهله في بيته يأتيه هذا الهوى فلا يطيب له حال حتى يخرج ويهدأ بالنظر لوجه النبي عليه الصلاة والسلام، الله يرزقنا نصيباً من هذا الهوى والمحبة والولَه.
قراءة شرح الأبيات: ...هل مسافر، هذه سفينة تطلب المفاخر (ص٢٩-٣٠).
لا يزال العارفون والصالحون بإرثهم عن نبيهم حريصين على الناس {حريص عليكم} حريصون على تقريب المتوجِّه، وهكذا كلما وجدوا متهيئا متأهل راغبا ملتفتا إلى الخيرات مقبلا عليها متشوفا لها.. فرحوا به وأعانوه على قطعِ العقبات وتسهيل الطريق له في السير إلى الله تعالى، كما أوحى الله إلى داؤود: يا داوود إذا وجدت لي طالبا كن له خادما، يا داوود من رَدَّ لي آبقا (أي هاربا) كتبته عندي جهبذا (أي رفيع القدر)، هكذا حرصهم على دعوة الخلق وإفادة المستفيد بما يقدر عليه.
قال هذه السفينة تطلب المفاخر، المفاخر السلع الغالية النفيسة من القرب من الله والمعرفة والشهود الخالص شهود الرحمن وتقديره للأكوان وتصريفه لها.
لابد من الصدق مع الله في الوجهة إليه، وقال إن شئت السعادة توجه إلى ذلك البندر أي إلى ذلك الموطن، موطن العنايات والرعايات بصدق وجهتك إلى الله تعالى بالعمل بطاعته.
وأهل الدنيا خاطروا وركبوا في أمور كثيرة وغامروا من أجل شيء يفنى، وأنت تريد شيء عظيم يبقى.. ما بتخاطر!
قال الإمام العدني: من لم يبذل الروح.. ما يشفي الخواطر، ولا نال الجوائز ولا يُدعى بفائز على التحقيق عاجز، سأفني العمر فيهم خسر من لم يخاطر.
وقال الإمام الحداد:
يا طالب التحقيق قم وبادر ** وانهض على ساق الهمم وخاطر
واصبر على قَمْع الهوى وصابر** واصدق ولا تبرح ملازم الباب
لا تتعوَّق بدنيا ولا بآخرة ولا تنقطع وتنحجب بذا ولا بذا، ولا تسافر من كون إلى كون (وإن كان بعضها أشرف وأعز من بعض) ولكن ليست الآخرة مقصودة بذاتها فهي مظهر من مظاهر رضاه، المقصود هو جل جلاله، والذي يرحل من كون إلى كون مثل حمار الرحى! يمشي ويمشي ولا يصل إلى شيء ولا يقطع مسافة، والشرف والارتقاء أن ترحل من الأكوان إلى المكوِّن، تكون حاضراً مع الله وقاصدً لوجهه تعالى، فهذا غاية المنتهى وعبر عنها بغاية المفاخر.
https://www.youtube.com/live/kt-pHx1SUm0
https://omr.to/fathalkarim-pdf
https://youtube.com/playlist?list=PLW_g96PMCVLIxlAiSs7mUrdwlfveyC36D&si…
#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #عمر_بن_حفيظ #صلالة #عمان #رحلة_دعوية #المولد_النبوي_الشريف #oman #salalah #mawlid #habibumar #habibumarbinhafiz
16 ربيع الأول 1445