الاعتبار بالوفاة لتصحيح المسار

الاعتبار بالوفاة لتصحيح المسار
للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ للنساء عصر يوم الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1435هـ في عزاء الشريفة خديجة بنت عمر الشاطري رحمها الله بعنوان: الاعتبار بالوفاة لتصحيح المسار.

نص المحاضرة:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام، الحي القيوم الذي لا ينام، أرسل إلينا خير الأنام بالهدى ودين الحق والإسلام، وبما يقربنا إلى المولى ويكسبنا السعادة في الدنيا والبرزخ ويوم القيام والوصول إلى جنته دار السلام، فالحمد لله الذي خصنا بحبيبه محمد المصطفى، سيد أهل الصدق والوفاء، وجعله الأمين المأمون وأنزل عليه في كتابه (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر:30-31]

اللهم صل وسلم وبارك وكرم على عبدك المصطفى سيدنا محمد الذي رُوي عنه أنه قال: "مَنْ أُصِيبَ بمصيبةٍ فَليَتَذَكَر مُصِيبَته بي فإنَّها مِنْ أعظم المصائب ولن تُصابَ أُمَّتي بمثلي"، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وأهل حضرة اقترابه من أحبابه مِمّن اتصل به وسار على دربه وامتلأ قلبه بِحُبّه، فهم أهل حضرة القرب من الله وهم أهل المرافقة لحبيب الله ﷺ يوم الموافاة، ألحقنا الله بهم وسار بنا على دربهم.

ولقد فقدنا في هذه الأيام درة من درر آل أبي علوي ممن مشى على المنهج السوي، ووصلت إليهم آثار تربية النبي ﷺ وتزكيته، ممن مضى على الهدي النبوي بسلاسل نورانية مباركة حتى ظفِرت منها بنصيبٍ تامٍّ وحظٍ وافر، قامت وابتنت به صفاتها على إقبالٍ على الله ووجهةٍ إلى الله وأدبٍ مع الله، وصبرٍ وزهادةٍ وتحمّلٍ وخلقٍ كريمٍ وكَفٍّ للسان عما لا يعني وعن ذكر أحدٍ بسوء، إلى غير ذلك من حميد الشمائل وكريم الفضائل والأخلاق.

الحُبابة خديجة بنت الحبيب عمر بن أحمد الشاطري أعلى الله درجاتِها وجمعنا بها في أعلى جناته، مع الذين أنعم عليهم، وجعل مستقر روحها الفردوس الأعلى وأخلفها فينا وفي أهل هذه البلدة وفي الأمة المحمدية بخير خلف اللهم آمين، وضاعف البركة في أولادها وأحفادها وأسباطها والمنتمين إليها.

انتقالُ هؤلاء الأخيار رجال ونساء ونحن في خلال هذه الأشهر القريبة افتقدنا أول وثاني وثالث ورابع من خِيارنا ومن صُلحائِنا، أمتعَ الله لنا بالبقية على خير الأحوال المرضية سنين عديدة وأعوام مديدة وأعمار طويلة إن شاء الله، في طاعته تعالى على ما يحبه ويرضى في لطف بنا وبالمسلمين.

فَقدُ هؤلاء مُذَكِّر وفَقدُ هؤلاء يحمل في طياته معاني من التوجّه والتنبيه، ومعاني من رجاء الباري سبحانه وتعالى أن يُشَفِّعَهم فينا وفي صلاح شؤوننا وأحوالنا، ومُذَكِّر لنا بهذا المصير والانتباه، فإنه يذهب الصالحون الأمثل فالأمثل، حتى تبقى من الناس حثالة لا يباليهم إلا بَالة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فإذا ذهب الصالحون وذهب أرباب القرب من الله تعالى ممن حملوا أنفسهم على المتابعة للنبي محمد ﷺ، وخالفوا النفوس وخالفوا الأهواء وخالفوا الشهوات، وخالفوا دواعي السوء والشر كلها بأصنافها، مُلبِّين لِدَاعِ الله -جل جلاله وتعالى في علاه-، وبذلك برزت ميزاتهم وخصوصياتهم.

أيتها المُجْتَمِعات في هذا البيت المبارك في هذه المناسبة، بعد فَقْدِ هذه المباركة المنوّرة الطاهرة الحبابة خديجة -عليها رحمة الله تبارك وتعالى-، احضِرْنَ قُلوبَكُن؛ فمقصود هذه المجامع مقاصد كبيرة، وكنا نجتمع عند فقد أي واحد منا للقراءة وللذِكِر وللترحم عليه، فإننا أيضًا وراء ذلك هناك مقاصد تتعلق بقلوبنا وبنياتنا وبوجهاتنا، وبتأمل أحوالنا وتأمل حالاتنا، وفي شؤون استعدادنا في حياتنا هذه لما بعد حياتنا، في أعمارنا هذه لما بعد أعمارنا، في أيامنا هذه لما بعد أيامنا هذه على ظهر هذه الأرض، فإنه المصير الذي لابد إليه نصير أجمعين.

