(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس اختتام مجامع الشمائل المحمدية في مدينة الشحر بساحل حضرموت، في مسجد الشيخ فضل ليلة السبت 16 ربيع الثاني 1446هـ بعنوان:
عجائب أحوال أهل السعادة والشقاء في الدارين وما يجب أن يتبيَّنه المؤمن من ذلك
لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf):
الحمد لله على نِعمة التوجُّه إلى الإله الكريم العظيم الرحيم، الجواد المانح الفتَّاح، الواسع الجود، البر الودود، الواحد المعبود، الصمد المقصود، الفرد المشهود، الذي له حقّ الوجود المُطلق، فهو وحده واجب الوجود، ولولاه ما وُجِد شيء، وأوجد ما أوجد بِقُدرته، فكل موجود سواه لا يستحقُّ من اسم الوجود إلا صورته، أو ما يستحقّ من اسم الوجود إلا استعارته، فلا موجود بنفسه إلا الإله الحق جلَّ جلاله.
وقد أكرمنا بعد خلقنا وإيجادنا جلَّ جلاله بما أوجدَ برحمتهِ من إنزال الكتب وإرسال الرسل؛ لنعرف التوجُّه إليه، ونسعد بالإيمان به سبحانه وتعالى، ونعرف من صفاته وأسمائه ما يجمعنا على تعظيمه وإجلاله، لنظفر بالنصيب مِما يؤذن فيه للعباد أن يعرفوهُ وأن يتَّصفوا به نحو إلههم جلَّ جلاله وتعالى في علاه، ومعرفة أهل السماوات وأهل الأرض بالإله جلَّ جلاله، مع عظمتها وجلالها وشرفها وعُلوِّها، لا تساوي شيئًا بالنسبة لذات الإله، ولا تساوي شيئًا بالنسبة لحقائق أسمائه وصفاته، فضلًا عن ذاته جلَّ جلاله، وإنما هي مواهب يهبُها الواهب ليدرك من سبقت له السعادة من الإنس والجن والملائكة نصيبهم من المعرفة بعظمة هذا الإله الموجِد.
وبها يتوجَّهون إليه ويتذلَّلون بين يديه، وبها يتوب التائب ويقبل التوبة ويعفو عن الذنب، وبها يُسلِم الكافر ويعود إلى ربه جلَّ جلاله، وبها يرتقي المُرتقي ويعتلي المُتقرِّب إليه جلَّ جلاله في معاني قُرب معنوي جلَّ عن الصورة والحسِّ والهيئة وعن الجهة، قُربًا له بداية وليست له من نهاية.
وجميع تلك المعارف العظيمة بالنسبة للصدِّيقين والمُقرَّبين هي يسيرة عند ما أُعطي الأنبياء من معرفة الله، وما أُعطي الأنبياء هو يسير وقليل وفرع مما أُعطي سيد الأنبياء وأصفى الأصفياء وأزكى الأزكياء ﷺ، نبيكم الذي به تشرَّفتم وارتفعتم وعلوتم وكنتم خير أمة.
ثم كان من فضل الله عليكم أن توجَّهتم إلى الله بمحبته عليه الصلاة والسلام، وتعظيمه وكثرة الصلاة والسلام عليه، والإصغاء إلى ندائه فيما أوحى الله إليه فيما تسمعونه وتقرؤونه من الآيات، وفيما بلَّغ وبيَّن من أخبار الوحي الإلهي، وتركنا على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فَصَلِّ يا ربِّ على هذا المُجتبى المختار، المصطفى المبلِّغ المبيِّن، الذي بيَّن لنا وجه الجادَّة وسبيل السعادة في الغيب والشهادة بكل المعاني، فتركنا على المحجَّة البيضاء.
