(228)
(536)
(574)
(311)
مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في ختم الدورة الخامسة والعشرين في مسجد التقوى بمنطقة الوجيب، حوطة الإمام أحمد بن زين الحبشي، مديرية شبام حضرموت، ليلة الأحد 19 ربيع الأول 1446هـ بعنوان:
عظمة الموازين الإلهية والبناء عليها وتهافت ما خالفها وواجب التعرف عليها والقيام بها على المؤمنين
الحمد لله على عجائب لطائفه، وما خبأ للأمة من عظيم تُحَفة، وما ميزها به، وأبقى من الخيرية فيها على رغم عدوه إبليس ومن دخل في صفوفه، إلى أن يعُمّ إرث النبي محمد ﷺ على وجهه الأصفى مشارق الأرض ومغاربها، ولا يبقى بيت إلا ودخلهُ دينه الحنيف الكريم الشريف ﷺ.
وفي خلال تعاقب تِلكُم العصور والدهور والقرون، تتواجد وتتوافر أنواع من الظنون والأوهام والأفكار والاتجاهات والمحاولات لإطفاء نور الله جل جلاله، والمحاولات لتفريق هذه الأمة وتشتيت شملها، ومحاولات لنشر الفساد بأنواعه، ومحاولات للدعوة إلى الكفر وإلى الإلحاد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وطوائف وأخبار جعل الله سبحانه وتعالى مظهرَها الحاكم عليها أنّ مظاهر الكفر والشرك والبدعة والزيغ والضلال مُتناحِرة، مُتدابِرة، مُتهالِكة، تُقطَع شيئًا فشيء، وتتهدَّم، وتتشتَّت، ويظهر بعدها باطل، يتناقَض مع الباطل الآخر ويُقطَع كذلك، ويُشتَّت ويُهدَّم، ويُصبِح وأهله عِبرة، وباطل ثالث ورابع وخامس، مُتباعِدة، مُتلاعِنة، مُتباغِضة، وإن كان أصلُها واحدًا من حيث التبعية لإبليس وجُنده.
وجعلَ المظهرَ للحقِّ من عهدِ آدم عليه السلام إلى أن بُعِث خيرُ الأنام إلى هذه الأيام أنه يتعاقَب في ظهور، ويتعاقَب في نُصرة من العزيز الغفور، ويتعاقَب في تجديد على أساسٍ واحدٍ وتأييد كل لاحقٍ لكل سابقٍ، وتأييد كل وارثٍ لكل موروثٍ إلى أبينا آدم.
وما سمعتم من سر الكلمة العظيمة التي يمتزج فيها الحقُّ ويظهر فيها وبِها ومنها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، التي كُتِبَت على قوائم عرش الله من قبل خلق آدم عليه السلام، ومن قبل وجود هذه الأصناف من المخلوقات على ظهر الأرض، ثم المرجع إليها وجميع المُكلَّفين: أهل النار حسراتهم وآلامهم وشقاؤهم على فقد نور "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأهل الجنة ونعيمهم ودرجاتهم على قدر الاتصال بنور "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، حتى أنها مكتوبة على كل باب من أبواب الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وعلى هذه الحقيقة الشعارات بأصنافها، بأنواعها، ما اتصل منها بـ"لا إله إلا الله محمد رسول الله" وحقيقتها تبقى له ثمار طيبة وخيرات أبدية مِتفرعة عن الأصل، وأما ما انقطع عن هذا الشعار العظيم شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فكريًا كان أو سلوكيًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا أو حزبيًا، كل الشعارات المنقطعة عن هذا الشعار: تضمحل وتتلاشى وتفسد، وتتحول إلى ندامات وإلى بكاء وعويل وصياح ولعنات على أصحابها.
حكم واحد من واحد، ملك الكل وموجد الكل ومن إليه مرجع الكل جل جلاله، ومناديه ينادي أول ما تبدأ مظاهر يوم المحكمة الكبرى يوم القيامة وينادي جل جلاله: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)، يا مُغترين بالملك من العهود الأولى وما بعدها من مختلف الطوائف والأمم إلى آخر الزمان، تحت كل المسميات، تحت كل الشعارات، تحت كل المظاهر بلا استثناء، (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ ما بقي من ملككم؟ ما بقي من عنتكم بل من تعجرفكم وتكبركم؟ من قال منكم: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، ومن قال: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، ومن قال: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)، ومن استهزأ بالنبوة وقال: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) ؟
فأين ملك فرعون وأين نبوة موسى؟ وهو عند النفخة في الصور يتعلق بقائمة من قوائم العرش، وقوائم العرش مكتوب عليها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فإذا بُعثِر ما في القبور، وأول من تنشق عنه الأرض بدر البدور، نبيكم الذي به أُكرمتم وبه هُديتم وبه مُنحتم وبه شُرِّفتم ﷺ، وكنتم خير أمة، قال: فإذا موسى قائم متعلق بقائمة من قوائم العرش، جازاه الله بالصعقة الأولى، ما عاد صعق وقت النفخة في الصور لأنه قد صعق في الدنيا، (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا)، فَجوزي بهذه الصعقة، (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ) مِمن استثناهم الحق، وموسى واحد منهم، (إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)
ثم إنه بعد النفخة الثانية في الصُّور واجتماع الناس ما يبقى سيدنا موسى عند العرش ولا عند القائمة، ولكن يأتي إلى المُسمّى الذي اسمه عند اسم الله في القائمة العرشية، يأتي إلى تحت لواء الحمد، ينزل إلى الأرض ويشارك الحشر والجمع، وينظر أمته والصالحين منهم ويدخل مع الأنبياء تحت لواء المصطفى ﷺ، "ولواء الحمد بيدي، آدم فمن دونه تحت لوائي" إلى هذا مرجع جميع البشرية.
لذا نحمد الله تعالى أننا سمعنا ورأينا ما يدور بينكم مِما له اعتبار من خلال الموازين الحقية الربانية الإلهية، المُبينة بلسان النبوة والرسالة والاصطفاء والاجتباء، من قِبل مُكوِّن الأكوان وخالق السماوات والأرض جل جلاله، ما تتحدثون عنه عما سمعناه من هذه التعلقات بالعلم النافع المُسند، والتزكية للنفس التي يترتب عليها الفلاح، والمحبة القلبية لرب الأرباب التي تُنتِج صدق المحبة لحبيبه سيد الأحباب وللسنة والكتاب، ولآل البيت الطاهر وللصحابة الأكابر، ولصالحي عباد الله تعالى للمؤمنين به عامًا ولخاصتهم خاصة، ضرورة مُتلازمة من سر "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
لا يمكن أن يُنتج عن حقيقة هذه الكلمة بغض لمؤمن ولا احتقار لمؤمن، ولا يمكن أن يكون فيها البغض إلا لما أبغض الله وأبغض رسوله، قال الله في رعينا الأول: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)، فلو مشى مع مستوى وغايات آرائكم بعقولكم وأفكاركم لوقعتم في مشقات ومطبات، مشكلة كبيرة، (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)، ولكن الله جنبكم هذا بسر تزكية ونور أوجده في قلوبكم.
(وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، صحَّح مسار قلوبكم، أعطى الصحة لأفئدتكم وعقولكم، فصرتم بذلك مهما كان عندكم من هوى ورأي تقيمونه بنورانية التبعية لخير البرية، فيذهب غبشه ويذهب غشه ويذهب ظُلمته وتخلصون إلى الحق والهدى.
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، فصار لسان الأنصار يقول: "يا رسول الله، آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق"، هذا مبدأ الإسلام، هذه حقيقة الملة، هذه حقيقة الدين، "فامضي لما أمرك الله، فإنما أمرنا تبع لأمرك"، يقول يا رسول الله، هذه العلائق والأنظمة في الوجود من طرفه إلى طرفه ما عاد أصبح لها محل في عقولنا بعد أن ذقنا كأس لا إله إلا الله،" واصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت وحارب من شئت، ونحن حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت، فإنما أمرنا تبع لأمرك". ما عاد بقي عندنا عصبية الجاهلية، ولا بقي عندنا شيء مما يملي علينا الروم وفارس، ولا شيء مما تملي علينا أعراف العرب وملوكهم، عرفنا ملك الملوك ورب الأرباب وأنك مختاره فانتهى كل شيء، تحررنا من كل رق، نحن أعزاء بالرقة لربك الذي بعثك إلينا بالعزة والكرامة.
فما عاد بقي مجال للأنظمة ولا للكلمات الفارغة من الشرق والغرب، "حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت، ولعلك خرجت تريد أمرًا وأراد الله غيره فامض لما أمرك الله، لا نكره أن نلقى بك عدونا غدًا، إنا لصُبرٌ في الحرب صدقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، ولقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبًا لك منهم، ولو علموا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، فامض يا رسول الله لما أمرك الله".