أيتها المؤمنات، أيتها المُجْتَمِعَات، كم قد اِنطَوى في قلبها من تألُّم مما شاهدت من أحوال كثير من النساء والناشئات في البلد مما يتنافى مع التربية التي تربت عليها! سواءً في أزيائهن أو في شيء من معاملاتهن، عليها رضوان الله تبارك وتعالى وعليها رحمة الله جل جلاله وتعالى في علاه.

فَقْدُ شؤون هذه التربية، وطُرُوء التأثُّرات علينا في واقعنا بما يُبرز ويظهر وينشر ويُذيع أرباب الفساد، وأرباب العِناد للرّب، وأرباب البغي في الأرض، ومن يتَّبِعون الشهوات، كلُّ هذه الأشياء تؤثر على من قَصُرَ حَظُّه من الاتصال بالحق ورسوله، ولم يمتد إليه حبل التربية والتزكية المحمدية النبوية التي بعث الله بها نبيُّه ليطهرنا بها من أدناسِنا ومن أرجاسِنا (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [آل عمران:164]، (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة:151-152]

هذه التأثرات بدعوات أهل الشر وأهل الفساد وأهل الغفلة وأهل الجحود وأهل العناد، ظهرت هذه التأثرات في كثير من عاداتنا، غيّرنا الحسنة إلى سيئة، غيّرنا الرَفيعة إلى وَضيعة، غيَّرنا الطاهرة إلى مُلَطَّخة، غيَّرنا الصافية إلى مُكَدَّرة، في كثير من عاداتنا، في كثير من وِجهاتنا، تأثُّرًا بما يُذاع، بما يُنشَر، بما يُبرِزُه أعداء الله على ظهر الأرض، قال سبحانه وتعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27]، ففي الأرض قوم يحبّون مَيْل الناس وخصوصًا المسلمين، ويُطارِدون القيم الباقية فيُريدوا أن يميل الناس، ولا يكتفون بالمَيل اليسير، يُحبّون المَيل العظيم. 

ونرى آثار هذا المَيل برزت اليوم في كثير من أحوالنا، ربما حتى مجالس الذكر فينا ومجالس الخير، حتى مجالس الموعظة ومجالس الموت ما سَلِمَت من لَوثة أصابتها من هذه الآثار، فيأتين حتى إلى العزاء والقلوب غافلة وربما أيضًا اشتغلن بشيءٍ من الزينة الظاهرة، وتركن القارئة وحدها تقرأ، تكرر وتشحب بصوتها بكلمات فيها أذكار وفيها دعوات وجهات، ما حولهن من الدعاء ولا من الذكر ولا من الوجهة ولا من الترحم على الميتة، وهذه وحدها بصوتها تقرأ لا أحد يقرأ معها، تكرر لا أحد يكرر معها، أو يكرر البعض والبعض الآخر في شيء من هذه المظاهر يرى أنه يعزي أو غير ذلك، فإذا دخل تزيين نفسه صحيح تحرص على لون الثوب فقط يكون أسود، ولكن هل هذه معاني ترك الزينة؟ إنَّما المراد بوجود التأثُر، "وإنَّا لِفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" معناها ترك الزينة، لا! تلبس ثوب أسود وتجيب دقائق الزينة وتضعها، وتأتي بثوبها الأسود هذا وتجلس مُدَّة عند المَنظَرة تُصَلِّح نفسها، وهذا محل عظة، محل عبرة، محل ادِّكَار، محل دعاء، ليس محل أحد سيَعرِضُكِ أنتِ الآن، ولا سيُدخِلَكِ على زوجك في هذا المكان وجلست تتصلحين هكذا تَصَلَّحات، ودخلت ولا قرأت ولا ذكرت إنّا لله وإنَّا إليه راجعون، إنما المقصود ذكر ودعاء وقراءة القرآن وتَرَّحُم، وما المقصود بالقرَّاية أنها تقرأ وحدها؟! إذا تقرأ من أجل يقرأ بقراءتها الحاضرات، كُلُهنّ يَقرَأن بقراءة هذه القارئة، متضرعات خاشعات رجاء استنزال الرحمة، ومتذكرات لوضعِهنّ وإقبالهنّ على هذا المصير الذي لا بد من الوصول إليه لكل صغير منَّا أو كبير في وقت محدد من قِبَلِ العلي الكبير جلَّ جلاله، لا يقبل التقديم ولا التأخير، (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34]

وهكذا هذا الشأن العظيم، فانظري كيف وصلت الآثار إلى هذا، ورُبَّما جَلسن في محل العزاء وتكلمت مع الثانية بغيبة، معصية حرام حَرَّمَهُ الله تعالى تعمله في محل الذكر، في محل التذكر، في محل العبرة والعظة تقوم تغتاب وتتكلم على وحدة مع صاحبتها الثانية وهنَّ في محل العزاء، هذا مصيبة من المصائب، هذه بَلِيَّة من البلايا، كان المسلمون الأوائل لا يعرفون من أصحاب الميت من غيره لأنَّ كُلًا منهم يبكي على نفسه ويتأثر بهذا الموقف فيتذكر المصير والرجوع إلى الله تعالى، فما عاد يُعرَف منهم أصحاب الميت لأنَّ الكل باكون فما صار يُعرَف أصحاب الميت، وعَّمت الغفلة الكثير من الناس حتى في مثل هذه المواطن.

