كشف الغمة- 281- كتاب الجنائز (18) باب الدفن وأحكام القبور وما يتعلق بذلك

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 281- كتاب الجنائز (18)  باب الدفن وأحكام القبور وما يتعلق بذلك

صباح الأربعاء 11 شوال 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  ثواب حفر القبر ومساعدة الدفن
  •  قصة بداية دفن الخلق
  •  هل يجب الدفن بحق غير المسلمين؟
  •  أين يُدفن من مات في البحر؟
  •  متى يستحب تعجيل الدفن؟
  •  حالات تأخير دفن الميت
  •  نقل الميت للأماكن المشرفة
  •  انتظار أقارب الميت أو كثرة المصلين
  •  الأنبياء يصلون في قبورهم
  •  خصوصية أرواح الأنبياء
  •  قصة رجل قُتل بعد إسلامه
  •  إحياء النبي عيسى للموتى
  •  قراءة القرآن على قبور الموتى

نص الدرس مكتوب:

باب الدفن وأحكام القبور وما يتعلق بذلك 

 

"كان أنس -رضي الله عنه- يقول: سمعت -رضي الله عنه- يقول: "من حفر لأخيه قبرًا حتى يجُنُّهُ فيه فكأنما أسكنه مسكنًا حتى يبعث"، وفي رواية: "بنى الله له بيتاً فى الجنة"، وكان ﷺ يقول: "من مات بكرة فلا يقيلن إلا في قبره ومن مات عشية فلا يبيتن إلا في قبره"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: إن الأنبياء لا يُتْرَكُونَ في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكن يصلون بين يدي الله -عز وجل- حتى ينفخ في الصور.

وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: قتل رجل من المسلمين رجلًا من المشركين بعد أن قال المشرك: لا إله إلا الله فبلغ ذلك النبي الا الله فعاتبه في ذلك فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذًا، فقال رسول الله ﷺ: "فهلا شققت عن قلبه"، قال أنس -رضي الله عنه-: ثم مات قاتل الرجل فدفن فلفظته الأرض حتى فعل ذلك به ثلاث مرات فقال النبي ﷺ: "إن الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله جعله عبرة فألقوه في غار من الغيران".

وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول : لما أحيىٰ عيسى -عليه السلام- حام بن نوح بسؤال الحواريين له في ذلك قالوا له: ألا تنطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا، فقال: كيف يتبعكم من لا رزق له، ثم قال له: عد بإذن الله ترابًا، وتقدم أوائل الباب قوله ﷺ: "عجلوا بالدفن فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله"، وكان ﷺ يقول: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وكذلك عند رجليه فإذا وضع في قبره فليقرأ عند رأسه بخاتمة سورة البقرة"، وكان ﷺ يقول: "لعن الله المختفي والمختفية"يعني: نباش القبور لسرقة الكفن". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة، ومبينِ أحكامها على لسان عبده المختار ذي المراتب الرفيعة، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار في دربه من أحبابه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المبشرين به، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبــعــد،

فيذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ما ورد فيما يتعلق بالدفن وأحكام القبور وما إلى ذلك، فذكر فضل من قام بالحفرِ للقبرِ للميت، ويقول: "من حفر لأخيه قبرًا حتى يجُنُّهُ فيه فكأنما أسكنه مسكنًا حتى يبعث"، كأنه أعطاه مسكناً يسكن فيه، كمُلَ له الأجرٌ إلى أن إلى يوم القيامة، وكذلك في الرواية الأخرى: "بنى الله له بيتاً في الجنة"، يقول أخرجه الطبراني في الأوسط، انظر الترغيب والترهيب للمنذري.

 

فـفي هذا ثواب لمن حفر القبر لأخيه المسلم متطوعاً متقرباً إلى الله -تبارك وتعالى-، بل وجاء الثواب العظيم فيمن ساعد على الدفن ولو بحفنات من ترابٍ يضعها على قبر أخيه، ولهذا قالوا: يستحب لمن كان قريباً من القبر أن يحثو في القبر ثلاث حثَياتٍ فيقولُ:

  • مع الأولى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ). 

