(231)
(536)
(574)
(311)
كلمة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مجلس الذكر والتذكير في دار الأنوار، بمدينة عمّان، الأردن، ليلة الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1445هـ
الحمد لله رب العالمين، قد طال الوقت عليكم وسمِعتم ما فيه الكفاية، المهم أن تتزوّد منكم القلوب والأرواح بأسرار الصّدق مع إلهكم الفتاح؛ والاستنارة بنُور البيان والإيضاح عن سيّد أهل الصلاح وإمام أهل الفلاح والذي به الخيرات تتجدّد في هذه الأمة على مدى الأوقات والأزمان، وتتجدّد به مظاهر الصدق مع الرحمن جلّ جلاله وتعالى في علاه في صِغار الأمة وكبارها؛ ورِجَالِهَا ونسائها على حسب ما قضتْ به حضرت الفضل من المتفضل الكريم، الإله العظيم جل جلاله وتعالى في علاه، حتى اجتمعتم في هذا البلد المبارك على هذه الذكرى لهؤلاء النموذج الأطيب، النموذج الأعذب؛ النموذج الأعجب للصدق مع الله، وللصدق مع رسوله وللخلافة عن الله على ظهر هذه الأرض.
وكانت تلكم المواجهة التي سمعتم عنها، والثلاثة الآلاف مقابل المئتين الألف هذا بجهة العدد والعُدة كذلك؛ لا مناسبة بين هذه العدة وهذه العدة ومع ذلك دُحر أولئك القوم ورجعوا وفروا، وقد قُتل الكثير منهم واصُطُفِىَ للشهادة أحد عشر من أصحاب المصطفى ﷺ؛ وكان وصفهم الفُرّار كما سمعتم، وكان من ذلك ما سمعتم الحديث عنه من وجود هذه الآثار في زماننا، وفي وقتنا متصلة بتلك المُهَج وبذلك المنهج وبذلك الدّرَج، وبذلك الصدق مع الحق جل جلاله وتعالى في علاه.
وهيّأ الله لكم مقارنة بين كثير من أحوالهم، وبين ما أوجده في وقتكم وفي زمانكم في غزّة التي هي غزّة غزت كما سمعتم لها غزو إلى قلوب في المشارق وفي المغارب؛ بما أجرى الله سبحانه وتعالى فيها قديمًا وحديثًا من أسرار عنايته سبحانه وتعالى ورعايته و(..الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا..) [الإسراء:1].
فالحمد لله على هذه البركة العظيمة؛ وعمود الإسلام الذي وُضع في هذا الشأن وتوجدون بحمدِ الله -تبارك وتعالى- هذه التيسيرات وهذه التهيئات في هذا الوقت في هذه الدولة وفي هذه البلدة تستطيعون القيام بهذا الخير؛ والتذاكر والتناصر على الخير والحق والهدى، والتذكر بحقائق النصرة بالاتِّصال بالرحمن -جل جلاله- وشؤون عِلْمِكُم وعَمَلِكُم وتربيتكم لأولادكم، وشؤون توبة التائبين منكم ووحدة قلوبكم بعدما غَرَسَهُ أعداء الله من التشتيت؛ الذي خدموا به إبليس الذي لا رغبة له أو لا مطمع له أن ينال من الأمة شيئًا أكبر من التحريش بينهم، لأنه ينطوي فيه أنواع الفتن، وأنواع المصائب، وأنواع البلايا، وأنواع الرزايا، وأنواع اعتداء بعضهم على بعض، وأنواع تقبّل المفاهيم الباطلة الخاطئة عن كلام الله وعن كلام رسوله يأتي من التحريش، في التحريش بينهم.
وكذلك يريد الله تبارك وتعالى أيضًا وبتصرف أعداء الله هؤلاء الذين هم كبار حزب إبليس الرجيم، أن يشتت الله ما بذروه من هذا التشتيت، في أن يهيئ جمع للأمة بعد هذه الحوادث، وبعد هذا الظّلم الذي ظَهر، وبعد هذه الحقيقة التي ظهرت، وكُل عاقل اليوم من الأمة لا عاد يبقى مقطوع بمذهب ولا بفكر ولا بهيئة ولا بجماعة إن كان يعقل، وإن كان بقي ذرّة من ذرّات الإيمان، ويعلم أن الأمر إيمان وكفر، ويخلي تفريعاته، ويخلّي أهواهه، ويخلّي تصويراته الأخرى، الله يجمع قلوب المسلمين بعد الشتات، ويؤلف ذات بينهم، ويحيي فيهم حقائق هذا الإيمان، وهذا التوجه إليه سبحانه وتعالى والدعاء والتضرع، وما أمَدَّكُمْ به من تحريك ضمير العالم، الضمير الإنساني في العالم كُله تحرّك أو تراجع في شيء من أموره بعد أن خُدر وفُتِّر ولُعِب به وضُحِك عليه، بدأ فيه شيء من التراجع للسنين كلها، كان ظلم قائم، وكان أذى قائم، ولكن الضمير الإنساني منوّم عن هذا وبعيد عن هذا !
ورأيتم هذه الآثار؛ لأن الحق يربط الأشياء بمقاديرها، وإذا أراد قضى المراد، ولحظة من لحظات يؤذي الحق تحوّل المقاييس، وتحوّل الموازين كلها والله
ما بين طرفة عينٍ وانتباهتها*** يحول الله من حال إلى حال
جل جلاله وتعالى في علاه؛ فالله يأخذ بأيديكم فأنتم بحمد الله في هذه النعمة، وهؤلاء الأحباب وما أجرى الله على أيديهم من خير، ويجمعون ويبذُلون ويُحِبُون، والحمد لله ومن بِلاد شتى وقبائل شتى، ومن نوازع القبائل، و اجتمعتم على ذكره، و ذكرتموه -جل جلاله- وتَواصَيْتُم بالحق، وتَواصَيْتُم بالصبر، للخروج من الخُسران الذي يعمّ الإنسان إلا من قام بهذه الأوصاف أيام هذه الدنيا، فيخرج من الخُسُر إلى الربح الكبير والفوز العظيم.
فالله ينظر إلينا وإليكم في مجمعنا هذا المبارك، ويجمع شمل الأمة بعد شتاتها، ويتدارك أهل غزة بلُطف من لطفه، وعون من عونه، وغياث من غياثه.
ياسريع الغوث غوثًا منك يُدْرِكُنَا سريعًا***يهزم العسر ويأتي بالذي نرجو جميعا
يا قريبًا يا مجيبًا يا عليمًا يا سميعًا***قد تحققنا بعجزٍ وخضوعٍ وانكسار
قَد كَفاني عِلمُ رَبّي***مِن سُؤالي وَاِختِياري
فَـرَبَّنَا:
( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ..) [آل عمران:147]
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) [الكهف:10]
(..رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:250]
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ..) [آل عمران:147]
اللهم لا تجعل في مَجْمَعِنَا ولا في من يَسْمَعَنَا ويوالينا قلبًا إلا ملأته بالإيمان بك، والخوف منك، والإنابة إليك، والصدق معك، وجعلته مفتاحًا للنُّصرة للمسلمين في غزة وفي أقطار الأرض كلها، ودفعًا للبلايا والشرور.
اللهم ثبتنا على ما تحب، واجعلنا في من تحب، واجعلها ساعة من ساعات إجاباتك، تقبل فيها شفاعة سيد أهل الشفاعة، ومن دخل في دائرته من القوم الأكرمين شفِّعهم فينا، وفي قضاء حوائجنا واغفر ما مضى والحفظ فيما بقي، والثبات على ما تحب وأرِنا في الأمة ما تسر بقلب حبيبك، وما تقرّ به عينه يا حيّ يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
جُد علينا بنظرٍ من عندك تصلح به الشان كُلَّه، يا ربنا يا مجيب أنت السميع القريب ضاق الوسيع الرحيب؛ فانظر إلى المؤمنين فانظر إلى المؤمنين فانظر إلى المؤمنين نظرة تُزِيل العَنَّا عنَّا وتدني المُنَا مِنَّا وكل الهنا نعطاه في كل حين، وعِّلق هذه القلوب بك وارزقها الإقبال الكُلي عليك وصدق الالتجاء إليك والتذلل بين يديك والدعاء والتضرع.
وأعد علينا عوائد (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ..) [الأنفال:9]، فأغثنا يا مغيث بالغياث الحثيث، وادفع عنا شر كل خبيث، وزدنا من فضلك ما أنت أَهْلُه في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين.
17 جمادى الأول 1445