محاضرة في مجلس الوعظ والتذكير في جاوة الشرقية، اندونيسيا 1445 (Tabligh akbar Jawa Timur)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، في مجلس الوعظ والتذكير في ملعب جوكوسامودرى، في قرسي، بجاوة الشرقية، إندونيسيا، ليلة الأربعاء 7 صفر 1445هـ
Ceramah Guru Mulia Al Habib Umar bin Hafizh pada Tabligh Akbar di Stadion Joko Samudro - Gresik - Jawa Timur - Indonesia. Malam Rabu, 7 Shafar 1445 H
للاستماع للمحاضرة باللغة العربية من غير الترجمة:
لممشاهدة المجلس كاملا:
https://youtube.com/live/FTtuGjKXCU8
نص المحاضرة مكتوب:
الحمدُ لله ربِّ السماوات والأرض، وجامع الأولين والآخرين في يوم العرض، (وَحَشَرۡنَـٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدࣰا * وَعُرِضُوا۟ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفࣰّا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِ..)
سبحان الأول الآخر، الباطن الظاهر، الخالق البارئ، المُوجِد المُنشِئ، (ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عِلۡمَۢا).
وقد أكْرمكُم بالإيمان به وبِصِفاتهِ هذه، وخَصَّ بلْدتكُم بكثيرٍ من مِنَحهِ وهداياه، خُصوصاً في الإسلام والإيمان والإحسان، وخصَّكُم بأصفياءَ كثيرين منهم الأولياء التسعة، على أيديهم انتشرت أنوارُ الهداية، مِن ذُرِّيّةِ سيِّدنا رسول الله، وقَبْلهم أعداد وبعدهم أعداد كثيرة، أولياء وأصفياء، صُلحاء وأتقياء، وزَّعهُم الله في هذه الأراضي وخَصَّ جاوة الشَّرقية بالعدد الكثير منهم.
ولقد جمَعَكم هذا المجمع، وهو إليكم ينظر ولكم يسمع، وأشْرقَ لكم أنوار الإيمان به وهو الغَنيُّ عنَّا، وما شرع لنا الاجتماع إلا لننتفع ونُحصِّل الارتفاع، لك الحمد يا جامعَ هذا الجَمع، اجعلهُ من خوَاصّ جموع الأرض التي تُباهي بها أهل السماء.
ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من التجأَ إلى غيرهِ خاب، ومن اعتمدَ على مَن سِواهُ تقطَّعت به الأسباب، ومن وَثِقَ به أمِنَ وطاب، وصَلُحَ شأنهُ في الدنيا والمآل.
ونشهدُ أنّ سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا سيدنا محمداً عبدهُ ورسوله، ونبيه وصفيّه وخليله، إذا اشتدَّتِ الأهوال يوم القيامة قال كلٌّ من الناس حتى الأنبياء: نفسي نفسي، وقال هو: "أُمَّتي أُمتي" وكُلّما سجد سجدةً توجَّه إلى الله وقال: أمّتي أمّتي، وفي كل مرة يُخرِج قطيعًا من النار مِن أمته، ويُكرِّر الدعاء والتَّوَجُّه: "أُمَّتي أُمتي" فيقول الرحمن: أدخِلْ مَن لا حساب عليه مِن أمتك من الباب الأيمن إلى الجنة وهُم شركاء الناس فيما عدا ذلك من الأبواب، وعند توالي شفاعاته يقول سيدنا مالك خازن النار: "لم تدع لِغضب ربك في أمتك من بَقِيّة يا محمد".
وإذا عُرِضَ عليه هذا الجمْع في هذه الليلة، ماذا تتخيَّلون أن يقول؟ ماذا تتصوَّرونَ مِن حالهِ ورحمتهِ؟! إن كان على العموم يقول "تُعْرَض عليَّ أعمالكم، فما رأيتُ من خيرٍ حمدتُ الله، وما رأيتُ غير ذلك استغفرتُ لكم" فكيف إذا عُرِض عليه هذا الجمع؟ وكُلّهم يشهدونَ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وزيَّنَوا مجْمعهم بذكر الله وذكر رسولهِ والصلاة عليه، ألا يستغفر لهم؟ ألا يتوجَّه في شأنهم؟ وإذا استغفر الله لنا، فهل الرحمن تعالى يُؤَخِّر مغفرتهُ عنا؟ وهو يرى أهلَ هذه المنطقة مِن مُحافظَتهِم إلى رئيس المنطقة وإلى غيرهم من هؤلاء المسؤولين مجتمعين مع عموم الشعب، وبينهم كوكبة من العلماء ومن آل بيت المصطفى ومن الأخيار، ألا ترون ذلك يسُرُّ قلب حبيب الله، وما الدوافع لهؤلاء أجمعين؟ وما المُحِّرك لِقلوبهم؟ منَّة الله في إرادتهم وجه الله!
إنّ المجتمعينَ لأجل أنواعٍ من الأغراض كثير على ظهر الأرض، لكن من يجتمع يريد وجه الله، يجتمع على ذِكره لا يريد إلا وجه الله له منزلة خاصة عند الرحمن، فالحمدُ لله الذي وفّقكم، والحمد لله الذي أحضركم، مهما قُبِلنا في هذا المجمع فخيراتهُ لا يتَّسِع لها أفكارُنا أهل المجمع، بل ولا أفكار الملائكة الذين يحضرون معنا، فلقد قال: "أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر"
قال عن المؤمنين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ويدعونه خوفاً وطمعاً وينفقون مما رزقهم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم) نفسٌ لا في الأرض ولا في السماء (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
في حياة نبيكم صلى الله عليه وسلم أمَرَهُ الله إذا وجد قوماً على الإخلاص يذكرون الله أن يحضر بنفسه معهم، وقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) وهو السرُّ في قولهِ (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)
ماذا يريدون؟ ماذا يطلبون؟ ماذا يقصدون؟ وجْههُ؟ وجْههُ؟ وجهه؟ ما أعظم هذا الطلب! وإذا أُمِر أن يحضر معهم في حياته إذا عُرِضوا عليه بعد وفاته ألا يُقبِل عليهم؟ ففي أي مجْمع أنتم؟ في أي محْضر أنتم؟ في رياض الجنة! تتسابق إليها الملائكة يحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا! ويُسَرُّ بهم قلب رسول الله! ماذا وراء هذه العطايا؟ فأحضِروا قلوبكم!
ولقد بشَّرَنا صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يقعُد قومٌ يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا نادهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بُدِّلت سيئاتكم حسنات" لا يريدون بذلك إلا وجهه.
فيا ربِّ انظر إلى قلوب الحاضرين، ومَن خَلصَتْ إرادتهم في إرادة وجهك فزِدْهم زيادة، ومن اختلطت عليهم فخلِّصهم من الاختلاطِ وارزقهم قصد وجهك، وكُلّ قصدٍ لِغير وجهك انزعْهُ عن قلوبنا، حتى تسيل سيول فضلك على ساحات قلوبنا، وننصرِف وقد رضيتَ عنا، وتزداد عنا رِضا أبداً سرمداً، نكونُ في كل يوم وأنت أرضى عنا من اليوم الذي قبله، حتى نسعد في يوم لقائك فيكون يوم لقائك لِكُل واحد منا أعظم أيامنا رضاً مِنك عنا، لا يموتُ واحد منِّا إلا وهو يُحِبّ لقائك وأنت تُحِب لقاءه، هذا مطلب كبير لكنَّا طلبناه من الله والله أكبر! لا يتعاظمهُ شيء ولا يصعب عليه شيء، ويعطي ولا يبالي، ولولا ذلك ما قدرتُ بِعصياني وسيئاتي أن أسأل هذا السؤال، ولا تجاسرْتُ على هذا الطلب، وللجمع كلهم؟ نعم بل ولأهليهم ومن في بيوتهم، بل أُلِحُّ على ذي العرشِ ومَن في أصلابهم، لا لشيء منَّا ولكن لأنهُ الله.
فيا غنيُّ هذه أيدي الفقراء، ويا قوي هذه أيدي الضعفاء، هذه أيدي العاجزين، فما تجلَّيتَ به على مجْمعٍ مقبول في الأرض، اجْمعه لنا في مجمعنا هذا، يا الله يا الله، وقولوا جميعاً: يا الله، واسألوه واطلبوه، فهو يسمعكم وهو ينظر إليكم، وملائكته تُؤمِّن على دعائكم، وأرواح الماضين من الصالحين حاضرة معكم، اغنموا الفُرصة، استفيدوا هذه المِنحة، خذوا نصيبكم من هذه الساعة، بقلوبكم وكُلِيَّاتكم قولوا يا الله، ولو لم يُرِد قَبولكم رماكُم على غيره، ورماكم إلى عمل لا يُحِبّه، لكنه جمعكم هنا في هذه الساعة، وكان كتب ذلك قبل خلْق السماوات والأرض، بأفرادكم وأسمائكم، رجالكم ونساءكم، لا يخرج واحدٌ أنه قد ذكره قبل خَلْق السماوات والأرض وحدَّد حضوره وعيَّنه، فهل علمتم الفضل له؟!
ذَكَرَنا قبل أن نذكره، ذَكرنا قبل أن يخلقنا، ذكرنا قبل تكوين أجسادنا وقبل خلْقِ أرواحنا، وذكرنا بِرحمته في الأزل واليوم حضرْنا كما عيَّننا هو في قضائه وقدره!
ما أعجب جود ربكم! ما أغرب فضْل إلهِكم! ها أنتم بين يديه وهو ناظرٌ إليكم، وسامعٌ لِدعائكم، ومطَّلِعٌ على ما في خواطركم، فأروهُ ما تحوزونَ به رِضوانه الأكبر.
يا ربِّ، الرعية والراعي في هذه البلدة والعلماء والعوام أصلِح ظاهرهم وباطنهم، واجمع شمْلهم على ما تُحِب، واكتُب لهم الأمن والطمأنينة والخير والسكينة. وأصلِحْ لِكُل واحد منهم دينه الذي هو عصمة أمره، ودُنياه التي فيها معاشه، وآخرتهُ التي إليها معاده.
وشَرِّف جميع هذه العيون بالنظر إلى طلعة الأمين المأمون، وشَرِّف جميع هذه العيون بالنظر إلى طلعة الأمين المأمون، وشَرِّف جميع هذه العيون بالنظر إلى طلعة الأمين المأمون، لا يخون بعدها، ولا يؤذي جاراً بعدها، ولا يؤذي إنساناً بل ولا حيواناً، كيف يفعلُ ذلك وقد طلب طلباً عظيماً! ورجاءً كريماً! النظرة إلى وجه النبي محمد لا يُساويها شيء، وهو القائل: "الويل لمن لا يراني يوم القيامة"!
كانت سيدتنا عائشة تُخيِّط الثوب وقت السحر، فسقطت الإبرة من يدها وانطفأ المصباح، ففتَّشت بأصابعها ولم تعثُر عليها، وأقبل النبي، فعندما رفع الستارة أشرق نور وجهه فرأت الإبرة ورفعتها، سلَّم عليها وردَّت عليه السلام، فقالت: ما أضوأ وجهك يا رسول الله، انطفأ المصباح وبحثتُ عن الإبرة فلم أعثر عليها فلما رفعت الستارة رأيت بنور وجهك الإبرة، قال: "الويل لمن لا يراني يوم القيامة يا عائشة" قالت: ومن لا يراك يوم القيامة؟! قال: "من ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ علي" فأكثروا الصلاة والسلام عليه، إنّ أوْلانا به يوم القيامة أكثرنا عليه صلاة، ومن صَّلى كل صباح وكل مساء عشر مرات عليه، وجبت له شفاعته.
فيا ربّنا صلِّ على من جعلتنا به خير أُمّة، عبدك المصطفى إمام الأئِمّة، من بسطتَ لنا به بساط الرحمة، وعلى آله وصحبه وأتباعه في كل مُهمّة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل القمّة، وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويا أهل الجمْع استعدّوا لِنَيلِ هذا الفضل العظيم من الإله العظيم، بتحقيقِ التوبة وتعاونكم رُعاةً ورَعِيَّة، على نصْر شريعة الله وخِدمة المجتمع، مؤمنهم وكافرهم وحيواناتهم، واقصدوا وجه الله، وربُّوا أولادكم على محبة الله ورسوله، وأصحاب المهمة العظيمة بينكم؛ العلماء والمُتخرّجون من هذه المعاهد التي ذكروها، سواء من الذين انطوَوا تحت جمعية "الوفاء بعهد الله" تعالى، وسواهم من الذين انطووا تحت راية سندٍ إلى النبي محمد، مُهِمّتهم كبيرة في هذا الوجود، وسندكم قد عَظُم، تكرَّر في هذه البلدان منكم قُطْبٌ بعد قطْب، ومُقرَّب بعد مُقرَّب وصِدِّيق بعد صدِّيق، من قرونٍ إلى قرْنِكم هذا، فأحسِنوا خلافتهم وقوموا بالثبات على هَدْيهِم؛
فهُمُ القوم الذين هُدوا ** وبفضلِ الله قد سعدوا
ولغير الله ما قصدوا ** ومع القرآن في قَرَنِ
سمِعتم أثَر فردٍ من أفرادكم قبل ثلاثمائة سنة أُخرِج من هذه البلد، وكان أُريدَ أَن يُحقَّر وأنْ يُضيَّق عليه، الشيخ يوسف مِن أرض مكاسِر -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، فتوجه إلى جنوب أفريقيا فدعا الخلقَ إلى الله فانتشر الإسلام في تلك البلد، سُلطة الكفار نَفتْهُ من إندونيسيا لِئلّا يَقوى الإسلام ولِئلّا يقوى به المسلمون، فانتشر به الإسلام، انتشر الإسلام هناك وما ضَعُف الإسلام في إندونيسيا، بل تجدّد وتقَوَّى قرناً بعد قرن.
وهكذا سُنَّةُ الله؛ مَن صدق معه فلو اجتمعت عليه قُوى الأرض كلّها تريد إذلالها عَزَّهُ الله، أو تريد إطفاء نورِ الله تبارك وتعالى ولكن يزدادُ إشراقُه، فَبِصِدْقكم مع الله واجتماعكُم على ما يرضاه، ونشْرِ العلوم النافعة، وأخذ جميع المصالح والمنافع لِتكون خادمة للدين في مجتمعنا وسببًا لاستقرارنا، وملاحظة أحوال قلوبنا في أدبنا مع الله مع بعضنا البعض، لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نتشاتم ولا نتسابّ، لكن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً.
بارك الله في حضوركم، الذين جاءوا من مسافات بعيدة لهم عطايا مديدة، والذي قطع مسافة الألف الكيلو على دراجة هوائية قطع مسافةً بينه وبين الله، نرجو أن يكون مِن جزائها سرعة المرور على الصِّراط، فإنّ الجزاء من جِنس العمل.
وإنّ من مقاصدنا في هذا المجْمع وما نُلِحُّ به على الربِّ الذي يرى ويسمع جلَّ جلاله أن يجعلنا عند المرور على الصِّراط في الركبِ النبوي المحمدي، ولنتهيّأ لذلك، وقد جاء في الحديث أنه عندما يمرُّ وتمرُّ بنته فاطمة، ينادي مُنادٍ من بُطْنان العرش: "يا أهل الموقف، نكِّسوا رؤوسكم وغُضوا أبصاركم، فاطمة بنت محمد تمر على الصراط"، نرجو كل امرأة منَّا حاضرة هنا أن تحضُر معها هناك، ونستعد لذلك بتذكُّر قول نبينا: "لا تزولُ قدما عبدٍ على الصراط يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع: عن عُمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه" -سؤال عن العمر جملة، لكن عن مرحلة الشباب خصوصاً- قال الله في الحديث القُدسي: "أيها الشاب الناسك التارك شهوته من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي" ألحِقْ جميع شبابنا بهذا الصِنف يا ربّ الأرباب.
وبعد العمر كلِّه والشباب خصوصاً: "عن عِلْمهِ ماذا عمِل فيه" ؛ ما كان نافعًا في الدينِ أو الدنيا فلينفْع به عبادَ الله، ويُحْسِن هو التطبيق له والانتفاع به، والرابع: "عن مالهِ من أين اكتسبه وفيم أنفقه" فتهيّأوا للمرور على الصراط بحُسنِ الجواب عن هذه الأربعة، ومعنى "لا تزولا قدما عبدٍ" يعني ما تمضي؛ سواءً تسقط في جهنم أو تمرُّ إلى الجنة "لا تزول قبل المرورعلى الصراط، حتى يُسأل عن هذه الأربعة.
ومحلُّ المرور على الصراط، أحد المواطن التي يتفقَّدها رسولُ الله يوم القيامة، صحَّ في الحديث أن سيدنا أنَس بن مالك قال: "أسألك الشفاعة يوم القيامة يا رسول الله" فقال: "إني فاعلٌ إن شاء الله" قال: "فأين أجِدك؟" قال: "اطلبني عند الميزان" قال: "فإن لم أجِدك؟" قال: "فاطلبني على الصراط" قال: "فإن لم أجدك؟" قال: "فاطلبني على الحوض، فإنِّي لا أُخطئ هذه المواضع الثلاثة" يتفقّد الميزان والصراط لأجل الشفاعة، ويقومُ على الحوض لِيَسقي أُمّتهُ، ومن شرِب شرْبةً لم يظمأ بعدها أبداً.
أورِدْنا على الحوض المورود، يا برُّ يا ودود، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين، أمطِر سحائب جودك على ساحات قلوبنا، ولا تصْرِف منَّا أحدا إلا صالحاً قلبُه، مغفوراً ذنبُه، مستوراً عيْبُه، مكشوفاً كرْبه، مؤيَّدا منك بتأييد، مُسدَّداً بتسديد، ونسألك كمال حُسن الخاتمة.
سمعتم اللحن في ترديد (الراتب) الذي نقله الشيخ يوسف إلى جنوب أفريقيا، وكان الكفار الهولنديون والبريطانيون الذين طردوه من اندونوسيا أيضاً تابعوه هناك، ولمَّا رأوا انتشار الإسلام على يديه وحاولوا التضييق عليه فصار يجعل (الراتب) في لحنٍ طويل، حتى إذا جاءوا يتساءلون ما هذا؟ يقول غناء نُغنِّيه فيتركونه، لأنهم لا يريدون أن يُقيم حفلَ دين ولا تذكير، فلمَّا جاء بهذه الصورة ويسمعونهم يترنمون بالراتب تركوهم، ونشر الراتب للإمام الحداد لأنه شيخه وأخذ عنه في اليمن.
شُرِّفتم فكنتم أكبر دولة في الإسلام، شُرِّفتم بهذه الجموع الكبيرة من أجلِ الله، ظهرت آثار الإسلام وتربية النبي محمد في آبائكم حتى اشتهرتُم بِحُسن الخُلُق، واليوم والأمّة في هذا المنعطف تنتظر إنقاذ الله تعالى وإنجاز الوعد بإقامة منهج رسوله صلى الله عليه وسلم؛ يجب أن يكون لكم يا أهل إندونيسيا دورٌ كبير وأثرٌ بالغ.
اللهم انصرْهُم بدينك وانصرْ دينكَ بهم، وقد تعمَّق عندكم في جاوة الشرقية معاني المحبة والاستقامة على المنهج القويم -شافعية- أحد المذاهب الأربعة، مُتصوفة في السير إلى الله في طريق الإحسان، وثَبَتَ على ذلك الأجيال من قبل جيلاً بعد جيل، نعمة كبيرة، الله يُتمُّها عليكم، نسأل المُنعِم أن يُتِمّ النعمة.
ونُجدِّد توبتنا إلى الله، وقولوا جميعاً:
نستغفرُ الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، مِن جميع الذنوب والمعاصي والآثام بيننا وبين الله، وبيننا وبين عباد الله، ومِن جميع ما يعلمه الله.
اللهم اجعلها توبة نصوحاً، تُزكّينا بها قلباً وجسماً وروحاً، لا يُنْقض عقْدُها ولا يُخْلف وعْدُها ولا يُنْكث عهدها يا أرحم الراحمين.
وجدِّدوا إيمانكُم، قالوا: يا رسول الله كيف نقول؟ قال: أكثِروا من قول لا إله إلا الله، فنقولها جميعاً: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، مُحمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبداً عدد خلقه ورِضا نفسه وزِنة عرشه ومداد كلماته، احيِنا عليها يا حي، وأمِتنا عليها يا مميت، وابعثنا عليها يا باعث، كما جمعتنا هنا على ذكرك فلا تُفرِّقنا يوم القيامة عن حوض نبيّك، ولا عن الحضور تحت لواء الحمد الذي يحملُه، وفي دار الكرامة يا ربنا؛
فيا ربِّ واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
وأتِمَّ التوفيق لأهل العلم والدعوة إلى الله، بالصدق والإخلاص، والحرص والرحمة لعبادك والألفة والأخوّة بينهم، وخُذ بأيدي المُحافِظة والحاضرين من المسؤولين معنا ومِن جميع الرَّعِيّة، وسِرْ بنا وبهم في الطريق السَّوية.
فيا ربِّ ثبِّتنا على الحق والهدى ** ويا ربِّ اقبضنا على خير ملةِ
برحمتك يا أرحم الرحمن، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
07 صفَر 1445