(231)
(536)
(574)
(311)
ملتقى العلماء في معهد تبورنج الإسلامي، في سورابايا، جاوة الشرقية، اندونيسيا، بعنوان:
يوم الثلاثاء 6 صفر 1445هـ
Jawa Timur Indonesia. August, 23 Tuesday 2023 (Terjemah bahasa indonesia)
يتحدث الحبيب عمر بن حفيظ في الملتقى حول التجديد للدين الإسلامي وأهمية القيام بالمهمة والوظيفة النبوية، ويوضح شؤون الخلافة الظاهرة والخلافة الباطنة النبوية، وما خلّف الكياهي محمد هاشم أشعري من آثار حسنة في الأمة، كما يبين فشل سلطات الكفار في حركاتهم العلمية وادعاءات الحرية الباطلة المُنحطة.
الحمدُ لله، حمدًا يُحيي به ما مات من الخيرات، ويرُدُّ به علينا وعلى الأمة ما فات، ويدْفعُ به عنَّا وعن الأمَّة جميعَ الآفات، ويُحَوِّلُ به أحوالَنا وأحوالَهم إلى خير الأحوال والحالات.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، عالمُ الظواهر والخفِيَّات، جامعُ الأوَّلين والآخِرين لِيوم الميقات، لا حاكِم بينهم ولا معقِّب لِحُكمه، ولم يجعلْ للمُكَلَّفين مصيراً إما إلى الجنَّات أوالى النيران الموقَدات، فهي الغاية التي ينتهي إليها كل فَردٍ منهم؛ من آمن ومن كفر، ومن صدَّق ومن كذَّب، ومن أقبل ومن أدبر، ومن استقام ومن اعوج، ومن آثر الدنيا ومن آثر الآخرة، جميعُهم لابُدَّ لهم من المصير إلى أحد الدارين، وأشهد أنّ سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا ونور قلوبنا مُحمداً عبد الله ورسوله، خاتم النبوة والرسالات، وسِّيد أهل الأرض والسماوات، وإمام الأئمة وقائد القادات، به كنَّا خير أمة، وبه كُشِفتْ عنا الغُمّة، وانجلت عنا الظُلمة، فتوالت علينا الرحمة، وتمَّت به النعمة.
صلِّ يا رب وسلم على هذا الحبيب المصطفى سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار المُقترنين بالقرآن لن يتفرقا حتى يَرِدا عليه الحوض يوم القيامة، وعلى أصحابه الأخيار والصّادقين في القيام بالأمر على ما يُحِبّهُ المولى سبحانه وتعالى في كل نية وفعل وإرادة، وعلى من تَبِعهم بالصدق والإحسان إلى يوم وضْعِ الميزان، وعلى جميع آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المُقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، وعلى الحاج الكياهي الشيخ محمد هاشم أشعري وشيوخه وتلامذته أجمعين.
أما بعدُ؛ فإنّنا في مُجْتمع يتَّصِل بسِرِّ خطاب الحق ورسوله في الوَحي والبلاغ، ومعاني تجديد الدين في هذه الأمة وإصلاح معاشهم ومعادهم، و تأمُّلِ نموذجٍ من نماذج النجاح في الأمّة والفلاح، قام به حضرة العالم الشيخ الحاج محمد هاشم أشعري وأسَّسَ به نهضة العلماء، أقامها على أُسُس قويمة هي نتيجة الوَعي التام لِخطاب الحق ورسوله، والتبعِيَّة الكاملة لهذا القائد الهادي سيدنا محمد، والتعظيمِ لمُنزِلِ الوحي العليم بكل شيء، خالق كل شيء مَن إليه مصير كل شيء، وفي الوعي القوي لهذا الوحي الذي اكتسبهُ الشيخ محمد هاشم أشعري من خلال تربيتهِ وتعليمهِ على يد والده ومشايخه في إندونيسيا وفي الحرمين الشريفين.
ولم يزل الناسُ مِن عهد آدم إلى أيامنا هذه يتأثّرون بما يُلقى إليهم وما يتربَّون به:
وجميع الاتِّجاهات في الفكر وفي السلوك في العالم كلِّه لا تخرج عن أحد هذه الأنواع الثلاثة، ولا يُمكن أن يَتِمَّ الإصلاح والتقويم لِمسار الإنسان إلا بنور الله الذي خلق هذا الإنسان، من قِبَلِ الصنف الأول أهل الحق الخالص الذين وَعَوهُ وأدركوا معانيهِ وأبعادهُ، ثم بعد ذلك تهيّأوا لنشرهِ وحُسن بيانهِ للناس.
ولم يزل على مدى التاريخ في عهدِ الأمم السابقة ثُمٍ في أمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لا نجدُ تجديداً لهذا الدين وإصلاحاً للخلق إلا ما اتّصلَ بِوَعي أسرار الوحي وقام به أصحابه على حُسن التبيينِ والنفع لعباد الله تبارك وتعالى به، وكان هذا النموذج الطيب لِنهضة العلماء واحداً من أمثلة ذلك التجديد للدين.
والتجديد للدين ليس باستِحْداث شيءٍ يخرج عن أصوله ولا أُسُسهُ أبداً، ولا يكون المعنى في تجديد الدين إلا إزالة الحواجز في الأفهام والوِجهات بين الوحي وبين واقع الناسِ في فهمهم وسلوكهم، فهو دينٌ كاملٌ قويٌّ راسخ لا يتغيّر من أُُسُسِه ولا من مبادئهِ شيء قط مِن قريب ولا مِن بعيد، إنما تتغيّر وتتبدّل الوسائل والأسباب والأساليب التي يُوصَلُ بها إلى تحقيق هذا الدين وإيجادهِ في الواقع، ويكونُ هذا التجديد الذي وعاهُ الشيخ الكياهي محمد هاشم أشعري وأيقنَ أنهُ الحق الذي لا سبيل لِتخليصِ الناس من أنواع الشرِّ إلا به، أيْقنَ بذلك وقامَ على مسلك ما قال الإمام مالك عليه رحمة الله: إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها، وذلك لأن الخالق واحد، ولا يُمكِن لمخلوقٍ أن يستدرك شيئاً على الخالق نسِيَهُ أو أهمَلهُ، حاشاه تبارك وتعالى، فلن تصلُح الخلق إلا بِمنهج خالقها.
فقام بالمُهِمّة التي هي في وِراثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقد لخَّصَ لنا الله في القرآن مهمة نبيه بيننا فقال: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) فوظَّفَ الشيخ نفسه في هذه الوظيفة النبوية والمُهِمّة النبوية وقامَ بِحَقِّها، فبنى أموره على الإخلاص لله تبارك وتعالى وقصدِ وجهه مُفَْرَداً صادقاً معه تعالى.
وأقامَ شأن الخُلُق الكريم وحُسنِ المعاملة في دوائر: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، فاتّصلَ خير اتصال بِمُختلَف فئات الشعب، بِمُختلَف أصناف الناس مِن حَواليه، أميرهم ومأمورهم، غنيّهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، ظاهرهم ومستورهم، وبذل لِكُلٍّ واجبهُ في أداء هذه الأمانة في الدعوة وفي التعليم وفي التزكية، في اتصالهِ بجميع ذلك كان داعياً لهم لا مدعوَّاً لأحدٍ منهم، وكان مُنقِذاً لهم لا مُستَأجَراً لأحد منهم، سواء أهل الثراء أو الغِنى أو الفقراء أو الأمراء أو الرعِية، لم يكن ليُستأجر ولا لِيؤخَذ لِيكون في تبعية ذا أو ذاك أو في شيء من العصبيات والصراع على الدنيا الذي بينهم.
ففي جانب الأموال، ما كان تشرَئِبُّ نفسه إلى أخذِ مال أحد ولا تمتدَّ عينه، وكل ما تيسّر وجاء له من طريق صحيح حلال بِكسبهِ أو تبرُّع غيره وضعه في محلِّه في أحوج ما تكون إليه الأمة، وأمامكم قِصّته المشهورة لمّا جمَّع بعض النساء الأموال الكثيرة الطائلة ووضعْنها بين يديه بعد جهد شديد تحصّلن به على ذلك المبلغ لِيُصلِح به، تلقّاه بالقبول والتشجيع لَهُنّ ثم قال: وأنا بدوري، هو لَكُنَّ مِني لِتُقِمنَ به مدرسة تُربّينَ فيها أبناءكنَّ وبناتكم في مناطقكم، وبَيَّنَ لهم نظرته إلى المال ومقصوده في القيام بالدعوة، لو لم يبلُغَ المرتبة الشريفة في تزكية النفس وصِدْق الصِّلَة بالله ما برزت مِنهُ هذه الأخلاق ولا كان النجاح.
وفي جانب الإمارات ونظرهِ إليها وإلى شأنِ هذه الخلافة الظاهرة في الحُكم بعد هذا الجهاد، وما قام بهِ من إبعادِ سُلطة الكفار بغير حَقٍّ على بلاد المسلمين بِمَن معه، ووُضِعَ عليه الأمر كيف تكون دولتنا معشر الإندونيسيين المسلمين وهل تكون أنت الرئيس؟ قال: لا، بل سوكارنو، وعيّنَ لهم من يقوم بالأمر، وهو يعلم أنّ ما هو فيه من الخلافة النبوية الباطنة أشرف مِن خلافة الحكم التي قد تكون سديدة ورشيدة وقد تكون مُنحرِفة وبعيدة، وأكثر من فيها لا يستقيم على الأمر، وهو يعلم معنى قول النبي: "إنكم ستحرصون على الإمارة وإنها ستكون ندامة يوم القيامة"، ويعلم أيضاً في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من طَلبها وُكِل إليها ومن طُلِبَ لها أُعِينَ عليها" ومع ذلك لم يكن يعارضهُ أحد لو تقدّم لها بل يُطلَب إليها، ولكنهُ رفضها لِمكان ثباته في الخِلافة الباطنة.
والخِلافة الظاهرة قد انفصلت عن الخِلافة الباطنة بعد ثلاثين عاماً من موت نبينا صلى الله عليه وسلم ووفاته، وفي اليوم من ربيع الأول، الحادي والأربعين من هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، سلَّمَ الخِلافة الظاهرة سِبطهُ -الحَسن بن علي رضي الله تعالى عنه- وآثر أن يبقَى في الخِلافة الباطنة لِمصلحةِ حقن دماء المسلمين ولحفظِ أمنهم ولمنفعتهم الظاهرة، وترَكَ تلك الخلافة الظاهرة ولكنه لم يكن إلا الخليفة عن جده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الباطنِ، وصحَّ ما قال نبي الله: "الخِلافة بعدي ثلاثون عاماً"، قُتِل سيدنا علي في رمضان، باقي من الثلاثين العام ستة أشهر، فكانت خلافة الحسن إلى شهر ربيع الأول، كَمُلت في الستة الأشهر الثلاثون العام، وتحوَّل حال الأمة إلى مُلكٍ عَضودٍ كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا إلى كُلِّ رئيسٍ جاء من تلك الأيام، بل فيما قبلها وما هي آثاره الباقية القوية في البلد والنافعة للناس، وقِسْناها ووَزنَّاها بآثار كياهي محمد هاشم أشعري، وجدنا أنّ أكثر أولئك الرؤساء مرُّوا، وأكثرهم لم يبقَ له أثر، وبعضهم له أثر سيء، وبعضهم لا سيء ولا حَسَن؛ ولكن آثار الخلافة الباطنة لمحمد هاشم أشعري باقية إلى اليوم، وها نحن نجتمع تحت نورٍ من أنوارها لِنُحيي به الأمة، وهكذا ما كان للهِ دام واتّصل، أدّى أمانتهُ الكبيرة واتّصل بِكُلِّ أحد وألّفَ ونصح وكافح وجاهد، فبقِيتْ الآثار التي ترعاها عين عِناية الحي الذي لا يموت، ولم نزل نسمع في أخبار أهل الحُكم في هذا العالم أن كُلّ طائفة وكل حزب يقول نحن نصلح البلاد ونحن نُمكِّن لكم ونحن نهيء لكم الأمن، ونحن نرفع مستوى معيشتكم.. كلهم يقولون هكذا، وواحد بعد الثاني ويتولى الأول والثاني والثالث، ولا أحسنوا تأمين البلاد ولا حسّنوا معائش الناس، وتجربة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة، وإلى متى يُجَرِّبون؟ لكن هذه الخلافة الباطنة تنفع وتُقرِّب وتُنقِذ وتُنَوِّر وتهدي وتُهَيِّئ الإنسان للقاء الرحمن جلَّ جلاله.
وكان قوي الحرص على جمعِ قلوب المسلمين وعلى لمِّ صفوفهم وعلى أن تكون كلمتهم واحدة وأن يجتمعوا على قلب واحد، فَلْيعلم كُل مُنْتَمٍ ومُنتسب إلى نهضة العلماء أنّ أصلها خِلافة نبوة وأمر كبير أعظم من رِئاسات الأرض وكل ما فيها، وهي محل النصح والإنقاذ للصغير والكبير والمأمور والأمير، وفي تَبَعِيتها لرسول الله مباشرة والسند إليه، وهي بِلسان حالها تُخاطِب: يا أمراء ويا أغنياء ويا من سِواكم من الناس لن نتأخّر عن نُصحكم ما استطعنا ومعاونتكم على الخير وعدم الدخول معكم في الشر، ومهما أراد الله بكم خيراً فتعالوا إلينا وهَلُمَّ إلينا، وإنّ العلم يُؤتى ولا يأتي، فَنِعمَ الأمراء على أبواب العلماء، وبِئسَ العلماء على أبواب الأمراء.
فيجب أن يعلم مُنتَسِبو هذه النهضة أنهم في مقام شريف يجب أن لا يُخدَعوا بأطروحة أي أحد من الشرق ولا الغرب، ولنَعُد إلى الأصل والأساس:
ورأيتُ الشيخ هاشم أشعري ينقل كلام سيدنا علي، يقول: إن الحق وهو حق عظيم عند الله قد يضعف في واقع الناس بتفرُّق أهله، وإن الباطل وهو باطل خبيث ولكن قد يقوى في واقع الناس وينفذ باتحاد أهله، وشاهد ذلك قول الله (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
نشكر لأهل هذا المعهد المبارك وذرية الشيخ هاشم أشعري حسن استقبالهم وضيافتهم، ونشكر للعلماء حضورهم هذا ونحمد الله الذي جمعنا وإياهم على المقصد الأعظم، وجزاهم الله خير الجزاء ونستمع ما تطرحونه وما يأتي منكم.
لا شكّ أننا محتاجون لِأن يتّضِح لنا السبيل في كيفية المشي على الأسس التي مضى عليها من قبلنا من الصادقين المخلصين، أما ما يتعلق بالإمارة ومسألة الحُكم فكل طالب لها لا يُعان عليها بِخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان للعلماء الصادقين المخلصين دورٌ في إصلاح حياة الناس، ومنهم من تهابهُ الحكام والأمراء ويخافون مِن مكانته بين الناس، حتى لا يستطيعون أن يُخالفوا المنهج أو الشريعة مع وجود هذا الاتحاد بين العلماء واتِّباع الناس لهم، ومنهم من لا يتسنّى له ذلك ولكن لا يبخلون بالنصح على كل أحد، ويقومون بواجبهم في المحافظة على حقيقة الدين بين من يطيعهم ويسمعهم.
وعلى هذا السبيل مضى الصحابة حينما تولى يزيد بن معاوية وكان رجلاً فاسقاً وظالماً وكان كل الموجودين من الصحابة أحق منه بالإمارة، بل من غير الصحابة من سادة التابعين الموجودين كعلي زين العابدين وكالحسن البصري وسيدنا سعيد بن المسيب وغيرهم من أئمة التابعين، كانوا كلهم أحق منه ولكن أحد منهم لم ينازعه فيها ولم يطلبها منه، ولم يكونوا مُقصّرين في نصرة الله ورسوله ونحن إلى اليوم في بركة هؤلاء الذين لم ينازعوا على الإمارة ولسنا مستفيدين من ذلك الظالم ولا من ذلك الفاسق، -ولما قرب الوقت ودنى المغرب نؤخر إيضاح بقية الجواب إلى الجلسة الثانية بعد الصلاة-.
يكتب الله لنا القبول ويجمعنا بسيدنا الرسول، ويصلح شؤون المسلمين في إندونيسيا وفي جميع أقطار الأرض طولها والعرض شرقها وغربها، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد، الفاتحة.
يجعله مجلس مبارك، مرعي بعين العناية محفوف بالتوفيق والتسديد والتأييد وقرة عين سيد الكونين صلى الله عليه وسلم، وأسلافنا الصالحين والحاج هاشم أشعري، وجميع أهل اتصال بهذا المسلك القويم والصراط المستقيم، بعناية الرحمن وصلاح كل شأن في السر والإعلان، لنا ولكم وللأمة أجمعين وإلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الفاتحة.
دار بنا الحديث في العشية وفي العصرية عن أسس عظيمة قويمة أقام بها كياهي محمد هاشم بن كياهي أشعري عليه رحمة الله ورضوانه، هذه المؤسسة وهذا المسلك في نهضة العلماء، علمنا معانيها في الإيمان واليقين والإخلاص لوجه الله تعالى، والصدق معه وحسن الخلق والتعامل وأداء المهمة النبوية في مقاصد ثلاثة: تعليم وتزكية ودعوة إلى الله عز وجل، قام بها مع أصناف الناس واتصل بالمسلمين وبالكفار، وكان ينصح الكل ويعمل على ما تُكفى به شرور وتُدفع به بلايا وتخِف به بعض الشدائد، ويُقام به أمر من أوامر الله تعالى بِكُل ما استطاع عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وعلِمْنا في ذلك كله ترفُّعهُ عن الحُكم الظاهر والسلطة، وحُسن صرْفهِ للمال في محلِّه، وبقي أيضًا أن نعْلَم من صفاته وأُسسه، حال نُسكه مع الله وحُسن تدبّره لكلام الله، وخلْوته مع الله، وكثرة أذكاره، وبكائه من خَشية الله سبحانه وتعالى.
وكان جاء في وقتٍ لا زالت مُمتدة فيه سلطات الكفار إلى كثير من بلاد المسلمين في الظاهر مع التأثير في السِير وفي العقائد، ويوهمون الناس أن عندهم التقدُّم والتطور والحضارة الكبرى وأنه لا نهضة إلا بها، ومرّتْ تلك السنوات وسقطت الخلافة الإسلامية في تركيا وجاءت هذه الحركات العلمانية، والتي سمّوها علمانية وهي جهلية، تتنكّر للحق الصريح الواضح المُبين وللأدلة الواضحة والبراهين الساطعة ولكن بالتزوير والتلبيس والتدليس، قاموا وأثَّروا على كثيرٍ من أبناء هذه المِلَّة حتى صدَّقوا أنّ عندهم ما فيهِ صلاح العباد والبلاد.
مرَّت تلك الفترة ولم يزل يخرجوا بسلطانهم الظاهر من دولة إلى دولة، وجئنا الآن نحن أيضاً بوضعٍ هم في أنفسهم بدأوا يظهر فشلهم ويظهر عدم قدرتهم على استصلاح أحوال العباد في الدنيا، فوصلوا الآن في حضارتهم إلى الانحطاط حتى عن درجة الحيوانية، خرجوا عن الإنسانية وجاوزوا الحيوانية إلى أسفل من ذلك كما قال تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضل).
وإلى ماذا انتهى شُغْلهم الآن؟ وإلى ماذا انتهت حركتهم في الحياة في وقتنا المُعاصر الحاضر؟ كُل ما عندهم من قُوى في الجُندية والأسلحة وقوى أيضاً في مختلف الأجهزة مُسلَّطة اليوم على التربُّص بعضهم ببعض واختلافات بينهم وحروب ظهرت بينهم، والشغل الآخر لهم أن ينشروا الشذوذ الجنسي وأن يُحَوِّلوا بنات إلى بنين وبنين إلى بنات، وأن يتحوّل آدمي إلى كلب وصورة كلب حتى كان في الأسبوع الماضي وقبل أسبوعين إعلان تحويل ألفين آدمي يحبون أن يكونوا في صورة الكلب ويمشون على أربع، ويُطالبون أن تُجرى لهم عمليات في ذلك في بريطانيا، وهكذا انتهوا إلى هذه الحدود السافلة!
وكانوا يدَّعونَ الحُرِّيّة للإنسان وحُرِّيّة الأديان وصاروا اليوم يفرضون على الأطفال في المدارس تعليم الشذوذ الجنسي والاختيار؛ لأن يتحوَّل من ابن إلى بنت أو من بنت إلى ابن، على رغم أنف أبيه وأمه، عبث وتفاهة وسفاهة ما عرفتْها البشرية في تاريخها الماضي!
في الأشهر القريبة الماضية أرسلوا بعض أذنابهُم وأتباعهُم من المُغترِّين بهم من المسلمين إلى بعض بلاد المسلمين، وعملوا محاضرة في مدرسة للبنات، وكان من جملة ما ذكروا في محاضرتهم أننا نخاف عليكم أكثر شيء أيها البنات من آبائكن وأمهاتكن، هم الذين يحُولون بينكم وبين الحرية، ويحُولون بينكم وبين التطور، أخطر شيء عليكم آباءكم وأمهاتكم، فتعجَّبت بعض البنات قالت بطبيعتها: إذا كان أبي وأمي فأطمئن على مَن في العالم؟! قالوا لها هذا رقمنا وتفضلي، فأي شيء يقول لك أبوك وأمك اتصلي بنا ونحن نخرجك من عندهم!
وفي ألمانيا انتهى بهم أيضاً القرار الى أنّ بعض من زعموا أنهُ مُتخصِّص في تربية المجتمع اقترح عليهم أنّ من عندهم من الأطفال اليتامى أو من نزعوهم من أبيه وأمه بحجة أنهم أساءوا إليهم، أنهم أحسن شيء من يربيهم عند من عُرف بالشذوذ، قال فهم يتولُّون تربية هؤلاء ونُسلِّمهم لهم، فكان مثل هذا القرار المُتّخذ.
وفي الأيام القريبة أيضاً عندهم كان في ألمانيا امرأة غير مسلمة كافرة، وعندها دراسات عن التكوين البشري وأنه لا يمكن أن يوجد في البشر إلا ذكر أو أنثى، بالأدلة العِلمية المادية البحتة، لا تؤمن بِقرآن ولا بِسُنة ولا تعرف إيمان ولا تعرف إسلام، بقوانينهم هُم، بعلمْهم هم، وأعلنت عن محاضرة تُقيمها في هذا المجال، فوصل الخبر فمُنِعت من المحاضرة، وهُدِّدت إن تكلمت بمثل هذا، هذه حُرَّيتهم انتهت إلى هذه الأحوال!
وصولهم إلى هذا الحد والمستوى وهذه الحالات دليل واضح على فشلهُم، وقُرب انتهاء هيْمنة وسُلطة حضارتهم المزعومة، لكن ما البديل؟ ومن الذي يُنقذ الأمة؟ من الذي ينقذ البشرية؟ هذه مهمة من آمن بالله واتَّبع رسوله محمد، هذه مُهمتكم يا أهل النهضة، ومن اتصل بمهمة التصديق بمحمد وما جاء به، إذاً فالمُهمة عظيمة يجب أن ننهض بها.
ونعود إلى ما طرحتُم من أسئلة ومنها:
٢- كيف نُنقذ بعض الغافلين والمفسدين، إذا أردنا التأثير عليهم من خلال الدخول فيهم فرُبّما حضرنا المعاصي والذنوب؟
ونقول: إن في هذا ميزان يجب أن يُقام ويُتّبَع، فالجلوس على مائدة فيها خمر أو أي مُسكِرٍ لا يجوز بحال من الأحوال، بل ذلك من المنكرات التي لا تُقَرِّب إلى الله ولا تهدي الخلق، كذلك مُصافحة المرأة الأجنبية ليست طريقًا للدعوة إلى الله، فَسيِّد الدعاة عبده وحبيبه محمد لم تمس يده يد امرأة أجنبية قط وكان يبايع النساء كلاماً، أما الحضور معهم في وقت لا يُلابسون فيه شيئاً من المعاصي لِدعوتهِم ودلالتهِم أو التلطُّف بهم أو لين القول معهم لإرشادهم فهذه أساليب مشروعة، قال الله لسيدنا موسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).
فهذه موازين يجب أن تقوم وفي كل أمْرٍ غُلو، وفي كل أمر إفراط وتفريط، وهما غير مقبولان والميزان الوسط هو الذي يقبلْهُ الله ورسوله، ولم يزلْ بِفضلِ الله في الأمة خيرٌ كما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم ولابُدّ أن ينتهِضَ هذا الخير ويقوم، مهما حاول الكُفَّار في نشْر الفساد والشر ومُضادَّة الدين في بلاد الإسلام ومنها إندونيسيا فلا يزال الخير باقي وموجود، فكم أمامكم من فُرَص تستطيعون بها عبْر حُسن الاتصال بمسؤولين وغيرهم أن تُحقِّقوا للناس فائدة ومصْلحة، أن تنصروا الدين في أي جانب من الجوانب، كل هذا ممكن وكل هذا يُمكِن بذل الجهد فيه، مِن دون أن يؤثر على الأساس الذي هو التربية وربْط قلوب الخلق بالخالق.
٣- أما أهل الإلْحاد وأنواع المُنحرفين عن الدين والذين يتشدَّقون بكلام:
فكلهم لا حُجّة معهم ولا بُرهان معهم، رُبّما زخرف القول الغرور يُخيف بعض الناس أو يرعبهم، لكن والله لا حُجة معهم عقلية ولا حُجة معهم علمية صحيحة في كل ما يَدَّعونه، إنما علينا أن نُحسِن التبيُّن، ونُحسِن التبيين، نتبيَّن الأمر من كلام الله ورسوله، ونُحسن كيف نُبيِّن للناس، وقد نحتاج بذلك إلى شيء من التعاون أو عقد دورات في هذا المجال لنؤدي دورنا في المحافظة على أمة الإسلام، وذلك يسيرٌ وسهلٌ لكل صادق مع الله تعالى.
كان مُدرِّس أخذتْهُ بعض الجهات والتنظيمات الكافرة وملأته بالإلحاد وفكر الإلحاد، ووظفته أنه من خلال تدريسه ينشر الإلحاد في الطلبة، فدخل يوم للفصل ويقول للطلبة يا طلاب لا تُصدِّقوا إلا بالذي ترونه بعينكم والذي لا ترونه بأعينكم غير موجود، أنتم ترون يدي هذه؟ قالوا: نعم، قال: إذاً يدي موجودة، أنتم ترون هذه السبورة؟ قالوا: نعم، قال: إذاً السبورة موجودة، أنتم ترون هذا الطبشور الذي معي أكتب به؟ قالوا: نعم، قال: إذن فالطبشور موجود، وما لا ترونه غير موجود، قال واحد من الطلاب: أترون عقل الأستاذ؟ قالوا: لا، قال: إذن عقل الأستاذ غير موجود، فما عندهم من حجة أبداً أصلا؛ لا عقلية ولا عِلمية ولكن زُخرُفَ القولُ الغرورُ، وَهُمْ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوَهَنَ الْبِيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ، وكُل استعمال صحيح لِعقلِ الإنسان الذي أتاه الله إياه يهديه إلى الله وإلى صِدق رُسُلِه.
والآن أيضًا في بلاد الغرب أصحاب الحضارة، بدأوا يتنكّرون للعلوم التجريبية التي كانوا يُعظمونها ويجعلونها مرجع، وللعقل نفسه تنكَّروا الآن، ويقول بعض الذين يعيشون معهم قال الآن يقولون العقل هذا عبارة عن اصطلاحات يصطلح الناس عليها ما شيء حاجة اسمها عقل، فلابُدّ نرُدّ هذا العقل، قلنا قل لهم تردوا العقل بعقل وإلا بغير عقل؟ بماذا نرد العقل؟! إذا أردنا أن نرد العقل ونرفضه نرده بعقل ثاني؟ رجعنا إلى العقل، وإلا بِجنون خلاص نصير مجانين ما يتأتى!
تأتي في بلاد المسلمين ما يُسمّى بهذه الانتخابات وهو النظام أوردوه علينا، كان النظام في الإسلام وعند عقلاء بني آدم في الشرق والغرب أنّ كبارهم وأهل النظر فيهم وأهل الفهم، يُرتِّبون الأمور ورأيهم هو الذي يمشي عليه الأمر، فجاؤوا بنظام الانتخابات عدد الأصوات؛ يقع بليد، يقع جاهل، يقع صغير، يقع كبير، يقع مسلم، يقع كافر، كُلّه سواء سواء، هذا نظام غريب وردوهُ علينا هم الكفار وصِْرنا نعمل به، ما يجوز أن يكون هذا النظام يلعب بنا نحن ولا يُفرِّق بيننا نحن، في مَواِطن العِلم وفي مواطن الشريعة.. نقوم نحن نتأثر بنظامهم؟ نقول أنت مع ذا وأنا مع ذا؟ نتفارق، نتخالف بيننا، وأنت تسب ذا وهذا يسب ذا ؟! هذه لعبة، هذه مسخرة، أنت في مكان إرشاد واقعنا هذا الموجود.
قُل لمن يسمعك إن أردْتَ أن تنتخب أحد فاتقِ الله وانتخب من ترى أنه يخاف الله تعالى أو ترى أنه أصلح للأمة، لا تأخذ اعتبار غير هذا، ثم بعد ذلك لا يجوز لك أن تكذب ولا يجوز لك أن تسب ولا يجوز لك أن تتضارب مع عباد الله تبارك وتعالى، وإن لم تنتخب أحد فالأمر واسع أمامك ولا مسؤولية بينك وبين الله تبارك وتعالى، وسيختار الله تعالى من يشاء، وحتى يأتي الوقت الذي يريد الله فيه اجتماع الخِلافة الظاهرة في الحُكم مع الخلافة الباطنة في العلم فيُسَخِّر الله سبحانه وتعالى أسباب من وراء عقول الناس حتى يعود الأمرُ لأهله من غيرِ أن يكون منهم طلب له.
نطلب تغيير ما بنا من خلال تغيير ما بأنفسنا، فهذه سُنة الله في التغيير والتبديل (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
وقد طال الوقت وخِتاماً لِبيان أن أمر الشورى في الدين والذي عليه عُقلاء بني آدم هو الصحيح، وأنّ هذه الأنظمة التي جاءت من الخارج لنا بمثل الانتخابات؛ مثالهُ مثال واحد عنده مرض في بطنه أو في عينه، المفروض يستشير، يستشير من؟ يستشير الأطباء، قال لا، نريد انتخاب من الأسرة والجيران والمزارعين الذين عندنا نُصلِّح انتخاب؛ نصلِّح عملية أم لا؟ من النوع هذا أو النوع ذا؟ و الصوت الأكثر نمشي عليه! هذه بلاهة وبلادة لابُدّ ترجع إلى عنده، والثاني عنده بيت سيبنيه، بيصلِّح البيت، فيستشير من! مهندسين مختصين بالبناء، قال لا، الحارة حقنا كلهم لابد ينتخِبون! نصلح انتخاب يكون اللون كذا أو اللون كذا؟ بشكل لون كذا.. هذا لعبة! وبيتخرب البيت ولن يكون سواء، لابد أن نرجع في كل شيء الى أهله، كان أهل الحل والعقد هم الذين يقولون هذا يصلح للرئاسة، هذا ما يصلح للرئاسة، هذا يصلح يكون أمير.
قالوا لا؛ الأبله والبليد والفاجر والكافر وكلهم سواء! أصواتكم، الأكثر يطلع! هذا لعب هذا، هذا لعب بالبلد ولعب بالدين ولعب بالأهل، وهكذا وعنده مزرعة كيف يزرع فيها؟ وكيف يطلع؟ قال بيصلِّح انتخاب، انتخاب ايش انتخاب! قال بنروح بنشوف النجارين والذين عندنا والأطباء نستشيرهم، الأطباء يستشيرهم فيما يعرفونه والنجارين في الباب حقك، ليس في المزرعة! بالنسبة للمزرعة استشير المزارعين الذين عندهم خبرة في المزرعة وشاورهم وامشي على كلامهم، فهذا هو المسار الصحيح للإنسانية.
نختِم، من كان معه منكم شيء من الرأي أو الاقتراح أوالمداخلة أو السؤال.
~ أما الميزان فقد أشرنا إليه فيما يتعلَّق بشؤون ما ذكرتُم من الاصطدام في أمثال هذه الانتخابات، فيجب أن تكونوا في عِزَّتكم وشرفكم بهذا العلم وبهذا الدين، لا تخرجوا إلى الصراع ولا تجعلوا الدين بضاعة لأي غرض من الأغراض ولكن فوق جميع الأغراض، وفوق جميع السياسات وفوق جميع الحركات في الحياة؛ لأنه أمانة الله تبارك وتعالى وشريعة رسوله المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فيجب رفْض كُل ما كان من سِباب وشتم وصراع، ومن أراد كائناً من كان أن ينتخب فنقول؛ واجبك أن تُدلي بصوتك في هذا الحال الذي قد وقعنا فيه أن تُدلي بصوتك لِمن ترى أنه أنفع وخير للأمة وأقرب إلى الشريعة والدين والإسلام، وبعد ذلك لا يجوزُ لك أن تسب ولا أن تشتُم ولا أن تصطدم مع أحد، وجدير بالعِلم وأهله أن يكونوا أعلى من هذا الصِّراع والنزول إلى هذه الميادين، ومن نزل فلينزِل بضوابط دينهِ وشريعته أن لا يسب ولا يشتم ولا يكذب.
كذلك الميزان فيما أشار إليه الأخ مِن أنّ العِلم يؤتى ولا يأتي، العِلم شيء والدعوة مهمة أخرى غير العلم، عندنا علم وعندنا تزكية وعندنا دعوة، الدعوة إلى الله يجب أن تصل إلى كل مكان، وأن نوصلها إلى الصغير وإلى الكبير وإلى الذكر وإلى الأنثى، بما فيها تعليم المبادئ والفروض العينية، هذه دعوة إلى الله تبارك وتعالى يجب أن توصل.
سيدنا موسى وهارون هل جلسوا في مكانهم وقالوا تعال يا فرعون؟ بل راحوا إلى عند فرعون وقالوا: (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ)، لكن المراد بأن العلم يؤتى ولا يأتي؛ أن لا يُحتقَر لأرباب الدنيا ولا لأرباب السياسة، ويظل العالم مُهان مُحتقر لهم، وهو الذي أراده مالك عليه رضوان الله، مالك داعي إلى الله ويعلِّم الأمير وغير الأمير، ويوصل الهدى إلى ما استطاع، ولكن لما قال له الأمير في المدينة تعال ليتلقَّى أولادنا عنك المُوطأ، قال: العلم يؤتى ولا يأتي، قال له؛ فاجعل لهم يوماً وحدهم يأتونك، قال إنه حديث رسول الله ولا أمنعه على أحد، يأتي أولادك يتفضلوا مع غيرهم ممن يأتي من المسلمين ولا أُخصص لهم وقتاً وحدهم، لأنه ليس علمي بل علم رسول الله وحديث رسول الله.
وهذا الذي قاله الإمام البخاري بالضبط لمَّا أمره الأمير أن يأتي يُقريء أولاده الصحيح، قال وجدْنا العلماء يُؤْتَونَ ولا يأتون، فلما أرسل قال له أرسل لك أولادي وحدهم؟ قال إنه حديث رسول الله لا أمنعه عن أحد، من جاء يطلبه أعطيته إياه، حتى آذاه ذلك الأمير وصبر الإمام البخاري عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
فهذا المعنى؛ المعنى أنهُ لا يجوزُ إهانة العلم بتسخيره لأغراض ولا لمقاصد ولا لسياسات، ولا بأن يُهان أصحابه بأن يأتوا على أبواب الأمراء أو الأغنياء.
- أما عُلماء السوء، ما هو كُلّ من نصح حاكم وإلَّا تعاون معه على خير وإلا أبعدهُ عن قرار سوء قرَّره، ليس هذا من علماء السوء بل هو من الناصحين، ولكن كل مَن أقرَّ الحاكم على معصية وكل مَن رضي بقرار يُقرِّره يخالف الشريعة، أو قام يُدافع وينافح عنه فهو عالم سوء، ولو لم يرى الحاكم طول عمره، لو هو جالس في بيته وحده ولا رأى الحاكم ولا جاء إلى عنده ولكن يؤيد قراره المخالف للشريعة، أو يبرِّر له المخالفة للدين فهذا عالم سوء ومِن علماء السلطة.
فليس المُراد مُجرَّد الإتيان ولا المقابلة، وهذا حاصل عند كثير من خيار الأمة ذهبوا لِنُصْح بعض الأمراء، أو للشفاعة في أحد يستحق الشفاعة لتخليص مظلوم من الظلم، أو لإنصاف أحد من الذين وقع عليهم حكم باطل، فيذهبون إلى الحكام ويأمرونهم بذلك، وليس في ذلك إذلال للعلم ولا يقبلون منهم أن يسكتوا عن واجب، ولا أن يُقِروا باطل، لا يقبلون منهم ذلك، فمنِ استقام على هذه الطريقة فليس من علماء السوء، وإن كان كل يوم يجيء عند الحاكم لكن ينصحه، كل يوم يجيء عند الحاكم لكن يذكِّره، ولا يقبل منه رشوة ولا يقبل منه أن يُقُر على باطل ولا أن يسكت عن حق، فهذا من علماء الخير.
وكُلّ من رضي بِحُكم مُخالف للشرع أو برَّرَ له فهو من علماء السوء، وإن كان بعيد من الحاكم لا يراه ولا ينظر إليه.
- أما المسألة الأخيرة؛ هذه أيضاً مِن جُملة الفلسفات التي ضحكوا بها بعض الكفار على بعض المسلمين؛ معنى الرحمة وكيف تكون الرحمة، وهل في القتل رحمة؟ والقتل عندنا والذبح مشروع لحيوانات ولبني آدم كذلك.
عندنا القاتل نقتله والزاني المُحصَن نقتله والصائِل المُعتدي نقتله، والصَّاد عن سبيل الله الذي يُحارِب دين الله نقاتله كذلك، ونحن في كل ذلك راحمون، ونحن في كل ذلك ذَوُو رحمة، وأكبر من الغراب عندنا تسقينا اللبن أبقار وأغنام كُل يوم ونشرب من لبنها، وعندنا دجاج تنزل لنا البيض ونأكل منه كل يوم، ليس مرة واحدة جاب لنا إشارة ولا مِنّة، لو لم يأتي هذا الغراب، هذا الغراب الذي بعثه الله رحمة لهابيل من أجل أن لا يعبث بجسده أخوه قابيل وعلًّمه، ولو لم يأتي الغراب لكان في تعليم الله لآدم كفاية ونحن لسنا محتاجين للغراب، ولَمَا كان الله يتركنا في أمر شريعته وكيف نصنع بأمواتنا الى بغراب يُعلِّمنا، عندنا وحي يأتي من السماء وسنعْلم كل شيء، ولكن مع ذلك هذه الحيوانات تَبيض لنا وبعضها نركبها مثل الجِمال توجد في بلاد العرب أكثرها، يركبون عليها ويشربون منها ويذبحونها بل يتقرَّبون إلى الله ويوصلونها إلى مكة.
مَن قال لك أن الرحمة أن لا تقتل حيوان؟! الرحمة أن تنظر أمر الخالق الذي هو أرحم بك وبالأشياء من نفسها، وتتبع شرعه فيما شرع لك، تقتل من أمرك بِقتله وتنتهي عمّن نهاك عنه، وتُحسِن إلى من أمرك بالإحسان إليه وتَكُف عن من أمرك بالكف عنه، وهذه رحمة الله لخلقه أكبر من تفكير شرقي ولا غربي يقول معنى الرحمة كذا! معنى الرحمة أن نتبِّع أمر الرحمن هذه الرحمة للعباد والخلق كُلّهم.
نتوجّه إلى الرحمن أن ينظر إلينا وإليكم، ويجود علينا وعليكم، ويرعى أهل نهضة العلماء رعاية يسير بهم مسار الهداة الكرماء، ويتولاهم ظاهراً وباطنًا، ويحيي بهم الدين والإسلام في إندونيسيا وجميع أقطار الأرض، ويفرج على المسلمين بالفرج العاجل ويلطف بنا باللطف الشامل، ويحول الأحوال إلى أحسنها، ويجعلنا متحابين فيه متزاورين فيه مجتمعين على ما يرضيه، ويفرج كروب الأمة أجمعين، ويجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، ويدفع عنا كل ضر فيما بطن وفيما ظهر، ويعلي درجات الكياهي محمد هاشم اشعري وأصوله وفروعهم، ووالدينا ووالدي الحاضرين والمتقدمين في إندونيسيا من الأولياء التسعة، ومن جميع الأولياء والصالحين والعلماء العاملين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وتجاوز عنا وعنهم واجمعنا بهم في دار الكرامة، اللهم اجعل على أيدي هؤلاء إجراء الخير للعباد والبلاد، وادفع عنهم جميع الضر والبلاء والفساد والأنكاد، وحَوِّل الأحوال إلى أحسنها، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
25 صفَر 1445