ولم يزل للحقِّ في اجتهادِ ** وبعد فرض الغزو والجهادِ
ما قرَّ في ظل ولا بلادِ ** إلا على الكفار في قتالِ
وما مضى حتى أقام الدينا ** وصار سهلًا واضحًا مبينًا
فلم تخف أمته فتونًا ** بل عُصِموا في الجمع عن ضلالِ
والخُلفاء بعده والعِترة ** بهم مع القرآن مُستمرة
مِلَّتهُ محفوظة من فترة ** على الهدى دأبًا بلا انفصالِ
وصحبه فيهم لهم نجوم ** مِنهُ عليهم فاضت العلومُ
كُلٌّ له مُقدَّر مقسومُ ** من ظاهر أو باطن أو حالي
ووعدهُ الله أن يبقى في الأمة مُتَّبعون ومُقتدون واعون، ينالون من سرِّ المعرفة ما تنزاحُ به عنهم الأوهام والظنون، وما لا يستطيع به عدو الله وجنده أن يحرِفوهم عن المنهج القويم والصراط المستقيم، بالقلوب التي نقَّاها الله واصطفاها، مع ما يطرأ على الأمة من عرض الفِتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّما قلب أنكرها نكتت فيه نُكتة بيضاء، وأيُّما قلب قبلها نكتت فيه نكتة سوداء، حتى يكون الناس على قلب أبيض مُنوَّر كالصفاء لا تضرُّهُ فتنة ما دامت السماوات والأرض، وقلب منكوس مرباد مجخيّاً لا ينكر منكرًا ولا يعرف معروفًا إلا ما أُشرب هواه، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وهذه الأحوال حاصلة في الأمة كما قال نبيها ﷺ، ولكن هذا الصنف وعدهُ الله أن يبقى من أهل القلوب المنيرة "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفونَ عنه تحريف الغالين وانتحال المُبطلين وتأويل الجاهلين"، يستقيمون على المنهاج، أوائلهم قادة الأمة ورؤوسها من آل بيته وصحابته، خصوصًا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وقد لاقوا بعده من يتنكَّر لهم ويتجرَّأ عليهم، بل إلى حد أن لاقوا من كفَّرهم والعياذ بالله، ولم يرجعوا عن مسلكهم القويم.
ولمَّا سألوا سيدنا علي عن مُكفِّريه ومُكفِّري السابقين الأولين الذين معه من المهاجرين والأنصار، المُثنى عليهم بثناء الحق في القرآن، والواجب اتباعهم على من بعدهم، كفَّروهم وقالوا: يا أمير المؤمنين أكفَّار هم؟ قال: لا، بل - يعني في نظرتهم وتصوُّرهم - من الكفر فرُّوا. قالوا: فمنافقون هم؟ قال: لا، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا وهؤلاء يذكرون الله كثيرًا، قالوا: فما نسمِّيهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا، أدركتهم الفتنة فعموا وصمُّوا، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ولم يُكفِّر ولم يسبِ أموال البُغاة، ولم يأخذ منهم السبايا ولم يجعل أموالهم غنائم، وصبر ومن معه من أولئك الغُرَر عليهم رضوان الله، فورثهم من ورثهم، وكان فيمن ورثهم من استُعمِل السبَّ على المنابر عليهم، وأُمِر الخلق أن يُصرِّحوا بلعنهم والعياذ بالله تبارك وتعالى، فصبروا وثبتوا وبقوا على قوة حبال اتصالهم بالحي القيوم وحبيبه السيد المعصوم ﷺ، في قيامٍ في الليالي، وفي رحمة لعباد الله، وفي نفقات وفي صدقات، وفي تعليم لشرع الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
ومضوا على قصد السبيل إلى العُلا ** قدمًا على قدم بجدٍّ أوزعِ
ثم لم يزل الحال في هذه الدنيا مع وجود الغلبة والنصرة والظهور والخفاء، لم يزل بحكمة الله وجود أذًى لأرباب الإيمان والخير، كما لا يسلَم أنواع أرباب الشر من أتعابٍ وبلايا في هذه الحياة، ولكن جميع ذلك بالنسبة لأهل الإيمان والصادقين يتحوَّلُ إلى سلالم عليها يرتقون، ودرجات إليها يرتفعون، ومَثوبات لها يُحصِّلون، وزيادات بها يُوهبون من حضرة الرحمن.
والمصائب والآفات والأتعاب التي تحصُل لأرباب الكفر والفسوق والعصيان تكون بالنسبة لهم تعجيل عذاب، وزيادةُ تنكيل قبل النكال الوَبيل وقبل العذاب الشديد.
