(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الغسل: فصل في الغسل الواحد من المرات من الجماع ومقدار الغسل.
صباح الأحد: 28 ربيع الآخر 1445هـ
فصل في الغُسل الواحد للمرات
من الجماع وبيان مقدار ماء الغُسل
قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يطوف كثيرًا على نسائه بغسل واحد، وكثيرًا ما كان يغتسل إذا طاف عليهن عند هذه وعند هذه ويقول: "هو أزكى وأطيب وأطهر".
وكان أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءًا"، زاد في رواية: "فإنه أنشط للعود".
وتمارى قوم من الصحابة في الغُسل عند رسول الله ﷺ فقال بعض القوم: أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا، فقال رسول الله ﷺ: "أما أنا فإني أفيض على رأسي ثلاثة أكف"، وكان ابن عمر يغتسل بالصاعين فكان إذا اغتسل بدأ فأفرغ من الماء على يده اليمنى فغسلها، ثم غسل فرجه، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ونضح في عينيه، ثم غسل يده اليمنى ثم اليسرى، ثم غسل رأسه ثم يفيض الماء على جسده. قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكان رسول الله ﷺ يغتسل من إناء يقال له الفَرَق. قال سفيان: والفرَق ثلاثة آصع وقُدّر ذلك تقريبًا نحو ثمانية أرطال.
وقال رجل لجابر -رضي الله عنه-: إن الصاع أو الصاعين لا يكفيني من غسل الجنابة، فقال جابر -رضي الله عنه-: كان الصاع يكفي من هو أكثر منك شعرًا وخيرٌ منك رسول الله ﷺ،
وكذا قال محمد الباقر -رضي الله عنه- للحسن البصري -رضي الله عنه-.
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من تور وشبهه ولكنه كان يبدأ"، قالت: وكنا أزواج النبي ﷺ نأخذ من رؤوسنا حتى تكون كالوفرة. قالت وكان رسول الله ﷺ إذا اغتسل من الجنابة يجيء فيستدفئ بي فأضمه إلي وربما كنت لم أغتسل بعد، فإذا دفئ قمت فاغتسلت، وكنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله ﷺ مُحلات ومحرمات والضماد: لطخ الشعر بالطيب.
وكان ﷺ يغتسل بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء بعد، يعني يكتفي بالماء الذي فيه الخطمي لا يستعمل بعده ماء آخر، وسئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رجل فيه جراحة وهو جنب؟ قال: يغتسل ويترك موضع الجراح. قال المؤلف -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا أنه -رضي الله عنه- أمر بالتيمم عن الجراح في هذه المسألة.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه وأهل بيته الذين نالوا به طُهرا، وأصحابه الذين ارتفعوا به قدرا، وعلى من والاهم بإحسان واتبعهم وبمجراهمْ جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الرّاقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بالغُسل، ويذكر أن الغُسل يكفي لعددٍ من الأحداث، كما أن الوضوء يكفي لمن تعدد منه أسباب الحدث، من مثل نوم وخروج بول وخروج ريح وخروج غاية إلى غير ذلك من أسباب الحدث، فيتوضأ وضوءًا واحدًا فيجزئه ذلك الوضوء الواحد، فكذلك في الغُسل.
وجاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه طاف عليه الصلاة والسلام على نسائه واكتفاؤه في بعض الأحيان بالغُسل الواحد، وكما جاء أيضًا في رواية أبي داود وغيره أنه يغتسل عند هذه وعند هذه وعند هذه، ويقول: "أن هذا أزكى وأطيب وأطهر". وبذلك أيضًا قال أهل العلم: أن الأفضل أن يغتسل لكل جنابة، وقال: وإذا اكتفى بغسل واحد لعددٍ من الجنابات جاز ذلك.
وبعد ذلك ينبغي أن لا يعاود الجماع إلا بعد أن يغسل ذَكَرَهُ وما أصابه من سوء، أو يتوضأ وضوءه للصلاة، كذلك لمسألة النوم وما تقدمت الإشارة فيه في الدرس الماضي، فيستحب إذا أراد أن يعود إلى أهله أن يغسل فرجه ويتوضأ والغُسل أفضل. وهكذا جاءنا في صحيح مسلم أنه ﷺ قال: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ" أعمَلوهُ على غسلِ الفرج على الأقل، وهكذا جاء طوافه على نسائه بغسل واحد، وجاء أيضا الاغتسال عند هذه وعند هذه وعند هذه كما أخرجه أبو داود وغيره.
"وقال سيدنا أبو رافع: قلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر". ولما سُئل بعض الصحابة أوَ كان ﷺ يُطيق هذا؟ قال: قد كنا نُحَدَّثُ أنه أُوتي قوة أربعين ﷺ. وذكر لنا الحديث عن "أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءًا"، زاد في رواية: "فإنه أنشط للعود".