لابدّ نراجع أنفسنا ونعرف من الذي خلقنا؟ من الذي أوجدنا؟ ما هو وَلَعُنَا هذا بالكلام المنشور على أيدي أهل الكفر وأهل الزور وأهل الغرور؟ ماهو تَعلُّقَنا به؟ لماذا؟ أخلقونا؟ أم رزقونا؟ أم إلينا مرجعهم ومصيرهم؟ لا والله!، سَقَطَة ما لهم قدر عند الله تعالى لا يستحقون أن يكونوا أساتذة لنا ولا قدوة لنا، وأعلم منهم ومن يكونوا؟ وقد اختار رب العرش خالقنا وخالق كل شيء لنا قدوةً وأسوةً، وقدوة لنا نبيه محمد ﷺ، وجعل له أهل بيت أطهار قدوة لعباده مرتبطين بالقرآن، وجعل له صحابة أخيار، أنواره حلَّت فيهم وأشرقت في صدورهم، وأول ما وقعت تربيته عليهم وتزكيته فيهم عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، فجعلهم قدوة وجعلهم أسوة، أثبت الله قدوتهم في القرآن الكريم قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم) [التوبة:100] أثبت القدوة لهم، أثبت أنَّهم يُقتدى من بعدهم، (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة:100] نشر الله راية الرضوان عنهم فهذا شأن هؤلاء الصحابة، تركنا نبينا وصحابته وأهل بيته ونصبنا لنا قدوات من أهل الموضات وأهل الأزياء الخليعات وبدأنا نعلّم بناتنا من صِغرهنّ من أيام طفولتهنّ التبرج والتكشُّف وإظهار الأجساد وتعريتها من الطفولة، مسكينات ظلمناهنّ من صغرهنّ وعلقناهنّ بهذه الأشياء وربّيناهم عليها، متأثرين بما يقول أولئك، أخلقنا الله لهم؟ أم خلقنا لِنَتَّبِعَهُم؟ أم هل نجني من اتباعهم خيرًا أو بركةً أو فائدةً في الدنيا أو عند الموت أو في الآخرة؟

يا مؤمنات خالقنا الله لا سواه، وهذا الخالق أرسل لنا رسول، اصطفاه واجتباه وأمرنا باتباعه والاهتداء بِهُداه، وجعل لهذا الرسول صحابة وأهل بيت وورثة من العلماء الأخيار على مدى الأعصار، يا مؤمنات نَتَّبِع مَنْ؟ ونقتدي بِمَنْ؟ تَذَكَّرنْ في هذا الموت العظيم. 

الله يُشَفِّع هذه المنتقلة إلى رحمة الله والحبابة المنورة المباركة الله يشفعها في صلاح أحوال نساءنا وأحوال بناتنا خاصة، وأحوال رجالنا ونساءنا إن شاء الله في البلدة وفي المسلمين، الله يُحَّوِل أحوالهم إلى أحسن حال، يَنزِع عنهم هذه التبعية للفُسَّاق ولأعداء الخلَّاق وأعداء حبيبه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله. 

فَنَعرِف أنفسنا أين نضع أقدامنا وكيف نمشي في حياتنا، هذه الحياة ستنقضي وصحائفها ستنطوي بما فيها من أعمال ونيات وتُعرَض، لا تُعرَض على المؤسسات ولا على الهيئات ولا على أماكن الأزياء، ولا على الشركات هذه التي تبث لنا سمومها، تُعرَض على الجَبَّار الخالق الذي خلق، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]، (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) [النجم:39-41]، لابُدّ من الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ فيما يصدر منكِ من قول ومن نية، فيما يصدر منكِ من معاملة، فيما يصدر منكِ من لباس، عَلَّمَنا النبي الأدب حتى في النية في اللباس وقال: "مَن لَبِسَ ثوبَ شُهرةٍ في الدُّنيا، كانَ حَقًا على الله أَنْ  يُذِلَّهُ على رؤوس الأشهاد يومَ القيامةِ"، ثوب حلال وطَيِّب وما فيه ضرر ولا مخالفة للشرع لكن أرادت الشهرة به السُمعة بين الناس والتفاخر به.