وهكذا كل من لم يُفِق وينتبه ويرجع إلى الرب جلَّ جلاله، جميع ما يُنازله يتحوَّل إلى زيادة بُعد وطرد وانقطاع عن الحق، وتعجيل عذاب في الدنيا قبل الآخرة والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ثُم جميع ما نازلَ الفريق الأول من المَسرَّات والانبساطات والانشراح أو مُواتاة الأسباب إلى غير ذلك من النعم، يتحوَّلُ أو يكون لهم أبواب شكرٍ يحوزون فيها المزيد، وتقديم فضل قبل الفضل الذي ليس له من حصر ولا تعديد ولا تحديد.
وجميع ما يتكلَّفه ويتصوَّره أرباب العصيان والكفر على ظهر الأرض من فرح بصورة نصر، أو بصورة مواتاة للأسباب إلى غير ذلك - وهو بعيدٌ عن طمأنينة القلوب وعن اللذات التي تُنازل أرباب الصدق مع الله جلَّ جلاله - ولكن كل هذا أيضًا يكون إملاءً لهم وزيادة إثم وتكثيف حجاب، (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ)
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) والعياذ بالله تبارك وتعالى.
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفسُهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) والعياذ بالله.
ثُم جميع ما نازل أهل الإيمان والخير والصدق في الدنيا مِن سرور وفرح وطمأنينة لا يساوي شيئًا عند السرور الأول لحظة خروج الروح من الجسد، فضلًا عما بعدها من خطاب الواحد الأحد بالرِّضا، وتوالي الملائكة لهم بالبشارات، فضلًا عما بعد ذلك من إكرام يوم القيامة حيث (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
(هَٰذَا يَوْمُكُمُ): يوم إكرامكم، ويوم فرحكم، ويوم نيلكم للخير والثواب الجزيل، يوم إعطائكم الكتب بالأيمان، يوم رجحان الميزان، يوم رِضوان الرحمن، يوم مُرافقة سيد الأكوان، يوم الورود على الحوض المورود، يوم الاستظلال بظلِّ اللواء المعقود، يوم الجلوس تحت ظل العرش، (هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
وجميع ما يُنازل أولئك الفريق الآخر من الكفرة والفجرة من الأتعاب والشدائد لا يساوي أول تعب يُلاقيهم عند خروج الروح من الجسد، بل في ساعة الغرغرة ووقت خروج الروح من الجسد ينالهم من الآلام والشدائد ما يُنسيهم كل لذة، وما تكون جميع ما تعرضوا له من أمراض أو آفات أو حوادث أو قنابل أو أخواف يسير وحقير عند الشدة التي تنالهم عند مُنازعة الأرواح، عند خروج أرواحهم من أجسادهم والعياذ بالله.
(وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) وقت خروج الروح، (وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ) ما معنى باسطيهم؟ يضربوهم، (وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) فماذا بقي من تعب؟ كل التعب الماضي حقير، وكل ما ناله من فرح طار، ولا عاد بقي له ذكر ولا خبر.
ولذا أخبرنا ﷺ عن هذه الحقيقة: يُؤتى بأبأس أهل الدنيا" - لكنه من أهل الجنة - لكنه كان صاحب أمراض وصاحب فقر وصاحب جوع وصاحب تعب وصاحب خمول بين الناس، قال: فيُصبغ بصبغة في الجنة، يقال: ابن آدم، فلان، هل مرَّ بك بؤس قط؟ هل مرَّت بك شدة قط؟ يقول: لا يا رب، منذ خلقتني وأنا في نعيمك، ما مرَّ بي بؤس قط ولا شدة، قال ينسى كل ذلك بصبغة في الجنة.
قال: ويُؤتى بأنعم رجل من أهل الدنيا كان من أهل النار، قليل الأمراض، ووسيع الجاه، نافذ الكلمة، وعمره ممتد طويل، وتيسرت له الشهوات، فيُصبغ في النار صبغة، قال: ابن آدم، فلان، هل مرَّت بك خير قط؟ هل مرَّت بك نعمة؟ يقول: لا يا رب، منذ خلقتني وأنا في بؤس؛ ينسى كل ذلك بصبغة واحدة في النار.