  • والثانية: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ). 

  • والثالثة: (وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه: ٥٥].

 

فـكان أمر دفن الميت مما جاءت الشريعة بوجوبه، وذلك من عهد آدم عليه السلام كما قص الله علينا قصة ابني آدم: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ) [المائدة:٣١]، فكان يحمله ويطوف به حتى قيل إنه بقي سنة يدور به، حتى يقال وصل به إلى عدن وغيرها، ثم ما درى كيف يعمل به؟ لأنه أول ميت من بني آدم -أول قتيل-، فبعث الله له غرابين تضاربا وقتل أحدهما الآخر، ثم بحث بحث بحث في الأرض وحطّه ودفنه،  فقال (يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة:٣١]، فدفنه.

 

  • فبذلك جاءت الشرائع كلها بوجوب دفن الأموات إذا ماتوا.

  • والدفن واجب علينا في حق المسلمين. 

  • وهو أيضاً متوجب علينا في حق الذميين. 

  • وهو مباح ومستحبٌّ لنا في حق الحربيين حتى، فإن النبي ﷺ دفن جثثهم، ولم يبقها للوحوش وللسباعِ ولا للطيور.

 

وهذا أمر أيضاً مُجمَعٌ عليه في الشريعة المطهرة وبالشرائع كلها، مهما تأتّى دفنه فيجب أن يدفن. 

فإذا ماتوا وهم في البحر:

  • فإن كان يمكن الوصول إلى البر في مدة ما يتغير فيها جسد الميت؛ فيجب تأخيرُه حتى  يوصلون إلى البر ويدفنونه. 

  • فإن لم يكن وقالوا: إن أبقوه معهم يتغير؛ فما هو إلا أن يغسلونه ويكفنونه ويصلون عليه ثم يلقونه في البحر. 

 

هل يوضع عليه شيء يثقِّلُه حتى يرسب في الماء؟ 

  • قيل: باستحبابِ ذلك. 

  • ويذكر عن الإمام الشافعي قال: يثقَّلُ إن كان قريباً من دار الحرب، وإلا يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل إلى أمواج البحر فلربما وقع إلى قوم يدفنونه.

 

وهكذا، فـدفن المسلم فرضُ كفاية إجماعاً، وهذا المتوارث من عهد آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ -أي: الأرض- وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه:٥٥].

 

يقول "وكان ﷺ يقول: "من مات بكرة فلا يقيلن إلا في قبره ومن مات عشية فلا يبيتن إلا في قبره" وأيضا جاء في رواية الطبراني في الكبير.

وفيه ندبُ التعجيل، وقد جاء في عدد من الأحاديث ندبُ التعجيل في دفن الميت، ومن هنا رأى الأئمة الأربعة : 

  • كراهة التأخير لدفن الميت لغير غرضٍ صحيح.

  • أما من مات فجأة، أو مات بهدمٍ أو غرق، فيجب تأخيرُه حتى يُتحقق الموت؛ فإنه قد يصيبه وقوف القلب، وقوف الأعضاءِ، فيظن أنه ميت، وقد يستمر ذلك إلى مدة وهو ليس بميت، ثم يفيق في قبره ويجد نفسه مدفون، كما حصل لبعضهم.

  • إنما يستحب المبادرة بدفنه إذا تيقن موته، فإذا تُيِقِّنَ موته نُدب المبادرة إلى دفنه ندبًا.

  • إن خُشي من التأخير التغيرُ وجب، لا يؤخرونه إلى أن يتغير حرامٌ، ولكن قبل أن يتغير واجب يدفنونه، ويُسن المبادرة، "فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ -جسد- مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ"، كما جاء في رواية أبي داود.

  •  أما إذا شُك في موته وجبَ تأخيرُه إلى التيقُّنِ، إلى أن يتيقنوا موته.

 

وكذلك يقول الإمام الرملي: محل حرمة التأخير إن خُشي تغيرها، أو كان تأخير ذلك لكثرة المصلين، وإلا فالتأخير إذا كان يسيرا ولا يتغير فيه الميت وفيه مصلحة للميت لا ينبغي منعه.

