كشف الغمة -87- باب الغسل: التقاء الختانين وخروج المني والمذي
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الغسل: التقاء الختانين وخروج المني والمذي.
صباح الإثنين: 22 ربيع الآخر 1445هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- مقدمة عن الغسل ومعانيه
- متى يسن الغسل؟
- تخفيف الغسل على أمة النبي ﷺ مع تخفيف الصلاة
- ما معنى الجنابة؟
- وجوب الغسل من خروج المني
- الغسل من أي جماع كان
- كيف يجب الغسل بسبب الرؤيا؟
- الاحتلام من رؤيا محرمة أو شرعية
- معنى حديث: إنما الماء من الماء
- هل المني نجس أم طاهر؟
- حكم المذي والودي
- هل يكره استقبال القبلة عند الجماع؟
- اتجاه كراسي قضاء الحاجة
نص الدرس مكتوب:
"كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "كانت الصلاة خمسين، والغسل الجنابة سبع مرات، وغسل البول من الثوب سبع مرات، فلم يزل رسول الله ﷺ يسأل ربه عز وجل ليلة الإسراء حتى جعل الصلاة خمسًا، وغُسلُ الجنابة مرة، وغسل البول مرة".
وفي الباب فصول:
الأول في التقاء الختانين وخروج المني والمذي
كان أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- يقول: اختلف رهط من المهاجرين والأنصار فيما يوجب الغسل فقال الأنصار: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقام فاستأذن على عائشة -رضي الله عنها- فقال: يا أماه إني أريد أن أسألك عن شيء وإني استحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنتَ سائلًا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا جلس بين شُعَبِها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل"، وفي رواية: "وإن لم ينزل"، وفي رواية: "فقلت: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل هل عليهما الغسل؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان وجبَ الغسل"، وفي رواية: "إذا غابت المدورة وجب الغسل".
وفي رواية: "سأل رجل النبي ﷺ عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ولا ينزل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة؟ فقال رسول الله ﷺ: لإني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل". وكان أبي بن كعب -رضي الله عنه- يقول: قول رسول الله ﷺ: "إنما الماء من الماء"،إنما كانت رخصة رخصها رسول الله في بدء الإسلام لقلة الثبات ثم أمرنا بالاغتسال بعدُ وإن لم ننزل.
وكان عثمان -رضي الله عنه- يقول: إذا جامع الرجل امرأته ولم يُمنِ يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ثم يقول: هكذا سمعته من رسول الله ﷺ. وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "سُئل رسول الله ﷺ عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد بللًا قال: لا غسل عليه".
وكان عمرُ إذا وجد في ثوبه منيًا يغتسل ولو لم يذكر احتلامًا. وسيأتي في الباب، وجاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ وعائشة جالسة، فقالت: "یا رسول الله المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه من الاحتلام هل عليها من غسل؟ فقال: نعم إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة وقد غطت وجهها من الحياء: أوَ تحتلم المرأةُ يا رسول الله؟ فقال: تربت يداك فبم يشبهها ولدها، فضحكت أم سلمة، ثم قال رسول الله ﷺ: إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فإذا علا ماءُ الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله"
وفي رواية: "فمن أي الماءين علا وسبق يكون منه الشبه"، وفي رواية: "فإذا اجتمع ماؤهما فعلا منيُّ الرجل منيَُ المرأة جاء ذكرًا بإذن الله تعالى وإذا علا منيُّ المرأة منيُّ الرجل جاء أنثى بإذن الله تعالى"، وفي رواية: "إن نطفة الرجل بيضاء غليظة فمنها يكون العظام والعصب، وإن نطفة المرأة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم"، وكان خزيمة -رضي الله عنه- يقول: "سألت رسول الله عن قرار ماء الرجل وماء المرأة وعن موضع النفس من الجسد، وكان عنده جماعة من الأنصار فقال رسول الله ﷺ: "أما قرار ماء الرجل فإنه يخرج ماؤه من الإحليل وهو عرق يجري من ظهره حتى يستقر قراره في البيضة اليسرى، وأما ماء المرأة فإن ماءها في الترائب يتغلغل لا يزال يدنو حتى تذوق عسيلتها، وأما موضع النفس ففي القلب، والقلب معلق بالنياط، والنياط يسقي العروق فإذا هلك القلب انقطع العرق".
وكان ﷺ يقول: "ليس من المذي غُسل"، وفي رواية: "لو اغتسلتم من المذي لكان أشد عليكم من الحيض". قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا عن رسول الله ﷺ شيء في كراهة استقبال القبلة حال الجماع فمن وجد في ذلك شيئًا فليلحقه ههنا، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مُكرِمنا بشريعتِهِ الغرَّاء وبيانِها على لسانِ خيرِ الورى سيدنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارَكَ وكرَّمَ عليه وعلى آلهِ من حازُوا بهِ طُهرًا، وصحابتِهِ من نالُوا بهِ فخرًا، وعلى من تبِعَهم بإحسانٍ سرًّا وجهرًا، وعلى آبائِهِ وإخوانِهِ من الأنبياءِ والمرسلين من رفعَ اللهُ لهم قدرًا ورقَّاهم في الفضلِ أعلى الذُّرى، وعلى آلِهِم وصحبِهِم وتابعِيهم وعلى الملائكةِ المُقرَّبين وجميعِ عبادِ اللهِ الصالحين، وعلينا معَهُم فيهِم إنه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الرَّاحمين.
وبعدُ: فيذكر الإمام الشعراني -عليه رضوان الله تعالى- في هذا الباب ما يتعلق بالغُسل المفروض والمسنون. والغُسل يجب في الشرع المصون بأسبابٍ؛ ومنها غُسلُ الميت على الأحياء إذا مات؛ ومنها ما يكون فيه مسنونًا في أحوالٍ متعددة.
فهو وسيلةٌ من وسائل النظافة والتنقية للبدن عما يطرء عليه ويعلقُ به بسبب العرق وغيره من الأسباب التي يُنتِنُ بها البدن أو يتسخ. فجاء الشرع بإيجاب الغُسْلُ في أحوال وبندبه في أحوال.
والغُسْلُ: مصدر غَسَلَهُ يغْسِلُهُ غُسلًا وغَسلًا، ويقال: أنّ بالفتح هو المصدر وبالضم هو الإسم؛ الغُسْلُ والغَسل، أما الغِسْلُ: فهو عبارة عما يغتسل به من نحو صابون أو إشنان أو غير ذلك -غِسل- يقال له: غِسل كما يأتي، ويستعمل الغُسْلُ بمعناه العام يراد به مطلق التطهير، يقولون: غسل الله خطيئتك، يعني: طهرك منها غفرها لك وما إلى ذلك. وكان بعض شيوخنا إذا صب عليهم أحدهم المِغسال قال: غسلك الله من الذنوب في عافية.
فالغُسْلُ في الإصطلاح: سيلان الماء على جميع البدن بنية مخصوصة،
ويعبِّر بعضهم: أنه استعمال ماء طهور في جميع البدن على وجه مخصوص بشروط وأركان، وفي اللغة معناه: السيلان؛ كل سيلان يقال له غسل، وهو في اصطلاح الفقهاء سيلان الماء على جميع البدن بنية مخصوصة، واستعمال الماء الطهور في جميع البدن على شروط وأركان.
وقد جاء به الكتاب العزيز في قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنبًا فَاطَهَّرُوا) [المائدة 6]، وقوله في الحُيَّض: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) [البقرة 222] أي: اغتسلنَّ. وجاء في السنة الغراء كما نقرأه في الأحاديث.
- فيكون واجبًا كالغسل من: الجنابة وعند طهر الحائض والنفساء.
- وقد يكون مسنونًا: كغسل يوم الجمعة وأنواع الأغسال المسنونة كثيرة في الحج وفي غير الحج
حتى قال بعض الفقهاء: يسن الإغتسال لكل جمع خيرٍ من مجامع المسلمين أي اجتماعٍ على خير يسن أن يغتسل له، كما استحب بعض العارفين أيضًا الإغتسال لكل فريضة ولكل صلاة فيغتسلون لا تعظيمًا للدخول إلى حضرة الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
وذكر لنا الحديث "كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : "كانت الصلاة خمسين""، وهذا في ليلة الإسراء والمعراج ثم خففت بسؤال النبي ﷺ بعد أن أشار عليه سيدنا موسى -عليه السلام-.
كذلك جاء في روايات "الغُسْل من الجنابة سبع مرات" أن من أجنب يجب عليه أن يغتسل سبع مرات، كذلك في "الغسل -الثوب- من البول أنه سبع مرار" -سبع مرات- جاءت في رواية عن الإمام أحمد بن حنبل يجب الغسل من نجاسة البول والغائط والدم والنجاسات التي غير نجاسة كمثل الكلب أنه يجب سبع مرات وهذا رواية عن الإمام أحمد، ولكن المعتمد عنده كبقية جمهور الفقهاء أن الغسل واحد إلا من نجاسة الكلب.
وخصصها المالكية: بولوغ الكلب في الإناء.
وعممها الشافعية: في كل ما تعلق بالكلب من دم وعرق وبول وولوغ إلى غير ذلك من كل ما ماسّ الكلب وقاسوا عليه الخنزير وفرع أحدهما، كذلك جعلوا الحكم في كل ذلك واحد يجب الغَسْلُ مما أصابه سبع مرات إحداهن بالتراب، وخصص المالكية: ذلك بولوغ الكلب في إناء فقط؛ وقالوا: سبع إحداهن بالتراب تعبدًا.
يقول: "فلم يزل رسول الله ﷺ.." بإشارة سيدنا موسى- "يسأل ربه -عز وجل-.." التخفيف عن أمته فخفَّفَ خمسًا فصارت خمسًا وأربعين مرة، مر على موسى قال له: إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف إن أمتك لا تطيق، فسأل ربه التخفيف فرده إلى أربعين؛ ثم رده إلى خمسة وثلاثين؛ ثم إلى ثلاثين؛ ثم إلى خمسة وعشرين؛ ثم إلى عشرين؛ ثم إلى خمسة عشر، ثم إلى عشر؛ ثم إلى خمس؛ فمر على سيدنا موسى قال: ارجع إلى ربك اسأله التخفيف، فقال: استحييتُ من ربي، فقال الحق: "أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي" هن خمسٌ ولهن أجر الخمسين.
لله الحمد والمنة وجزى الله سيدنا موسى خيرًا عن أمة محمد أجمعين، وقد كان يعظم أمة سيدنا محمد سيدنا موسى كبقية الأنبياء؛ ولكن كان أبرز تعظيمًا للأمة وقد قرأ أخبارهم فيما أوحي إليه حتى هو الذي قال جعلت هذا الخير لأحمد وأمة أحمد فاجعلني من أمة أحمد (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف 144]، فالحمد الذي جعل من أمة سيدنا محمد ﷺ.
وغسل الجنابة رده أيضًا فرضه إلى مرة واحدة والتثليث سنة فيه كما جاءت به السنة الشريفة.
"فلم يزل رسول الله ﷺ يسأل ربه عز وجل ليلة الإسراء حتى جعل الصلاة خمساً، وغسل الجنابة مرة، وغسل البول مرة"، والتثليث أيضًا فيه سنة سواء في غسل النجاسة أو في الوضوء والغسل؛ التثليث سنة فيه ولكن الواجب مرة واحدة.
وقال في الباب فصول :
فابتدأ بفصل الجنابة وسمي جنبًا لأنه يجب عليه اجتناب القرآن ويجب عليه اجتناب الصلاة.
والجنابة : مأخوذة من البعد، وهي في اصطلاح الفقهاء: أمر اعتباري يقوم بالبدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص.
وتحصل:
- إما بخروج المني.
- أو بالجماع.
فبواحد من الأمرين يصير الإنسان جنبًا؛ فهي أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص.
و ذكر لنا الأحاديث في: هل إذا جامع الرجل زوجته ولم ينزل المني هل يجب عليه الغسل ام لا؟
والغسل واجب، كان فيه خلاف بين بعض الصحابة ثم انتهى الخلاف وأجمع الفقهاء على أن الغسل واجب سواء أنزل او لم ينزل، وأنه كلَّ واحد من خروج المني ومن الجماع موجب للغسل بوحده مستقل، فإذا اجتمع الإثنان كان من غير ذي شك يجب الغسل.
وهكذا جاءت الأحاديث المتعددة عندنا فيما يتعلق بالإكسال وهو أن يجامع ولا يمني ما يخرج المنى؛ فالغسل واجب في كل حال، كذلك مجرد خروج المني يجب به الغُسل عند الأئمة إذا كان على مقتضى الشهوة؛ بدافع الشهوة التدفق فبالإتفاق. وعممه الشافعية أي خروج للمني بأي وجه من الوجوه ولو كان بسقطه ولو كان بحمل ثقيل إلى غير ذلك اذا خرج المني وجب الغسل.
واشترط بعض الأئمة الأربعة أن يكون ذلك بالتذاذ وشهوة.
فيجب الغسل بأي جماع كان وعممه الشافعية في كل قبل أو دبر من آدمي وغيره، وخصصه بعض الأئمة كالحنفية وغيره بما ما كان من آدمي.
وكذلك للمالكية كلام فيما إذا كان أحدهما غير بالغ، فهل يلزم البالغ وحده أو يلزم الإثنين؟ وإن لم يكونا بالغين فلا يلزمهما الغسل كما هو مقرر أو مشهور في مذهب المالكية.
وعلى كلٍ ينبغي الاحتياط، وأنَّ كلًا من الإيلاج أو من خروج المني موجب للغسل ولو كان في النوم.
كذلك اشترط من اشترط من الأئمة أن يكون برؤية والتذاذ في النوم كذلك ولكن إذا وجد المني في ثوبه وجب عليه الغسل، لأنه حتى عند الذين يقولون لابد من الالتذاذ لأن الأصل إنما يخرج والغالب إنما يكون بهيئته.
فإذاً: يجب الغسل على من وجد المني في فراشه وأما من رأى رؤية لجماعه ولم يمني فلا غُسل عليه بالاتفاق، وأما من رأى المني وإن لم يذكر رؤية فعليه .
وقد قالوا:
- إن الاحتلام أي خروج المني في النوم برؤية محرمة فهذا عقوبة معجلة على صاحبها على التفاته أو على سوء تصوره وفكره واتباع خواطره السيئة، فيأتي له الرؤية في المنام فيحتلم بصورة محرمة.
- وإن كان بصورة شرعية بأن يرى زوجته فهذا إذا كانت بصورة شرعية فإنها كرامة.
- وإن كانت من غير صورة فهذه رحمة.
قالوا: والاحتلام في حق النبيين ممتنع إن كان بصورة؛ أما من غير صورة من غير رؤية فليس بمستحيل في حقهم
وهكذا يذكرون عن الشيخ زروق:
من يحتلم بصورة شرعية *** فإنه كرامة مرضية
وإن يكون بصورة قد حرمت *** فإنها عقوبة تعجلت
أو لا بصورة فتلك نعمة *** حكاه زروق عليه الرحمة
ويقول في "قول النبي ﷺ: "إنما الماء من الماء"، إنما كانت رخصة رخصها رسول الله في بدء الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال وإن لم ننزل".
وهكذا الحكم عند عامة الأئمة وعملوا بالحديثين "الماء من الماء" قالوا: من خرج له المني ولو لم يجامع ولو بنوم فعليه الغسل، وقالوا في الحديث "إذا جلس بين شُعَبِها الأربع ثم جهدها وجب الغسل،" أو "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل" قال "وإن لم ينزل" فالعمل على الحديثين معًا.
وجاء أيضًا في الحديث الذي عند الترمذي: "سُئل رسول الله ﷺ عن الرجل يجد البلل.." يعني: المني "ولا يذكر احتلامًا؟" ولكن المني في فرشه أو في ثوبه، هل يغتسل؟ يجب عليه يغتسل، "وعن الرجل يرى أنه قد احتلم.." ولكن لا يخرج له شيء مني مجرد رؤيا "قال: لا غسل عليه" مجرد رؤيا، العبرة في خروج المني أما الرؤيا في المنام فلا توجب الغسل ولو رأى في المنام أنه خرج له المني ولم يخرج له المني لا تضره مجرد الرؤيا؛ ولكن العبرة بحصول خروج المني كان برؤيا أو بغير رؤيا.
وقال الجمهور: أن المني نجس ويجب غسله،
وقال الشافعية: أن المني طاهر لأنه أصل تكوين جسد بني آدم وأن الله كرم بني آدم ومقتضى الكرامة تقضي أن لا يكون أصل تكوين جسده نجاسة.
وأما المذي والودي: فهو نجس باتفاق، ويجب أن يغسل ما أصابه منه كما جاء في الأحاديث، ليس فيه الغسل ولكن عليه أن يغسل ما أصابه منه.
وجاء عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة يقول: كان ابن عمر جالساً معي وقال: لي كأني لأرى في ثوبي منيًا وقد صليت فيه فحته بيدي ولم يُعِد الصلاة، وهذا دليل على أنه طاهر كما قال الشافعية.
ثم أشار إلى أدب من الآداب في أن خير المجالس ما استقبلت به القبلة، فينبغي أن يكون استقبال القبلة غالب على المؤمن، وكان أحب المجالس إليه ﷺ ما استقبل به القبلة؛ وخصوصًا إذا أراد أن يقرأ القرآن؛ أو أراد أن يطالع العلم وما إلى ذلك. وقد ذكروا عن طالبين للعلم فتح على أحديهما قبل الآخر وكان السبب أنه يطالع وهو مستقبل القبلة، والثاني يطالع بأي كيفية ففتح الله على هذا قبل هذا لأدبه في استقباله للقبلة.
لكن عند قضاء الحاجة ينبغي أن يولي عن القبلة احترامًا وتعظيمًا للقبلة، "لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولكن شرقوا أوغربوا" بالنسبة إلى أهل مدينة لأن القبلة في الجنوب فلا يقضون حوائجهم إلى الجنوب ولا إلى الشمال ولكن شرقوا أوغربوا، وفي الحديث أيضًا دليل أيضًا على القول باستقبال القبلة بأن الجهة إذا خرج عن جهة الجنوب كلها إلى شرق أوغرب خلاص خرج، وإن كان بقي إلى جهة الجنوب القبلة في جهة الجنوب فما عاده عين القبلة جهة الجنوب كلها جعلها محترز عنها شرقوا أوغربوا، فهو دليل على أن الاستقبال يحصل باستقبال الجهة ولو لم يكن عين القبلة.
فذكر أن ما يذكر أيضًا بعض أهل العلم يقول إنه عند الجماع هل يكره استقبال القبلة؟ قال: ما يذكر في شيء ورد في النص، ولكن نعم بعضهم إذا كان على استقبال القبلة فيستحيي عند الانزال فينحرف عن جهة القبلة، والأمر راجع إلى أذواق وإلى حياء وإلى أدب من الآداب، كما ينبغي للمؤمن أن لا يبصق ولا يتنخم إلى جهة القبلة وينبغي أن يحترز عن ذلك، ويقال: أن الذي يبصق إلى جهة القبلة ويتنخم يعود على وجه يوم القيامة بصاقه ونخامه فيحشر عليه لأنه ما احترم كعبة الله ولا احترم بيت الله وجهة بيت الله، فينبغي أن لا يجعل المسلمون في بيوتهم كراسي قضاء الحوائج إلى القبلة لا استقبالًا ولا استدبارًا ولا أن يتفلوا ولا يتنخموا إلى جهة القبلة تعظيمًا لشعائر الله (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [ الحج: 32].
رزقنا الله الأدب ورفعنا عالي الرتب ووقانا كل عطب وتولانا في الدنيا وفي المنقلب، وربطنا بحبيبه الأطيب، ورفعنا به إلى أعلى الرتب ووقانا به كل سوء أحاط به علمه. وتولانا بما يتولى به من خواص من أحبه وأكرمه في ألطاف عوافي وظواهر وخوافي يدفع بها البلاء عنه وعن المؤمنين في خير ولطف وعافية.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
23 ربيع الثاني 1445