(231)
(536)
(574)
(311)
مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مسجد الإمام حسن بن عبد الرحمن السقاف، بحارة الخليف، مدينة تريم، ليلة السبت 23 شوال 1444هـ، بعنوان:
صبغة الله وأثرها في منهج الحياة ووجوب الحذر من صبغة أعدائه
الحمد لله الذي أكرمنا وإياكم بهذه المجالس وما فيها من العطايا النفائس، والجود الواسع من حضرة الواسع، والتقريب والتطهير والتنقية والتنظيف، والتشريف بأنواع المِنَنْ والعطايا من حضرة عالم السِّر والعَلَن سبحانه وتعالى، بواسطة عبده وحبيبه المؤتمن سيدنا محمد الهادي لِأقوَم سَنَنْ صلوات ربي وسلامه عليه، مَن جاء خَتماً للنبيين الذين ائتمنهم الله تبارك وتعالى على بلاغ الأمانة وبلاغ الرسالة للعالمين، ولهؤلاء المُكلَّفين على ظهر الأرض، لِيَسلموا مِن شرور الانصباغ بالسوء والانصباغ بالْهَوَىَ، والإنصباغ بالعبودية لِغَيرِ الله سبحانه وتعالى.
وتِلْكُمُ الآثار التي تُصيب الإنسان إذا انقطع عن سِرِّ التربية بأسرار لا إله إلا الله مُحمّد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فإذا انقطع عن أسرار التَّربية بهذه الحقيقة فاتتهُ الصِّبغَة الرَّبَّانية الإلهية الرَّحمانية، التي قال عنها في قرآنه: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} وأين ينال الإنسان هذه الصِّبغَة؟ بواسطة هذا الإيمان وما يُثمِره من العمل الصالح، وما معنى الإيمان وما يُثمِره من العمل الصالح؟ معنى الإيمان تحرير باطن الإنسان من العُبُودِيّة لغير الرحمن جلَّ جلاله، فلا يبقى مأسور لِنَفس ولا لِهوى ولا لأحد من شياطين الإنس والجن، وعند هذا التَّحرُّر العجيب الباطني والطَّهور القلبي والسِّرِّي والرُّوحي لهذا الإنسان، يرقى في مراقي الإيمان فيسعد باليقين، عِلمَ اليقين وعَينَ اليقين وحقَّ اليقين، حينئذٍ تتحرّر أعضاؤُه وأعماله ومقاصده مِن التَّبَعِيَّة أيضاً لِغيرِ الله والانقطاع عن الحق سبحانه وتعالى بشيءٍ من المعاصي والذنوب والانحرافات، وهذا معنى عملوا الصالحات، وتكرر علينا {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} {آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} ، كُلُّ ذلك لِكمال تحرُّر باطن الإنسان وظاهره.
وأكثر الناس يعيشون على ظهر الأرض يتَّخِذ بعضهم بعضاً أرباباً من دونِ الله جلَّ جلاله، وما يغُرّك ما يتشدَّقون به من الحُرِّيَّة، وما يتشدَّقون به من الديمقراطية، وما يتشدَّقون به من هذه الشعائر والألفاظ التي يطلقونها، لكنْ حقيقتها في العالم يقود فلان وفلان والاتجاه الفلاني والاتجاه الفلاني ومعسكر شرقي ومعسكرغربي، وما يُنتجونه وما يُقرِّونه هو المفروض على الكل! وعَجبْ عليكم تخضع دول وشعوب! ايش هو هذا؟ هو ذا الحريّة؟ هو ذا الديمقراطية؟ هذا الاستعباد بعينه! هذا الاستبداد بعينه! هذا الاعتداء على حقِّ الله تبارك وتعالى بعينه، الحق في التحليل والتحريم على الخلق لخالقهم جلَّ جلاله، قال ربي: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} لأن الحقَّ لهُ هو الذي يُحلّل ويُحرّم جلّ جلاله ولا غيره.
وهكذا لمّا قال سيدنا عَدِي بن حاتم للنبي لمّا سمعه يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} قال يا رسول الله: ما عبدوا الأحبار والرُّهبان؟ قال ألم يُحرِّموا عليهم ما أحلّ الله لهم فأطاعوهم؟ وأحلُّوا لهم ما حرّم الله عليهم فأطاعوهم؟ قال: نعم، قال: فَتِلكَ عبادتهم إياهم، اتخذوهم أرباباً مِن دون الله والعياذ بالله تبارك وتعالى، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} فكانت هذه الصِّبغَة الشيطانية الإبليسية التي يَنْصبِغ بها كل منْ لمْ يُؤمن بالله ولم يُطع أمر الله تبارك وتعالى.
كما سمعتم في كلمة السيد حسن في مسجد الحبيب حسن بن عبد الرحمن السقاف في الحَدو إلى المنهج الحسن، أنَّنا لمّا نَتَخَلّف عن حقيقة العلم والعمل به -العِلم المَوروث عن صاحب الرسالة خاتَم النبيين عليه الصلاة والسلام- ونقوم بالتَّرَبِّي على أساسه تَحدُث فينا هذه المشاكل، مشاكل الأسر ومشاكل المجتمع ومشاكل الطلاق وغيرها تجيء، لأن الصِّبغة مَشبوهة، الصبغة مدخولة، الصبغة معلولة، لو انصَبَغ بِصبغةِ الله سبحانه وتعالى ما يجيء مِنْه مثل هذا التسرُّع ولا يجيء منه هذا التصرُّف، وسيعرف شأن قُوام الأُسَر، وشأن المباهاة يوم القيامة على الحوض بالواردين من نتائج هذا الزواج، والشأن أكبر مِن أن يكون مُجرّد متاع دنيوي، الأمر أكبر من ذلك ومقاصد عظيمة، ويَحصُل بها ما ركّبَ الله عليه الخلق من شأن هذه الشهوات وقضائها تنقضي، ولكن بِمقصد فوقي عُلوِي، وبِنَظر أطول وأعمق وأبعد، هذا عند المؤمنين، أما الكفّار قد قال ربكم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} وقال لنا في الآية الأخرى هذا بوجه تشبههم من حيث أنهم فقدوا المقاصد العالية، ولكن الأنعام قامت بمُهِمّاتها كما رُسِم لها والحكمة التي خُلقت من أجلها أدّتها، لكن هؤلاء قال: {إنْ هم إلّا كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ} ، {أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ} ؟ يقولون لك عندنا اكتشافات، يقولون لك عندنا فكر، يقولون لك عندنا عبقرية، يقول لنا: {أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ} ؟ {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} والعياذ بالله تبارك وتعالى، لأنّ الأنعام ما خرجت عن السبيل الذي خُلِقَتْ مِن أجله وأدَّتْ مُهمّاتها ومع ذلك تُسبِّح بِحَمدِ ربها، وأما هؤلاء تجرَّأوا على الخالق جلّ جلاله، ولكن المصيبة كيف يرجعون قادة لِبعض المسلمين؟ وكيف يقبلون برامجهم وأفكارهم ويتأثرون بهم ويُغيِّرون صبغة الله بصبغة الفسوق وبصبغة الكفر! والعياذ بالله.
والذين انْصَبَِغُوا على يدّ النبي محمد قال لهم ربنا في القرآن: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}، وبذلك تجد في رجالهم وفي نسائِهم أرباب الصبر وأرباب الكِياسة وأرباب التحمُّل، وأهل الخُلُق وأهل الإنابة وأهل الإيثار وأهل الخِدمة وأهل التضحية وأهل البكاء في جوف الليل، وأمثال ذلك من الفضائل التي هي لون الصبغة الربّانية، صبغة الأنبياء ومن تبعهم، يقول الحق سبحانه وتعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام في دعاوي أهل الكتاب -من باب أولى دعاوي الملحدين ودعاوي بقية الأنواع أهل الكفر- ماذا ادّعوا؟ قالوا: {قَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ}، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
{قَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا} قال الله من قال لكم الهداية في هذا؟ وعلى أي أساس بَنَيتُم هذا؟ ونحن نطالِبهم ما الأساس الذي بنوا عليه أن هذه هداية؟ وهم أهل كتاب - مِن باب أولى ملحدين وفسَّاق وعلمانيين وحداثيين وما أدري كل ساعة أتوا لهم باسم - على أي أساس قالوا أنَّ هذا هُدى؟ قولوا لنا! عرفتم من خلقكم؟ عرفتم لماذا خُلِقتُم؟ عرفتم حقيقة الحياة ومقصودها؟ على أيّ شيء بنيتُم أنّ هذا هدى؟ ما عندهم هدى {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا} وذاك قال كونوا علمانيين تهتدوا، وذاك قال كونوا حداثيين تهتدوا، وذا قال كونوا ديمقراطيين تهتدوا، وقال ذا كونوا جمهوريين تهتدوا، وبعدين؟ وذا قال كونوا هندوسيين تهتدوا، وذا قال كونوا بوذيين تهتدوا {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} اللهم اجعلنا منهم.
{قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} قل لهم هؤلاء الذين ادّعوا {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِم} هذه هداية! هذه إرساليّة من قِبَل المُكَوِّن الخالِق جاؤونا بالأمانة والهدى، وقال هذا حلال وهذا حرام، وقال اعملوا ولا تعملوا، هذا الهُدى من الله سبحانه {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} تَبَع الأهوى والأنفس ومحبّة السلطة والمال هذه التي تقودهم هم اليوم في العالم حقهم، يغرُّونَكم بإيش؟ ما دوافعهم لهذه السياسات ولا الحروب إلا شهوة البطون والفروج والمال والسلطة! شي لهم وراء ذلك شيء؟ ما عندهم إلا هذا {كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ} ما عرفوا خالقهم ولا لماذا خُلِقوا، وقَوَّموا ثقافتهم كلها على هذا الضلال والعياذ بالله تعالى! كيف يتحوَّلون قادة لنا؟ من أين كانوا قادة؟ هم محتاجين إلى منهج ربّهم الذي أرسل به النبي محمد ليُنقذهم من ضلالهم إذا عقلنا وإذا وعينا، يقول سبحانه وتعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ} أنت قائم عليها وأنت تصبغ بها عباده.
{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ * قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ} ؟ أتحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ؟ خالِقنا وخالِقكم وخالق كل شيء، من أين أتيت بسمعك؟ ومن أين أتيت ببصرك؟ كيف تكوَّنت؟ وكيف تَكَوَّن أبوك وأمك؟ ومن رفع السماء مِن فوقك بِغَير عمد؟ ومن أرسل لك هذا الهواء؟ ومن وطَّد لك الأرض؟ {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} الله يرزقنا الإخلاص معه جلَّ جلاله.
فهذه الصبغة التي ما تجيء إلا بالعلم النافع وصِدق الوِجْهة إلى الله، والتمسُّك بالتربية التي ربّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته ومَن عنده من آل بيته وصحابته وتوارثت فيهم وتواترت، فهذا سرّ التربية الذي كانوا عليه الأخيار في مثل بلدكم هذه، في ديارهم وفي شوارعهم وفي مساجدهم، وفي أسواقهم وفي مِهَنِهمْ، وفي لِباسهم وفي طَعامهم وفي شرابهم وهكذا.
كُنّا نرى أصناف الناس عندنا مَن توفّرعنده شيء ومن لا توفّر عنده شي مِن ثياب أوغيرها القناعة راسخة في قلوبهم ولا عندهم مُبالاة، وكم نعرف من الذين كانوا يمشون أحياناً خاصة أيام الحر، عنده ثوب واحد يضعه هنا وإن شي عاد ذا فوق ولا ذا.. وقد يكون عنده عمامة ويكون ظهره مكشوف وصدره مكشوف وماشي، والراحة التي عنده والطمأنينة التي عنده والصِّحَّة التي عنده ما هي عند الرياضيين! ولا عند هؤلاء الذين يتناولوا الفيتامينات، شَيْبَة في ثمانين سنة النظر قوي والعظم قوي، عرفنا عدد منهم كان في البلد هذا، بالأكل التغذية الصحيحة وبِاسم الله تعالى، ومصبوغة بِصبغة الله وبذكر الله جلّ جلاله، ولا شُبْهَة ولا حرام ولا كيماويات يغشّون بها هذه الزراعة، وعادهم يحذّرونهم يقولون إذا استعملت هذه المادة مُدَّة أسبوعين ما يُمكِن أحد يأكلها من هذا، يشوفها تحسّنت وازّينت تأتي له بفلوس! والسموم فيها وتسري السموم في الناس ومرضوا الناس وجاءت مشاكل كبيرة، ولكن كانوا يتّقونَ الله، كُنّا هؤلاء نعهدهم سواء آل الحراثة وغيرها من المِهن عندنا، إذا هم يَسنون الماء يذكرون الله تعالى، يخرجون الماء ليسقوا الزرع ويحرثون ويذكرون الله تعالى ولهم أبيات ولهم كلمات يُرَدِّدونها، ويبذرون البذر وهم يذكرون الله سبحانه وتعالى ولهم أبيات، ويكون قبلها صلّى وبعدها راح يصلّي ويخرج المسجد.. مصبوغة! كُلّها مصبوغة بصبغة الله، ويحرث الزرع في أيام الزرع ويسقيه ويجيء وقت الحراثة ولهم ترنُّم بِذكر وذكر الحق والصالحين وذكر النبي محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وكنَّا نعهد النساء عندنا لا عرفن التبرُّج ولا ميوعة ولا قِلة حياء، ويقُمن بالعمل والمِهنة ويخرُجْن إلى المزارع ، كُنا نسمعهن وقت ما يقُمن ببعض الأعمال في المزارع:
يا ربِّ يا غفّار كُلّ زلّةْ
وعسى لنا عند النبيّ مَحلِّةْ
هذه حقهن الغنيَة والترديد حقهن، هذا حقهن الترنّم يترنّمن به، وهُن يَقطُفنَ لنا الزرع:
يا ربّ يا غفّار كلّ زلّةْ
وعسى لنا عند النبيّ مَحلِّةْ
قلوب مع الله ومع رسوله، أكلهم مصبوغ كله يحضرونه إلى البيت وهم يذكرون الله، ويصبغونه ويخرّجون لك قرص مثل ذا تذوق فيه طعم! وحتى الرائحة ما عاد حد هي، والطعم ما عاد حد هو الذي كان ذاك، في مختلف المواد عندنا.. مختلف المواد التغذية والخضروات كان لها نكهة عجيبة ولها طعم وذوق قوي، لأنه كلها مصبوغة بصبغة الله ومن حلال وفي أماكن طيّبة، كان يفخر سلطان الوادي عبدالله بن راشد مِن عند العقّاد إلى شعب النبي هود هذه مملكته سلطنته، يفخر ما فيها حرام! لو بغيت حرام ما تحصل ما شي حرام، قال ولا يوجد سارق ولا محتاج لمواساة الأغنياء للفقراء، كَفَوا بعضهم البعض وعطفوا على بعضهم البعض ما عاد تحصل محتاج، لي ما معه شي يأتي له الغداء من ذا والعشاء من ذا، وحد يأتي له حق الاسبوع ذا وحد يجيب له.. والناس كلهم يعيشون ومشغولين بذكر الله ومشغولين بالمساجد ومشغولين بتربية الأولاد على طاعة الله.
والآن غشّونا هؤلاء وجاءوا لنا بأشياء، وصبغتهم إلاّ خبيثة وقبيحة وباطلة ومُنتنة، يخرجون عنا صبغة الله سبحانه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} لما بنى مسجده هذا سيدنا حسن قال ما رأيت الشيطان يدخل المسجد هذا، ولكنني خفت من فلان بن فلان دخل معه بسوء يتمّسك بذيله الشيطان والعياذ بالله، كما دخل إلى الجنة مع حيّة ليفتن بني آدم عليه السلام، والقصد أنهم كانوا على صدق مع الرحمن وفيهم أعداد من الذين قال عنهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أو فيهم من يفرقُ الشيطان منهم كما شهد صلى الله عليه وسلم لسيدنا عمر، وهكذا شأن الموقنين.
فنحتاج نحافظ على هذه الصبغة، وهذه المجالس تَصبغ أصحابها، ويجيء الحاضر يحضرها وتمتدّ منها إمدادات! حد في الصُلب وحدْ حوالينا في المناطق، ووسائل التواصل التي عندكم هذه التي أظهروها لكم ورأيتم تواصل الشرق والغرب أقوى منها وأسرع! وسائل للأرواح وللأنوار تهب من هنا ومن هنا، رُبّما مجلس مثل هذا المجلس يُعقد في هذا المكان يُصلح به قلب واحد بعيد هناك كافر في قارة بعيدة من قاراتنا، ويَصْلُح بها لأن الوسائل هذه قويّة حق النور وسائل الروح، وفوقها رعاية ربانية وما عاد جعل الله أمرها لا ليد الإنس والجن، وكّل على بعض شئونها الملائكة أرباب الأرواح الطاهرة، وهو صاحب المملكة كُلّها ظاهرها وباطنها له المُلك كُلّه جلَّ جلاله و {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
الله يقبلنا في مجمعنا هذا، ويَصبغنا ويصبغ فِكرنا ونياتنا ومقاصدنا بصبغة الله، على يد رسوله ومصطفاه وورثته الهداة، اللهم أكرِمنا بذلك وأكرِم بذلك أهلينا وأولادنا وذرياتنا ومن في ديارنا، وبلغنا أمانينا وفوق أمانينا في لطف وعافية برحمتك يا أرحم الراحمين.
23 شوّال 1444