فلا قيمة لأتعاب الدنيا ولا قيمة للفرح في الدنيا إلا ما اتصل بفرح العُقبى، ما اتصل برضوان الحق، ما اتصل بأسرار الإقبال على الإله والوجهة إليه؛ هذا هو الخير، وما عدا ذلك أي خير فيه؟!
لذا علَّمنا ﷺ مهما التفتت النفس إلى شيء يعجب في الدنيا قال: "قل: لبيك إن العيش عيش الآخرة"، وهكذا وكلما رأيت أيضًا ما تُسَرُّ به فقل: "الحمد لله الذي بنعمتهِ تتم الصالحات" جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا نعلم حقيقة قول الله: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، يخرج من هذا الغرور من لم يدع طريقًا للنفس ولا للهوى ولا لشياطين الإنس والجن أن يلعبوا بفكره وعقله، ولا أن يلعبوا بتصرُّفه ومساره في الحياة، وسلَّم الزمام لخير الأنام، في حقيقة: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا خارج عن الغرور، وهذا أيام كان في الدنيا صاحب جسد في الدنيا، ولكن قلبٍ مع الله وروح في حضرة القرب من الله والمعرفة بالله، فالحياة حياتهم، والكرامة كرامتهم، والشرف شرفهم، والعزة لهم دون مَن سواهم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، لا عيش إلا معهم عليهم رحمة الله ورضوانه أجمعين، وألحقنا الله وإياكم بهم.
فيا أيها المُتنقِّلون في موائد هذا العطاء الغير ممنون، من حضرة من يقول للشيء كن فيكون، بوجاهة الأمين المأمون، احمدوا الرحمن، واشكروا المنَّان، واتصلوا بسر القرآن ونور القرآن ومن أُنزِل عليه القرآن؛ لتأخذوا من الحياة الطيبة في هذه الحياة، التي لا تستطيع أن تُمدّكم بها أمريكا ولا روسيا ولا الصين ولا أوروبا ولا الشرق ولا الغرب، والله العظيم لن يستطيعوا أن يُمدّوا فردًا بهذه السعادة ولا بهذه الأذواق الباقي نعيمها بإبقاء الخلاق لها، بل من نتائجها رضوانه الباقي ببقائه، بل ومن نتائجها المُعجّلة: طمأنينة في القلوب، وذوق للقرب من علام الغيوب، دونه لذة المُلك ولذة النكاح ولذة الأموال ولذة الجاه، دونها كل ذلك؛ هذا يُعطونهُ في الدنيا يُعجَّل لهم.
فاتَّصلوا بهذه الحقائق، واقصدوا الرب الخالق، وتنزّهوا عما لا يُحِب منكم من العلائق: علائقكم بالمحرمات، علائقكم بالمكروهات، علائق قلوبكم بتعظيم الحقيرات، بإيثار الفانيات، اقطعوا هذه العلائق وتكرّموا وتشرّفوا بعلائق بالخالق؛ إيمانًا به وتعظيمًا لأمره، وابتعادًا عن ما نهانا عنه، واتباعًا للقدوة والصفوة ﷺ؛ قدوته تؤدي إلى حب الله، ومحبة الله لك باقية ببقائه هو سبحانه وتعالى.
نعيم الجنة باقي بإبقائه، لكن محبته ورضوانه ما هو بإبقائه، في نفس بقائه، باقية ببقاء الله، ولهذا (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)، وليس عند هؤلاء ما يُمِدّوننا به من خير يبقى، ولا ما يُمِدّوننا به ما ننجو به من عذاب الله.
لكن عرض الحق في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ)؛ أول أرباحها ما يعجز عنه آل الشرق والغرب (تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، هذه أول أرباحها، تجارة تنجيكم من عذاب أليم، (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
خُذ باقي النتائج والأرباح: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ)، تعرف معنى مساكن طيبة؟ طيبة: هي معدنها من ذهب وفضة وبينهما المسك، ملاطها المسك الأذفر، في ذاتها، تعرف معنى طيبة؟ طيبة لا همَّ فيها ولا غم، وليس هذا في بيوت الأرض، تعرف معنى طيبة؟ لا مرض فيها ولا علة ولا سقم، تعرف معنى طيبة؟ فيها شباب ما فيه هَرم، تعرف معنى طيبة؟ يحيى صاحبها ولا يموت.
مساكن طيبة، هل مثل هذه المساكن الطيبة عند ملوك الأرض في الشرق أو في الغرب؟ (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، حَقِّقنا بحقائق الإيمان يا رب، نأخذ البشارة منك على لسان رسولك محمد ﷺ.
فقوموا بحق هذا الجهاد في سبيل الله بهذه التجارة العظيمة: إيمان وجهاد في سبيل الله على وجهه، ما معنى على وجهه؟ لا قتال تحت راية عُمِّية، ولا قتال بين المسلمين لأجل سلطة ولا لأجل ثروة، وهو القتال الذي دار سنوات مضت عليكم بين أهل الإسلام في مختلف الأماكن، يدفعهم إليه عدوهم، ليس في هذا جهاد وليس في هذا قُرب من رب العباد، بل "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، والعياذ بالله جلَّ جلاله وتعالى في علاه، "ولا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا"، ولا استعجال على الأمور.
ولكن أمامنا جهاد تصفية القلوب وتنقيتها، وجهاد تربية الأسر وتقويمها، وسد ثغرات إفساد المفسدين لأبنائنا وبناتنا وصغارنا وكبارنا بمختلف الأجهزة، وجهاد التعاون على مرضاة الله وطاعته، وجهاد أن يرحم بعضنا البعض ويعطف بعضنا على بعض؛ جهاد لا غبار فيه.
وجهاد أن نُعظِّم علم الشريعة ونأخذ بنصيبنا منه، وكان أبو الدرداء يقول: "من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله"، بل رأيه ناقص وعقله ناقص، إذا ما علم أن الغدو إلى طلب العلم جهاد في سبيل الله، يقول عنه في ما روى الترمذي: "مَن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع".
وهذا العلم الذي استُفيد من وحي الله وبلاغ رسوله؛ يزيدنا خشية وأدبًا وتواضعًا ورحمة وتنقية للقلوب، هذا العلم الذي الغدو إليه والرواح جهاد في سبيل الله جلَّ جلاله.
وصحَّ في الحديث: "من أتى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يُعلِّمه كان له كأجر حاج تام حجته"، كأجر حاج تام حجته، في كل ليلة يتعلمون في المساجد ويبتدرون في هذه الموالد، من خرج بنية صالحة لطلب العلم: حجة أول ليلة وثاني ليلة، وخمسة وأربعين حجة معك في خلال شهر ونصف! وتامّة بشهادة النبي ﷺ. وربما لو حجيت في خمس وأربعين سنة كل سنة ما ندري ما هو التام وما الناقص منها، ولكن هذه إذا أخلصت مع الله فيها تامة بشهادة صاحب الرسالة ﷺ.
هذا الجهاد والاستعداد إذا ظهرت أي راية صحيحة قويمة لا ترجع بخيوطها إلى أغراض فئة من الكفار، لا شرقيين ولا غربيين، وتريد وجه الله وحده، فأنت جندي من جنود الله باذل لنفسك وروحك معها، هذا الاستعداد الذي هو تحديث النفس بالغزو، الذي حذَّر رسول الله ﷺ من عدمه في قلب المؤمن: "من مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق" والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فهذا الجهاد الذي لا ريب فيه، ولابد أن تقوم قوائم الجهاد بكل معانيه، ويأتي الوقت الذي تبرُزُ فيه رايات الإسلام صافية لا غبار عليها، لا تريد شرقًا ولا غربًا ولكن رضوان رب المشارق والمغارب، والوفاء بعهد رب المشارق والمغارب جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
وهذا يكون على وجهه وفي حاله وفي كيفيته، ولكن أسُسُه: هذا العلم والعمل به، وهذه الأخلاق، وسد ثغرات الإفساد من قبل أعداء الله، فهذا هو التحدُّث بالغزو، وهذا هو الإعداد لنصرة الله، وهذا هو الوفاء بعهد الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه، فالله يُنهض عزائمنا، والله يُوَجِّه قلوبنا إليه.
يا من أكرمتنا بالوِجهة إليك ها نحن بين يديك، نستمطر سحائب إفضالك وجزيل نوالك، والعفو والعافية والغفران عن الذنوب، صغيرها وكبيرها، قليلها وكثيرها.
يا ربنا، ثُلّة من أمة حبيبك محمد ﷺ على منهج الاقتداء في سند من أكابر خيار الأمة عن أكابر خيار الأمة عن أكابر خيار الأمة على مدى العصور إلى بدر البدور، اجتمعوا يذكرونك ويذكرون رسولك ويتوجهون إليك، وأنت الذي وفقتهم لذلك فالحمد لك والشكر لك، ونسألك أن تقبل، ونسألك أن تقبل، ونسألك أن تقبل، وتجعل في ذلك غيثًا مُعجّل للقلوب والجدوب، وكشفًا للبلايا والكروب، يا الله.
وإنا في مجمعنا نتوبُ إليك ربنا من ذنوب صغيرة وكبيرة، في الليل وفي النهار، في السر والإجهار، أنت أعلم بها منا، فنستغفرك لما كان منا ما علمنا وما لم نعلم، بجميع الاستغفارات ما علمنا منها وما لم نعلم؛ فاغفر لنا، فاغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا ومعلمينا، وأهل بيوتنا وأولادنا وأهل بلداننا والمسلمين يا الله، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء والأموات إلى يوم الميقات، يا خير الغافرين.
وإنا نتوبُ إليك أجمعين، عن أنفسنا وأهلينا والأمة، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، من جميع الذنوب والمعاصي والآثام، صغيرها وكبيرها، قليلها وكثيرها، سِرها وعلانيتها، بيننا وبين الله، وبيننا وبين عباد الله، ومن جميع ما يعلمه الله.
اجعلها توبة نصوحًا، اجعلها توبة نصوحًا، يا تواب يا تواب، لا ينصرِف أحد من المجمع ولا مِمن يسمع ويتعلق به إلا وقد تبت عليه توبة نصوحًا، في ليلتنا هذه، يصبح ويمسي من التوابين، ويحيا ويموت من التوابين والمتطهرين والعباد الصالحين، يا من يُحِب التوابين، تُبنا إليك فَتُب علينا، يا الله يا الله يا الله.
وعهد عاهدتنا عليه في عالم الأرواح، أخرجتنا من ظهر أبينا آدم وجمعتنا في نعمان الأراك، ورأت الملائكة هذه النسمات كلها والأرواح الكثيرة فقالوا لك: ما تسعهم الأرض يا رب، فقلت: إني جاعل موتًا، فقالوا لك: فكيف يهنأهم العيش والموت بينهم؟ فقلت: إني جاعل أملًا.
ثم تكرّمت على أرواحنا هذه كلها في ذاك المجمع وكشفت الحجاب فأسمعتنا الخطاب، وقلت لنا: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وسمِعت أرواحنا، ومن رحمتك جعلت لنا إمامًا أجاب فقدرت الأرواح أن تجيب من ورائه، قال: بلى، فقالت: بلى، وسجد لك فسجدوا لك، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وفي قراءة (ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ)، وكنا قد قلنا: بلى، فارزقنا الوفاة يا رب بهذا العهد، هو ربكم فالجؤوا فيه، فاصدقوا معه ولا تُقدِّموا في المحبة شيئًا عليه، ولا تقدموا في التعظيم شيئًا عليه، ولا تقدموا في الإرادة شيئًا قبله، هو ربكم الله لا رب لكم سواه.
(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ) ثم قال لنا مُذكِّرًا بهذا العهد: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)، اجعل كل فرد منا على عبادتك حتى يموت، مستقيمًا صادقًا مُخلِصًا مقبولًا عندك يا الله، أعِنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا الله.
وذكَّرتنا بهذا المسلك في الوفاء بالعهد، وقلت لنا: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ)؟! أنا ربكم الذي خلقتكم وأشهدتكم، تقومون إلى عند عدوي وعدوكم تتخذونه وليًا من دوني وأولياءه؟ (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا).
يا ربِّ لا تولِّنا وليًا سواك، يا ربِّ ارزقنا ولاك وولاء أنبيائك وملائكتك وأوليائك والصالحين من عبادك، يا ربِّ أدخِلنا في قوم تُحبّهم ويحبونك، قلت لهم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
واعلموا أن الأمة على تهيُّؤ لإنجاز وعدٍ وعده الله ورسوله؛ أن تتحوَّل هذه الأفكار التي على ظهر الأرض والمساعي المُلونة المُتنوعة إلى شيئين اثنين، إلى فسطاطين لا ثالث لهما: فسطاط فيه إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط كفر لا إيمان فيه، من يتحوّل إلى هذا؟ المسلمون، المسلمون! هذا يتحول إلى هذا الفسطاط وهذا يدخل في هذا الفسطاط، وقريبًا سترى الأعين هذه المعاني.
فيا رب ثبِّتنا، ويل للمغترين بعقولهم، ويل للمغترين بمعلوماتهم، ويل للذين لم تتزكَّى نفوسهم، حتى ربما نالوا من المسلمين أو احتقروهم أو خطَّأوهم، وربما برَّؤوا الكفار أو والوهم بأي موالاة، فلا يأتي وقت الافتراق إلا وهو في الفسطاط الثاني، نعوذ بالله من غضب الله، نعوذ بالله من غضب الله.
والمعنى أن الأمة قبل ذلك مختلط فيها منافقها بمؤمنها وصالحها بطالحها، ما تجد في الغالب قبيلة ولا جماعة، بل حتى حزب من هذه الأحزاب سياسي أو غيره إلا وفيه صالح فيه طالح، فيه خَيِّر فيه شرير، فيه من قريب وفيه مبعود مطرود، مخلوط لكن الخلط هذا بينتهي، ما عاد إلا فسطاطين: إيمان لا نفاق فيه، وكفر لا إيمان فيه، ونفاق لا إيمان فيه والعياذ بالله تعالى.
والله لا يخذل أحدًا منا، والله لا يحرِف قلب أحد منا.
بِحُرمةِ هادينا ومحيي قلوبنا ** ومرشدنا نهج الطريق القويمةِ
دعانا إلى حَقٍّ بِحَقٍّ مُنزّلٍ ** عليه من الرحمن أفضل دعوةِ
أجبنا قبِلنا مذعنين لأمره ** سمعنا أطعنا عن هدىً وبصيرةِ
فيا ربِّ ثبِّتنا على الحق والهدى ** ويا ربِّ اقبضنا على خير مِلّةِ
ونُجَدِّد عهدنا مع هذا الإله الذي عاهدنا عليه، مقتدين بأعظم من نطق بتجديد العهد وهو حبيبه محمد ﷺ الذي قال: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله".
والذي روى الإمام أحمد في مسنده أنه كان مع جماعة من أصحابه ﷺ، فقال: "هل فيكم أجنبي؟" -يقصد يهوديًا أو مشركًا أو منافقًا- قالوا: لا يا رسول الله، قال: "ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله"، فلقَّنهم إياها ثلاثًا فقالوها بعده، فقال: "إن الله قد غفر لكم".
وفي تبعيته ومن ورائه وهو خير من قالها، نُجَدِّد عهدنا مع الله عالم ظواهرنا وخفايانا، يا رب لا ملجأ غيرك ولا ملاذ سِواك، ومهما كان من الواحد منا ما يجد غيرك؛ يلجأ إليه أو يتوب إليه، أو يتذلّل بين يديه، سيدي ومولاي، بذنوبي وذنوبهم، وما كان مني ومنهم، ما نجد لنا ملجأ غيرك، ولا رب سواك نقف بين يديك ونتذلل، ومعنا من الملائكة والأرواح الطاهرة من لم يُذنب قط، اللهم فمعهُم وفي تبعيّة حبيبك محمد، نعتذر مما كان منا ونستغفرك لما كان فاغفرهُ لنا، ونسألك التوفيق والثبات فيما بقي من أعمارنا، باعِد بيننا وبين الذنوب والسيئات ظاهرها وباطنها، قليلها وكثيرها، صغيرها وكبيرها، قلبيها وعضويها يا الله.
ونُجَدِّد معك العهد فاجعله مقبولًا عندك، ونقول جميعًا: لا إله إلا الله، كان يقول بعض الصحابة: من قالها ومد بها صوته تعظيماً غفر الله أربعة ألف ذنب من الكبائر، نُجَدِّد عهدنا مع الله الذي لا غفار إلا هو، وإن لم يغفر لنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين، فاغفر لنا يا خير الغافرين، ونقول جميعاً: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله ﷺ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبدًا عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، حقِّقنا بحقائقها، نحيا عليها ونموت عليها، ونُبعَث عليها من الآمنين الذين (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين، نستوعدك لنا ولكل فرد منهم هذه الشهادة، فاحفظها علينا يا حافظ الودائع، يا خير مستودع، أكرِمنا بالتحقُّق بها، اجعلنا من خواصِّ أهلها، وثبِّتنا عليها حتى نلقاكَ وأنت راضٍ عنا، ونأتيك بها يوم القيامة، ونكون فيها في البرزخ والقيامة من الذين ورد عنهم: ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا يوم نشورهم، اجعلنا من أهلها حقيقة، ألحقنا بخيار الخليقة يا الله.
واجزِ عنا المُتقدمين ومؤسس هذه الموالد خير الجزاء، وأعلِ درجات الشيخ فضل بن عبدالله بافضل، واجمعنا به مع خواص أهل الوصل في حضرات القرب الأعلى يا حي يا قيوم، واغمر بفائض الجود جميع أهلينا ووالدينا ومولودينا.
يا رب وأهل فلسطين وأهل لبنان وأهل الشام كله، وأهل العراق أهل السودان وأهل ليبيا وأهل اليمن وجميع المسلمين في المشارق والمغارب، رب المشارق والمغارب، الطُف بالمسلمين فيما تجري به المقادير، الطُف بالمسلمين فيما تجري به المقادير، ومن ثبَّت قلوبهم زِدهم ثباتًا، زِدهم إيمانًا ويقينًا.
سيدنا ومولانا، ولا تجعل في قلوبهم قصدًا غير أن تكون كلمتك هي العليا يا الله، فإن نبيك أخبرنا بعد مراحل: المُلك العضود والجَبرية وتكادُم الناس على الملك كتكادم الحمير؛ أن يكون خير أعمالنا الجهاد وخير جهادنا الرباط، وخير الرباط ما أخبر صلى الله عليه وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله: عسقلان.
اللهم الذين في عسقلان من أهل الإيمان زدهم إيمانًا وأصلح لهم كل شأن، وألحِق بهم الصادقين المخلصين يا قوي يا متين، يا أرحم الراحمين، اللهم ومن قد قُتل منهم واستُشهد فاجعلهم شهداء عندك، ولقِّهم رأفتك ورحمتك، واجمع الكل في ظل عرشك وفي دار الكرامة.
سيدنا ومولانا يا الله: اجعل جودك علينا في مجمعنا ذخيرة لنا يوم لقائك، وسببًا يستمر به علينا جزيل عطائك، وواسطة نُرافق بها خاتم أنبيائك يا الله يا الله يا الله.
ثم ما تظنون في ربكم؟ جمعكم وأشهدكم وأسمعكم وألهم الدعاء؛ فما تظنون بهذا الإله؟ هو الذي لا يُخيِّب من رجاه، سيدنا ومولانا، أسعِدنا مع خواص السعداء، هنا جمعتنا وهناك لا تُفرِّقنا، وهناك لا تُفرِّقنا، بل في ظِل العرش اجمعنا، وتحت لواء الحمد لُفّنا، ولا تُخلِّف أحدًا منا، وعلى الحوض المورود اجمعنا، وشربة لا نظمأ بعدها أبدًا، يا ربِّ وفي دار الكرامة.
فيا ربِّ اجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلًا وإحسانًا ومنًّا منك يا ** ذا الجود والفضل الأتم الأوسعِ
والحمدُ لله رب العالمين.
16 ربيع الثاني 1446