إذا أراد المعاودة أو الأكل أو الشرب أو النوم يقول:
الشافعية والحنابلة: يُستحب للجُنب الوضوء عند إرادة الأكل أو الشرب أو معاودة أهله أو النوم، لما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنه- عندنا في الصحيحين "كان النبي ﷺ إذا أراد أن ينام وهو جُنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة"، وأيضا الحديث في صحيح مسلم "كان رسول الله ﷺ إذا كان جُنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءهُ للصلاة"، وحديث أيضًا عند صحيح مسلم "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ".
الحنفية: استحبوا بالنسبة للأكل والشرب لمن كان جُنبا أن يتمضمض ويغسل يديه، وهكذا جاء في رواية عن الإمام أحمد -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- وهكذا يقول مجاهد يغسل كفيه، وأما إذا أراد معاودة الأهل فقالوا الحنفية: يجوز أن يتوضأ أو لا يتوضأ، وإنما إذا أراد الأكل أو الشرب فيغسل يديه.
وكذلك يقول المالكية: إذا أراد معاودة الجماع يغسل فرجه؛ وإذا أراد الأكل أو الشرب يغسل يديه ويزيل ما عليها من أوساخ.
قال الشافعية والحنابلة: يستحب له الوضوء، يستحب أن يتوضأ لما جاء ايضًا أنه ﷺ سأله سيدنا عمر بن الخطاب وقال: إنه إذا أجنب أراد النوم؟ قال: "اغسل فرجك وتوضأ، ثم نم". فأمره بالوضوء للنوم، فبذلك تنتفي كراهة النوم.
يقول المالكية: ليس على الجُنب وضوء عند إرادة أكل أو شرب أو معاودة؛ لكن يستحب له غسل يديه من الأذى إذا أراد الأكل، كما يستحب له غسل فرجه ومواضع النجاسة إذا أراد أن يعاود الجماع.
أما إذا أراد النوم فعند المالكية ثلاث أقوال: قول أنه مندوب، وقول أنه مستحب، وقول أنه واجب لأجل النوم، لِما جاء أيضا في الأحاديث وحمله بعضهم على الوجوب، وحمله بعضهم على الاستحباب، وحمله بعضهم على الإباحة.
وقال الشافعي: يُسن أن يغسل يعني الجُنب أو الحائض أو النفساء إذا انقطع دمها -إذا انقطع دم الحيض أو النفساء- يغسل فرجه ويتوضأ إن وجد الماء وإلا تيمم كما تقدم معنا.
يقول: ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماعٍ أو نومٍ أو أكلٍ أو شربٍ وإلا كُرهَ إن يفعل شيء من هذه الأربعة، وألحقوا بها إرادة الذكر كذلك، إذا أراد أن يسترسل في الذكر؛ فينبغي قبل أن يسترسل في الذكر أن يستنجي وأن يتوضأ، وإن كان جُنبا فإنه لا يمنع إلا من القرآن فقط من تلاوة القرآن؛ أما غير القرآن من الأذكار فهو مباح له؛ ولكن ينبغي أن يكون بعد وضوء أو تيمم وذلك أفضل. وأن فيه تخفيف الحدث برفع الحدث الأصغر أو إزالة الحدث الأكبر عن هذه الأعضاء.
وبعد ذلك ذكر لنا مقدار الغُسل، يقول: "وتمارى قوم من الصحابة في الغُسل عند رسول الله ﷺ فقال بعض القوم: أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا.." يعني: قد ذكر مقدار وكمية من الماء كثيرة، "فقال رسول الله ﷺ: "أما أنا فإني أفيض على رأسي ثلاثة أكف" أي: ولكم الأسوة بي والقدوة بي، ويكفيكم أن تهتدوا بهديي، ولا أتقىٰ لله مني ولا أقرب إلى الله مني ولا أحسن عملا من عمله ﷺ.
وبعد ذلك يأتي معنا ذكر المد والصاع وأنه ينبغي كما يقول الشافعية والحنابلة: لا ينقص يُسن أن لا ينقص مقدار الوضوء عن مد، وأن لا ينقص الغُسل عن مقدار صاع، وهذا لا ينقص غالبا إنما المشكلة في الزيادة يزيدون كثير، أما النقص ما أحد ينقص هذا ولكن لو نقص عن هذا وأسبغ وأحسن الوضوء، فالوضوء كامل والغُسل أيضا كامل ولو كان بأنقص؛ لكن ينبغي أن لا ينقص عن مد في الوضوء ولا عن صاع في الغُسل من جهة الأفضل. وجاءت هكذا الأحاديث جاء في رواية عن السيدة عائشة قالت: ثمانية أرطال، وفسرت الصاع لأن بالنسبة لهذه الأرطال العراقية على قولهم ثلاثة عشر أوقية الرطل، فرطل وثلث يساوي مد، وعندنا أربعة أمداد، فنحتاج إلى ستة أرطال وسبعة.
"وقال رجل لجابر -رضي الله عنه-: إن الصاع أو الصاعين لا يكفيني من غسل الجنابة، فقال جابر -رضي الله عنه-: كان الصاع يكفي من هو أكثر منك شعرًا وخيرٌ منك رسول الله ﷺ،" -نقتفي به- "وكذا قال محمد الباقر -رضي الله عنه- للحسن البصري" -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- أنه قد كفى من هو أكثر شعرا في جسده الكريم وأعظم وأرفع قدرا منّا ﷺ.
وجاء عن سيدنا محمد الباقر يقول: قال لي جابر: وأتاني ابن عمك -يعني الحسن بن محمد بن الحنفية- قال: كيف الغُسل من الجنابة؟ فقلت: كان رسول الله ﷺ يأخذه ثلاثة أكف ويفيضه على رأسه ثم يفيضه على سائر جسده، قال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر -يعني: حسن بن محمد بن الحنفيه- قلت: كان رسول الله ﷺ أكثر منك شعرا، فكان رسول الله ﷺ يفرغه على رأسه ثلاثًا.
وتقول "عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من تور.." وهو اسم لإناء -إناء من الصفر- يتخذ يُقال له "تور وشبهه ولكنه كان يبدأ" ﷺ وتتبعه، "قالت: وكنا أزواج النبي ﷺ نأخذ من رؤوسنا" أي: نقص من شعر الرؤوس "حتى تكون كالوفرة،" الوفرة: ما يضرب على الكتفين؛ الشعر الذي يضرب على الكتفين وَفْرَة، والذي يكون إلى عند الأذنين يقول: جُمة، وكان ﷺ شعره بين الجُمة والوفرة، فقالت: إنه قد تقص بعض أزواج النبي ﷺ شعرها فتكون وفرة، كالوفرة يعني: يضرب على الكتفين. "قالت وكان رسول الله ﷺ إذا اغتسل من الجنابة يجيء فيستدفئ بي فأضمه إلي وربما كنت لم أغتسل بعد، فإذا دفئ قمت فاغتسلت، وكنا نغتسل وعلينا الضماد" ما يلطخون به الشعر من الطيب، "ونحن مع رسول الله ﷺ محلات ومحرمات" إذا استعملوا الضماد قبل الإحرام، وأنه لا يمنع وصول الماء الى البشرة.
فإذًا الاغتسال بالصاع مجزئ بالاتفاق، وإذا حصل الإسباغ بها أو بحتى بما دونه حصل، وكذلك المُد في الوضوء، قل: فإن أسبغ بدون أقل من الصاع في الغُسل أجزأه ذلك؛ لأنه مأمور بالغُسل وقد اغتسل، القصد أن يغتسل ويسيل الماء على جميع بدنه؛ لكن الإشكال في الزيادة المفرطة
مكروهه في الماء حيث أسرف*** ولو من البحر الكبير اغترف
ما كفاه مد واحد للوضوء مُدّين ثلاثة أربعة،!! وأيضًا سُنَّ ألا يصل إلى صاع الوضوء هذا يكفي غسل وأنت تتوضأ به!!؟ هذا مكروه يزيد على الصاع، وهكذا يقول الشافعية والحنابلة: أن الاغتسال بالصاع سُنَّة، أي لا يقل مقدار الماء عن الصاع، فيُسن أن لا ينقص ماء الغُسل عن صاع أربع أمداد ولا ماء الوضوء عن مد، لما جاء عن سيدنا أنس: "كان النبي ﷺ يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد" كما جاء في صحيح البخاري، ولما "قال بعضهم لسيدنا جابر.." كما تقدم معنا عن غير الحسن بن محمد بن الحنفية، "قال: ما يكفيني؟ قال جابر: كان يكفي من هو أوفى شعرا منك وخير منك.." يعني: النبي ﷺ.
ما تعرضوا في كتبهم الحنفية والمالكية إلى تحديد الصاع او أقل أو أكثر من ذلك، والقصد وجود الوضوء على التمام والغُسل على التمام. وهذا "الضماد، تلطيخ الشعر بالطيب" مما يُماسك الشعر ولكن العبرة أنه عند سكب الماء عليه يجري الماء على جميع الشعر، "محلات ومحرمات" أي: حالة الإحرام؛ لأنهنّ يتضمخون بالطيب قبل الإحرام.
"وكان ﷺ يغتسل بالخطمي.." نوع من المنظفات "وهو جنب يجتزئ بذلك.." معنى يجتزئ بذلك: الماء المخلوط بالخطمي يصبه ما يحتاج إلى ماء آخر غيره؛ لأنه لم يصِل إلى سَلْبِ اسم الماء عنه، فيه الخطمي؛ ولكنه لا يزال يسمى ماء فيكتفي به، هذا معنى يجتزئ بذلك، "ولا يصب عليه الماء بعد.." يعني: ما يصب ماء ثاني خالص هو ذا الماء؛ وإن كان فيه الأثر حق الخطم ما يكتفي به.
"وسئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رجل فيه جراحة وهو جنب؟ قال: يغتسل ويترك موضع الجراح" أي: لأنه يضره.
وبعد ذلك "قال المؤلف -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا أنه -رضي الله عنه- أمر بالتيمم عن الجراح في هذه المسألة"، لكن المسألة معلومة من أنه أي شيء نقص في الوضوء أو في الغُسل فيحل محلّه التيمّم؛ وإن لم ينصّ عليه ابن عمر في هذا الحديث، في كونه يترك الماء في الجراح نعم، ما يترك الجراح في الماء ولكن بالتيمّم بعد ذلك عمّا نقص عند أكثر أهل العلم يلزمه التيمّم، رزقنا الله الاستقامة.
قال عن الخطمِي: ضرب من النبات يُغسلُ به؛ في الغالب يُغسلُ به الرأس، "وكان ﷺ يغتسل بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء بعد، يعني يكتفي بالماء الذي فيه الخطمي" وينوي به غُسل الجنابة؛ وما دام الماء لم يزل يسمى ماء لم يسلب عنه اسم الماء فيجزئ في رفع الحدث، وهكذا حكم الماء الذي اختلط بطاهر.
الحنفية يشترطون أن لا يكون التغيير عن طبخ أو عن غلبة أجزاء المخالط حتى يصير ثخين، فما عاد يجزيء الطهارة به، ويقولون: تجوز الطهارة بما خالطه شيء طاهر فغيّر أحد أوصافه الذي اختلط به، ولا يجوز بماء غلب عليه غيره فأخرجه عن طبع الماء، صار ثخين بدل ما يكون رقيق مثل الماء، كالأشربة والخل وماء الباقلاء لأنه لا يسمى ماءًا مطلقًا.
فهذا ما يتعلق بأحاديث الباب، وكذلك من خاف من استعمال الماء بسبب جراحة لزمه غسل الصحيح والتيمم عن الجريح كما يقول الشافعية والحنابلة لابد له من التيمم بدلا عن الجريح؛ وهو في غُسل الجنابة إن شاء قدّم التيمّم ثم اغتسل وإن شاء اغتسل أولا ثم تيمّم.
أما في الوضوء فالترتيب واجب عندهم، يقول يتيمّم وقت غُسل الجريح، فإن كان الجراحة في اليد فيغسل وجهه أولًا وما بين غسل الوجه ومسح الرأس يتيمّم، إما قبل أن يغسل اليدين أو بعد غسل اليدين وترك الجريح منها لكن قبل مسح الرأس، والأفضل أن يبدأ بالتيمّم؛ لأنه إذا بدأ بالغُسل يحتاج إلى تنشيف حتى يستعمل التراب ببدنه؛ وأما إذا تيمّم أولًا فإن الوضوء يمسح أثر غبار التيمم.
وفي أقوال عند الشافعية وغيرهم أنه يمكن تقديم التيمّم أو تأخيره يحمل بعض العامة، فقد جعل الله تعالى التيمّم بدلًا عن الوضوء والغُسل في أحوال وشؤون، فالحمد لله على الشريعة اليسيرة والخيرات الكبيرة والخيرات الكبيرة.
رزقنا الله الاستقامة حتى يسكننا في أعلى حظيرة مع خواص من سار بخير سيرة من أهل البصائر المنيرة في اتباع المصطفى محمد ﷺ في كل صغيرة وكبيرة، وأصلح شؤوننا وشؤون أمته، وفرج كروبنا وكروب أمته أجمعين، ودفع البلاء عنّا وعن أمته أجمعين، ولطف بالمسلمين في غزة وجميع بقاع الأرض ورزقهم الرباط في سبيل الله والجهاد في سبيله، وأخلص نياتهم ومقاصدهم وجمع قلوبهم، ودفع السوء عنّا وعنهم وعن جميع الأمة.
بسِرَ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه..
الفاتحة
29 ربيع الثاني 1445