كشف الغمة 240- كتاب الصلاة (130) خطبة الجمعة
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 240- كتاب الصلاة (130) خطبة الجمعة
صباح الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ
نص الدرس مكتوب:
وكان ﷺ يخطب قائمًا ويجلس بين الخطبتين ويقرأ آيات ويذكر الناس. ورأى كعب بن عجرة -رضي الله عنه- عبد الرحمن بن الحكم -رضي الله عنه- يخطب قاعدًا فأنكر عليه، وقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا والله تعالى يقول: (وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) [الجمعة:11]، وكان الشعبي -رضي الله عنه- يقول: أول من أحدث القعود على المنبر معاوية.
قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويحتمل أنه إنما قعد لضعف أو كبر، ثم لا يخفى أن وجوب القيام في الخطبة مبني على أنها موضع الركعتين كما سيأتي قريبًا عن عمر -رضي الله عنه-، وأكثر الصحابة -رضي الله عنهم-: على أنها صلاة تامة في نفسها لقوله ﷺ لمصعب بن عمير لما بعثه إلى المدينة: "انظر فإذا كان اليوم الذي يتجهز فيه اليهود لسبتها فاجمع أصحابك بعد الزوال وقم فيهم ثم صل بهم ركعتين".
وكان ﷺ لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات، وكان تشهده ﷺ أن يقول: "الحمد لله الذي نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، بين يدي الساعة من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى ولا يضر الله شيئًا".
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولما خطب ثابت بن قيس بن شماس -رضي الله عنهما- قال: ومن يعصهما فقد غوى، فقال له النبي ﷺ: "ومن يعصِ الله ورسوله".
وكان ﷺ يقرأ سورة ق على المنبر كثيرًا حتى حفظها منه جماعة من كثرة تكراره لها كل جمعة وكان عمر -رضي الله عنه- يقرأ في خطبته يوم الجمعة: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) -إلى قوله- ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ) [التكوير :1-14]، ثم يقطع، وكان ﷺ يقوم من جلوسه بين الخطبتين كما يفعل الناس اليوم فيخطب الخطبة الثانية قائمًا كالأولى، وكان ﷺ إذا جلس بين الخطبتين لا يتكلم بشيء في جلوسه، بل يجلس ساكتًا، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: من قال إن رسول الله ﷺ كان يخطب جالسًا فقد كذب لقد صليت مع رسول الله ﷺ أكثر من ألفي صلاة"، وكان ﷺ يعتمد في خطبته على قوس وتارة على عصا.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ولم يكن رسول الله ﷺ يتحرى ـ شيئًا ذلك ولكن كان يتوكًا في الحرب على السيف وفي الحضر على العصا؛ يعني: لأن الغالب في السفر السيف وفي الحضر العصا، وكان إذا خطب يحمد الله تعالى ويثني عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات ثم يقول: "يا أيها الناس إنكم لن تفعلوا"، وفي رواية: "لن تطيقوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وقاربوا وأبشروا".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وحبيبه وصفوته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل ولائه ومتابعته وإخوانه من أنبياء الله ورسله صفوته من خليقته، وعلى آله وصحبه ومتابعيهم وعلى جميع عباد الله الصالحين.
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد في خطبتي الجمعة وما تعلق بها، ويذكر أنه "كان ﷺ يخطب قائمًا ويجلس بين الخطبتين" فاختلف الأئمة هل القيام واجب وشرط لصحة الجمعة أو واجب غير شرط أو هو سنة؟
- فقال الشافعية وأكثر المالكية: هو واجب.
- قال الشافعية: واجب وشرط؛ حيث لو كان قادراً على القيام فخطب جالساً لم تعتد خطبته ولم تصح.
- وقال المالكية: هو واجب ليس بشرط، فإذا تركه أثم وصحت الخطبة.
- قال الحنفية والحنابلة: لو قعد فيهما أو في أحدهما أجزأ؛ وكان مكروهاً إذا كان من غير عذر.
- قال الشافعية: فإذا عجز عن القيام خطب قاعداً؛ بل قالوا لو عجز عن القعود خطب مضطجعاً كالصلاة.
يقول: "وكان ﷺ يخطب قائمًا ويجلس بين الخطبتين" وفيها أيضاً اختلفوا في الجلوس بين الخطبتين:
- قال الجمهور: هو سنة.
- وقال الشافعية: هو شرط لا بد منه، لا تحسب خطبة ثانية حتى يجلس، ولو خطب أربع خطب أو خمس من دون جلوس فهي واحدة عندهم، حتى يجلس أولاً بمقدار الطمأنينة ثم يقوم فتحسب الخطبة ثانية.
قال: "ويجلس بين الخطبتين ويقرأ آيات" كثيراً ما كان يجعل في خطبه تلاوة لآيات ﷺ، حتى إن من الصحابة من حفظ عنه سورة ق من الخطبة، فحفظ سورة ق من فم النبي ﷺ من كثرة ما يرددها في خطبه. وقد يقرأ غيرها من السور في أثناء الخطبة -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، يقرر معاني القرآن ويرسخ دلالاته ويدل على ما فيه من خلال تلاوته له -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
يقول: "ورأى كعب بن عجرة -رضي الله عنه- عبد الرحمن بن الحكم"-أحد الأمراء- "-رضي الله عنه- يخطب قاعدًا فأنكر عليه، وقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا والله تعالى يقول: في وصف نبيه في الخطبة (انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)[الجمعة:11]، النبي يخطب قائماً وهذا يخطب قاعد.
"وكان الشعبي -رضي الله عنه- يقول: أول من أحدث القعود على المنبر -يعني: في يوم الجمعة- معاوية" معاوية، فحملوه على أنه قد يكون لعجز؛ عجز عن القيام.
- وأما تعمد الجلوس فمخالفة للسنة بإجماع.
- وإبطال للجمعة على مذهب الشافعية.
- وإثم على مذهب المالكية؛ الجلوس وهو قادر على القيام.
"قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويحتمل أنه إنما قعد لضعف أو كبر، ثم لا يخفى أن وجوب القيام في الخطبة مبني على أنها موضع الركعتين -بدل ركعتين من الظهر- كما سيأتي قريبًا عن عمر -رضي الله عنه-، وأكثر الصحابة -رضي الله عنهم-: على أنها صلاة تامة في نفسها" ماشي ركعتين بدلها خطبتين وركعتين تصليان؛ يقول هي الجمعة كلها ركعتين وبس؛ والخطبة شرط لصحة الجمعة.
قال: "على أنها صلاة تامة في نفسها لقوله ﷺ لمصعب بن عمير لما بعثه إلى المدينة: "انظر فإذا كان اليوم الذي يتجهز فيه اليهود لسبتها -وهو يوم الجمعة- فاجمع أصحابك بعد الزوال وقم فيهم ثم صلي بهم ركعتين"، فهي الفريضة المنوطة بالمكلف الذي اجتمعت فيه شروط وجوب الجمعة ركعتان.
يقول: "وكان ﷺ لا يطيل الموعظة يوم الجمعة" بل جاء عنه في الحديث "إنَّ طولَ صلاةِ الرجلِ وقِصَرَ خُطبتِه مَئِنَّةٌ من فقهِه" أي: علامة على فقه الرجل، فيستحب تقصير الخطبة، يقول: "إنَّ طولَ صلاةِ الرجلِ و قِصَرَ خُطبتِه مَئِنَّةٌ من فقهِه ، فأَطيلوا الصلاةَ ، و أَقصِروا الخُطبةَ " رواه مسلم في صحيحه.
والمراد قصر الخطبة بالنسبة للخطب، وليس المراد المقارنة بينها وبين الصلاة، طول الصلاة بالنسبة للصلوات وطول الخطبة بالنسبة للخطب، ما في مقارنة بين الخطبة والصلاة، الصلاة تكون طويلة من حيث الصلوات، والخطبة تكون قصيرة من حيث الخطب.
وكذلك كما سمعنا فيما مضى أن الشافعية يعتبروا قراءة آية من القرآن مفهمة من أركان الخطبة، وفيها أنه ﷺ يقرأ سوراً، قد يقرأ عليه الصلاة والسلام من "إذا الشمس كورت" وقد يقرأ كما يأتي معنا.
فكذلك عند الحنابلة: لابد من قراءة آية من القرآن،
ولهذا يقول: لا يكفي قراءة أقل من آية ولا قراءة آية غير مفهمة.
يقول: "وكان ﷺ لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات، وكان تشهده ﷺ أن يقول: "الحمد لله الذي نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -هكذا يقول ﷺ- أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، بين يدي الساعة من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى ولا يضر الله شيئًا"، يقول أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، والبيهقي في السنن الكبرى، هذا من جملة الألفاظ التي حُفظت عنه وحُفظ عنه غير ذلك في خطبه عليه الصلاة والسلام.
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولما خطب ثابت بن قيس بن شماس - والنبي ﷺ يسمعه- -رضي الله عنهما- قال: ومن يعصيهما فقد غوى، فقال له النبي ﷺ: "ومن يعص الله ورسوله". أخرجه مسلم، أراد توضيحاً في ذلك وإلا فقد رواه عنه أنه قال: "ومن يعصهما فقد غوى".
"وكان ﷺ يقرأ سورة ق على المنبر كثيرًا حتى حفظها منه جماعة من كثرة تكراره لها كل جمعة وكان عمر -رضي الله عنه- يقرأ في خطبته يوم الجمعة: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) -إلى قوله- ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ)[التكوير :1-14]، ثم يقطع، وكان ﷺ يقوم من جلوسه بين الخطبتين كما يفعل الناس اليوم فيخطب الخطبة الثانية قائمًا كالأولى، وكان ﷺ إذا جلس بين الخطبتين لا يتكلم بشيء في جلوسه، بل يجلس ساكتًا".
قال الشافعية: ينبغي للمستمعين أن يقرأوا سيد الاستغفار وقت جلوس الخطيب بين الخطبتين يقول: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت"، وينبغي للخطيب أن يقرأ سورة الإخلاص ثلاثاً في أثناء الجلوس بين الخطبتين.
يقول: "وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: من قال إن رسول الله ﷺ كان يخطب جالسًا فقد كذب لقد صليت مع رسول الله ﷺ أكثر من ألفي صلاة -يعني: صلاة الجمعة- وكان ﷺ يعتمد في خطبته على قوس وتارة على عصا".
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ولم يكن رسول الله ﷺ يتحرى ـ شيئًا ذلك -يعني ما تيسر من ذلك أخذه- ولكن كان يتوكًا في الحرب على السيف" لأنه يكون حاضراً معه بيده، "وفي الحضر على العصا؛ يعني: لأن الغالب في السفر السيف وفي الحضر العصا" وقد يحمل رمحًا يتكىء عليه.
"وكان إذا خطب يحمد الله تعالى ويثني عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات ثم يقول: "يا أيها الناس إنكم لن تفعلوا"، وفي رواية: "لن تطيقوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وقاربوا وأبشروا".
رزقنا الله الاستقامة، وإقامة الصلاة والجمع كما يحب ربنا ويرضى، على منهج من اتبع رسوله المرتضى، وأصلح شؤون أمته في المشارق والمغارب، ودفع عنهم جميع البلايا والمصائب، وحول أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وتولى نواياهم بما هو أهله في الدنيا والمآل، وختم لنا بأكمل الحسنَ وهو راضٍ عنا.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
15 جمادى الآخر 1446