(231)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جلسة الجمعة الشهرية الـ37، لحارة الرحبة، في ساحة جامع الرحبة - مدينة تريم، ليلة السبت 16 شوال 1444هـ بعنوان:
مكانة منهج الرحمن وحاجة الأمة إلى تطبيقه وتعظيم تعاليم وسُنن رسوله في الفرد والمجتمع
الحمد لله، الذي يمنُّ بالتوفيق والهداية لأقوم طريق، يُنبِّه القلوب والعقول، لترتقي مراقي حُسن الامتثال لما جاء في التنزيل، وبُعِث به سيدنا الرسول صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار في سبيله خير سبيل، واستدلَّ بدلالته وهو أكرم دليل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين أدّوا الأمانات قبل بعثته الشاملة العامة، وآلهم وصحبهم ومن تبعهم، وعلى ملائكة الله المُقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبارك الله لنا ولكم، في عيد الفطر المبارك، وخروج الأمّة من الشهر الكريم العظيم، الذي نرجو أن يخرجوا بنوره، ويخرجوا من الشهر بسرّه وبمدرسته، وبأسرار تعاليمه، وما كان فيه من صيام ومن قيام، ومن مواصلة، ومن إعطاءٍ وإنفاق، ومن مراقبةٍ له جل جلاله.
وبارك الله في أهل الرغبات، في إحياء الليالي المباركة بخير الأعمال وهي الصلاة، وحضورهم فيها، ومتابعتهم للصلاة آخر الليل كما يُصلّون أول الليل، وكلّ ما قام به قائم في الشهر الكريم من مرضاة الحق تبارك وتعالى، تقبل الله ذلك مِنا ومنهم ولا جعله آخر العهد من رمضان وأعادنا إلى أمثاله.
والأمر كما سمعتم في كلمة الأستاذ محبوب، أن الله تعالى جاء لنا بهذه المواسم، وشرع هذه الأعمال، لِنستكمل حُسنَ المسار، وتنوير الأفكار، والاقتداء بالمُختار، ولتعود العائدة علينا بعوائد في صِحة القلوب وصِحة الأجسام، وصلاح المعاش وصلاح المعاد، والمرجِع والمآب العظيم، والمصير الكبير، فإن ربّ الدنيا والآخرة ختم لنا النبوة برسالة سيدنا محمد، وجعلها شاملةً للعالمين، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [ الأنبياء: 107].
وكان هو الذي دعانا إلى أسرار عبادة المعبود - جل جلاله - وتصحيح الإيمان به، وبأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا، وتحصيل اليقين في لقائه، وحسن السعي في الاستعداد لهذا اللقاء، فإن أهلَ الغفلة والانقطاع عن إدراك عُمق هذه الحكمة في خلق الوجود، ينادَون ويخاطَبون وهم في مصير ما اكتسبوا من سوء العمل والتصرُّف، وهم في النار يُخاطَبون (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) [ المؤمنون: 115 - 116].
فوجب أن يُقرأ أثر رمضان وصيامه وقيامه وقراءة القرآن فيه وما كان فيه من أعمال، في أحوالنا بعد رمضان، أفراداً وأسراً ومجتمعاً، يجب أن يظهر أثر الصدق في رمضان، بل أثر القبول عند الخلّاق في رمضان، في أقوالنا وأفعالنا ووِجهاتنا ونياتنا وما نقوم به، وكما سمعتم يُهيّئ ربكم جل جلاله ظهور هذا الدين على الدين كله، فهو ظاهرٌ ومنصور، ولكن الذين يقومون بالنُّصرة على الصدق والإخلاص، وما هو محبوبٌ للرّب وسبب القبول عنده، خُلاصة من أمة الإسلام، يختارهم الحق ونسأله أن يجعلنا وإياكم منهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ووجدتم ظهور آثار رمضان أيضاً في غير بلاد الإسلام، وعيد الفطر، والتهنئة بها حتى من ذَوي سلطاتٍ كافرة لكثير من المسلمين في مختلف أقطار الأرض، ومعاني (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) لابُدّ أن تُقرأ حتى تستكمل، واستكمالها في أن لا يبقى بيت مدر ولا وبر ولا حجر، إلا ودخلهُ دين الحق ورسوله صلى الله عليه وسلم، بذُلّ ذليل أو عز عزيز (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف [9].
أهل الاجتماع المبارك، وموعدنا في الشهر الذي بعد رمضان في هذه الحارة، بارك الله فيها وفي أهلها وما يقومون به من خير، ودفع عنا وعنهم وعن باقي البلدة والوادي واليمن والشام والشرق والغرب كله بؤسٍ وضير، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
بحمد الله، اتِّساع أُفُق التكاتف والتآلف، هو الرّكيزة التي يقوم عليها النّجاح والوصول إلى مراتب الفلاح، ومن آثار هذه النُّصرة، ما سمعتم الإشارة إليه، تحرّك مجموعة من الشباب الذين قاموا بمجهوداتهم وإمكانياتهم لِفتح مثل هذه القناة (قناة الغناء)، الجميل في الأمر، أن الدوافع لهؤلاء الشباب، إرادة وجه الله، إرادة نفع العباد والبلاد، إرادة نشر الخير، غير مترقّبين لمصالح ماديّة، ولا مُرتبات ولا في تبعيّة لشيء من الصّراعات الموجودة على ظهر الأرض، لا حِزب ولا هيئة ولا حكومة ولا دولة ولا غير ذلك، انتماؤهم إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله، انتماؤهم لما أحدثته لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوب الرَّعيل الأول، من الصحابة وآل البيت الطاهر، ومن تبعهم بإحسان على ممرّ العصور، وإلى ما خصّ الله به هذه البلدة، في هذه الآثار، وأنوار لا إله إلا الله محمد رسول الله، من صلات واتجاهات وإخلاص وإنابة وإخبات وتولٍّ لله ورسوله والذين آمنوا بأعلى المستويات، وما تحلّوا به من رحمة ومن خدمة ومن توجُّه، فهو إِرثٌ شريفٌ كريم، وتراث بهيجٌ فخيم، في بلدان أسلَمت بلا سيف ولا قتال، وأُقيمَ فيها حُكم الله تحت نظر خاتم الإنباء والإرسال في حياته الكريمة في الدنيا قبل الانتقال للرفيق الأعلى، وتعيينه للوالي الذي يقوم بهذا الأمر، ورعاية هذا النظام للقلوب والأجسام، في حضرموت في حياته صلى الله عليه وسلم.
وولى زياد بن لبيد الأنصاري، وبعثه من المدينة المنورة، حتى جاء قائماً بحكم الله، وداعياً إلى أمر الله، ومُقتدياً بسيدنا رسول الله، ونائباً عنه في تبليغ الحكم والتطبيق والعمل، بِمُقتضى ما بُعث به عليه الصلاة والسلام، بلدان كهذه، ثم مضى بها التاريخ، فصارت مضرب الأمثال، في وفرة العلم النافع، الذي يسكن كل قلب خاشع، ووفرة الأدب والخُلُق الكريم والمكارم، التي بُعث صاحب الرسالة لإتمامها، وانتشار ذلك بين العالم والعامّي والصّغير والكبير، وأرباب المِهن والوظائف والحِرف المختلفة، وفوق ذلك حسنُ إيصال، ونشر وتبليغ لجمال هذا الدين وكماله، بالقلوب والأخلاق، وبلغ نشر الإسلام في الأرض على أيدي أهل هذه البلدة، وأهل مدرسة حضرموت، إلى أن يضيفوا إلى العالم الإسلامي أكثر من نصفه الموجود، عدداً ومساحات وأماكن في الأرض، بالطريقة التي وصل إليهم الإسلام بها، وقاموا بحقه، بنفس الطريقة أثّروا، بحسن معاملتهم وأخلاقهم ووعيهم، لأسرارٍ من أسرار الوحي والتنزيل، ودلالة الرسول الجليل، نِعم الدليل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبلدانٌ مثل هذه يجب على عقول أهلها، أن لا تستبدل شرف النّصرة لله ورسوله بأي شيء يقطعها عن الطريق، ولا يوقعها في التعويق، أو يخرجها من خير فريق وأعلى رفيق، فإن البضائع كلها، مآلها إلى سوق القيامة، فما لم ينفق هناك، فوعزة رب السماء والأرض لا قيمة له على الحقيقة، إلا في الوهم والخيال فقط! (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا * أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا). [ الفرقان: 23]
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: والمجتمعون في سلسلة هذا التذاكر لواجباتنا ومُهمّاتنا، ذُكّرنا بأشياء تتعلق بديننا ودنيانا وآخرتنا، وما جاء الدين إلا لإصلاح المعاش والمعاد، والجسم والفؤاد، دينٌ كامل من عند ربٍّ هو أعلم بكل شيء من كل ما سواه، بل لا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء، وقد أحاطَ بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير، جل جلاله وتعالى في علاه.
فيما يتعلق أن يزيد وعينا وإدراكنا لأسرار هذا الوحي، وبه نظافة القلوب ونظافة الأبدان والديار والشوارع والأماكن، وبه حُسن التّعامل في ثقافة إيقاف الدراجة والسيارة، وقد كانوا على وعي وثقافة أين يربطون دوابّهم، ويتكلّم فقه الشريعة متى يضمن صاحب الدّابة ما أتلفت، ومتى يضمن ما تسبّبت فيه من ضرر الغير، وأصبحنا أيضاً في زمن الدراجات والسيارات غاب على كثير من أبناء هذه البلدة، وحقّهم أن لا يغيب عن أذهانهم، وجوب مراعاة المكان المناسب واللائق، حتى لا يضايق على مار سواء ماشٍ برجليه أو على دراجة أو على سيارة أخرى.
وانتشر عدم المبالاة، إذا له غرض أن يقضي حاجة فأي موقف يحصّله يوقّف فيه، وقف أحد بسببه أو ما وقف أحد، أخَّر أحد أو ما أخر أحد، تعب بسبب أحد أو ما تعب أحد، حتى صارت بعض الشوارع التي تسع ثلاث سيارات، ذاهبة وآيبة ضاقت عن مرور السيارة الواحدة، وضاقت إذا تقابلت سيارتان، وأحيانا في أمر يسير، يقلب دراجته إلى الشق الثاني حتى يكون اتّكاؤها على هذا الجنب، فيتسع المجال للمار ولا يتضايق، ولكن ما يريد يُكلّف نفسه يقلب دراجته هكذا، لأن ثقافته انحطت أنت المهم ولا بأس بخلق الله.
إماطة الأذى عن الطريق ثقافة نبوة، ثقافة شريعة ورسالة تحولت إلى وضع الأذى في الطريق ومضايقة المارّة؟! سواء بمثل الدراجات والسيارات، أو بالقُمامات وشأنها أشد، وأن أدنى شعب الإيمان.. أقل شيء، إماطة الأذى عن الطريق، وإذا عجزت عن أدنى شعبة في الإيمان أين باقي شعب الإيمان؟ إيش بتصلح فيها؟ هذه أدنى شعبة، يقول صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله) حقّقنا الله بحقائقها، (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، تبعد الأذى من الطريق ما تحط.. تبعّد، اللي يحطه غيرك تبعّده ما هو أنت تحط، إماطة الأذى عن الطريق، (وإماطة الأذى عن الطريق صدقة)، يقول صلى الله عليه وسلم، (أماط رجل من الأمم قبلكم غصن شوك من الطريق فغفر الله له)، تجاوز عن ذنوبه وسيئاته بإماطة غصن شوك من الطريق، فما إثم الذي يضع الشوك في الطريق؟ أو يضع القمامة والوساخة في الطريق؟
وكما سمعتم، الصندوق قدامه ويرمي جنب الصندوق، وما يُكلّف نفسه يخرج من السيارة أو من الدراجة، ثقافة غريبة، ماذا تعمل في طريق المسلمين؟ ماذا تعمل في ممرّ المسلمين؟ ماذا تعمل في مناظر المسلمين؟
والأمر، جاء بعض الوافدين إلى البلد، مُريداً الاستزادة من العلم وأن يُدرك تزكية نفسه لُيقرب من الرب، ويدرك أسرار الصِّلة به، فأثر عليه بعض القمامات في الطريق، وقرّر الانتقال إلى بلد آخر وسافر، ترك البلدة من خلال منظر رآه في الشارع، وقال ما يستطيع العيش في البلدة هذه في الصورة هذه، والرجل منتقل من مرحلة إلى مرحلة، وطالب أن يرتقي ولكن سمع عن البلد، وعن فضلها وعن تاريخها فجاء، فكان هذا المنظر وحده كافياً لأن يصدّه، ولأن يغيّر قراره للرجوع من البلدة ويبحث عن طلب العلم والتزكية في دولة أخرى وبلد آخر.
شؤم هذا التساهُل، لأن جميع تعليماته صلى الله عليه وسلم خيرها كبير، والتساهُل بها له شؤم وله أثر كبير، ولو كان سُنة من سننه فضلاً عن واجب فرضه صلى الله عليه وسلم، ولذا يخاطب رب العزة يقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) جل جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا يقول عن سُنة تسوية الصفوف في الصلاة، سُنة أن يتساوى الصف ولا يتقدم أحد ولا يتأخر، تكون أعقاب القائمين في الصف متساوية، (لتُسَونّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم)، يعني شؤم التساهل بالسُّنة هذه ونتيجة التساهل بالسنة خطير، مخالفة بين القلوب يعني فساد المجتمع، من خلال إهمال سُنة لمحمد صلى الله عليه وسلم في تسوية الصفوف، فليس هناك مجال للتهاون بسُنن رسول الله، تعليماته ليست مثل تعليمات الدكاترة ولا مثل تعليمات الأحزاب ولا مثل تعليمات الوزارات، تعليماته فوق هذا كله وأعظم وأعمق وأبرز وأنظف وأشرف من هذا كله، تعليماته تعليمات من يشهد رب الأرض والسماوات لذاته وشأنه وللسانه، فيقول (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فلابُدّ من تطبيق تعليماته في البعد عن أذى المسلمين، في البُعد عن إلقاء الأوساخ في طُرق المسلمين، ومعرفة الواجب في مقابلة المسلمين ومساعداتهم، ولو لم يكن حكومة ولو لم يكن دولة لوَجَب على أهل المنطقة أن يُرتِّبوا أنفسهم بأنفسهم، وأن يقوموا هم بترتيب شؤونهم هذه وأحوالهم، وبعضهم يجعلها أيضاً بجانب مسجد أو قريب مسجد، وربما وصلت رائحتها بالرياح لما تهب إلى المسجد، وشوّشت على آدميين وملائكة وجنّ مصلين وسط المسجد، وما عرف بإثمه هذا، والنبي يقول له لو صادف أنه أكل ثوم أو بصل فأورث رائحة في فمه فلا عاد يقرب المسجد بعيد من المسجد، (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربنّ مساجدنا)، حتى لا يشوّش على الملائكة ولا على المصلين بالرائحة الباقية في فمه من البصل أو من الثوم، فكيف برائحة القمامة؟ أو كيف برائحة التنباك والسيجارة؟.. لا تؤذي عباد الله لا تؤذي ملائكة الله لا تؤذي المصلين، إن لم تساعدهم وتقوم معهم، فتنبُّهُنا لمثل هذه المسائل نكسب بها الفضائل.
وهناك ارتباط بين التساهل بالرذائل المعنوية والرذائل الحسية، هذه مع هذا تجيء، ما تنتشر رذائل في المعنى إلا وفي الحس نحصل الرذائل مقابلها، أوساخ حسية أوساخ معنوية، إذا تلطخت العيون بالنظر الحرام والمناظر الخبيثة، فلا بد أن تنظر العيون في شوارعنا وغيرها إلى مناظر قبيحة سيئة، لأن الطّهر بالطهر والنقاء بالنقاء والوسخ بالوسخ، (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، فلابُدّ من الانتباه في الظاهر والباطن، نعامل الأول الآخر الظاهر الباطن عالم السر وأخفى، فيجب أن نقوم للأمر كما ينبغي (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، إذا أردتم تصلون تسجدوا لي تزيّنوا، تطهّروا تعطروا البسوا خير ثيابكم، تزيّنوا للمساجد فالزينة للمساجد رِفعة، وفي الحديث (من تطيب لله لقي الله يوم القيامة وريحه أطيب من المسك، ومن تطيب لغير الله) جل جلاله، قصده السيئ إما مفاخرة وإما مُكاثرة وإما استمالات وإما رذائل وجنسيات، (من تطيب لغير الله لقي الله يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة)، والجزاء من جنس العمل والنيات تؤثر، نتطيّب للصلاة نتطيب للمساجد.
وقد كان أبي عبد الله المجمّر، اشتهر لقبه بالمجمّر من أجل أنه يبخر المسجد ويجمره ويأتي، ولما كانت تعتني بعض النساء بالنظافة في المسجد توفّيت فسأل عنها أصحابه قالوا توفيت يا رسول الله، قال لم لم تشعروني؟ لم لم تئذنوني؟ قال يا رسول الله إنها توفيت في الليل وأنت راقد وكرهنا أن نزعجك قال أين قبرها، فخرج وصفّ معه مجموعة من الصحابة وصلى على قبرها إعلاءً لشانها ورفعة وقدر هذه التي كانت تنظف المسجد، وكانت تعتني بنظافة المسجد عليها الرّضوان وراح إلى قبرها يزورها ويصلي عليها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ودخل يوماً إلى المسجد فوجد في الجدار الأمامي في القبلة في المحراب أثر نخامة فتغيّر وجهه، وكان ماسك بيده عرجون من حق النخل هذا المثمر نسميه، حكّها بالعود اللي في يده ودعا بالطيب، طيّب مكانها – صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم قال (إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله أمامه، فلا يبصق أحدكم أمامه ولا عن يمينه، وإن احتاج قال فليكن عن يساره وتحت رجله، أو ليقل بثوبه هكذا)، ثم حكها، يبعد أثر المكروبات التي فيها كله بمجرد حكها.
هو معلم الخير كله، هو صاحب صحة القلوب وصحة الأجساد وصحة العقول وصلاح الدنيا وصلاح الآخرة، مرسول رب الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وسلم، فيجب نخرج من رمضان بتعظيم تعاليم من أُنزل عليه القرآن في رمضان، صلى الله عليه وسلم، ونرى أثر تطبيقها في أُسَرنا وفي ديارنا.
بل نحن نأمل أننا من خلال هذه الثقافة، في تطهير البيوت وفي وضع الأوساخ في أماكنها، أن نرتقي فوق ذلك، ما هو مُجرّد الوضع لا في محلها، بل فيها ما يُمكن أن يعود إلى سماد، وفيها ما يمكن أن يُستخرج منه الغاز، وفيها أنواع ينبغي نرتقي إلى تمييزها من وسط البيوت، ويوضع كل شيء في كيسه الخاص ليستفاد منه، ولكننا في المراحل قبل ذلك نضبط أنفسنا، وفيها كذلك، أضررنا حتى بالحيوانات، التي تأكل من هذه القمامات، وفيها هذه الأكياس من البلاستيك، التي تبين أضراره وخصوصاً إذا ارتبط بحار أو بشديد برودة إلى حدّ الثلج، ما يخرج منه من مواد تؤدي إلى السرطان، تؤدي إلى عدد من الأمراض، حتى أصدرت بعض الدول سواء في الغرب، وحتى في أفريقيا، أصدرت منع استعمال هذه الأكياس، وأنواع البلاستيك نهائياً، حتى تأكلها الغنم والشاة، يؤثر عليها ويضر حتى على لبنها، حتى على أولادها، والناس في غِنى عن مثل هذا.
وكنا نعهد أيام الصغار في البلد، ملآنة البلد أكياس ورقية، أكياس من الورق ويضعون حاجاتهم فيها، ولا فيها شيء من هذه المشاكل، والآن يجيب حتى طعام حار، كل المواد الخبيثة تخرج، وسط هذا الطعام ويأكلونه، نحن نشتكي اليوم، الوادي عندنا نسبة كبيرة من أصحاب التغسيل في الكلى، نسبة كبيرة من أصحاب أمراض القلب، ونسبة من السرطان موجود، له أسباب! الله جعل له كل شيء سبب، وهذا التساهل وعدم المبالاة، يؤدي بالناس إلى مثل هذه الأشياء، بل التّربة لما يوضع فيها هذا البلاستيك، يمكن أن يبقى في الأرض إلى سبعين سنة ما ينتهي ولا يتلاشى، ويضر بخصوبة الأرض، وناس أرادوا يتّجرون، قاموا وصنعوها لنا، وقال هاتوا فلوسكم، وضرّوا صحة أجسادكم، وضروا أغنامكم، وضروا ترابكم، وهاتوا الفلوس بس، وعقليات في الدنيا تشتغل على مثل هذا، لكنها مقطوعة عن الله جل جلاله.
هم المحتاجون إلى ما عندنا، من صفاء هذا الدين وعظمته، ليخرجوا من هذه الورطات، التي وقعوا فيها في محبة الدنيا بحتاً، واتبع أحدهم هواه، واتخذ إلهه هواه، والعياذ بالله.
فالحمد لله الذي يجمعنا، لنتذكر ولنتبين، ولنترقى ولنتطهر، ولنؤدي أمر الله، ونرعى حقوق الأمانة والخلافة، عن الله على ظهر هذه الأرض، بتعظيم تعاليم من أُرسِل رحمة للعالمين، وخُتِم به النبيون والمرسلون، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن اتبعه، ملأ الله قلوبنا إيمان ويقين، ورزقنا التعاون على مرضاته، والتحابب فيه، وزادنا من كل فضل، ودفع عنا الرذائل والبلايا، والآفات وسوء الظنون، والبغضاء والشحناء والعداوة.
اللهم املأ قلوبنا بمحبتك، ومحبة أنبيائك وأوليائك، والمؤمنين بك، واجعلنا ممن يتولّ الله ورسوله، والذين آمنوا، وارزقنا عداوة أعدائك إبليس وجنده، ولا تُسلِّطهم علينا برحمتك يا أرحم الراحمين، نُحِبّ بِحُبّك الناس، ونعادي عداوتك من خالفك من خلقك، هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، املأ اللهم حاراتنا وبلداننا، بأنوار الإيمان واليقين والتراحُم والمحبة، والتعاون على البر والتقوى، وموقدي شُعَل المُعاداة بين عباد الله تبارك وتعالى، أطفئ اللهم نارهم، وأطفئ اللهم شعلهم تلك، وانظر إلى السودان وخلِّصها مما أصابها، من هذا التطاحن وهذا التصارع، وانظر إلى بلاد الإسلام، وصُن أهلها قلوبهم وقوالبهم، من أن تتحوّل إلى كفار يضرب بعضهم رقاب بعض مما حذرهم منه نبيك الصادق، المُبلّغ المُؤدي الأمانة صلى الله عليه وسلم، اللهم تدارك الأمة، واكشف الغُمة وعامل بِمحضِ الجود والرحمة، واختم لنا بالحسنى وأنت راضٍ عنا برحمتك، يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
15 شوّال 1444