مذاكرة الحبيب عمر في توديع طلاب الدورة التعليمية الثلاثين بدار المصطفى

للاستماع إلى المحاضرة

مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ  في توديع طلاب الدورة التعليمية التربوية الثلاثين بدار المصطفى، بدار المصطفى، صبيحة يوم السبت 6 صفر الخير 1446هـ 

نص المحاضرة مكتوب:

الحمد لله، ومرت بنا أيام توجه إليه، وإقبال عليه، وتعرُّض لرحماته ونفحاته؛ في ضمن سلسلة ديمومية هذه المُتَلَقيَات عن خاتم النبوة والرسالات، وسيد أهل الأرض والسماوات ﷺ، وهو ما تعبَّدَ الله به من قبله من أهل النبوة والرسالة (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[الأنبياء:73]، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء:90]، (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)[مريم:31-34].

وهكذا مضى ساداتنا الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- حتى جاء خاتمهم وإمامهم وعظيمهم ومُقدَّمهم ﷺ، فَشُرِّفنا به وكُنَّا خير أًمَّة. وسَرَت سِرَايَات هذه الأعمال القائمة على حقائق الإيمان؛ بهذا الرحمن، وإدراك العبودية له، وعظمة ربوبيته -سبحانه وتعالى- والارتقاء فيها إلى المراتب التي هُيّأ كُلٌّ إلى الوصول إليها على حسب السابقة التي تتجلى في لاحقة الاقتداء والصفاء، صفاء الباطن والاقتداء والاهتداء بالهمة في الاتباع، و: 

كلٌ على قدر الصفاء والاقتداء ** نَالَ الهُدَى في أَحسَنِ اِستِقبَالِ

استمرار زيادة معرفة الحق وأبديتها:

(لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[العنكبوت:69]، (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النساء:175]. وتلكم التي لا غاية لها ولا نهاية، بل أسرارها تستمر مع المؤمن بالله تعالى، من عموم المؤمنين إلى خواصهم، إلى خواص خواصهم، إلى النبيين والمرسلين؛ استمرارا مؤبَّدا في تلك الزيادة. كما أشار سبحانه إلى سيدهم وقال: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه:114]. ولم يزل في ازدياد ﷺ، والزيادات مِن ورائه لكل مَن يزداد، وما لذلك مِن نَفَاد

أيها الأحباب والإخوان: أكرمنا الله إياكم بالصدق والإخلاص والإيقان، وحشرنا في زمرة سيد الأكوان، وأدخلنا معه إلى فسيح الجنان. الذين يُكرمون بدخول الجنة ثم يُخَلَّدون فيها، فتمر عليهم مليارات السنين ومليارات السنين.. مليارات السنين ومليارات السنين، أبد! والله هم في كل وقت: أكثر معرفة، وأكثر قربا، وأكثر عبودية، وأعظم في انجلاء أنوار الربوبية والإلهية، وفي الوقت الثاني أكثر، وهكذا وإلى الأبد! ومهما كان الأمر فلن يصلوا إلى الإحاطة بشيء من صفات هذا الإله وأسمائه -فضلا عن ذاته- إنه الله! إنه الله!!

ما أعظم معارف الملائكة والأنبياء فيما يتعلق بعظمة هذا الإله! ولكن هم يزدادون، وبعد دخول الجنة يزدادون، وبعد مرور مليارات السنين يزدادون؛ ولا يحيطون بوصف واحد من أوصافه! ولا بصفة واحدة! ولا باسم واحد من أسمائه -فضلا عن ذاته- ولكن يرتقون ويرتقون ويرتقون (هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[ص: 39].

 وقال سيدهم وأعرفهم وهو يناجي الله به في كل ليلة: "سُبْحَانَكَ لَا أُحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت عَلَى نَفسك"!

 مع أنَّ ذرة من معرفة أدناهم لو سَرَتْ في الجبال كلها لدُكَّت! ذرَّة من معرفة أدناهم تملأ عقل الإنسان، وذهنه وشعوره، وحِسَّه ومعناه، بحقائق العبودية للرحمن -جلَّ جلاله-، ويذوق بها من الحلاوة واللذة ما يفوق لذائذ الأجسام من حين خُلِقَ الأنام!

وهكذا.. يجب أن نخرج من هذه الأوهام والخيالات، والحَصْر والقَصْر، فيما تعرض علينا النفوس وإبليس وجنده: أنها غاية، وهي والله ما تساوي ذرة من لحظة معرفة بالحق -جَلَّ جلاله-! أذواق ولذائذ المطاعم والمشارب والمناكح والملابس والمراكب والشهرة والسلطة والسمعة..وما إلى ذلك؛ جميع اللذائذ من طرفها إلى طرفها؛ ما تساوي ذرَّةً من لحظة معرفة بالله في حلاوتها وفي لذتها!

والله إنَّ الأمر كما أقول وأعظم!

يجب أن نتحرر! تمر أعمارنا تبَع مَن؟ تمر أيامنا وليالينا في دائرة مَن؟ يجب أن نرقى إلى هذا العالَم الفسيح.. 

سقْياً لأيامنا اللاتي ** مَرَّت لنا بالحِمَى المَأْنُوس

كانت بها كل لذَّاتِي ** في عالم الرُّوحِ والمَحْسُوس

لولا الترجّي لِمَـا يأتي ** من نفحةِ المَلِكِ القُدُّوس

لمزَّقَت قلبيَ الأحزان ** وذُبْتُ من شِدَّةِ الكَرْبِ

عِشْ بالرَّجَا والأمل يا صاح ** وحَسِّن الظنَّ بالمعبود

وزَجِّ وقتَك بالأفراح ** ولا تأسَّفْ على مفقود

واَرْقَ إلى عالمِ الأرواح ** فإنه الأصلُ والمقصود

ولا تُعَوِّل على الجُثمانِ ** فإنما هو إلى التُّربِ

الإمام الحداد يقول هكذا؛ لأن أرباب الأرواح تتحول الحسيات عندهم إلى مصبوغة بصبغة هذا الروح، فيذوقون من لذتها ما قال سيدنا الخليل إبراهيم: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ)[ الشعراء:79].

لو واحد أحببته وأعززته وقدم لك اللقمة ومدَّها بيده إليك.. كيف تطعمها؟ وتفوق لذائذ طعام الدنيا كله، قال الخليل: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ)[الشعراء:79]. فتتحول شؤونهم، قال:

 كانت بها كل لذّاتي

ومثل هذا المُقَرَّب العارف القطب ايش من لذَّات له ! 

يقول:

                 في عالم الروح والمحسوس

لولا الترجّي لِمَـا يأتي ** من نفحةِ المَلِكِ القُدُّوس

لمزَّقَت قلبيَ الأحزان ** وذُبْتُ من شِدَّةِ الكَرْبِ

لأن من ذاق منها لذَّةً بذَرَّةٍ من حقيقتها امتلأ عِشْقًا ومحبة، وصار لا يقوى على الانقطاع، ولا على الحجاب، ولا على البعد، ولا على التأخُّر، ولا على التأخر في الارتقاء إلى المقام الذي فوقه، والمرتبة التي فوق مرتبته التي هو فيها، يمتلئ شوق إليها لو حِيل بينه وبينها؛ لكان ذلك غاية ما يُنَازِل الإنسان في شعوره من الحزن والأسى، فلِله قوم خَلَصُوا لله، وأخلصوا مع الله، واستخلصهم الحق -تبارك وتعالى-

ولمَّا ملك من ملوك الأرض قال عن سيدنا النبي يوسف: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) [يوسف:54]،  فعالَم الحس في هذا المُلْك تحول بيوسف من سجين إلى: (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ ولَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ..) وبعد ذلك: (..وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف:56-57]. فكذلك من استخلصهم المَلِك الأجل -جلَّ جلاله- لنفسه.

ألحقنا الله وإيَّاكم بهم..

وجهتنا كعبة الأرواح ﷺ:

مَرَّت الأيام المباركة -وكلكم على تلكم الروابط- في أماكنكم وفي محلاتكم، والذين وفدوا إلى الدورة في الأيام المعدودة، والذين لهم ارتباط بالدراسة من قبل الدورة، ومن بعد الدورة، والذين لهم ارتباط بالتدريس وبالتعليم، والذين لهم ارتباط بالخرجات إلى الأماكن والقرى، والذين لهم متابعات عبر الوسائل أو عبر الكتب، أو عبر التعلقات القلبية؛ كلها علائق متصلة بكعبة الوجهة إلى الله، كعبة الأرواح، إمام سمَّاه الله تعالى "محمد"، وسمَّاه "أحمد" ﷺ؛ تنتهي وجهة المتوجهين إلى الله في المأمومية له، وفي التبعية له ﷺ، ولواء الحمد بيده يوم القيامة "آدم فمن دونه تحت لوائي".

وشَاهَدَ جَنَّاتٍ وناراً وبرزخاً ** وأحوالَ أَمْلَاكٍ وأَهْلَ النُّبُوَّةِ

وصلَّى وصلَّوْا خَلْفَهُ فإذًا هو الــ ** ــمُقدَّمُ وهو الرأسُ لأهلِ الرِّئاسَةِ

وإنَّ رسول الله من غيـر ريبَـــةٍ ** إمامٌ على الإطلاقِ في كُلِّ حضرةِ

وَجِيهٌ لدى الرحمنِ في كُلِّ مَوْطِنٍ ** وصَدْرُ صدورِ العارفينَ الأئمةِ

وكما سمعتم.. انفتحت لكم أبواب خُلاصة وجواهر الاتصال به؛ بأشرف الأسانيد وأعلاها.

اللهم لك الحمد، اللهم أَتِمَّ علينا النعمة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أتم علينا النعمة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أتم علينا النعمة برحمتك يا أرحم الراحمين.

ما تمام النعمة؟ 

تمام هذه النعمة ذَوْقُ حلاوات هذه الاتصالات في دار الضيافة: الجنة؛ لأنه مهما ذِيقَ من حلاوتها قبل؛ فنسبتها إليه تعود ضئيلة بالنسبة لِمَا يُذَاقُ في الجنة، ولهذا لمَّا قال ﷺ للصحابي الذي يسأل - يدعو- : "اللهم إني أسألك تمام النعمة، فقال ﷺ: أَتَدْرِي مَا تَمَامُ النِّعْمَةِ؟  فَقَالَ: دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا أَرْجُو الْخَيْرَ، قَالَ ﷺ: فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ الْعَوْذَ مِنَ النَّارِ، وَدُخُولَ الْجَنَّةِ"؛ لأنَّه وسط الجنة هناك.. فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عجائب الفضل الرباني في ذوق حقائق هذه الصلة بالله والمعرفة به، بواسطة رسله وأنبيائه، وما يحصل في المجالسة لهم، وفي المسامرة لهم، وفي المحادثة والمخاطبة معهم في دار الكرامة ومستقر الرحمة  (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ)[الجمعة:4].

ذوق حقائق الصلة بالله والمعرفة به:

وما هم فيه في عالم الدنيا؛ من انطواء بعضهم في بعض، وتلقي بعضهم عن بعض، وارتقاء بعضهم بواسطة البعض؛ نظيره يكون في نعيم الجنان وما يُقَسَّم فيها هناك، إلا أنَّ المجال أوسع، والشأن أرفع، والحال أفسح، والروح أروَح، والصورة أوضح، فيما يكون من فتح الفَتَّاح، حتى ينتهوا فيه إلى ما وُعِدوا به من النظر إلى وجه الله الكريم. ومع ذلك هم في مراتب ودرجات، ومع المراتب والدرجات كل منهم في المرة الثانية في النظر أرفع، وأوضح وأفسح وأجمل وأروح من المرة الأولى التي مرَّت في حاله في النظر إلى وجه الله الكريم.

فالله يُتِم النعم علينا وعليكم، الله يتم النعم علينا وعليكم، ويأخذ بأيدينا وأيديكم.

مفتاح الأخوة والمحبة في الله، وثمراتها:

وما حصل بينكم من تعارف وتآلف حافظوا عليه، وهو من جملة بذَرَات حقائق ما أحبَّ الله بين المؤمنين من الأخوّة، التي جعل مفتاحها: الإيمان به وبرسوله ﷺ، ثم تتوالى منّته، حتى قال لرعيلنا الأول يقول لنَبِيُه: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ..)[الأنفال:62-63]، يقول الله لهذا أرسلُ من خزائن منتي وجودي، أما بعمل الناس بعضهم البعض فلن يستطيعوا الوصول إليه (..لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الأنفال:63].

يا الله الذي ألَّفتَ بينهم: نستودعك هذه القلوب، ونَستنظرك لهذه القلوب، ونَستمنحك لهذه القلوب، قلوب الحاضرين والسامعين والمرتبطين والمؤمنين في زماننا وأهل الصدق في زماننا حيثما كانوا، اللهم نظرة من نظراتك تؤلِّف بها بين هذه القلوب.

كل من استجيبت فيه الدعوة عاش باقي عمره وهو في السعي إلى حُسنِ التأليف:

  •  بحسن الخلق.
  • وبِحسن الظن.
  •  و بالتحمُّل، وبالعفو، وبِالصفح.
  •  وبالإحسان وبالمواساة.
  •  وبالمُزاورة وبِالاتصالات وبِالدعوات.
  •  وبحالته مع الله -تبارك وتعالى- فيما يُحِبه من أجله ومن يُحِبُ من أجله؛

لأن ما يحب من أجل الله، ومن يُحَبُ من أجل الله؛ يكون منزلة المُحِب على قدر معرفته بالله، على قدر محبته لله، وعلى قدر محبة الله له، يحب لله ويحب من أجل الله.

ولذا ما من صادق في الإيمان إلا وأحب الخلق إليه في جميع الأكوان: محمد ﷺ، ومع ذلك فَمحبتهم له ﷺ تَعظُم وتَكبُر، ولكن إذا نَسبناها إلى محبَّتِهِ هو لهم من أجل الله ورحمته هو بهم من أجل الله؛ تتضاءل، لماذا تتضاءل؟ تتضاءل لأن معرفتهم بالله ما تساوي معرفته بالله؛ فإذا أحبوه على قدر معرفتهم بالله أحبهم هو لله على قدر معرفته هو بالله ﷺ. 

والفرق كبير!

ولذا صَحَّ قول ربنا: (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[الأحزاب:6]، يعني مهما كان منكم ومهما أحببتم هو فوقكم، وهو سبب خيركم كله، أولى بكم من أنفسكم ﷺ. فعسى حنانه يفيض ويدوم لنا إن شاء الله ويزداد.

وتَتَهيَأون لتلك المهمات:

  •  من نشر هذه الأخوة والمحبة.
  •  والتواصل بينكم البين في عالم الحس.

 الابتلاءات من ضرورات عالم الحس:

 يُقيم الله من الابتلاءات والاختبارات: دول وحدود وجنسيات؛ هي من جملة الهباء وتعود هباء، لها اعتبارات واختبارا من الله في عالم الدنيا في محسوسات معينة فقط، ثم تضمحل وتتلاشى وترجع النِّسَب كلها هذه تَبِيد وتغور وتنهار، ويبقى نسبة الصلة به وبرسله -سبحانه وتعالى- (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة:71]، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات:13]، وهذا هو الذي يبقى.

إذًا نتعامل معها -وقد اختبرنا الله بها وابتلانا- تعامل الموقن أنها ليست بشيء، ولكنها ضرورة من ضرورات الحس في عالم الدنيا، فلا تحجبنا عن تواصينا وتآخينا، ونخترق في بواطننا كل هذه الحجب، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض في مختلف الديار والأماكن.

وجاءوا لنا بهذه التقسيمات، ولا يزالوا أرباب الحجاب في الظلمات والذين ما عرفوا عبوديتهم لله تبارك وتعالى -وهم في الحقيقة يخسرون الدنيا والآخرة مهما ظنوا بأنفسهم- لا يزالون يحاولون أيضًا من وضع التقسيمات والنِّسبات والجنسيات إلى التَّوَصُّل إلى شيء من أغراضهم، ويَبعَثُون ما يبعثون.

والله -سبحانه وتعالى- يرقب القلوب التي عَلِمَت أن الأرض له وأن السماء له.

اللغة الساقطة وعقيدتنا: 

ولما حاول بهذا اللغة الساقطة الحِسِّيَّة مسيلمة الكذاب يقول: نصف الأرض لكم ونصف الأرض لنا! يقول للنبي ﷺ! في كلامه الهراء هذا الذي يؤتي به والذي تقوم عليه السياسات اليوم، كما تَسمعونهم تقاسم الكعكة وغيرها.. ويتلاعبون! وهذا هو لعبة مسيلمة، نفس الفكر حق مسيلمة! لمَّا وصلت الرسالة للنبي قال:

"بسم الله الرحمن الرحيم

 من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد؛

(…إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّه …)" هذه عقيدتنا وهذه صورنا وأما أنا في محل ذا وأنت في محل ذا! (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف:128]. اللهم اجعلنا من المتقين. فهي ابتلاءات اختبارا لله بها (..وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ*سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)[محمد:4-6].

اللقاءات بالجناب المحمدي ﷺ:

فلينصرف الكل مِنَّا، أرباب الدورة، وأرباب الدراسة، وأرباب التدريس، وأرباب الخدمة في هذه المجالات: ينصرفون ليتحققوا بجنديتهم لله.

ومَن سَبَق له من الله ومنته أن تحقق بالجندية:  أمامه مراتب؛ ليرقى في جنديته وعبوديته، فإني أحب له نظرًا أعلى، وأحب له لقاءً أصفى، وأُحِبُّ أن يكون نصيبه من اللقاءات بالجناب النبوي المحمدي الأحمدي في الحياة قبل الوفاة وعند الوفاة وفي البرزخ ويوم الموافاة: ما هو أصفى وأوفى وأعلى.

فمهما تحقَّقت بمرتبة في الجندية والعبودية والعبدية والعبودة لهذا الإله: فأمامك مراتب، وأمامك مقامات، اِرْقَ فيها، واغنم عمرك وزمانك هذا، فإن الرحمن بواسطة حبيبه محمد فتح علينا باب مِنَن لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وهيَّأ لنا سبيل - كان يشير إلى كثير من مجاله- يقول ﷺ: " للعامل فيه مثل أَجْرُ خَمْسينَ منكم". وكيف يرعى المتأخرين من أمته؟!  قال: " يا رسولَ اللهِ أجرُ خمسين رجلًا مِنَّا أو منهم؟" قال ﷺ : "بل منكم" لماذا مِنَّا أو منهم؟! هم يُعْرَفونْ هم بالمعية الخاصة والإتصال بالجناب كيف يُوصَل إليه. مِنَّا أو منهم! قال ﷺ: "بل أجر خمسين منكم"، " لأنَكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون على الخير أعوانا".

وهكذا.. فهِمّتكم في هذه الجندية لله.. طَالبنا ومُدرسنا، وعالمنا ودَارسنا، وصاحب الدورة المنصرف والذي يتأخر بعد الدورة، والذي كان يدرس قبل الدورة وبعدها، والذي في الأماكن الأخرى من هذه المواطن المرتبطة بهذا النور وبهذا السر، يجب أن:

  • يُحسِنوا التَجنُّد لهذا الإله،
  • والتعَبُّد لهذا الإله،

الغاية من الاستخلاف: 

لأن الغاية فيما يحصل من خير وتمكين وتيسير: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ..)[النور:55]، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ..) [النور:55].

استخلافات عجيبة! للأقطاب وللمقربين والصدقين وللعارفين، ولمن مُكِّن في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- بديعة وعجيبة. وفيما يُجرِي أيضًا من تأثير، أو من نفع، أو من جمع للقلوب، على يد ذا وعلى يد ذاك... عجائب من التمكين هذا! (..لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [النور:55].

كان من أكابرهم شيوخنا الذين أدركناهم في استخلاف الله لهم في هذه الأرض وما جرى على أيديهم، ومنهم اللذين كانوا يحضرون معكم مثل هذه المحاضر: حبيبنا علي المشهور -عليه رحمة الله- وشيخنا الحبيب عبد القادر، وبقية شيوخنا الأكابر..

وحبيبنا أبوبكر بن علي المشهور حمل الأمانة وأداها، وقام بحقها، واستُخلِفَ فيها خلافة قام فيها وتبوّأ ذُرَى في مراقي الخلافة -عليه الرحمة والرضوان-، ما نَقَص شئ من ذاك الاهتمام والتوجُّه -وإن كان في البرزخ الآن- وإن كان في الدنيا بيستمع بواسطة المذياع أو نحوه لكنه الآن يستمع بواسطة أقوى، والحمد لله على كل حال. كان أيام بدأ نشر الأذكار عبر الإذاعة من الدار، وبعض أقاربه عمه الحبيب جيلاني المشهور حامل أسلاكه، فقال: ما هذا عندك؟ قال: نِخَطِّط الإذاعة حق دار المصطفى الأذكار، والآن في البرزخ عندنا تجيء إلى هناك.

 فاستخلفهم من قبلنا أنواع من الاستخلافات، قال الله: (..كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا..) لكن الغاية ما هي؟ (..يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ..)[النور:55-56]، رجَّعنا لهذه الحقائق في العبودية والتي خلق العالم من أجلها، والتي كانت يتواصل بها الأنبياء والمرسلين، فمهما فكَّر أهل الشرق والغرب لن يَجيؤوكم بوسائل ولا غايات أشرف من هذه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ)[الانبياء:73]، والله ما يقدرون يأتون بأحسن من هذا ولا أشرف من هذا، ولا أجمل لنا في دنيانا وآخرتنا من هذا.

القائد وثقوا حبالكم به

هذا مسلك النبيين من قبل (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[النور:56]، القيادة حقكم انتبهوا منها.. أفلا يكفي الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة..؟! لا بل لابد من (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، كما يقول -سبحانه وتعالى- أيضاً في الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) وهل التقوى من دون رسول ومن  دون إيمان وإلا ماذا؟! 

معروف التقوى ما تكون إلا بعد الإيمان بالله وبالرسول؛ لكن تَزْكِين من الحق وتأكيد: القدوة انتبهوا منها،  القائد وثِّقوا حبالكم به وارتبطوا به، وادخلوا من بابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ..) إذا حصل منكم هذا (..يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[الحديد:28]، وهذا  الذي مشينا به.

ظلمات الكفر والزيغ والضلال والفسق والتطاولات تحت دائرة إبليس في العالم؛ خلَّصنا الله منها، وما مكَّن شيء منها يأخذ بفكر ولا بسلوك لنا، قائم الأمر على ذا المسلك، دعهم يتصارعون إلى أن يشبعون، دعهم يتضاربون إلى أَن يشبعون، مَن سَبَقَت له السابقة سيسمع هذا النداء وهذا الخطاب وسيرجع (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) [الروم :4]، (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].

فَيَا رَبِّ ثَبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رَبِّ اقبضنا على خير مِلّةِ   

شرح الله صدوركم ونوّر قلوبكم..

وصايا لطلاب الدورة:

اصدقوا مع الله، تجنّدوا لله، اعملوا بهذا الشرع المصون وآداب الأمين المأمون، اعمروا دياركم ومنازلكم وقلوبكم بسنّته، بآدابه، بأخلاقه بهذا الذكر، وانشروها في المشارق وفي المغارب، وتواصلوا بينكم، وانتظروا فضل الله عليكم، واعلموا أنَّ المقصود بكل معنى وإلى كل غاية: (هو)، فلا تقصدوا سواه، فلا تقصدوا سواه، وإذا كان المقصود (هو) فما يؤخركم شيء مما يعرض لكم في الحياة، لا ترغيب ولا ترهيب من غيره؛ لأن المقصود: (هو) ولا يهزكم أحد ولا يستميلكم عن سواء السبيل لأن المقصود: (هو).

لو قصدناهم كنَّا في حال ثاني، ولَمَا قامَ قائم لهذه المقامات، وكنَّا دخلنا في معمعاتهم، ولكننا عرفنا بدايتها ونهايتها ما تساوي شيء، فذَهَبْنا عند الذين يساوون، عند الذين لهم قدر عند الحق، عند وراثة الأمين المأمون، عند التنزيل من الملك الجليل -جل جلاله- (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا..) فماذا عند ملوك الأرض؟ لعبة ومسخرة شوي، يلعبوا فيها ويروحون (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ) ما يأتون لنا علماء الجولوجيا يقولون لنا شيء! الذي تحت الثراء والذي فوقه كله له ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ * وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى* فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ* إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ) هذا محل نجاتهم ومحل فوزهم اتصالهم بذلك (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا)[طه:1-15]، فما أعظم هذه الحقائق!

الدعاء بالنصر للمؤمنين:

  ربط الله قلوبنا بهذا الرباط، ثبّتنا أكمل الثبات، فرّج كروبنا وكروب المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، عجّل الله -سبحانه وتعالى- بنصر المؤمنين في أكناف بيت المقدس و في الضفة الغربية وفي غزة وفي رفح، وفي جميع الشام وفي السودان وفي الصومال وفي ليبيا وفي العراق وفي جميع اليمن وفي الشرق وفي الغرب، اربط يا رب على قلوب المؤمنين، وألّف بينهم، وانزع من بينهم سلطة الأعداء وسلطة إبليس وجنده والأوهام والخيالات، ثبّتنا أكمل الثبات،

بحُرمَةِ هادينا ومُحيي قُلوبِنَا ** ومُرشدنا نهجَ الطريقِ القويمةِ

دَعَانَا إلى حَقٍّ بحَقٍ مُنزَّلِ ** عليه من الرحمنِ أفضَلَ دعوةِ

أَجَبْنَا قَبِلْنَا مُذعِنِينَ لأمرِهِ ** سَمِعْنَا أَطَعْنَا عن هُدىً وبَصِيرَةِ

فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحَقِّ والهدى ** ويا ربِّ اقبضنا على خَيْرِ مِلَّةِ

 دعاء للوفاء بالعهد:

يا الله.. أنت الذي تختار جنودًا لك في الأرض تُشرّفهم بالعبودية والأدب ووجهتنا إليك وأيدينا ممتدّة إليك أن تجعلني وكل من في المجلس وكل من يسمعنا ومن والانا فيك ممّن تختارهم لهذا الشرف، وتُتحفهم بتلك التحف يا الله.. يا الله..

 اجعلنا في جندك، في جيش حبيبك وعبدك، موفين بعهدك، فائزين ظافرين بمحبّتك وودّك يا الله.. يا الله.. نُلّح عليك يا الله.. نلّح في السؤال عليك يا الله.. وأنت بلسان حبيبك بلغتنا أنك تحب المُلّحين في الدعاء، عبوديةً لك، خضوعًا لجلالك، تعظيمًا لأمرك، إيقانًا أن الأمر لك.

نُلِحّ عليك أن تجعلنا جميعًا وكل واحدٍ من أهلينا وذوينا من جندك، مِمّن تختارهم لنصرتك ونصرة رسولك، بجميع أقوالهم، وبجميع أفعالهم، وبجميع نياتهم، وبجميع مقاصدهم، وبجميع نفوسهم، وبجميع أرواحهم، وبجميع أموالهم يا الله.

 وثيقة شراء النفوس: 

نشرت لنا وثيقة في كتابك في الشراء منك تفضًّلا وتنزًّلا وفيما بِعنا عليك وقلت: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم..) وجعلت الثمن العظيم: (..بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ..) وذكرت مسلكهم القويم (..يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ..) وطمّنت على شأن هذا الوعد الفخيم: (..وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ..)، ارزقنا الوفاء بعهدك يا رب، الأموال منك لنا ارزقنا صرفها فيما يرضيك وتسخيرها فيما تحبه منّا، والأنفس ملكٌ لك أعطيتنا إياها فارزقنا بذلها فيما تحبه مِنَّا وترضى به عنّا يا الله.. (..وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:111]. 

أوصاف الدخول في الدائرة: 

سمعها الصحابة قالوا: رَبِحَ البيع فلا نَقِيل ولا نَستَقِيل. واجعلنا وراءهم يا رب في هذا السبيل، إلا أن الدخول في هذه الدائرة ونيل هذه البطاقة بـ: المساهمة في هذه البيعة بين المؤمنين وبين ربهم بالأوصاف التي ذكرها: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)[التوبة:112]، التسعة، قوموا بها واستلموا الدخول في الدائرة، (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:111]. وكل من قام بها لابد من اجتماعات في البرازخ وفي القيامة وفي عدد من مواقف القيامة؛ من أعظمها: تحت ظل العرش، وتحت لواء الحمد، وعلى الحوض المورود، ثم في دار الكرامة، ومن تأخّر منّا فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء أخّره أو عذّبه.

  الله لا يعذب منّا أحد ولا يعرّض منّا أحدًا للتأخر عن موكب الحبيب، عن زمرة الحبيب، عن دائرة الحبيب، لا أخّر الله منّا صغيرًا ولا كبيرًا ولا ذكرًا ولا أنثى، في زمرته احشرنا، في دائرته اجمعنا، في حضرته أحضرنا يا حي يا قيوم، واجعل لنا نصيبًا وافرًا من خصوصيات مودّاتك وعنايتك تحت لواء الحمد، وعلى الحوض المورود، وفي دار الكرامة والجود يا بَرّ يا ودود يا الله.

  إذا تلاقوا في الجنة وقالوا: (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ) [الطور:28]،  فاجعل مجمعنا هذا مما يذكر في ربوع الجنة يا بَرّ يا ودود يا الله يا ذا الجود، يا من يعطي عطاء بغير حدود، يا إلهنا المعبود، يا مولانا المقصود يا ربنا الموجود، يا خالقنا المشهود، يا الله... حقِّقنا بحقائق "لا إله إلا الله"، وحقائق لا معبود إلا الله، وحقائق لا مقصود إلا الله، وحقائق لا موجود إلا الله، وحقائق لا مشهود إلا الله، وارزقنا شهودك بمرآة حبيبك المصطفى المختار، يا غافر الأوزار، يا من يعطي العطايا الكبار، يا من يدوم فضله آناء الليل وأطراف النهار، يا كريم يا غفار كفِّر عنَّا الذنوب والأوزار وسامحنا في كل ما كان مِنَّا في السر والإجهار.

 هيِّئنا لتطهيرٍ منك لبواطننا وظواهرنا في هذا المقام يا كريم يا ستار، يا أرحم الراحمين يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين يا أرحم الراحمين.

 حقِّق لنا ما رجونا وأعطنا فوق ما طلبنا وأنِلنا ما أملنا وفوق ما أملنا من جودك الواسع و غيثك الهامع وفضلك المتتابع يا الله … يا الله.

التحقق بالتوبة:

  سعدتم بندائه، وسعدتم بالتوجّه إليه، له الحمد، له الشكر، له الفضل، له المنّ، وتسامحوا بينكم البين وحققوا التوبة إليه -جل جلاله- ونجدد توبتنا إليه جميعا:

 نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم ونتوب إليه..

 نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم ونتوب إليه..

 نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، من جميع الذنوب والمعاصي والآثام ظاهرها وباطنها سرها وعلانيتها، قليلها وكثيرها، صغيرها وكبيرها، بيننا وبين الله، وبيننا وبين عباد الله، ومن جميع ما يعلمه..

نستغفر الله لما يعلمه الله، نستغفر الله كما يحبه الله..

نستغفر الله لما يعلمه الله، نستغفر الله كما يحبه الله..

نستغفر الله لما يعلمه الله، نستغفر الله كما يحبه الله..

نستغفر الله ذا الجلال والإكرام من جميع الذنوب والآثام..

تجديد العهد مع الله:

تُب علينا وعليهم توبة نصوحا، واجعلها توبة مقبولة، واجعلها توبة خالصة، واجعلها توبة نصوحا، تُزكينا بها قلبًا وجسمًا وروحًا، لا نَنْقُضُ عقدها، ولا ننكثُ عهدها، ولا نُخالِفُ بعدها، اغفر لنا ما مضى واحفظنا فيما بقي.. يا الله يا أكرم الأكرمين.

  وهذا عهدنا معك الذي عاهدتنا عليه وقلت: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)[الأعراف:173]، وأقررنا لك بالعبودية، وجددتها على أيدي الأنبياء والمرسلين حتى جاء خاتمهم وقال لنا: " جدِّدوا إيمانكم" ونجدد عهدنا معك ونقول جميعًا:

 لا إله إلا الله 

 لا إله إلا الله 

لا إله إلا الله

محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبدا، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته عليها نحيا وعليها نموت وعليها نُبعث -إن شاء الله- من الآمنين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، برحمتك يا أرحم الرحمن.

العربية