فاستنار وجهه كأنه بدر، كالقمر ليلة البدر ﷺ، قال: "سيروا وأبشروا بما يسركم، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم". وكانت المصارع بعد يومين، وصلوا إلى بدر وكان ما كان في يوم بدر، ومن أعتى ما يُلاقى من العذاب ما لاقاه قتلى المشركين في بدر، ومن أعلى ما يكون في البرازخ كان عندهم، وأعظم وأجل ما يُذاق من الحلاوة على الإطلاق كانت مع المقاتلين مع رسول الله ﷺ، مع الأربعة عشر الذين استشهدوا ومع البقية الذين بقوا بعد ذلك، يقول سيدنا جبريل: "ما تعدون من حضر وقعة بدر فيكم؟" قال له رسول الله ﷺ: "هم من خيارنا". قال: "كذلك من حضر معك وقعة بدر من أهل السماء هم خير من في السماء".
نتكلم عن موازين واعتبارات ما وضعها فكر ولا تجربة ولا حكومة تنتهي، ولا دول صغرى ولا كبرى تفنى وتبيد، لكن هذه موازين وضعها رب العالمين إله الكل، نتحاكم إليها ونرجع إليها، نرى أن الخير فيما قال الله تعالى، هؤلاء كانوا يقولون قبل وقعة بدر بيوم: "سوف نعقر ونشرب الخمر وتتسامع بنا العرب أننا الأقوياء ونكسر محمدًا وأصحابه". فانكسروا في اليوم الثاني، وموازينهم كلها طاشت وفشلت، وبقيت الكرامة للبدريين، حشرنا الله يوم القيامة معهم.
وبقيت هذه الآثار -حضرموت وحدها أو بقية العالم- ترددت عليها دول وأفكار ومذاهب وأحزاب واتجاهات، شيء من هنا وشيء من هنا وشيء من هنا، وتتلاشى تتلاشى، تضمحل تضمحل، لكن الخيط هذا الباقي من سر لا إله إلا الله بمعناه الصحيح المليح، الذي ما داخله هوى ولا سياسة ولا إرادة دنيا، ولا شيء من الأغراض القصيرة الحقيرة من طرفها إلى طرفها، ما داخله شيء.
بقي في ما شرف الله به الوادي من قوم:
فهمُ القوم الذين هُدوا ** وبفضل الله قد سعدوا ** ولغير الله ما قصدوا ** ومع القرآن في قرنِ
فتمجيدكم لهذا التعليم ولهذه الحلقات والارتباط بهذا العلم لهذا الوجه قائم على ميزان رباني ثابت قويم أبدي، تتهالك الدول ولا يهلك، وتتفانى الدول ولا يفنى، وتنهَد جميع الموازين ولا ينهد هذا الميزان.
وقد أُمِرنا أن نعقل هذه الموازين في الدين وفي الشريعة، حتى لا يلعب علينا عدونا إبليس ومن معه بواسطة النفوس والأهواء، (الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، يقول الله أنا الذي كوَّنت، لا اتجاهات ولا أحزاب ولا ملوك.
(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) من عند من؟ بترتيب من؟ (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ..) على ظهر الأرض، السابح الزرع الذي يسبح في الأرض، والنجم الشجر الذي يقوم بجذوره إلى فوق.
(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا)، وشاركه أحد في رفعها؟ الأمم المتحدة أو من؟ أو الصين أو روسيا أو أمريكا؟ ما لهم وجود أصلًا، نُطف ومُضغ وعلق كونها بعدما كوَّن السموات والأرض بملايين السنين جل جلاله، ويرجعهم إلى القبور وتعالوا يوم البعث والنشور وخذوا الحساب.
(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ)، يعني أذواقكم ومشاعركم ونظرتكم للأشياء حافظوا عليها، لا تزيغ وراء موازين كاذبة، موازين دجل، موازين استعباد للناس، وموازين مخادعة للخلق، هي التي تلعب على أكثر من يسمون مُثقفين في زماننا، أكثر من يسمون مثقفين في زماننا لعبت بهم موازين كذب، موازين دجل، وموازين متهافتة باطلة.
(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)، قال والأرض هم خلقوا شيئًا فيها يعني؟ هم كوَّنوا لكم شيئًا فيها؟ معادنها من عندي، ثمرها من عندي، وترابها من عندي، وجبالها من عندي، (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ)، نريد حتى قطعة في الأرض واحد منهم خلقها، (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ).
فهم أعداء إلا المتقين، كما سمعتم في ظل العرش، ويشفع الله المشفعين منهم في من عداهم، (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ)، و (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
تحت نورانية ميزان الله مجّدتم هذا العلم، وبحمد الله قامت النعم عليكم في هذا المكان وهذا المسجد، كما سمعتم، مرتبط بنورانية عن نورانية إلى "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وإلى أفضل من نطق بها من الخلق وقالها وهو النبي محمد ﷺ.
نعمة الله عليكم كنا نجيء للمسجد وعاد ناقص فيه كذا وناقص فيه كذا، وعاد ما فيه نورة وعاد ما فيه كذا، وجاءت واحدة بعد الثانية وكملت، ومرت السنون بحمد الله الذين حضروا هذه الدورات والذين ارتبطوا منهم بدورات في تريم وفي غيرها، خيرها هذا هو الذي سيستمر لهم وسيدركهم في كثير من مواقف أعمارهم، ودركهُ القوي عند الغرغرة، وسيرون الثمار في البرازخ ويوم القيامة.
ولولا هذه الاتصالات ما بيقدرون من شيء من الأحزاب يجيئون بهذا النور، ولا يُحصِّلون ما ينفعهم في القبور ويوم البعث والنشور، فالحمد لله، بارك الله في الشيخ صالح بن حسن ومن معه من المدرسين لأنهم يخدمون الشرع والدين الحمد لله على ذلك، هذا تجند لله، هذا جهاد في سبيل الله.
وكما أسلفنا من أراد الله به خيرًا جمعه على هذه الخيرات والأنوار من أجل الحشر يقع مع أهل النور (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) تقرأها حلوة: (مَعَهُ) ما هي؟ (مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)، حتى الأنبياء يتسابقون إلى القرب منه.
يقول في الحديث يقول آدم: "أنا أبوك، أنا أبوك، وبشّرت بك من قبل". ويقول إبراهيم: "أنا أبوك"، ويقول له عيسى: "أنا نصرتك وأحييت شريعتك".
في يوم كلٌّ بذكرك يا محمد يصيح
نوره تقدم على آدم وعيسى المسيح
سيد مُنسّب من إبراهيم هو والذبيح
عليهم سلام الله تبارك وتعالى.
الكل يُحب قربه، قال ﷺ: "أتاني ملك من عند ربي، وأخبرني أن لي ثلاث دعوات في أمتي مجابة" قال: "فقيل لي: ما الأولى؟" - يعني ثلاث مخصوصة كبيرة - قال: "قلت: اللهم اغفر لأمتي". قيل لي: "وما الثانية؟" قال: "قلت: اللهم اغفر لأمتي". قيل: "وما الثالثة؟" قال: "واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي في يوم يلوذ بي فيه الناس حتى إبراهيم وموسى"، في يوم يلوذ بي فيه الناس حتى إبراهيم وموسى، "آدم فمن دونه تحت لوائي، ما هذه الميزة التي حصلتموها معشر الأمة!
فالحمد لله جعلنا في هذه الأمة، وجعلكم في اليمن الميمون المبارك، وفي حضرموت حيث حل الصحابة بعد حلول الأنبياء في الأمم السابقة، ثم حل التابعون وتابعو التابعين، وجاءتكم العترة الطاهرة بخيارها وأنوارها، وامتزجت بها قبائلكم والساكنون في الوادي الميمون، وحصلت لذلك خيور وانتشر النور إلى أفريقيا وإلى الهند وإلى شرق آسيا وإلى هنا وإلى هناك.
اللهم لك الحمد، أتِمّ النعم علينا يا رب وارزقنا شكرها، وبارك في هذه الاجتماعات، واجز عنا مناصبنا وكبارنا وأعياننا وعلماءنا خير الجزاء، وضاعف البركة في هؤلاء المدرسين والطلاب، وسِر بهم سبيل الهدى والصواب، واجعلهم محشورين جميعًا مع سيد الأحباب، ولا تُخلِّف أحدًا منا عن ذاك الجناب، حتى نجتمع في دار الكرامة.
فيا رب واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلًا وإحسانًا ومَنًا منك يا ** ذا الجود والفضل الأوسعِ
والحمد لله رب العالمين.
19 ربيع الأول 1446