كشف الغمة- 291- كتاب الجنائز (28) فصل في زيارة القبور

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 291- كتاب الجنائز (28) فصل في زيارة القبور

صباح الأربعاء 25 شوال 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  الترخيص في زيارة القبور بعد النهي عنها
  •  معنى قوله: لا تكثروا من زيارة القبور
  •  حكم زيارة القبور للنساء، ومعنى: لعن الله زوارات القبور
  •  غفلة الناس عن تذكر الآخرة
  •  فضل سيدة نساء العالمين في الجنة
  •  لماذا مُنع النبي من الاستغفار لأمه آمنة؟
  •  زيارة السيدة عائشة لقبر النبي ثم دفن أبي بكر وعمر
  •  سماع أهل القبور من يُسلم عليهم
  •  الدعاء للزائر وللأموات في زيارة القبور
  •  اعتناء النبي بزيارة القبور حتى في ليلة الإسراء والمعراج
  •  كيفية السلام على أهل القبور

 

نص الدرس مكتوب:

فصل في زيارة القبور

 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن زيارة القبور، ثم رخص فيها للرجال دون النساء، ثم رخص فيها مطلقًا وقال:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة ولا تقولوا عندها فحشًا"، وكان ﷺ يقول: "لا تكثروا من زيارة القبور". 

 

قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولعل السر في ذلك زوال الاعتبار بالأموات من قلب الزائر لكثرة مشاهدته لهم، ولذلك كان الحفارون للميت والحمالون له لا يحصل لهم اعتبار كما منازعتهم في أمور الدنيا حال مباشرتهم لذلك، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: رجعنا مع رسول الله ﷺ من جنازة فوجد فاطمة -رضي الله عنها- فتغير وجه ﷺ وقال لعلك بلغت موضع كذا يريد المقابر فقالت: لا، فقال: "لو بلغتيه لم تدخلي الجنة حتى يدخلها جد أبيك"، وكان ﷺ يقول: "استأذنت ربي -عز وجل- في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي". قال أنس -رضي الله عنه- ولما زار رسول الله ﷺ قبر أمه بكى وأبكى من حوله. وقال بريدة -رضي الله عنه- لما دخل رسول الله ﷺ مكة يوم الفتح زار أمه في ألف مقنع فما رُئي باكيًا أكثر من ذلك اليوم. 

 

وقال عبد الله بن أبي مليكة -رضي الله عنه-: أقبلت عائشة -رضي الله عنها- يوم من المقابر فقلت لها أليس كان ينهى رسول الله ﷺ عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها، وقال طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: خرجنا مع رسول الله ﷺ نريد قبور الشهداء فأشرفنا على حرة فإذا بها قبور محنية فقلنا: يا رسول الله ﷺ أقبور أخواننا هذه؟ قال: "لا هذه قبور أصحابنا فلما جئنا قبور الشهداء قال هذه قبور إخواننا". 

 

وكان ﷺ إذا أتى المقبرة قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم"، وكان ﷺ يعلم الناس الزيارة ويقول: "إذا خرجتم إلى المقابر فقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية"، والله سبحانه وتعالى أعلم". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأهل بيته الممنوحين به طُهْرًا، وعلى أصحابه الذين رفع الله لهم به قَدْرًا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وجرى بمجراهم خيرَ مَجْرًى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل والشرف أعلى الذُّرَى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل بعض ما يتعلق بزيارة القبور، يقول: "قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن زيارة القبور، ثم رخص فيها للرجال دون النساء، ثم رخص فيها مطلقًا وقال:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة ولا تقولوا عندها فحشًا"

ومن المعلوم أنه كان في أول الأمر النهي عن زيارة القبور، ثم قرر ﷺ الترخيص في الزيارة وذكر الحِكَم والفوائد، ثم كانت فِعْلَهُ عليه الصلاة والسلام، حتى جاء عن بعض أمهات المؤمنين، قالت: ما بات عندي رسول الله ليلة إلا وأتى بقيع الغرقد يزور القبور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

والذي يروى من قوله: "لا تكثروا من زيارة القبور"، -المعلّق قال: لم أجده-، وقال الشيخ الشعراني عن شيخه: "ولعل السر في ذلك زوال الاعتبار بالأموات من قلب الزائر لكثرة مشاهدته لهم، ولذلك كان الحفارون للميت والحمالون له لا يحصل لهم اعتبار" وتعرف أنهم وقت مزاولتهم للجنائز وللحفر ربما تكلّموا بكلام الدنيا وربما ضحِكوا، وزال من قلوبهم تعظيمُ الموقفِ والاعتبارُ والادِّكار.

وعلى كل الأحوال، فيختلف الناس فيما يُنازلُ في قلوبهم وفيما يُفيدهم.

 وبعد ذلك اتفق الفقهاء على سنية زيارة القبور مطلقا للرجال.

واختلفوا بعد ذلك في النساء ما بين كراهة واستحباب وجواز:

  • وقد جاء في الأصح عند الحنفية سنية الزيارة -زيارة النساء للقبور-، ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث. 

  • والذي بنى عليه الكراهةَ مَن قال بالكراهة، حديث: "لعن الله زوارات القبور"، وما حُمِلَ ذلك إلا على النائحات اللاتي يأتين للنياحة على القبور.

    • وأما غير ذلك فلا يتأتى أن يقول ذلك ثم يرى المرأة فوق القبر ولا يزجرها ويقول: "اتقي الله واصبري".

    • ثم تسأله السيدة عائشة: ما أقول إذا -نزلت- المقابر؟ فيقول: قولي: كذا وكذا، فما -يتأتى- مع هذا أن يكون مطلق الزيارة هي المنهي عنها.

    • وكذلك  ما جاء عن بضعته الغراء سيدتنا فاطمة أنها كانت تتردد إلى قبر عم أبيها حمزة بن عبد المطلب كل خميس، فتخرج من المدينة إلى أحد وتسلم على سيدنا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

 

وقال الشعراني: كما هو مشاهد من أحوال الحفارين والحمَّالين من نزعتهم في أمور الدنيا حال مباشرتهم لذلك، وهذه الغفلة عمَّت غير الحمَّالين وغير الحفارين، وصار عامة المسلمين يمشون في الجنائز يضحكون ويمشون وربما يغتابون في غفلة قوية، إلا من رحم ربي.

 

فالله ينقذ المسلمين ويُصلِح قلوبهم ويهيئها للاعتبار والادِّكار وللاستفادة من مرور الأعمار عليهم، حتى تمر بهم فيما يكسبون به الحِمل الطيب للدار الآخرة، فهذه فرصتهم، وإذا غلبت الغفلة على القلب انقطع عن حقيقة الزاد والتزود لدار المعاد -والعياذ بالله تعالى-،  وفي ذلك يحذر الحق جلّ جلاله يقول: 

  • (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)[الأنبياء:1-3] -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فالله يذكّر قلوب وينورها ويجعلها في الإنابة وفي الخشية.

  • (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ الله)[الزمر: 22].

  • (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ)[الزمر: 23] من عباده، لا إله إلا هو جل جلاله، اللهم اهدنا فيمن هديت.

 

يقول: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: رجعنا مع رسول الله ﷺ من جنازة فوجد فاطمة -رضي الله عنها- فتغير وجه ﷺ وقال لعلك بلغت موضع كذا يريد المقابر فقالت: لا، فقال: "لو بلغتيه لم تدخلي الجنة حتى يدخلها جد أبيك"، فقال أهل العلم: أنه بذلك تتأخر عن السبق مع الأوائل إلى الجنة، فتدخلها مع دخول عموم أهل الفترة ولم تكن ايضاً من أسبق السابقين، ولكن ذلك ما علِّمه الله تبارك وتعالى بالنسبة لابنته فاطمة، حتى قال لها: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟" عند موته ﷺ أخبرها بذلك، كما أخبرها عن مرورها على الصراط ونداء المنادي من الملائكة لأهل الموقف: "نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم، فاطمة بنت محمد تمر على الصراط".

