(231)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في الاحتفال السنوي الكبير بذكرى المولد النبوي الشريف في مسجد الرياض، في لامو، جمهورية كينيا، ليلة الجمعة 28 ربيع الأول 1445هـ
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله ربِّ العرش العظيم، جامِعنا سبحانه وتعالى لأمر عظيم، وما حضرنا إلا قد توجهت تواعيه إلى قلوبنا فبتوفيقه حضرت، وإليه توجهت، وعليه اجتمعت؛ فسبحان خالق السماوات والأرض وما بينهما له الحُكم وإليه ترجعون.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما تُسرون وما تُعلنون، بيده ملكوت كل شيء، وإذا أراد شيئًا قال له كن فيكون.
فقد أراد جمعكم في هذه الليلة البهية في ساحة العطايا السنَّية وساعات الإفضال الربانية، ولحظات الفيوضات الإحسانية، يا من جمعتنا اقبلنا على ما فينا وأصلح ظواهرنا وخوافينا، ونشهد أنَّ سيّدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمّدًا عبده ورسوله، وحبيبه ونبيه وصفيه وخليله، ختم به النبيين، وجعله سيد المرسلين، ومفتاح باب رحمة الله والسبب لنيِّل مِنن الله، حبيب الرحمن أن أنزل عليه القرآن، وجاءنا بالهدى والبيان وطهَّر القلوب عن الأكدار والرَّان، خُصِّصنا به وهو خير الأنبياء فكُنَّا خير أمة وتمت علينا به من الله النعمة، فخيرات أمته لا تُحدُّ ولا تُحصى كما أنّ جاهه عند الله لا يُعدُّ ولا يُستقصى.
فحمدًا لربِّ خصَّنا بمحمّد ** وأخرجنا من ظلمة ودياجرِ
إلى نور و إسلام وعلمٍ وحكمةٍ ** وأمن وإيمان وخير الأوامر
فطهرّنا من رجس كفر وخبثه ** وشركٍ وظلم واقتحام الكبائر.
والقائمٌ السجّاد في غسق الدجى ** فسل ورم الأقدام عن خيرِ صابر
هو الزّاهد المُلقي لدنياه خلفه ** هو المُجتزي منها بزادِ المسافر
وباذلُها جودًا بها وسماحة ** بكفِ النداها كالسحاب المَواطر
هو السّاس وهو الرأس للأمر كله ** بأوّله يُدعى لذاك وآخرِ
وتحت لواه الرّسل يمشون في غدٍ ** وناهيك من جاه عريض وباهرِ
قال نبينا المصطفى ﷺ: "ولواء الحمد بيدي يوم القيامة"، آدم فمن دونه تحت لوائه.
يا أيها الجمع الكريم إنا نرتقي مكانًا تحت ذاكم اللواء، ودخولا مع ركب الأنبياء والأصفياء، وما عقدّ لكم الحبيب -صالح بن علوي جمل الليل- هذا الجمع إلا لتُدِّركوا ذاكم الفخر والعُلا، ما وراء ذلك من عطاء لا يعدُّ ولا يُحصى؛ قال عنه ربكم العلي الأعلى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، فقال -جل جلاله-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]
لا يساوي مُلك الدنيا من طرفها إلى طرفها ذرة من ذلك العطاء، لو صفت لأحد ولم تصفُ لأحد لو صفت من عهد آدم -عليه السلام- إلى أن ينفخ في الصور لكانت اللحظة تحت ذاك اللواء وفي ذلك النعيم خير وأفضل وأجمل وألذ فيا ويح ويا ويل من فوّت ذاك العطاء العظيم لأجل شيء من هذه الدنيا الحقيرة.
أحذروا قلوبكم يا أهل الجمع فإن اجتماعنا هذا عُدة ليوم الجمع الأكبر.
أحذروا قلوبكم فإن الله إنما ينظر إليها، تذللوا بين يديه ليعزكم بعزة الأبد ويربطكم بنبيه محمد،
… *** ذا وقت توبتك يا العاصي إذا ما تتوب
ذا وقت أوبتك يا الشّارد إذا ما تؤوب *** ذا جمع لا شكّ تغفر به جميع الذّنوب
أقام سيدنا الحبيب -صالح بن علوي- المجلس مقتديًا ومتصلًا بشيخه الإمام -علي بن محمد الحبشي- ومنطويا فيه ونائبًا عنه ومنطوٍ في الحبيب -أبي بكر بن عبد الله العطاس- وهو المنطوي في شيوخه الأكابر والجميع منطوون في صاحب هذه الذكرى والميلاد زين العباد محمد؛ ولكنٍَ هذا الانطواء على مراتب في معرفة هذا القدر والاتصال بالحبيب البدر، فإذا حضرنا مجامع الذين ارتبطوا في أعلى معاني الارتباط وانطووا في أرفع معاني الانطواء يتيسر الطريق علينا.
وتسنَّ لنا أن ندرك حظًا عظيمًا وقسمًا جسيمًا؛ أنتم في الليلة الغراء مستقبلين اليوم الأزهر ومجمعكم معروض على خير البشر، ومنظور بعين عناية الله ربِّ العالمين بأكرم النظر وبخير النظر، بأشرف النظر فانظروا ماذا ينظر في قلوبكمُ وماذا يطلع عليه في أسراركمُ فإنه عالم الغيب والشهادة،
ويعطي ولا يبالي..
يُسّعد ولا يبالي..
ويُشّقي ولا يبالي..
ويهدي ولا يبالي..
ويُضل ولا يبالي..
ليس كمثله شيء؛ لا يبلغ أحد ضره فيضره، ولا يبلغ أحد نفعه فينفعه، بل الكل تحت قهره وسلطته وأمره.
قال سيدنا الإمام الشافعي يخاطب ربه -جل جلاله-: "فما شئت كان وإن لم أشاء، وما شئت إن لم تشاء لم يكن، خلقتَ العباد على ما أردت ففي العلم يجرِ الفتى والمُسن، على ذا مننّت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تُعن"
اللهم يا من وفّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وفقنا للخير وأعنا عليه، اكتب حاضر في السعداء والمقربين الشهداء، هاهنا وغدا، يا مُسعد السعداء، يا واهب السعادة، يا معطيَ الحسنى وزيادة، يا عالم الغيب والشهادة انظر إلينا في جمعنا هذا وارحم صغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا اجعلها ليلة من أبرك الليالي؛ تمطر سحائب الجود على ساحات القلوب، وتُغفر جميع الذنوب، فلا ينصرف أحد من الجمع إلا مرتبطًا بحبيبك المحبوب.
يا أيها الأحباب إنها ساعة وهب من الوّهاب، وجود يهطل وينساب، وعطاء بغير حساب؛ فتوجهوا إلى رب الأرباب وتشفعوا بسيد الأحباب، واصدقوا في التوبة إلى التوّاب والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
وقال تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ ) [الفرقان:70]..
لا أحسن معامل من الله الجوَاد، ولا أكرم من ربِّ العباد، فتوجهوا اليه متذللين بين يديه، وربما لحظة نفعتك الى الأبد ورفعتك الى المقام الأسعد، وربطتك بالنبي محمّد، وقد دارت انوار لا اله الا الله على قلوبكم وأكرمكم الحق بالشهادة بها، أنَّ سيدنا محمد عبده ورسوله.
وبدواعيها حضرتم الى هذا المكان، واجتمعتم في هذه الساحة وتوجهتم إلى واحد أحد فرد صمد؛ منه المبتدأ وإليه المرجع والمرّد، كل مكلف واقف بين يديه بل: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم:93].
يا أيها الحاضرون يُساقوا جميع المكلفين زمرًا زمرًا إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار؛ كما نصَّ ربنا في القرآن قال: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ) [الزمر:71]،
وما تلك الزمر الكافرة التي تساقُ الى النار إلا على حسب زمرهم في الدنيا، من اجتمعوا في أي زمان ومكان على الصدّ عن سبيل الله، أو إيذاء خلق الله، او ظلم الخلق في أي شيء؛ ومن ظلم قيد شبره من أرض طُوِّقه يوم القيامة من سبع أربين.
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47]،
إنه حُكم العدل الخالق في يوم جمع الخلائق، (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة:49-50]
إنهم الزمر التي تنشر الفساد بين الناس، وتدعو الى خلط الرجال بالنساء، وتفتح أبواب الفواحش والمنكرات بل وصلت منهم زمر في زماننا إلى أن ينكروا أصل الخِلقة والذكورة والأنوثة، متناقضين مع العقل والعلم والحكمة والإنسانية.
فهم زمر ويساقون يوم القيامة إلى النار زمرًا، (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:71-72].
ويل لمن تكبر على الله! ويل لمن تكبر على دين الله! ويل لمن تكبر على رسول الله! ويل لمن تكبر على شرع الله!
(فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:72]
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ) [الزمر:73] أنبياء وصديقون وشهداء وصالحون؛ ومع كل واحد منهم طوائف من الذين ارتبطوا به واقتدوا وساروا على دربه؛ فهم زمر في القيامة كما كانوا زمرًا في الدنيا.
آن الإيمان في الدنيا دعاهم إلى الاجتماع على طاعة الله، فأقاموا الفرائض؛ ومن أعظمها الصلاة في جماعة، وتفقهوا في أحكامها رجالا ونساءً، فكانت طهارتهم صحيحة وصلواتهم صحيحة مع ذلك يحرصون على الجماعة يحرصون على حضور القلوب مع الله، وتفهموا معنى الصلاة؛ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]
ومن مثل فرض الزكاة في الأموال التي أوجب الله فيها الزكاة أو زكاة الفطرة التي فرضها على كل قادر من المسلمين يوم عيد الفطر، ومثل فريضة الصوم في رمضان وأداءها على وجهها، "فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، "الصوم جُنَّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرّفث ولا يفسق ولا يصغب فإن سابّه أحد أو شاتمه فليقول إني صايم"
وبعد الفرائض عشق النوافل وتعاونوا عليها، فالذين ينشرون الفقه في الدين زمرة من الزمر، والمجتمعين في مجامع الذكر والعلم زمرة من الزمر، والقائمين بالدعوة إلى الله زمرة من الزمر، والمصلحين بين الناس المتخاصمين زمرة من الزمر، ومن سعى فأن يصلح بين اثنين حتى اصطلح لأجل الله تعالى كان خيرًا له من ثواب ثلاثين حجة مقبولة؛ ومن فرق بين متحابين فرّق الله بينه وبين ما يحب يوم القيامة.
وهكذا في الفرائض والنوافل يكون الأمة زمرًا زمرًا، (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ *وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر:73-75]
تهيأوا لذاك اليوم في مثل هذا الجمع، في مثل هذا اللقاء، وفي مثل هذه الساحة نزِّهوا بواطنكم عما لا يحب ربكم، واصدقوا في إقبالكم عليه، وتوجهكم إليه، باقي أعماركم القصيرة وإن طالت أعمارنا فهي قصيرة بالنسبة لما قبلها وأعظم بالنسبة لما بعدها؛ ويقول الذين طالت أعمارهم من الكفار والفجار لبثنا يوما أو بعض يوم.
"وجاء أن الملائكة سألوا النبي نوح -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- وقد تَعَمّر ألف ومائتي سنة قالوا: كيف رأيت الدنيا؟ قال كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر"
هكذا حياتنا القصيرة ولكنها خطيرة، لمن اغتنمها المقامات الكبيرة، ولمن ضيعها الحسرة الكبيرة.
وجاء عن نبينا ﷺ: "ليس يتحسر أهل الجنة في الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها"
يا مجتمعين في جمع تشهد حديث رسول الله؛ أنَّ المنادي يناديهم من قِبل الله تعالى أن قوموا مغفورا لكم قد بُدّلت سيئاتكم حسنات، لا تضيع هذه الساعة، لا تفوت هذه الفرصة احذر قلبك، عظّم ربك اصدِق معه، اقبِل عليه اجعله ينظر إلى قلبك نية أن لا تعصيه باقي عمرك، وأن تقيم أمره في نفسك وأسرتك وأهل بيتك وأولادك وأصحابك وجيرانك وأهل عملك، فالمؤمن يقوم بنورانية الإتصال بالله حيثما كان في وسط بيته في محل عمله وفي سوقه وحينما يركب سيارة أو يركب طائرة أو يلاقي أحد من الناس مسلمًا كان أو كافرًا؛ بل عليكم معشر المسلمين أمانة عظيمة أمام الكفار؛ تقوم على جانبين الجانب الأول: حماية عقولكم وأفكاركم وأخلاقكم من شرورهم وكفرهم، وحماية أبنائكم وبناتكم.
والجانب الثاني: تَبْيينكم لهم جمال هذا الدين؛ مساعدتكم لهم أن يهتدوا، وحسن معاملتكم لكبيرهم وصغيرهم بالأمانة بل والإحسان بالبر والقسط الذي شرعه الله
في القرآن: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة:8]
برًا وقسط؛ البر: هو الإحسان، والقسط: هو العدل والإنصاف.
وقال بعض أهل العلم إنّ ذكره بعد البر معناه: أن تقسطوا لهم أي: تعطوهم نصيبًا مما تقدرون عليه، أو تملكونه من الخير فإذا كان هذا مع الكافر فكيف مع المسلم؟ فكيف مع القريب؟ والرحم؟
عظموا أمر الله! عظموا شرع الله! قدموه على أهوائكم، فإنّ صاحب الرسالة يقول لنا: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"
هو الذي يجمع لكم هذه الخيرات كلها، مراقبة قلوبكم في محبتها، أن تتيقنوا أن الأحق بأن تحبوه ربكم الذي خلقكم؛ فهو المُنعم المتفضل "وما بكم من نعمة فمن الله"، وله الجمال كله، وله الكمال كله، فلا أحق أنْ يُحبْ من الله، ومن أجل الله لا يُحبْ شيء كمحمد بن عبد الله؛ فهو أحق من يُحب لا يجوز لي وقد آمنت بربي أن أساوي محبته بمحبة نفسي بل هو أحب لي من نفسي؛ وأمرني بذلك ربي؛ وهدّد الله في القرآن من قدّم شيء على محبته ومحبة رسوله والجهاد في سبيله؛ وقال: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا..) [التوبة:24] هذا غاية التهديد!
(..فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24]
-الله يحيينا ويميتنا هو ورسوله أحب إلينا مما سواهما-.
وعلى هذه المحبة اجتمعتم، وفاضت النعمة عليكم، وقام لكم مثل هذا المقام العظيم مظهر من مظاهر أهل السنة والجماعة، من مظاهر إرث النبي محمّد، من مظاهر السند المتصل إلى رسول الله، بسلسلة المقربين والعارفين والأكابر الصديقين؛ مِنّة من الله عليكم وانتهت الآن الخلافة إلى حبيبنا -أحمد بن أحمد بدوي بن سيدنا صالح-؛ مُعان ومُصان ومنظور بالإحسان ومراعى في كل شان، يفوز من ساعده وناصره وقام معه، وتنتشر في ذرية سيدنا صالح أنوار المحبة والأخوة والألفة؛ ومنهم إلى جيرانهم وأصحابهم وأحبابهم وتلامذتهم، وكلها أمانات عظيمة نُسأل عنها يوم القيامة.
ولا إنّ من أحب الله ورسوله أحب من أجل الله ورسول آله وصحابته، ثم أمته عامة وخاصتهم خاصة، وخواص الأمة ورؤوسها آل بيته وصحابته الكرام، وبعدهم خواص الأمة الصديقون والعلماء العاملون المعلمون العارفون، ثم كل من قال: لا إله إلا الله، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.
ويجد الإنسان هذه الحقيقة واضحة في نفسه؛ هل يصُدق في حبك من كان يكره أولادك أو يكره أصحابك؟ وهل يمكن أن تفرح منه بذلك؟ وأن ترضى عليه بذلك؟ فتقول لفلان أنت صاحبي وأنا أحبك كثير ولكنك تسب ولده وتوذيه وتضربه أو تسُب أصحابه الذين يقومون معه، ويخدمونه وينصرونه!
فهو مهما كان إنسانًا سويا لا يرضى بذلك ولا يقبله منك؛ بل يقول إن كنت تحبني فأحب صحبي وأحب آلي وأولادي.
ولا أطهر نفسا من رسول الله، ولا أوفى من رسول الله، أتراه يقبل من يوذي أولاده أو يوذي صحابته؟؛
ولقد سُئِلَ سيدنا جعفر الصادق عليه -رضوان الله- ما كان منزل أبي بكر وعمر من رسول الله ﷺ؟ قال: كحالهم الآن، ومكانهم الآن؛ يعني: قبريهما بجانب قبره، قال كذلك كانت منزلتهم في حياته.
(والسَّابِقُونَ الأَوْلُونَ مِنْ المُهَاجِرينَ والأَنّصَار) وفيهم من آل بيته العدد المبارك بالرؤوس أهل البيت، قال عنهم ربنا في القرآن: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، فهل لأحد كلام مع كلام الله؟ هل لأحد حكم بعد حكم الله؟
(رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ) [التوبة:100] بل هذا ليس لهم وحدهم، هذا حتى لمن اتبعهم لأنه قال والذين اتبعوهم بإحسان، ومعنى الذين اتبعوهم أي: أنهم محل قدوة يرتضيها الله، ويحب من جاء من بعدهم أن يمشي على خطاهم وأثرهم.
فالله يجعلنا في زمرتهم وفي دائرتهم ويحشرنا معهم إلى الجنات التي أعدّها لهم؛ يغبط جمعكم كثير من الملائكة وكثير من أهل البرزخ، ويود من يود منهم أنه لازال في الحياة الدنيا ليحضر هذه الجلسة وهو في الحياة الدنيا، فاغنموا الساعة الشريفة وتوجهوا بالقلوب النظيفة، واسألوا الرحمن عظيم الشأن يصلح السر والإعلان، ويجعل المجلس هذا خيرًا كبيرًا عظيمًا واسعًا منتشرًا يعموا -أهل لامو وأهل كينيا، وأهل شرق أفريقيا- وجميع المسلمين في أفريقيا وفي آسيا وبقية قارات العالم ويشمل الأحياء والأموات، بفضل رب الجميع وإله الجميع؛ ذي العطاء الوسيع، والجود الذي لا حدَّ له إنه الله! إنه الله! إنه الله!
توجهوا إليه جميعًا وقولوا بقلوبكم وألسنتكم: يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله.
وكل من له حاجة منكم يرفعها إلى الله، و يستحضرها في هذه الساعة، وقدموا حاجات الدين والآخرة، ثم حاجات الدنيا؛ وقولوا: يا الله تحظوا بفضل الله، وتنالون جود الله، ويصلكم فضل الله، وتنتشر عليكم رحمة الله، يا ربي لا صرفتنا إلا وأنت راضٍ عنّا يا ربي لا صرفتنا إلا وأنت راضٍ عنّا، يا ربي لا صرفتنا إلا وأنت راضٍ عنّا، يا ربي لا صرفتنا إلا وأنت راضٍ عنّا.
ومن تقدم قبلنا في هذه الأماكن ارفع لهم الدرجات عندك واجمعنا بهم في دار الكرامة، وقد شهِدنا مع السيد الشريف -عبد الرحمن ختامي- وجاء بعده -السيد حسين- والآن السيد -أحمد بدوي-، وجميع قراباتهم ومن مضُوا من محبيهم ومحبوبيهم الله يرفع لهم المراتب، واجمعنا بهم في دار الكرامة تحت لواء الحمد، وعلى الحوض المورود، وفي الفردوس الأعلى، وفي ساحة النظر إلى وجه الله الكريم؛ اللهم آمين اللهم آمين.
واغنموا في هذه اللحظات بكلمات سيدي -أحمد بن أحمد بدوي- وأحضروا قلوبكم متوجهين إلى ربكم، وابشروا بالخير كبير وإن ظهرت شرور وآفات في العالم فخير الله مُقبل على المؤمنين.
وتوجهوا إلى الله إلى المسلمين في فلسطين يحرر الله بيت المقدس؛ يُطَهر الله بيت المقدس، يرفع سلطة المحتلين المغتصبين من اليهود الغاشمين، ويردّ كيدهم في نحورهم و يلطف بالمسلمين في فلسطين، ويرزقهم الإخلاص والصدق معه، وقصد إحياء دينه وإعلاء كلمته، وأعانهم على ذلك، وأيّدهم بالتأييد وسددّهم بالتسديد، وجمع شمل أهل السودان والمسلمين في الشام وفي كل مكان.
نظر الله إلى الأمة.. نظر الله إلى الأمة.. نظر الله إلى الأمة
نظرة تُزيل العنا عنّا وتُدنِ المُنا منّا ** وكل الهنا نُعطاه في كل حين
آمين اللهم آمين.
02 ربيع الثاني 1445