والفخرُ ليسَ بالحريرِ والذهبْ ** ولا بِلبسِ سندسٍ ولا قصبْ

ففي نساءِ الفرسِ والنصارى ** مِنْ الحُلِيِّ مَا غلا مِقدَارا

وكُلُّه فانٍ وإِنْ جاءَ الأجل ** أَفْضَت إلى ما قَدَّمَت مِنْ العَمَل

فالاقتداءُ بالبتولِ الزهرا ** وأمهاتُ المؤمنينَ أحرى

هذه نشأة الحُبابة عليها رحمة الله في وقت كان لباس النساء فيه من حيث الخياطة من حيث الشكل فضفاض واسع يستوي فيه الكبيرات والصغيرات، من الطفلة إلى الشَاَّبة إلى العجوز الكبيرة، الهيئة والتفصيل واحد، يختلف في الألوان يختلف في زينته، حتى لباس الزوجة العروس في ليلة زفافها الهيئة هي لكن اللون يختلف والنوعية تختلف، لكن الهيئة مربوطة بتزكية مربوطة بحياء مربوطة بحشمة مربوطة بمبادئ، ليس هو اتباع كل ناعق، "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه." ومثل هذه الهيئة اللي كانت معهودة هنا، كانت معهودة في جيراننا. 

وأدركنا عدد من البلدان في اليمن وفي خارج اليمن قبل ثلاثين سنة كانت الأزياء عندهم أيضًا متأثرة بأثر هذه التزكية، وفي خلال الخمس عشرة سنة هذه بدأ التَغير وبدأت تغيب من بين المجتمعات والأُسَر هذه الأزياء إلى شكل آخر وإلى لعب كبير بأبدان نسائنا، من هذا الذي يلعب بهن؟ إلى حد حتى عند صاحب الفطرة في عالم الحس يحس هذا بهذلة ولعبة وضحكة بالمرأة، لا منظر حسن ولا وجهة طيبة ولا شكل مناسب، وأحيانًا يفارقوا بين اليدين أو بين الرجلين، واحد قصير وواحد طويل، واحد ضيق وواحد رقيق ما هذا؟ واحد يضحك عليك  ويقول لك اعمل هذا، الفطرة السليمة شيء معتدل متساوي لليد هذه واليد هذه والرجل هذه والرجل هذه، وساعة مفتوح من محل ومزرور من محل ثاني، وبعدين ساعة شق فوق وساعة شق تحت وساعة في الوسط وساعة عند البطن.. من الذي يلعب بِهنّ؟ من الذي يضحك على نسائنا؟ وهي فرحانة تلبس مبهذل! بهذلت بنفسها وخرجت عن الفطرة، واتبعت من؟ واقتدت بمن؟ وضَيَّعَت قِيَمها وضَيَّعَت مكانتها وضَيَّعَت أخلاقها، وضيّعت سلسلة السند. 

الآن التي مثل الحُبابة تحكي لي الوالدة وهي أكبر من الوالدة، وتحكي لي عن الحال الذي كانوا فيه وقد كانت تلك الأيام عندها في سيؤون عليها رحمة الله تبارك وتعالى ونفعنا الله بالبقية في سنين عديدة وأعوام مديدة في توفيق تام، يحكين أحوال الناس كيف في حياءهم في أدبهم في خشوعهم في خضوعهم، ما كانوا يعرفون عذراء تخرج من البيت، كانوا يرددون علينا يقولون ما سُميِّتِ عذراء إلا لأنك معذورة عن كل شيء، كل شئ يتعلق بالظهور بين الناس ومجالستهم أنت معذورة، كانت البنات يحتشمن ويحتجبن بالبيوت حتى من النساء، حتى من النساء ليس من الرجال.. من النساء من قوة الحياء، طيب إذا نزلنا عن هذا، أنزلوا شبر أنزلوا ذراع ليس تنزلون باعات طويلة ومسافات بعيدة، صار الآن بعض العذارى منَّا يزاحمن النساء في محلات الزواجات ويزفنن ولو أمام النساء، وبثياب مبهذلة ساقطة، ما الانحدار هذا؟ ما السقوط هذا؟ إلى فين يمشون الناس؟ إلى أين يمشون؟ ومن يقودهم؟ يستحسنون بأي ميزان؟ ميزان قرآن؟ أم سنة كريمة؟ أم حديث سلف صَالْح؟ بأي ميزان يزينون به الأشياء؟ (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) [الحديد:25]، هذا ميزان الله فعلى أي ميزان استحسنوا القبيح؟ ما ليس بحسن عند الله ولا عند رسوله، ومن الذي أخذنا لهذا؟ وما هي هذه الخطط التي تخبّط فيها من تخبّط، وتنال منا ومن قيمنا، تدخل إلى ديارنا وإلى منازلنا وفي مجتمعاتنا والعياذ بالله تبارك وتعالى، تهوش علينا وتسرق وتنهب قيمنا الفاضلة، وتعاليمنا القيمة، تعاليم الرب والرسول ﷺ.

أيتها المؤمنات، في مثل هذا الاجتماع احضرن قلوبكن فإنَّا عن قريب نصير إلى هذا المصير، والمنتقلة ينطبق عليها خيركم من طال عمره وحسن عمله عليها رحمة الله جل جلاله وتعالى في علاه، وأصحاب الخير هذا وأصحاب الصدق مع الله لا ينالهم من الله إلا الفضل والإحسان، قد يشتدّ المرض على أحدهم فيكون في شدة المرض بلوغ إلى درجات لا يمكن أن يبلغ بها بشيء من الأعمال الصالحة قط إلا بهذا، ولهذا صارت أنواع الابتلاءات التي تحصل والأمراض والأسقام، بل حتى حالة الإنسان عند الوفاة قد تشتد وقد تخِف، وليست لكل من اشتدت له نقمة ولا عذاب، وليست لكل من خفت عليه رحمة ولا نعمة، ولكن بحسب حال هذا الإنسان مع ربه، فكثير من الأخيار والأصفياء والمقربين الأطهار اشتد عليهم النَزع عند الموت، من أجل درجات أعدَّها لهم كبيرة رفيعة ما بلغوها بشيء من أعمالهم فيبلغونها بهذا التعب عند الوفاة، وكثير من أهل الأحوال الكبيرة. 

منهم أخوها الإمام الحبيب عبد الله بن عمر الشاطري عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وكان من أرباب المعرفة بالله وأرباب الدعوة إلى الله بتواضع بإنابة بخشية بزهد بتقوى بصدق، له عين دامعة من خشية الله في كل ليلة عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وبقي في تلك المعاناة في تلك الأيام حتى جاء الأجل وكانت النهاية في الالتقاء، وما قدر الله له من مراتب عنده سبحانه وتعالى، فكان عليه مظهر ذلك الاشتداد، والذي يَذكر لنا أهل السيرة منه معنى من المعاني فيما كان في بعض الصحابة وفيما كان من حركة سيد الوجود ﷺ عند لقائه للرب، وإن كان المقام في علوّه بالنسبة للنبوة لا يستطيع أحد يصفه ولا يدرك طرف من حقائق معانيه، لمنزلته عند باريه ﷺ بما لا يعرفها سواه صلوات ربي وسلامه عليه، فهكذا يكون لبعض الأكابر.

ويكون لبعض العُصَاة والفُسَّاق تعجيل عقوبة عليهم، ويكون كذلك موت الفجأة أو خِفة الموت لبعض الصالحين أيضًا تخفيف، تخفيفُ ولطف ويُسُر بهم، ويكون لبعض الفُجَّار والفسَّاق حسرة عليهم، يموتون ولا عاد يتكفر شيء من ذنوبهم بشيء من الألم عند الموت ولا غيره فيكون حسرة عليهم، فالأحوال هذه مختلفة باختلاف مراتب الناس عند ربهم جلَّ جلَّاله وتعالى في علاه، بل جاء في الخبر في الحديث أن بعض المؤمنين يُريد الله أن يُصَفِّيه لمَّا يموت بقي عليه بعض الذنوب والسيئات ويريد أنْ يُصَفِّيه منها وقد مات، فما يعمل؟ إلا أن يُشَدِّد عليه الضغطة في القبر، هو رجل صالح ولكن اشتد عليه الضغطة في القبر من أجل لا يبقى أثر لشيء من السيئات أصلًا، فيُبعَث يوم القيامة بلا أثر لأي ذنب فيُكَفِّرها عليه بضغطة القبر، يقول ﷺ على المؤمن يُكَفَّر بها ما بقي من خطاياه فتشتد على بعض المؤمنين، كما اشتدت ضغطة القبر على سيدنا سعد بن معاذ، سعد بن معاذ رفيع القدر عند الله وعمره قصير كان في الثامنة والثلاثين من عمره لمَّا مات، وهو أسد من أسود الله وجندي من جنود الله اهتز لموته عرش الرحمن فرحًا بقدوم روح سعد رضي الله تعالى عنه، وقف النبي على قبره فسَّبَح تغير وجهه سعد فسبح بتسبيحه من حواليه، ثم سُريَّ عنه واستنار وجهه وكَبَّر فَكَبَّر من معه، ثم سألوه عن ذلك فقال: "هذا العبد الصالح ضُيِّقَ عليه في قبره فساعةَ أن فُرِّجَ عنه -أي ضغطة- القبر كبرتُ" فهكذا عناية الله بأولياءه ولو إلى البرازخ حتى يكون ضغطة القبر كفَّارة لِمَا بقي عليه من أي شيء يترتب عليه مُعاتبة في القيامة.

كما أنَّه أيضًا جعل الله من الرحمة لعباده كثير من الناس بِتَرَحُّم الأحياء لهم ودعاء الأحياء لهم واستغفار الأحياء لهم يُكَفَر ما بقي عليهم من الذنوب، وفي الخبر: "أمتي أمة مرحومة يدخل أحدهم قبره بذنوب كالجبال ثم يُبعَث ولا ذنب عليه بماذا؟ قال: باستغفار الأحياء ودعاءهم له"، فهذه نِعمَة من نِعَم الله على هذه الأمة مبسوطة.

وهكذا تختلف الأحوال والقاعدة فيها ما هو اشتداد الأمر ولا خِفّته، القاعدة فيها حالة الإنسان مع ربه؛ فإن كان صاحب مرتبة ومنزلة فمهما اشتدّ عليه فهو رفعة له في الدرجات وعطايا من الله وفيرات، وإن كان غير ذلك فما يحصل عليه تعجيل عذاب والعياذ بالله تبارك وتعالى.

 كذلك الخِفة إن كان صاحب حالة طيبة عند الله تعالى فهذا تخفيف وتيسير نُقلَة، وإن كان حاله سيء مع الله فهذا نقمة عليه وعدم كَفَّارة لشيء من سيئاته -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وحسرة يتحسر بها -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

الله يجعل أحوالنا عنده مرضية ويسير بنا في السيرة السوية، فلابُد من مراجعتنا أنفسنا في هذه الذكرى وفي هذه الحادثة التي حدثت فينا، وفقدنا لهذه الشريفة ذات المراتب المُنيفة عليها رحمة الله سبحانه وتعالى ورضوانه الأكبر، أنْ نتذكر مسارنا في هذه البلدة، الله سبحانه وتعالى ما جعل لنا قدوة أهل الشرق ولا أهل الغرب، عندنا سيد أهل المشارق والمغارب، حبيب الله معنا وورثته الكرام بهم نقتدي، والله قال لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [الحديد:25]، (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) لم يقل كونوا مع المُتمحذقين ولا مع الفنانين ولا مع المُتَكَبِّرين، (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) 

وبالصدق نَعْمُر مناسبات ترحنا وفرحنا، مناسبات الوفاة مناسبات الزواج مناسبات الولادة.. نَعمُرهَا بما يرضي الله سبحانه وتعالى، لا نُحَوِّلهَا إلى أزياء خبيثة، لا نُحَوِّلهَا إلى اتِبَاع الكاسيات العاريات، لا نُحَوِّلهَا إلى مغاني ماجنة خليعة، وعندنا النشائد الطيبة والمغاني المباركة لتحمل السرور والأُنس والحُبور ونقدر نَزفِن عليها ونقدر نشترح عليها، من دون كلام فارغ، من دون كلام سيء، من دون شيء من الخلاعة، من دون شيء من هذا السقوط في إلقاء الكلام، ومعنا الكلام الذي يشرح الصدور وتتنوّر به ونفرح به، وفرح متصل بالآخرة بفرح الآخرة ونِعمَ الفرح، أمَّا فرح به حسرة في القبور، أمَّا فرح به بكاء يوم البعث والنشور، بئس الفرح هذا ليس بفرح، هذا هو الحزن بنفسه إذا كان يورث البكاء في القيامة، إذا يورث الندامة يوم الطامة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ننتبه من ذاك ونعلم أنَّنا محاسبين على أقوالنا وأفعالنا رجالنا ونساءنا، فنحذر مِنْ كل ما يُوجِب الخزي يوم القيامة، نحذر من كل ما يُوجِب الخزي يوم القيامة، من تأخير صلوات أو من مقاطعة أرحام أو من إيذاء جيران، أو من منع زكوات أو من امتداد العين إلى ما في أيدي الناس، ونجعل وِجهتنا إلى الله تبارك وتعالى.

من هنا جُعل السؤال خدوش في وجوه السائل يوم القيامة إلا من سأل عن ضرورة ومن سأل عن صدق، ومع ذلك فصاحب الضرورة إذا التجأ إلى الله تبارك وتعالى وصدق مع الله يُغنِيه الله عن سؤال الخَلْق وييسر له الأمر من هنا أو من هناك، وأمَّا الذي يتخذ السؤال حِرفة من الرجال أو من النساء، يقول عليَّ المصيبة الفلانية أو عليَّ الدَّين الفلاني ويظل يكرر، وساعة يُصَلِّح أوراقه وساعة يقوم ينادي في المجالس فهذا يُعَرِّض نَفسَهُ لِلخِزيّ -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، "لا تَزالُ المسأَلةُ بأحدِكُم حتَّى يَلقى اللَّهَ وليسَت في وجهِهِ مُزعةُ لَحمٍ" يخرج لحمه كُلَّه من الحياء من الخجل لأنَّه يسأل خَلقَ الله، وسَائِلُ الخلق الذي يميل قَلبَهُ إلى ما في أيدي الناس ويعتمد عليهم يُفتَح له باب فقر، فقد حلف النبي على ثلاث خصال وهو الصادق في كل ما يقول، قال: "ثلاثٌ أَحلِفُ عليهِنَّ: ما ازدادَ عبدٌ بعفوٍ إلا عِزًّا، وما نقَصَ مالٌ من صدقةٍ، ولا فتَحَ أحدٌ على نفسِهِ بابَ مَسألةٍ إلا فتَحَ اللهُ عليه بابَ فقْر" فهو يسأل وفقره يزيد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ولكن من يستغني بالله ولا يسأل إلا عند الضرورة والحاجة بالصدق مع الحياء والخجل فهذا يغنيه الله سبحانه وتعالى من فضله، "ومَن يستعِفْ يُعِفَّهُ اللهُ"

فاستغنِ بالله تَكُنْ ذَا غِنَى ** مُغتَبِطًا بالصفقةِ الرابحة

 فهكذا اعلمن من هذه الواجبات والتعليمات التي صدرت من الرب، ومن رسوله المصطفى المُقرب الأطيب ﷺ، واعملن عليها ولا تجعلن هواكن تبع لأهل الموضات، لا تجعلن هواكن تبع لأهل الأزياء الساقطات، اجعلن هواكن تبع لما جاء به خير البريات مَن أنزل الله عليه الآيات، وهو القائل: "لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لما جئتُ بهِ."

وإذ خَصَّ الله سبحانه وتعالى هذه المنتقلة إلى رحمة الله بأب كريم صاحب همَّة ونيَّة صالحة، وهو الذي من فكره وعقله المستنير فَرَّغَ الحبيب عبد الله بن عمر الشاطري تفريغ كامل تام، وقال اجعل قلبك مع الله ومع العلم والعمل بالعلم والقيام بحق العلم، حتى كان يقول اسمع انظر هذه رِفْقَة عَلِّقْ عَليها ثِيَابك التي ستلبسهم، انظر الرفقة الثانية التي تحتاج غُسل، لا تكلم أحد تقول له غَسِّلْ ثيابي.. أنت مشغول بالعلم، علّق الثوب هنا، وهذا سيأخذونه ويغسلونه لك ولكن أنت اشتغل بالعلم محلّك، فصار جميع ما اكتسبه من العلم وما أجرى الله على يده من الخير في صحيفة والده لأنه هو الذي فَرَّغَهُ وهو الذي قَوَّمه، وهذا كان من توفيق الله له ومن عقله الذي أعطاه الله إياه. 

وهكذا مرَّ الى مكة جلس ثلاث سنوات في طلب العلم لا يَشغِل نفسه بشيء لأن والده علَّمه أنْ يُقبِل على العلم بِكُلِّيَّته، فكانت الرسائل اللي تأتيه من حضرموت ولا تصل إلا بعد مدة، يضعها تحت الوسادة ولا يفتح شيء منها حتى لا ينشغل بشيء من الأخبار، لا يقولون فلان مات ولا فلان جاء ولا راح ولا يشغل نفسه بشيء مشغول بالعلم، حتى كان عند رجوعه من السفر فتح الرسائل وبدأ يقرأها كيف هي، وبهذا برزوا على يده من العلماء والصالحين هنا وهناك، حتى كان بعض الصالحين يقول أرجو أن يُحشر يوم القيامة عبد الله بن عمر الشاطري أُمَّة وحده مع تلامذته في القيامة، كثرة ما نشر الله على يده العلم ونشر الله على يده السيرة، لكن بصدقه بتواضعه بإنابته، فكان معها هذا الأب ومعها هذا الأخ ومعها الزوج الصالح المُنَوَّر حبيبنا زين بن عبدالله بن شهاب الدين -عليها رحمة الله تبارك وتعالى-.

فاكتنفها من كل جانب، مِن أسرتها ومن محل زواجها، النور والبهاء من كل جانب اكتنفها -عليها رحمة الله تبارك وتعالى- وضاعف البركة في أولادها والمنتمين اليها، وزادهم من العلم والتوفيق والاستقامة وجعلهم من أعلام الاستمساك بهذه الطريقة ونشر الخير في الأمة، إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

تَذَكَّرن في مثل هذا الموطن أنَّنا كلنا صائرون لهذا المصير وأعمالنا تُكتَب علينا (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ) [القمر:52-53]، ولا يكتب عليكِ شيء يُعرَض أمام نبيكِ تخجلين منه! يُقال بنتك هذه منتمية إليك أو من أهل البلد الفلاني فلانة بنت فلان قالت كذا وعَمِلَت كذا وغَنَّت بكذا ولَبِسَت ثوب كذا، كله يعرض عليه ﷺ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) [التوبة:105] يُعرض على السلف الصالح. 

هيّئي نفسك لهذا اللقاء وما أسرع مرور الدنيا، ونعم الله وزينة الله التي أباحها لنا تمتعي بها بما أباح، لا تخرجين عن الحد ولا تُصَدِّقِين من لا يحب ولا ينصح ولا يَصدُق، لا تُصَدِّقِين الكذابين، لا تُصَدِّقِين الخونة، لا تُصَدِّقِين الساقطين الذين لا ينفعونكِ في الدنيا ولا في الآخرة، صَدِّقي الأولياء صَدِّقي العارفين، ارجعوا إلى مثل كلام الحبيب عبدالله الشاطري، كلام الحبيب علوي بن عبدالله بن شهاب، من في وقتهم من علمائنا الحبيب عبد الباري بن شيخ العيدروس وغيره، ومن جاء بعدهم والصالحين الموجودين في زمانهم، انظروا كلامهم، انظروا إلى ماذا يُرشِدون؟ على ماذا يدلون؟ ماذا كانوا يحبون وماذا يكرهون؟ وما أحَبُّوه أَحَبُوه لله وما أبغضوه أبغضوه لله، فالميزان ثابت وقائم لا يتغير بتغير الأزمان، مهما تغيرت الأزمان الميزان قائم وثابت وما أباحه الله تعالى مُمتد في حدوده، فنأخذ من المباح ونتعلم النية الصالحة في المباح، ونصدُق مع الله تعالى ونرفع أنفسنا عن تبعيّة الفُسَّاق والغافلين والجاهلين.

فيا كم واحدة تعيش في تريم والقبر مهيأ لتعذيبها ولِعتابها فيه -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وبعضهن إلا من حين ما تُقبَر في مقبرة بشار تُؤخَذ روحها وجسدها لا تبقى أبدًا مع القوم الأخيار، ويُرَاح بها إلى من شابهتهُم وإلى من تَبِعَتهُم واقتدت بهم هناك، فيا حسرةً، ويا فوز من ادَّكر واعتبر واغتنم العمر وقام في الصدق مع الله تعالى.

الله يُعلي درجات الحُبَابة خديجة بنت عمر ووالديها وزوجها وأصولهم وفروعهم، ويجمعنا بهم في دار الكرامة ومستقر الرحمة وهو راضٍ عنَّا، من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، يُخلِفها فينا وفي أهل بلدتنا وفي أهل زمننا وفي المسلمين بخير خَلَف ويُبَوِئَها أعلى الغُرف، اللهم ارفع درجاتها وكثر مثوباتها وضاعف حسناتها، واجعل الحاضرين في مجلس عزائها مُدَّكِرات مُنَوَّرَات مُتَذَكِرَات مُنِيبَات يخرجن بنور في قلوبهن، تحفظهن به من الغرور ومن الزور واتِّبَاع كل مغرور، وتجعل هوانا وهواهن تَبَع لِمَا جاءَ به بدر البدور. 

يا رب انظر إلى قلوبنا، يا رب اغفر جميع ذنوبنا، يا رب اكشف كروبنا، يا رب أصلح أحوالنا، يا رب وفّقنا لِمَا تُحِب واجعلنا في من تُحِب واثبتنا في ديوان من تُحِب، برحمتك يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين، وبسر الفاتحة إلى روحها وأرواحهم أجمعين ووالدينا وذوي الحقوق علينا خاصة وأموات المسلمين وأحيائهم إلى يوم الدين عامة.

وإلى حضرة النبي محمد 

ونختم إذًا بالتنبيه على أنَّ مَن كانَ عندها لأحد دَيْن قليل أو كثير تُسارع بقضاءه أول ما تقدر على ذلك، ولو ببيع شيء من ذهبها أو من حاجاتها أو من أمتعتها في البيت، فإنَّ الدَّيْن من أخطر ما يكون، شَيْنُ الدِّيْن، وإنه من مات وعليه دَيْن حُبِسَت روحه حتى يُقضَى عنه دَيْنُه، ولا يَبرُد في برزخه ويُمنَع منْ أنْ يُزَار أو يَزور مِنْ قِبَلِ الأموات في البرزخ حتى يُقضَى عنه الدَّيْن، وكُل مَنْ كان عليه دَيْن يُسَارِع إلى قضائه، ولا ينبغي للمؤمن أن يتساهل بالدَّيْن ولا يستسهل به، فإنهُ لا ينبغي إلا عن ضرورة، وإذا تَدَيّن للضرورة أو لمصلحة عامة للمسلمين يَتَدَاين على الله ثم يُيَسِّر الله له قضاء ذلك، وأمَّا من تساهل وماطل بالقضاء فَمُطل القادر على الوفاء ظُلم كما قال ﷺ، من الظلم أن نماطل واحد له دين علينا، ونؤخره من يوم إلى يوم من شهر إلى شهر، هذه من المخاطر على المؤمن، فواجب على كل من عليها دين لأحد تتنبّه وتجعل قضاء الدين أهم من عشاءها، أهم من غداءها، أهم من أكلها وشربها أن تخرج الدين الذي عليها، حتى تبرأ ذِمَّتَها بينها وبين الله وبالله التوفيق، اللهم يا من وَفَّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وَفِّقنَا للخير وأَعِنَّا عليه.

والحمد لله رب العالمين

 

تاريخ النشر الهجري

12 ربيع الثاني 1435

تاريخ النشر الميلادي

11 فبراير 2014

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية