(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: فصلٌ في لَمْس المرأة والْفَرْجِ
صباح الثلاثاء: 18 ربيع أول 1445هـ
"وسُئل عثمان -رضي الله عنه- عن الرجل يجامع امرأته ولم يُمنِ؟ فقال عثمان -رضي الله عنه-: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، ثم قال: سمعته من رسول الله، فخرج السائل لعثمان -رضي الله عنه- فسأل عن ذلك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبيّ بن كعب وأبا أيوب وأبا سلمة، فكلهم أجابوه كما قال عثمان -رضي الله عنهم- وقالوا: سمعنا ذلك من رسول الله ﷺ.
وسُئل إبراهيم النخعي عن مسّ المرأة فقال: إن وجد لذّة توضأ. قال طلق بن علي -رضي الله عنه-: لما قَدِمنا على رسول الله ﷺ جاء رجلٌ وكان بدويًا فقال: يا نبيّ الله ما ترى في مسّ الرجل ذكره بعدما توضأ؟ قال ﷺ: وهل هو إلا بضعةٌ منك. وقالت بسرة بنت صفوان: كان رسول الله ﷺ يقول: من مسّ ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ، وفي رواية: إذا أفضى أحدكم بيده على فرجه وليس بينهما ستر ولا حجابٌ فليتوضأ.
وكان محمد وعبد الله ابني أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- يقولان: كتب إلينا رسول الله ﷺ أن لا يمسّ أحدكما القرآن إلا على طهور. وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككتُ فقال سعد: لعلك مسستَ ذكرك؟ قلت: نعم، قال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت.
وكان ابن عمر وعروة -رضي الله عنهم- يقولان: إذا مسَّ أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء، وصلّى ابن عمر مرة الصبح ثم قام فتوضأ وصلّى عند طلوع الشمس فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: إني توضأت لصلاة الصبح فمسست فرجي ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت وأعدت صلاتي، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: ما أبالي أمسست ذكري أم طرف أذني، وكذلك كان يقول حذيفة وابن مسعود -رضي الله عنهما-.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا مسَّت إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة"، وسُئل إبراهيم النخعي عن مسّ الذكر فقال: كانوا يكرهون أن يقال إن في المؤمن عضوًا نجسًا، وكان أبو ليلى -رضي الله عنه- يقول: كنا عند النبي ﷺ فجاء الحسن يتمرّغ عليه فرفع عن قميصه وقبل زبيبته ثم صلى ولم يتوضأ، والله أعلم."
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته العظيمة، وبيانها على لسان عبده الهادي إلى الطرق القويمة، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتبع صراطه المستقيمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بنقض الوضوء، وما يوجب الحدث، وقال: "وسُئل عثمان -رضي الله عنه- عن الرجل يجامع امرأته ولم يُمنِ؟ فقال عثمان -رضي الله عنه-: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، ثم قال: سمعته من رسول الله، فخرج السائل لعثمان -رضي الله عنه- فسأل عن ذلك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبيّ بن كعب وأبا أيوب وأبا سلمة، فكلهم أجابوه كما قال عثمان رضي الله عنهم وقالوا: سمعنا ذلك من رسول الله ﷺ" وكل هذا الذي ورد محمولٌ على أنّه كان قبل بيان الحكم ونَسخ هذا الحكم بقوله ﷺ: "إنّما الماء من الماء" ومفهوم هذا الحديث نُسِخَ بقوله: "إذا التقى الختانان فقد وَجَبَ الغُسل" سواءً أمنَى أم لم يُمنِ، فإن الجماع بذاته موجبٌ للغسل، وخروج المني موجب للغسل سواءً كان بجماعٍ أو بنومٍ أو إلى غير ذلك من الأسباب، فكلٌّ منهما مستقلٌّ بإيجاب الغسل، وهذا الذي استقرّ عليه الحكم في السُنّة، وعليه عامّة فقهاء الشرع المطهّر المصون: أنّ من جامع امرأته فعليه الغسل سواءً أمنى أو لم يُمنِ.
وكذلك قال: "وسُئل إبراهيم النخعي عن مسّ المرأة فقال: إن وجد لذّة توضأ" والحكم في مسّ المرأة اختلف أيضًا فيه الأئمة:
فتبيّن أن لمس بشرتي الرجل أو المرأة حَدَث ينقض الوضوء في الجملة.
والرواية المشهورة عند الحنابلة: أن مسّ بشرة الذكر والأنثى إن كان لشهوة من غير حائل ينقض الوضوء، وإن لم يكن بشهوة فلا ينقض الوضوء، ولم يفرّق في هذه الرواية عند الإمام أحمد بين المحرَم وغير المحرَم، اللمس ينقض الوضوء عندهم مهما كان بشهوة.
يقول كذلك: "عن طلق بن علي -رضي الله عنه-: لما قدمنا على رسول الله ﷺ جاء رجل وكان بدويًا فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ؟ قال ﷺ: "وهل هو إلا بضعة منك"، وقالت بسرة بنت صفوان: كان رسول الله ﷺ يقول: من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" وحديث بسرة هذا أصح، وبه أخذ عامة الأئمة كذلك، ورأوا أن عدم النقض بمس الذكر منسوخ، وأنه وجب على من مسّ ذكره، إلاَّ أنه قيده الشافعية وكذلك المالكية بما كان ببطن الراحة وبطون الأصابع. وقال: "وفي رواية: إذا أفضى أحدكم بيده على فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ"، الوضوء من مسّ الذكر، وقاس عليه أيضا الشافعية حلقة الدبر فجعلوا مسّ ذلك ناقضًا للوضوء، وهذا حديث بُسرة هو أصحّ ما جاء من حيث الرواية وعليه عامة الفقهاء.
وجاء أيضًا" "عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككتُ فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قلت: نعم قال: قم فتوضأ فقمت فتوضأت ثم رجعت" وهكذا كان يقول: "كان ابن عمر وعروة -رضي الله عنهم- يقولان: إذا مسَّ أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء" وأتى لنا أيضًا حديث: "وكان محمد وعبد الله ابني أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- يقولان: كتب إلينا رسول الله ﷺ أن لا يمس أحدكما القرآن إلا على طهور"، فمن المعلوم أن من انتقض وضوءه لا يجوز له أن يمس المصحف ولا أن يحمله على تفصيلٍ بين المجتهدين تقدم معنا بعضه. وفي هذا أيضًا الحديث الذي قرأنا عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص و أمره أن يقوم فيتوضأ.
وكذلك قال: "صلى ابن عمر مرة الصبح ثم قام فتوضأ وصلى عند طلوع الشمس فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: إني توضأت الصلاة الصبح فمسست فرجي ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت وأعدت صلاتي، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: ما أبالي أمسست ذكري أم طرف أذني" فهو ممن رُويَ عنه أنه لا ينقض الوضوء، وكذلك كان يقول حذيفة وابن مسعود رضي الله عنهما، فهذه اختلافات المجتهدين من الصحابة فمَن بعدهم عليهم رضوان الله تعالى.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا مسَّت إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة"، وسئل إبراهيم النخعي عن مسّ الذكر فقال: كانوا يكرهون أن يقال إن في المؤمن عضوًا نجسًا، وكان أبو ليلى -رضي الله عنه- يقول: "كنا عند النبي ﷺ فجاء الحسن يتمرّغ عليه فرفع عن قميصه وقبل زبيبته ثم صلى ولم يتوضأ" وقد خصّص نقض الوضوء بالمس ببطن الراحة وبطون الأصابع، والتقبيل ليس داخل في بطن الراحة ولا بطون الأصابع.
وهكذا رواية عند الإمام أحمد كما هي عند الشافعية والمالكية: أن مسّ الفرج حَدَث ينقض الوضوء.
فإذًا جاءت الروايتان عند الإمام أحمد، في الرواية التي جعل أن المسّ ينقض الوضوء، يقول: مسّ ذكر الآدمي إلى أصول الأنثيين وأيضًا يكون ببطن الكف أو بظهره أو بحرفه غير ظفر. وفي رواية عنه: أنه لا فرق بين الكف وغيره. فهذا ما جاء عند الأئمة فيما يتعلق بالأحداث، وكلٌّ منهم يقول: بأنّ ما ينقض الوضوء عند غيره ولا ينقض الوضوء عنده أنه يُسنّ أن يتوضأ منه خروجًا من الخلاف لتكون الطهارة بيقين أو على أقوال المجتهدين أجمعين احتياطًا للدين.
وكذلك جاءنا في الحديث عدم مسّ المصحف لمن انتقض وضوءه لقوله تعالى :(لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة:79]، وقول النبي ﷺ: "لا تمسّ القرآن إلا وأنت طاهر" ، اتفقوا على جواز تلاوة القرآن من غير مسٍّ للمحدث الحدث الأصغر ، نعم يجوز قراءته من دون أن يمسّ المصحف.
رزقنا الله تعظيم شعائره وجعلنا من التوّابين المتطهّرين ومن عباده الصالحين، وأصلح لنا شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين في عافية، وبارك لنا في خواتيم شهر ربيع الأول، وربطنا بنبيّه محمد ربطًا لا ينحل، ورفعنا به إلى أزكى وأرفع محل، ونقَّانا عن الشوائب، ورفعنا عليّ المراتب، ونظمنا في سلك محبوبيه والمقرّبين إليه في لطف وعافية.
بسِرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة.
19 ربيع الأول 1445