 

وقال ﷺ أيضا لسيدنا أنس: "إني وهذان -يعني: الحسن والحسين- وأمهما -يعني: فاطمة- وذاك النائم -يعني: علي- في مكان واحد يوم القيامة". اللهم قربنا من ذلك المكان، اللهم قربنا من ذلك المكان، اللهم قربنا من ذلك المكان.

 

"وكان ﷺ يقول: "استأذنت ربي -عز وجل- في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي"، لأنه ليس على أهل الفترة ذنب، وهي مع كونها من أهل الفترة، كانت من أهل التوحيد، وكانت قد أُنبئت برسالته ﷺ قبل ظهور الرسالة، وقالت له عند موتها:

 

 إن صحَّ ما رأيت في منامي*** فأنت مبعوثٌ إلى الأنام

 فالله أنهاكَ عن الأصنام ***ألا تواليها مع الأقوام

 

إلى غير ذلك.

  • فكانت من أهل التوحيد في تلك الفترة، و مثل هؤلاء منع الاستغفار عليهم كمثل منع الصلاة على الشهداء عندنا، يُمنع من الصلاة عليهم لأنهم ما يحتاجون إلى صلاة هؤلاء أهل الأحياء، تُمنع الصلاة عليهم لمكانتهم عند الله -تبارك وتعالى-.

  • وكونها من أهل الفترة الذين لا يعذبون.

  • وهي أيضا أمُّ زين الوجود الأمين المأمون صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فلا شك أن لها في ذلك المنزلة عند الرب الأعلى -جلّ جلاله-. 

فعلى هذا يُؤَوَّلُ عدم الإذن في الاستغفار لها.

 

"قال أنس -رضي الله عنه- ولما زار رسول الله ﷺ قبر أمه بكى وأبكى من حوله. وقال بريدة -رضي الله عنه- لما دخل رسول الله ﷺ مكة يوم الفتح زار أمه" خرج مسافة من مكة إلى أن أتى إلى الأبواء معتنيًا لأجل أن يزور قبر أمه عليه الصلاة والسلام . قال: "في ألف مقنع" فلما بكى بكوا، "فما رُئي باكيًا أكثر من ذلك اليوم"صلى الله عليه وصحبه وسلم.

 

"وقال عبد الله بن أبي مليكة -رضي الله عنه-: أقبلت عائشة -رضي الله عنها- يوم من المقابر فقلت لها أليس كان ينهى رسول الله ﷺ عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها" وبذلك كانت تزور عليها رضوان الله.

وكما جاء عنها أنها كانت ايضاً تزور قبره عليه الصلاة والسلام في الحجرة، فلما توفيَ أبوها، كانت تزور نبي الله وأباها أبا بكر الصديق، ثم دُفِنَ عمر، قالت: كنت أزورهما غير منتقبة وأقول: إنما هما زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمر، لم ادخل الحجرة إلا منتقبة مشدودةٌ عليَّ ثيابي، حياءً من عمر، حياءً من عمر.

 

ففي هذا ما ربى  وعلّم السيدة عائشة أن أهل القبر ينظرون إلى زائرهم، لذا استحيت من عمر، وبذلك استشعرت الهيبة والجلال، وصارت محتجبة منه كما هو في الحياة، وكان قد استأذنها للدَّفن في ذلك المقام، وقالت لابنه عبد الله: إني كنت أعدّه لنفسي،  ولكن طيبته لأبيك، هو لأبيك. لا إله إلا الله، قال: لما اخبر أباه فرح، وقال: الحمدلله لم يكن في نفسي شيء أهم من ذلك؛ ثم قال: إني أخاف يا عبد الله أن تكون هابة أمير المؤمنين، فإذا أنا مِتُّ فغسلتموني وكفَّنتموني، فخذوني إذا صليتم عليَّ إلى باب الحجرة، وقولوا: يا أم المؤمنين، إن عمر يستأذنُكِ أن يُدفن، ولا تقولوا لها: أمير المؤمنين، فما عُدتُ أميراً -بعد أن مِتُّ ما عدت أمير- قل لها: عمر يستأذنُكِ أن يُدفن. فإن أذِنَتْ كان ما أحببتُ، وإلا فردُّوني إلى البقيعِ مع المؤمنين، فلما جاءوا بجنازته ونادَوْها، قالت: قد طيبتُ له بقلبي ذلك حياً وميتاً. فأدخلوه فقبروه خلف سيدنا أبي بكرٍ الصِّدِّيق، فكان رأسه قريباً من كتفِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق في مسافة القبر، كما كان رأس أبي بكرٍ الصِّدِّيق على ظهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. 

 

فانظر إلى ذَوْقِ الصحابةِ وآدابِهم حتى في القبور، رَتَّبوا. لمَّا أرادوا دفن الصِّدِّيق أخَّروا رأسه عن رأس الحبيب العظيم ﷺ وجعلوا قبره يميل إلى جهة الشرق فيكون رأسه مقابلاً للظهر الكريم، فلما قُبِرَ سيدنا عمر أيضاً جعلوه خلف الصِّدِّيق وأخَّروا رأسه قليلاً عن رأس أبي بكر، حتى صار وجهه يقابل كتف أبي بكرٍ الصِّدِّيق، قريباً من كتف أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنهم.

 

ولما كانوا في توسعة في عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز، وكان أميراً في المدينة -في توسعة المسجد-، ولما حفروا ظهرتْ رجلان، ففزع سيدنا عمر بن عبد العزيز وخاف أنها رِجلاه ﷺ، جاء بعض الصحابة قالوا: هذه رِجْلي عمر، هذه أقدام عمر، ليست رِجْلَ رسول الله 

فهم (أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون)[آل عمران:169]، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، وصلى الله على نبينا وعلى جميع آله وصحبه ومن سار في دربه.

 

"فقالت له السيدة عائشة: كان نهى عن زيارة القبور، ثم أمر بزيارتها،وقال طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: خرجنا مع رسول الله ﷺ نريد قبور الشهداء فأشرفنا على حرة فإذا بها قبور محنية فقلنا: يا رسول الله ﷺ أقبور أخواننا هذه؟ قال: "لا هذه قبور أصحابنا فلما جئنا قبور الشهداء قال هذه قبور إخواننا"، صلوات ربي وسلامه عليه. 

يقول: "وكان ﷺ إذا أتى المقبرة قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم"، وكان ﷺ يعلم الناس الزيارة ويقول: "إذا خرجتم من المقابر فقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية"، والله سبحانه وتعالى أعلم". 

 

"وكان ﷺ إذا أتى المقبرة قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وفي هذا دليلٌ على سماعهم لسلام المُسلّم عليهم، فهذا يخاطبهم عليه الصلاة والسلام، ويقول:  "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" .

فقوله "إن شاء الله" لمجرد التبرك، أو تعليق المكان أو الحال الذي يكون عليه الوفاة في هذا المكان الذي هم فيه، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)[لقمان:34]، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتِنَّا بعدهم. 

أما أمر الموتُ محقق، كلّ الأحياء سيلحقون بالموتى، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)[آل عمران:185]، بلا ريبٍ ولا شك.

 

قال: "وكان ﷺ يعلم الناس الزيارة ويقول: "إذا خرجتم إلى المقابر فقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية""

ففيه الدعاء للزائر وللأموات: "نسأل الله لنا ولكم العافية"، والعافيةُ بأنواعها، وأهل البرازخ عافيتُهم من شدة السؤال، وعافيتُهم من عذاب القبر، وعافيتُهم من العتاب، وعافيتُهم من أن تبلغَهم الأخبارُ السيئة عن أولادهم وعن قرابتهم، وهذه العافية لأهل البرزخ. وكلٌّ يحتاجُ إلى العافية بأنواعها، ونسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

 

  • وعلل الفقهاء القائلين بكراهة زيارة النساء:

    • بما فيهن من رقة القلب.

    • أو كثرة الجزع.

    • أو قلة احتمال المصائب.

    • فتكون الزيارةُ مظنةً لرفعهن أصواتهن ولبكائهن. 

  • ولكن سمعتُ أن الأصح عند الحنفية أنه يُندب للنساء زيارة القبر كالرجال، لأن الأمر جاء للجميع، الأمر جاء للجميع بعد ذلك، لم يفرق بين الرجال والنساء .

  • والقول هذا إما منسوخ "لعن الله زائرات القبور" منسوخ أو محمول على ما ذكرنا من النائحات، فإن النهي كان عام للرجال والنساء، ثم جاء الإذن والترخيص عاماً للرجال والنساء.

  • والذين قالوا أيضاً بالكراهة استثنوا: 

    • قبره عليه الصلاة والسلام.

    • ثم قبور الأنبياء.

    • ثم استثنى من استثنى منهم قبور الأقارب للمرأة

    • ثم استثنى من استثنى منهم قبور أهل الولاية والصلاح.

    • ولهذا يقولون: محل الأقوال في غير زيارة قبر سيد المرسلين، أما زيارته فمن أعظم القُرُبات للرجال والنساء.

  • يقول: وألحق الدمنهوري وغيره من الفقهاء في قبور بقية الأنبياء والصالحين والشهداء؛ فمن باب أولى زيارة قبور الوالدين ونحوهم.

وجاء في الرواية -وهذه بسندٍ ضعيفٍ لسيدتنا فاطمة- لمّا قال: "ما أخرجكِ من بيتكِ؟ قالتُ: "أتيتُ أهل هذا الميت فترحمتُ إليهم وعزيتهم". قال: لعلك بلغتِ معهم الكُدَى؟ -محل القبور-، قالت: لا، قال ﷺ: وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال: لو بلغتِها معهم ما رأيتِ الجنة حتى يراها جد أبيكِ".

 

وهكذا جاءت الروايات في بقية ما أورد الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- من الأحاديث، وفيها أيضاً إعتناؤهُ بزيارة القبور حتى في ليلة الإسراء والمعراج، وقد مر على سيدنا النبي موسى في قبره، قال: "مررتُ على موسى عليه السلام ليلة أُسرِي بي وهو قائم يصلي في قبره"، صلى الله على نبينا والنبي موسى وجميع الأنبياء والمرسلين.

 

وهذا مما ورد في أنواع السلام:

  • "السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر" في رواية الإمام الترمذي.

  • كذلك جاء في صحيح الإمام مسلم من الصيغ عند السلام على أهل القبور: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية".

  • وهكذا كما ذكر الإمام الشافعي: أنه يُندب أن يقول الزائر: "سلامٌ عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم"، قال: وأن يقرأ ما تيسر من القرآن ويدعو لهم، أن يسلم على المَزُور من قِبَل وجهه، فهذا أفضل، فإن لم يتيسر من مقابلة وجهه؛ فمن جهة الرأس يكون السلام على الميت.

  • وهكذا يقول الحنابلةُ: يقف الزائر أمام القبر قريباً منه ويقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أو أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم".

 

جعل الله قبور أهالينا وذوينا رياضاً من رياض الجنة، واجعل قبورنا كذلك، وجميع أولادنا وذرياتنا وذوينا، اللهم اجعلها رياضاً من رياض الجنة، ولا تجعل فيها حفرة من حفر النار، واجعل لنا من عذابك وقايةً وحرزاً وجُنّة، يا كريم يا غفار يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين، وزدنا من فضلك ونوالك ما أنت أهله، وأصلح للأمّة الشأن كله، واختم لنا بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنا في خير ولطف وعافية.

 

 

بسر الفاتحة

وإلى حضرة النبي اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله

 الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

25 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

23 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام