(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ للنساء في دار الدعوة ، بحارة المحيضرة ، مدينة تريم، عصر الخميس 28 جمادى الأولى 1444هـ بعنوان:
أساس الوعي لخطاب الله ووحيه وحقيقة مسارات الناس في الحياة
الحمد لله الذي جمعَكُنَّ على خيرات مِن آثارِ صوت النُّبوَّةِ ودعوةِ خير البريَّات، المُبلِّغ عن ربِّ الأرضين والسماوات ما يُوجِب الفوز والسّعادات في الدُّنيا وفي الآخرات، وما يَقِي المُكلَّفينَ مِن الإنسِ والجنِّ بلايا الدَّارَين وآفات الدَّارَين وفساد المعاش وسوء المعاد، ويحميهم من كلِّ ذلك بِمنهاجٍ ربانيّ يقومُ على أصلِ الإيمان وحقيقة معرفة عَظَمة الخالق الذي كَوَّنَ الأكوان جلَّ جلالُه، وأنَّهُ لم يخلُقَها عبثاً ولا باطِلاً ولا لِتكونَ مسرحاً لِألاعيب إبليس، ومن يُصغي لِوَحيِهِ مِن شياطين الإنس والجن وما يُوسوِس به على النُّفوس وعلى العقول والأفكار، لِيَنتهجوا أيَّ منهج ولِيَسيروا بأيِّ مسار ولِيَمشوا على أيِّ كيفية، فما خُلِقَت السَّماوات والأرض لهم ولا لِفَسادهم ذلك، وإنما كانوا في طيِّ الحِكمة مظهرَ خروجٍ عن الأمر ومُخالفةٍ لِعالمِ السرِّ والجهر تُوجِب العذاب في القبر والخِزي في يوم الحشر، والنَّكَال العظيم بِغَضبِ الجّبّارِ الأعلى والخلود في دار العذاب والجحيم النّار الموقَدَة التي تطَّلِعُ على الأفئدة والعِياذ بالله تبارك وتعالى.
وهكذا اقتضَتِ الحِكمة ولكن المقصود مِن هذا الخلق والإيجاد الذي مِنه هذا المَرَد والمرجع في المعاد؛ إنَّما هو وَعيُ خِطاب الله إلى عِبادِهِ في سرِّ خلقهِ وتكوينهِ لهذا الوجود، وما أرسلَ به المُرسلين لِهؤلاء المُكَّلفين على ظهرِ الأرض من عند آدم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام إلى أن خًتِموا بِنبِّينا خير الأنام صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وقد أتانا خاتم الرسالة ** بِكُلِّ ما جاءوا به من حالة ** فعمَّ كُلَّ الخلق بالدلالة ** وأشرقت مناهجُ الكمالِ
فكلهُ فضلٌ أتى ورحمة ** وكلهُ حُكمُ هُدىً وحكمة *** وهو إمام كُل ذي مُهِمَّة ** وقُدوةٌ في سائر الخصالِ
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن سار في دربهِ وجعلنا وإياكم منهم، وعلى آباءهِ وإخوانهِ من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المُقرَّبين وجميعِ عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمين.
أيُّتها المُؤمنات بالله جلَّ جلاله وتعالى في علاه: أوجدكُنَّ الحق سبحانه وتعالى في هذا الزمان مِن أزمِنَة أمَّةِ نبيِّ الله محمدٍ مَن أُنزِل عليه القُرآن صلى الله عليه وسلم، في هذه البلدةِ التي مَرَّ فيها من العقول والقلوب التي وَعَت خِطابَ الإله وما بعث به مُصطفاه مِن حياته الكريمة وعلى مدى العصور، مُتنوِّرَةً بنورِ خِطابِ الحقِّ وتعليمهِ وَوَحيِهِ وقُرآنهِ وبلاغِ نبيِّه المُصطفى وبيانهِ وإرشادهِ وتعليمهِ عليه الصلاة والسلام، ولا يَجِدُ الخلقُ على ظهر الأرض مصدراً يستقونَ منه المعلومات أو التَّصوُّر عنِ الأشياء أو إدراك الحقائِق أو التَّوجيهَ في السُّلوك كالحقِّ تعالى ورسوله، وما مع الخلق في شرقِ الأرض وغربها عدا ذلك إلا عُقولهم بِقُصورها، ونُفوسهم بِغُرورها وإيحاءات إبليس إليهم، ولا يوجد شيء غير ذلك في واقع الأرض في شرقها والغرب.
وكلُّ ما خالفَ خِطابَ الإله الذي خلق وبعثَ بِهِ رُسُلَهُ الصَّادقين فما هو ناتِج إلا عن أهواء وأنفُس وشرور وَوَحِي شياطين إلى بعضهم البعض - كما قال الله - ولا يوجد في الأرض غير ذلك، ما هُناك شيء غير هذا في الأرض، إمّا نور وَحِي وتنزيل وإمّا ظُلمةُ مُعانَدَةٍ وتضليل.. ماشي غير هذا على ظهر الأرض، وكلُّ ما خالفَ منهج الله على ظهر الأرض فمرَدُّهُ إلى هذه الحَمأة وإلى هذا الحَضِيض مهما ظَهَرَ بِمُسمّى حضارة أو منهاجٍ أو نظامٍ أو تقدُّم إلى غير ذلك.
أمّا التعامُلُ مع مادِّيَّاتِ الأرضِ فهي المائِدة المَبسوطة لمن بَرَّ وفجرَ وآمنَ وكفر، جعلها الله أسباباً كما يأكل الجميع وكما يشرب الجميع، وكما يتكوَّن الجميع مِن نُطَف وعَلَق ومُضغ فكذلك هُم على ظهر هذه الأرض، جعل الله لهم سبحانه وتعالى نواميسَ بِقوانين نبات وزراعة وقوانين صناعة وقوانين اختراع ومِهَن وحِرَف، يستوي فيها البرُّ والفاجِر والمؤمن والكافر وكلُّ من قامَ بِاستخدامها أو استعمالها على الوجهِ الذي رتَّبهُ الخلّاقُ أدركَ ثمرةً مِن ثمراتها، ولكنّها وغاياتُها ليسَتِ المقصودة مِنَ الخلق والإيجاد ولا المقصد والغاية التي يهدِف إليها عُقلاء البشر، ومَن خلقهمُ الله تبارك وتعالى بهذهِ التَّركيبة مِنَ السَّمعِ والبصر والتّكوين الكريم.
يقول سبحانه وتعالى: (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) لا وجود له أصلاً، (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ) أي نختبرُهُ، (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) أعطيناهُ المؤَهِّلات لِيَقوم بِحَقِّ هذا الاختبار، (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) وفوق ما أتيناه من المُؤهِّلات تكرَّمنا عليه بالبَيان والمِنهاج.
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) ووضَّحنا لهُ المسلك الذي به ينجو ويفوز ويسعد وبِتَركهِ يشقى ويخسر، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) هو بعد ذلك: (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) إما واعِياً صارِفاً مَوهوبات خلّاقِهِ لهُ من قُدرةٍ وإرادة واختيار إلى مرضاتِ إلههِ، مُوقِناً بالمرجعِ إليه كما بدأه، فهو لا يُمكِنُ أن يؤثِرَ بِعَقلهِ هذا ما يفنى على ما يبقى ولا ما ينتهي على ما يدوم، ولا ما هو حقير على ما هو كبير، ما يُمكِن ذلك أصلاً، وهو بذلك يَتصرَّفُ في هذه الحياة الدنيا تصرُّف الواعي المُدرِك لِلمقصد الأكبر مِن خلقهِ والمُستَعِد لِلقاءِ خالقهِ جلَّ جلالُه وتعالى في عُلاه.
مِن هذهِ النَّماذِج التي سلكت هذه المسالِك في الوَعيِ عَنِ الله تبارك وتعالى مضى خُلَّصِ الأمّة، وخَصَّ الله تعالى بلدتكُم تَريم ووادِيكم بِحضرموت بِأعداد كبيرة مِنهم رجالاً ونساءً، وَعَوا خِطاب الرّحمن الذي خلق واستمعوا إلى بيانِ عبدهِ الأصدق، من ختمَ بِهِ الرُّسُل المبعوث بِالهُدى والحَق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهم أمامَهُم نوازِع النُّفوس والأهواء والشَّهوات وهناك دعوات أيضاً من شِرار الخلق إلى كثيرٍ من شؤون الفساد في الفِكر أو السلوك، ولكنهم رفضوا كل ذلك وحرصوا أن يُجَنِّبوا أتباعهُم وناشِئاتهِم وأجيالهم وذراريهم هذه المُؤثِّرات السَّلبية والبُعد عنها ما استطاعوا لِذلك سبيلاً، وآتَوهم مِن التَّحصين والوِقاية ما بهِ يُحمَون إذا فاجأهم شيء أو انتقلوا إلى بيئاتٍ اختلطَ فيها الظُّلمةُ بِالنُّور واختلطَ فيها الحق بالباطل والشر بالخير، فيكونونَ على الفُرقان الذي يُمَيِّز على الحِماية مِن أن يُصدِّقوا الخُدَع التي يُخادَع بها الإنسان على ظهرِ الأرض لِيَخرج عن منهج ربِّهِ جل جلاله وتعالى في عُلاه تحتَ أيَّ مُسمّى وتحت أي دعوى.
فَبِذلكَ قامت مدرسة حضرموت على هذا الأصل وعلى هذا الأساس وتَميَّزَت، وكان مِن مِيزتها أن أجرى اللهُ تعالى على أيدِي أهلِها نشرَ دين الله تعالى وإدخال الأعداد الكبيرة والبُلدان الكثيرة إلى الإسلام، وكان أيضاً مِن مِيزاتهم وجود تسلسُل التَّربية فيهم وأسانيد العِلم المَوروث المأخوذ، وكُلُّ ذلك بِرِعاية الله تعالى مُتَّصل بِوَعدهِ لِنبيِّهِ أنّهُ لا يزال في الأمة طائفة على الحق فهؤلاء منهم ومِن أقويائِهم وأصفيائِهم، وأنه يحمِلُ هذا العِلمَ من كُلِّ خَلَفٍ عدولُه - كما أخبر صلى الله عليه وسلم- فكانَ فيهِم عُدولٌ بعد عُدول، وأنَّ الأُمَّة كالمطر لا يُدرى خيرٌ أوَّله أو آخِره، وكُلُّ ذلك أخذَ واقِعَهُم نصِيباً وافياً مِن بقائِهِ أو وجودِهِ في الأمّة بِحَسَبِ وعد الله لِنَبيِّهِ المُصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبِذلكَ لمَّا جاءت أنواعٌ مِن الطَّوائِف سواءٌ الدُّعاة إلى المعاصي من المسلمين أو المُنحرفينَ في الفِكرِ والفهمِ في الإسلامِ والشَّريعة أو دعوة غير المسلمين إلى كُفرٍ أو إلحادٍ أو نصرانيّةٍ أو يهودية أو غير ذلك، دخلت مِنهم طوائِف إلى حضرموت والوادي المَيمون وبِحِكمَةِ الله تبارك وتعالى في بقاءِ هذا التَّسلسُل في التربية والحِماية الموجودة مِنَ التحصين الذي يقومُ على العِلمِ والمعرفة خرج كلٌّ مِنها بعد أن جاء ثُمَّ كأن لم يَكُن دخل! ولم يستطيعوا أن يَكتَسِحوا حقائق التربية المَوروثة والفهم الواعي المُسنَد إلى حضرةِ النُّبوَّة والرِّسالة والمُستقي مِن وَحي الله تبارك وتعالى وتعليمه.
فجاءت عدد من الطوائِف وكان من أواخِرِها ما كان من مجيءِ النَّصارى مِن أهل بريطانيا في وقتٍ كانوا يُعَدّونَ أكبر مملكة على ظهر الأرض، قبل أن تكون أمريكا مُقدَّمَة عليهم في شأن التَّحكُّم ومد بِساط السِّياسة للتَّأثير والتحكُّم في العالم كانوا هم، ولهم أراضٍ في الشرق والغرب بحيث أنهم ما تغيب الشمس عن الأراضي المنسوبة عليهم على طول المدى، يعني لو غابت في جانِب فَفِي جزر وبلدان أخرى تحت سَيطَرتهِم الشمس فيها موجودة، فضربوا لها المثل ما تغيب الشمس عن مملكتهِم دائِماً فكلُّ ساعات الليل والنهار موجودة بعض أماكن وهي في نهارِها بِالنسبة لِحُكمهِم ومملكتهم وإن كان في الأماكن الأخرى ليل، مع ذلك كلِّهِ هُم وما أرادوا بثَّهُ مِن سموم وما أرادوا مَحوَهُ مِن شؤون الدِّين والشَّريعة فَشلوا في ذلك، وبل سَقَطوا في واقِعهم وفي مركزِهِم العالمي وقامت بعضُ قُوَى مِن قُوى الشَّر فزادت وسادت عليهم، كَكِيان الصَّهيُونية الذي رتبَّ ترتيباته الخِدَعِيَّة والإبليسِيَّة لأجل السَّيطَرة واحتِواء الحركات في العالم وكان جُزء مِمّا أقام النِّظام في الدَّولة الأمريكية وبسطوا بِساطاً من النفوذ هنا وهناك.
وعقَبَ بريطانيا أيضاً روسيا أيام كانت قائمة على الإلحاد الخالِص والكفر، وأفكار أيضاً وأنظِمَة وَلِيدَة عَقلِيَّات لأُناسٍ مِنهم من المُنقطعينَ عَنِ الله وعن رسوله من الذين لا يؤمنون باليومِ الآخر، وأقاموهم ونشروا أسمائَهُم تِلكَ الأيام في وادي حضرموت في المدارس وفي الأماكن العامَّة وجاءوا لنا بأسماء فلان وفلان وفلان وفلان - ما نُحِب ذِكر أسمائهم - فلان وفلان وفلان، ونشروا أسمائهم ونِظامهم وَليد فِكر هؤلاء المُنقطعين عَنِ الله ورسوله، ويقولون أنَّهُ بِأخذِهِ سَيعيش النّاس في جنة فما حصلوا إلّا نار قبل النّار وجحيم قبل الجحيم وتعب في الدنيا قبل تعب الآخرة لِمَن مشى في ذلك النظام، وكان ما كان وذهبوا وبعدَ مُكثِهِم خمس وعشرين سنة خرجوا وكأن لم يكونوا.
وبعد ذلك جاءت أيضاً طوائِف في الفِكر والاتِّجاهات من هنا ومن هناك بعضها باسم الدِّين وبعضها باسم الدُّنيا وبعضها مُظهِرةً المُعاداة للدِّين، وكان فيها ما كان ويكون فيها ما يكون وتعيشون في بعض آثارها التي لَحِقها ما يُشاهَدُ الآن في الواقِع مِن كثرة هذه المُنظَّمات التي لها خُيوط مُتَّصِلة بِسِياسات في مُختلف دول، ورُبَّما لِأطرافها أيضاً اتِّصال بِأرباب كفرٍ وفسوقٍ ومُعاداةٍ لدين الله تبارك وتعالى، ورُبَّما كما هو أسلوبهم في الشِّعار وحتى أسلوب الدّجّال الأعوَر الخبيث، أنه يريد نفع الناس ويريد رِزق الناس ويريد إطعام الناس، يأتي بهذا وعن طريقِ الخُبز يلعب على العقول ويُخرِج الناس من النُّور إلى الظُّلُمات ومن الإسلام إلى الكُفر، فكُلّهم لذلك يأتي شِعاراتهم إما باسم عدل وإما باسم حُرِّيَة وإما باسم مُساعدة وإلى غير ذلك من الألقاب والشِّعارات التي يُضيفونها على مشاريعهم واتِّجاهاتهم.
والخُلاصَةُ أنهُ يجب أن نُدرِك أنّهُ لا يُمكِن لِآدَمِيٍّ مُكلَّفٍ على ظهر الأرض أن يفوزَ ويحوز حقيقة السّعادة مِن دون منهج الله ورسوله ومن دون الأدب مع الله ورسوله قط قط قط قط، وأنَّ ما يُضحَكُ بهِ على العقول من مظاهِر مادّة وغيرها خِدعَة الحقيقة تُكذِّبُها والواقِع يُكذِّبُها، والمآل أشدُّ نَكالاً على من صَدَّقَها فضلاً عن مَن دخل فيها وعَمِل بها.
المآل خطير لِمَن صدَّقَ لِأنه شكٌّ في الحق ومِنهاجه ودينه والعِياذ بالله تبارك وتعالى مناقِضٌ لِحقيقة الإيمان؛ وما يُمكِن أن يُصدَّق هؤلاء وقد احتاطَ النبي صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتهِ حتى فيما يتحدَّث بهِ أهل الكتاب، أهل الكتاب يتحدَّثون بِحَديث بعضهُ راجِع إلى بلاغ أنبيائهم وما أوحى الله إلى أنبيائهم ولكن فيه اختلاقات وتَحريفات وأُكذوبات مِن عندهم، فقال إذا حدَّثوكم عن الكتاب فلا تُصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم لأنهم خلطوا الحقَّ بِالباطِل، وإذا كان هذا واجِبنا مع المُنتمينَ إلى الدِّيانات السماوية مِنَ الذينَ حرَّفوا وبدَّلوا فكيف مع الذين لا يؤمنون بالله أصلاً، نُصدِّقهم في ماذا؟ ونأخذ عنهم ماذا؟ فَمِنَ الواجب الحَتمي اللّازم الفرض على كل مؤمن، كُلُّ ما تعلَّق بالاعتقاد والسُّلوك في الحياة لا يجوز تصديقهم في ذرَّة منه، أما شُؤون المادِّيَّات فَشؤون المادِّيَّات مع ذا ومع ذا يا طِب يا هندسة يا طيران يا زراعة هذه مع الكافر ومع الفاجر وهُم ينتفعون بل انتفعوا فيما سمّوه بِحضارات لهم بما كان مِن كسبِ المؤمنين مِن قبل، وما كان من تجارب ونتائج العمل والفِكر للمؤمنين من قبلهم استفادوا من ذلك وأقاموا عليه شيء من استفاداتهم المادِّيّة، لكن هذا لا يُغيِّر مِن وجهِ الحقيقة شيء ولا يمسُّ شؤون الأديان والاعتقادات والخُلُق والمسلك الذي يسلك عليهِ الإنسان في الحياة، فهذا هو شأن الألوهِيّة وشأن الحق سبحانه وتعالى أن يختار لِعِباده وهو أعلم بما ينفعهم وما يضرهم وما يصلحهم وما يفسدهم.
(قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) ، ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
في كُلِّ هذه الحقائِق يَجِب أن نُدرِك واجبات مُهِمات علينا في واجبنا وواقعنا الذي نعيش فيه، فإنَّ طوائِف مِن هؤلاء المُفسدين على ظهرِ الأرض بِمُسمَّياتٍ مُختلفة مادِّين أيدِيهم إلى هذهِ الجِهَة وإلى هذه البُقعة وإلى هذا الموطِن، ويريدون أن ينالونَ فيه من الإفساد كما أراد مَن قبلهُم، وإن وُجِد فينا من يُوقِنُ بالله ويَثِق بالله ويتوكّل على الله ويطيع الله - كما وُجِد فيمن قبلنا - فسيُدْحَرون كما دُحِر من قبلهم، وسيبغون بالفشل كما فشل مَن قبلهم، وإن قَلَّ فينا الواعون والصادقون والمُخلِصون والعاملون بالشَّرعِ والمُوفونَ بِعَهدِ الله فَرُبَّما ضَرُّوا مَن ضرُّوا وأفسدوا فيما أفسدوا وغَيَّروا ما غَيَّروا، لا بلَّغَهُمُ الله مُراداً فينا ولا في أحد من المؤمنين والمؤمنات.
فَخُذنَ واجِباتِكُنَّ الكبيرة واستعمِلنَ الطاقات والقُدُرات والمعلومات التي وصلت إليكن - ما كان نافعاً منها - وأعني ما كان نافعاً (النفع الحقيقي) هو في ميزان الشرع نافع وفي ميزان العقل السليم نافع، ما كان نافعاً مِن كُلِّ المعلومات ومن كُلِّ الإمكانِيَّات كالأجهزة؛ يجب أن تُسخَّرَ تسخيراً تامّاً لِخِدمَةِ المقاصد التي خلقنا الله من أجلها، ونبني بها في بُلداننا فوائد ومنافِع مُتَّصِلةً بالشريعة المُطهَّرَة وآدابِها وأخلاقِها.
ولن نَجِدَ إذا صدَّقنا بِوَحي الله وأصغينا إليه إلا تأييداً لِما عليهِ أهلُ الآداب أو ما كان من الآدابِ في سِيَرِ من قبلنا، أما استبدالُ تلكَ الآداب والقِيَم بِشَيءٍ آخر فهو عَينُ الغُش والخِداع وعلامة الوقوع في شبكةِ المُصطادين مِنَ المفسدين على ظهرِ الأرض، فلا يتأتَّى أن نستهينَ بِخُلُقٍ ولا أدبٍ مصدرهُ وَحيُ اللهِ ومُستقاهُ من معدن النُّبوَّة ونقول إنّه عفا عليه الزمن أو قديم وما عاد ينفع في هذا الوقت.. هل وُجِد إله آخر للكون؟ هل وُجِد نبي آخر من عند هذا الإله يُبَيِّن لنا؟ ما دام هو رب الزّمن وخالقه وأرسل محمداً وجعله رسولاً إلى أن تقوم الساعة ما يُمكِن يأتي يوم قبل أن تقوم الساعة فيه شيء صالٍح للخلق غير ما جاء به محمد! ولا شيء نافع غيره، ما يمكن ذلك أصلاً.
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وما مَرَدُّ هذا الأفكار والتَقوُّلات هذه ما مردُّها؟ ما مردُّها؟ أين مصدرها؟ من أين جاءت؟ وأين وَجهُها؟ ما دليلها؟ على أي شيءٍ قامت؟ مُجرَّد سفسطة ولَعِب بالأهواء والشَّهوات بين الناس يَتطاولونَ بها على الجبّار الذي خلق، وهذا يُخدَع من أجل فقره وهذا يُخدع من أجل إغراء شهوة من الشهوات، وهذا يُخدَع بِوَظيفة من الوظائف ويُعادون الرَّبَّ الذي خلقهم ومنهاجه الذي أنزله، بِلا بَيِّنَة بِلا بصيرة ما عدا الشهوات والأهواء والنفوس الأمّارة يُضحك بها على كثير من الناس.
فَوَجَب أن نتحصّن ووجب أن نتبيَّن، ووجبَ أن نُسَخِّر إمكانياتنا وطاقاتنا فيما يُصلح بلادنا وما يُصلح أولادنا وما يُصلح واقعنا، وأن لا نكون إمَّعَات ولا قابلين للمُفسدين والمفسدات بأي شكلٍ من الأشكال، يصِلون إلينا يُغيِّرون أفكارنا وأخلاقنا عن الأفكار المُستنيرَة بِنُورِ وَحيِ الله والأخلاق المُستقاة من عندِ مَن بُعِث لِيُتَمّم مكارمها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، هذا لا يجوز السماح لأحد أن يلعب به كائِناً مَن كان.
وإنّنا لن نفوزَ ونحوزَ السّعادة في الدَّارَين إلا بالتَّمَسُّك بذلك الصِّراط المُستقيم والحبل المتين والاعتصام به (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، ويقول جلّ جلاله وتعالى في عُلاه: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ: والطاغوت كلُّ دَعوةٍ مُضادَّة لِمنهجِ الله طاغوت، الطّاغوت: كلُّ من دعانا إلى مُخالفة منهج ربِّنا وتبديل شرع إلهِنا فهو طاغوت، فيجب نكفُر بالطاغوت (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فاعلمنَ ذلك ولا تستهوِنَّ ما تُدْعَونَ إليه مِن الاستخفاف باللِّباسات وأزياء البنين والبنات مِن صِغَرهم بِكُلِّ ما خالف الحياء والحِشمة، ولا تظننَّ أنه حقير أو يسير إنه بذرة، إنه هتك حِجاب، إنه فتح باب للسُّوء والشَّر.
التهاوُن بِكُلِّ القِيَم مِن مُبتدأها لهُ ما وراءه ويُبنى عليه أشياء، لِهذا لما جاءتنا الشريعة بِكمالها جعلت سُور حول الواجبات: مندوبات ومُستحبَات وسُنَن يُحرَص عليها حتى لا ينقُص شيء من الواجب، وجاءت إلى المَنهِيَّات والمُحرَّمات وجعلت حوالَيها سور: المكروهات والشُّبُهات، فمَنِ اتّقى الشُّبهات فقدِ استبرأَ لِدينهِ وعرضهِ ومن وقع في الشُّبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشِكُ أن يرتعَ فيه، وجعل في الوسط المُباحات، وفي المُباحات قال انووا فيها النية الصالحة تلتحِق بِالسُّنَن والآداب، وحَكِّموا الشرعَ فيها حتى لا تزيغ بكم وتخرُج عن سَواء السبيل، فهو دين فيه تحصين وحفظ كامل ووِقاية وهو شامل لمصالِح الحياتَين وسعادة الدارين، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) ، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
فنحتاج أن نَتَوجَّه بِطاقاتِنا وإمكانِيّاتِنا إلى ما فيهِ صلاحُ بلادنا وصلاح أولادنا وصلاح أنفسنا وذواتِنا، ورِضا ربِّنا وخالِقِنا والاستعداد لِمآلنا ومصيرنا، ولا نفسح المجال لِكُلِّ من أراد أن يتطاول أو يتكلّم ولو بِمُخادعة وبِأُسلوبٍ يُغرينا به بِشيءٍ مِن المادّة أو المصالح المُنقَضِيَة، وأن نحرِص على توفير ما نحتاج إليه في مطعوماتنا ومشروباتنا وملبوساتنا ومساكِننا وبقية الوسائِل التي نحتاج إليها في الحياة، وأن تكونَ قائمةً على الأساس الصحيح وأن يُعاون بعضنا بعضاً على ذلك ويَدُ الله مع الجماعة (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ)، وأن نُكَوِّن لذلك جلسات وَصِلات طَيِّبات، ونُكَوِّن لذلك تدريسات وتعليمات، ونُكَوِّن بث الوَعي ونشرُهُ ونُكوِّن من ذلك أعمال ينطلق فيها صغارنا.. كبارنا.. ناشِئَتنا.. شبابنا، وأن نستخلِص ما هو قائِم بيننا من مُعاداة مِن ألعاب مِن مِهَن مِن حِرَف، نستخلِصها مِنَ الزَّيغ، الخِداع، الكَذِب، المَكر أن تتحوَّل بذرة لِشَر أو تتحوَّل مفتاح لِباب مِن أبواب الشَّر، نُخلِّصها من ذلك ونستخلصها بالتعاون وبالصِّدق مع الله والتَّكاتُف (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) كما قال ربنا جل جلاله وتعالى في علاه.
وهو الذي يُسَيِّر قلوب الخلقِ وقوالِبهم والأمر له ومن صدقَ معه أخذَ بِيَدهِ وأيَّده، ومن أعرضَ عنهُ فلهُ ضَنَك المَعيشة وله العمى في الدَّارِ الآخِرة والنّكال والعذاب والعِياذ بالله تبارك وتعالى، حُكمٌ مِن خالِق لا يملِكُ مخلوقٌ أن يعقِّبَ عليه ولا أن يُبَدِّله، ولا مُعقب لِحُكمه سبحانه وتعالى.
فثبَّتنا الله وإياكنّ وشرحَ صدوركنَّ ورزقكُنَّ التَّعاون على مرضاتهِ جلَّ جلاله، وحُسن العودة إلى المصدر الذي به تستنير قلوبنا وعقولنا: وَحي اللهِ وبلاغ رسوله عليه الصلاة والسلام ومعرفة قدرَ هذهِ السُّنَن، ودراسة مناقب ومناهج وسِيَر اللاتي أجرى الله على أيديهِنَّ نُصرَة الحقِّ ورسولهِ ونفع العِباد، أوائِلهُنَّ خديجة بنت خويلد ثُمَّ بنات سَيِّدِ المُرسلين وأمّهات المؤمنين، هؤلاء الأوائل والمُهاجريَّات والأنصاريّات السابقات في الأمّة، هؤلاء الأساس في خَير الأمة وسعادة الأمة والوَعي عن الحق، ورسمِ المَسلَك الصّحيح على ظهرِ الأرض في إقامةِ الخِلافةِ عن الله تبارك وتعالى.. فهل يُستبدلنَ بِمُمثِّلات؟ هل يُستبدلنَ بِلاعِبات؟ هل يُستبدلنَ بِراقصات ومُغنِّيات؟ هل يُستبدلنَ بِكافرات وفاجرات؟ بِحَيث نعيش في البلدةِ المُباركة وإذا زيّ بنت واحدة من بنات أهلِ البَلد مِثل واحدة يهوديّة تماماً هي اللي نشرت هذا الزي واقتدوا بها الناس، وإذا قد بنتنا وسط بلدنا مُتابعة لذيك! وين راحت فاطمة؟ وين راحت خديجة؟ وين راحت زينب؟ وين راحت أمهات المؤمنين؟ وين راحت مريم؟ وين راحت آسيا؟ وما عاد حد إلا الفاجرات والكافرات هؤلاء نربِط بناتنا بهم نربط أولادنا بهم نربط مجتمعنا بهم؟!
يجب أن نكون واعين، وأن لا يأخذوا مِنّا القِيَم والأمور الغالية الثمينة العالِية بأيِّ مُقابلٍ كان، ونعلم أنّنا على مسلَك الذي قال: (والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أنا أترك هذا ما تركته حتى يُظهِره الله أو أهلك دونه) صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى ذلك يكون الحال قال من بعده أبو بكر الصديق: "والله لو لم أجِد إلا الشَّجَر والحجر لقاتلتهُم به، أمّا أن ينقُص الدين وأنا حي فلا) ينقص الدين وأنا حي لا! ما دُمت في الحياة ما ينقص الدين ولا تُمنع الزكاة، وهكذا مضى بهذا الصدق والإخلاص الخلفاء الراشدون ومن اتَّبعهُم بإحسان.
شرح الله صدورنا، نَوَّرَ الله قلوبنا، بارك الله في أحبابنا وما قاموا به من هذه الدورة، وهذه المواضيع التي طرقوها معكم وما يتعلَّقُ بِصِحَّةِ الأديان والأبدان وصفاء الفِكرِ والجَنان، والجمعِ بين خيرات الدَّارَين ورِضوان عالم السِّرِّ والإعلان جل جلاله، وأن يكون القُدوة الذي ارتضاه الله لنا محمد سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، هو الأصل وهو الأساس وهو القدوة.
هو السَّاسُ وهو الرأس للأمرِ كلهِ ** بِأولهِم يُدعى لذاك وآخرِ
وتحت لواهُ الرُّسل يمشون في غدٍ ** وناهيكَ مِن جاهٍ عريضٍ وباهرِ
اللهمَّ ثبِّت قلوبنا وثبت أقدامنا وانصُرنا على القوم الكافرين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ربنا وعافِنا واعفُ عنا، (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ، (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ، ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
اللهمَّ زِدنا من الخَيرات وادفع لنا الآفات وتقبَّل هذهِ الأعمال، وزِد أهل هذه الحارة والمنطقة إيماناً ويقيناً وتقوى وخِدمةً لِلشَّرع المصون وإرث الأمين المأمون، وبارِك اللهم لهم في جميع مساعيهِم وتولَّهُم في ظاهرهم وخافيهم، واجعل السَّعي في السَّعي المشكور واجعل العملَ في العمل المبرور، واقبلنا يا عزيز يا غفور وزِدنا من فضلِك ما أنتَ أهلُه، وأصلِح لنا وللأمّة الشأن كله، بِسِرِّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
02 جمادى الآخر 1444