(236)
(536)
(575)
كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الجلسة الختامية لملتقى الدعاة السنوي الثامن عشر - في دار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، بعنوان: (مهمة التعليم والتربية والدعوة إلى الله تعالى ومصادرها الصحيحة الآمنة)
ليلة الإثنين 2 محرم 1446هـ
لمشاهدة الجلسة الختامية:
https://www.youtube.com/live/iuLoBAh_ua8
الحمد لله رب العالمين، الإله الحق الخالق القوي المتين، جامع الأولين والآخرين للحكم بينهم، وسعادة كُل مُكلَّف أن يفقهَ عن الحق التكليف، ويعلم الفضل والتشريف، وأن يتخلى عن أهوائه وشهواته، ويغنم ما بسط خالق السماء والأرض له من نَعمائه وهِباته، وما خصّصَ به هذه الأمة مِن جَعلهم خير أمة، وتفضيلهم من قِبَلهِ بنبيهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على جميع الأنبياء.
لما دعا الله داعينا لطاعتهِ ** بأكرم الرسل كُنّا أكرم الأمَمِ
نحمده ونشكره ونُثني عليه الخير كله، وهو أهل الخير وهو محلّ الحمد ومستحقّه، هو المحمود على كل حال، هو الحي القيوم الذي لم تزل نَعمائه في توال.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على من به شرّفتنا وكرّمتنا وخصّصتنا، وواسع مننك وهبتنا، عبدك المُختار المجتبى سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن على منهجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الأنوار والأسرار، وآلهم وصحبهم وتابِعيهم وملائكتك المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، ونسألك أن تجزي عنا نبيك محمدًا خير ما جزيت نبيًا عن أُمته ورسولاً عن قومه، وصلِّ عليه في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين وسلِّم تسليمًا.
وأتمِم النعمة على المجتمعين والمُتلاقين في هذه اللقاءات، وأشرك اللهم فيما تعطيهم وتنظر به إليهم وتكرمهم به من فضلك أهاليهم ومن في ديارهم، وأهل بلدانهم وبقية من شاركهم في الإيمان بك وفي حمل أمانة الاتباع لنبيك ﷺ، والدعوة إليك على سبيله ومنهاجه.
اللهم وافتح بذلك أبواب الفرج للأمة في المشارق والمغارب، وادفع عنهم جميع المصائب والنوائب، واجعل مِن فتح أبواب الفرج أن تنفتح للعقول والقلوب للصغير والكبير والرجل والمرأة، أنّ شرفهم وعِزّتهم بأخذ منهاجك وتعليماتك وما أوحيت إلى رسولك، وأنه لا يجوز لهم بحال أن يُسَلّموا زِمام تعليم ولا تربية ولا دعوة إليك لأهواء ولا لشهوات، ولا لذوي المقاصد التفاهات الساقطات، ولا لأحد غير نبيك وصفِيك ومن ارتضيتهم وارتضاهم ليكونوا محل القيادة في هذه الخيور، مِن آله وأهل بيته وصحابته، خصوصاً السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين صحّت لهم متابعتهم على ممرّ الأعصار، فهم المنشور لهم رضوانك في كتابك وبيانك على لسان حبيبك وأمينك.
ولقد قُلتَ: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فاجعلنا من أهل الفوز العظيم، يا عظيم!
واجعل أهل الملتقى ومَن شاركهم هَمَّ أمانة الدعوة إليك بالصدق والإخلاص، وأهل ديارهم وأهل منازلهم مِن القوم الذين تأتي بهم عندما يرتد مَن يرتد عن دينه فتُحِبّهم ويُحبّونك، وتقيم بهم أمرك فيما قُلتَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54]
ورسمت لنا الطريق للوصول إلى ذلك، فقُلتَ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:55-56].
يا ربّنا، وأرِنا في عامنا هذا وسنتنا الهجرية التي أقبلت علينا، نصرًا ونشرًا وظهورًا وغلبة رايات حبيبك محمد ﷺ في الديار والأماكن والأقطار، وجميع المحال والبقاع، وظهور نورِه المُشرق المبين ودينه، اللهم إنَّك زَويت له الأرض فأَريتَهُ مغاربها ومشارقها، ثمَّ وعدتهُ أن يصلَ دينه إلى كلِّ ما أَريتَهُ منها، اللهم ووعدك الحق، اللهم ونسألك أن ترينا ذلك وأن تُحقِّق ذلك وتُقِرَّ به عينه وأعين السالكين في أشرف المسالك.
اللهم اقبلنا وأحبابنا من أهل العلم الذين وفدوا من مختلف البلاد، وهم نائبون في هذا الهمِّ عن أهل بلدانهم وعن غير أهل بلدانهم مِمّن جمعهم معهم هَمُّ قصدِ وجهك، وإرادة رضوانك والرغبة في الوفاء بعهدك، والظفر بمحبتك وودك، والجمع في دائرة حبيبك وعبدك محمد ﷺ.
واجمع تلك القلوب كلها، واجمع تلك الأرواح كلها في الدنيا على التقوى والبر والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى، والمحبة فيكَ والأنس بما تُفيض من عجائب جودك وأياديك.
وفي البرازخ مع خواصِّ أهل النور المقربين من أهل عليين، وفي مواقف القيامة في ظل عرشك وتحت لواء الحمد المعقود، وعلى الحوض المورود، وفي دار الكرامة يا رب، وفي فراديسها العلا، وفي ساحة النظر إلى وجهك الكريم.
فيا ربّ واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيَبِ موضعِ
فضلًا وإحسانًا ومَنًّا منك يا ** ذا الجود والفضل الأتمّ الأوسعِ
من غيرِ سابقةِ عذابٍ ولا عتابٍ ولا فتنةٍ ولا حسابٍ.
ولننتهضْ ولننطلقْ في خدمةِ العلمِ الشريفِ، والانتهاجِ في مناهجِ التزكيةِ والتنقيةِ والتطهيرِ للضمائرِ والسرائرِ، ونفعِ العبادِ والبلادِ، تحتَ منهاجِ من قال لنا: "الخَلقُ كلهم عيالُ اللَّهِ، وأحبُّهم إليه أنفعُهم لعيالِه" ﷺ.
وأَعظِمِ النفعَ بكلِّ فردٍ منّا، ولا تجعلْ فينا وفيهم أحدًا إلا مفتاحًا للخيرِ مغلاقًا للشرِّ، برحمتك يا أرحمَ الراحمين، وجودك يا أجودَ الأجودين، وثبّتنا على الحقِّ فيما نقول، وثبّتنا على الحقِّ فيما نفعل، وثبّتنا على الحقِّ فيما نعتقد.
واكتبْ لنا البركة في أعمارِنا التامّةِ الواسعةِ، واكتبْ لنا البركة في أعمالِنا التامّةِ الواسعةِ، واكتبْ لنا البركة في نيّاتِنا التامّةِ الواسعةِ، واكتبْ لنا البركة في أهلِينا التامّةِ الواسعةِ، واكتب لنا البركة في أولادنا وذوينا التامة الواسعة، واكتب لنا البركة في جميع لحظاتنا وأنْفاسِنا التامة الواسعة، واكتب لنا أوسع البركة وأعظم البركة في خواتيمنا وحُسن خواتيمنا عند انتقالنا من هذه الحياة الدنيا التامة الواسعة، حتى نلقاكَ وأنت راضٍ عنا، مُبَشَّرَةً أرواحنا بما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَت ولا خطر على قلب بشر، وتُنادى روحُ كلِّ منَّا إلى رَوحٍ وريحان وربٍّ غير غضبان، نسألك رضوانك الأكبر، وصلاح ما بطن وما ظهر.
إلهنا، عدوُّك إبليس ومن شايعه من شياطين الإنس والجنّ عملوا على التفريق بين قلوب هذه الأمة، وعلى شتات شمل هذه الأمة، ووصلوا إلى ما وصلوا إليه، وأنت القوي القادر القهّار فاجمع شمل المسلمين بعد الشتات، وأَلِّف بينهم يا مُؤَلِّف بين القلوب بقدرتك يا قويُّ يا متين، وثبِّتهم أكمل الثبات، وقِنا جميع الأسواء من حيث أحاط بها علمك في الظواهر والخفيّات، يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
ونستودعك ما تفضّلتَ به على قلب كلِّ واحدٍ منهم، وما أكرمتهُ به من خيرٍ في وجهةٍ أو نيّةٍ، أو إرادةٍ أو زيادة إيمانٍ، أو محبّةٍ لك ولرسولك، أو محبةٍ للمؤمنين من أجلك ومن أجل رسولك، أو إرادة نفع لعبادك، وكل ما وهبتَ كُلّاً منهم من الخير نستودعك إياه، فكن لنا ولهم حافظًا يا خير مستودع، فكن لنا ولهم حافظًا يا خير مستودع في الدين والدنيا والبرزخ والآخرة، واجعلنا في خواص أهل الوجوه الناضرة التي هي إليك ناظرة، برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
09 مُحرَّم 1446