 

كذلك يقول الشافعية: إذا كان الميت بقريب من مكة أو من المدينة أو من بيت المقدسِ فيُحمل ويُنقل، فيُتأخَّرُ حتى يصلوا إلى هناك، ما دام يمكن وصوله قبل أن يتغير، وقد قال سيدنا موسى عليه السلام لما جاءه ملك الموت قال: رب أدْنِني من الأرض المقدسة رميةَ حجرٍ، كان أيامَ التيه -وبنو إسرائيل لا زالوا في التيه- في خلال هذه الأربعين سنة مات نبي الله هارون، ثم مات نبي الله موسى، إنما بعد الأربعين سنة دخلوا مع يوشع بن نون إلى الأرض المقدسة، فطلب القربَ من الأرض المقدسة نبي الله موسى عليه السلام. 

وأيضًا يعلم الأنبياء أن القبرَ في الأماكن المفضلة والمشرفة خيرٌ، فلذلك طلب أن يدنيه الله من الأرض المقدسة على نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام. 

فإذا كان هناك مسافة يمكن قطعها قبل أن يتغير الميت فيدفن في بيت المقدس أو في مكة أو في المدينة فيؤخر، ولا كراهةَ في التأخيرِ حينئذٍ كما يقول الشافعية.

 

وهكذا، قالوا إذا أوصى أن يدفن في أرض معينة:

  • فإن كانت الأرض المعينة التي أوصى أن يدفن فيها ميزة، بأن كان أحد الحرمين أو بيت المقدس أو أماكن فيه كثرة من الأولياء ومن الصالحين، فتنفذ وصيته ويُنقلُ ما دام لا يتغير.

  • وإن كان لا ميزة، أرض مثل غيرها، فلا تُتَّبع وصيته، ويدفن حيث حيث توفي، البلد الذي توفي فيها يدفن في مقبرتِها.

 

وكان ﷺ يقول: "من مات بكرة فلا يقيلن إلا في قبره ومن مات عشية فلا يبيتن إلا في قبره"،  فقد يُنتظر بعض أقاربه ليشهدوا الصلاة عليه ومجيئَهم من دون أن يتضرر الميت بالتأخيرِ. أو لكثرة المصلين، إذا أخرجوه في تلك الساعة ما يحضُرُ الصلاة عليه ويشهدها إلا قليل من الناس، ولكن إذا أخَّروه إلى وقت عصرٍ أو إلى وقت، فيحضُرُ كثير ويصلون عليه، فهذا فيه مصلحة للميت، فيمكن يؤخر لأجل هذا، ولطلبِ كثرة الجمع عليه، فإنه من صلى عليه أربعون شفعهم الله فيه، ومن صلى عليه ثلاث صفوف شفعهم الله فيه، وكلما كثر المصلون عليه كثر الدعاء له وكان أقرب لأن يعفو الله عنه ويغفر له ويرفع درجاته.

 

قال: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: إن الأنبياء لا يُتْرَكُونَ في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكن يصلون بين يدي الله -عز وجل- حتى ينفخ في الصور" -هذا قول أنس يحتاج إلى نظر-. والحديث المشهور أن "الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّون"، وهو مروي بسند صحيح، "الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّون"، فهم يصلون في قبورهم.  وفي صحيح مسلم: "أَتَيتُ على موسى ليلةَ أُسرِيَ بي عندَ الكَثيبِ الأحمَرِ وهو قائمٌ يُصلِّي في قبرِه"، على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ويقول أنه: عند الكثيب الأحمر في أرض فلسطين، فقال ﷺ: "فلوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إلى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ".

 

فما معنى قوله: لا يُتْرَكُونَ؟ جاء في الأحاديث الصحيحة "حتى ينفخ في الصور"، ويقول: "حتى تنشق الأرض فأكون أول من ينشق عنه الأرض"،  فإذًا أجسادهم الكريمة حيث قُبرت، وأرواحهم تتشكل بشكل أجسادهم وهي في عليين وفي السماوات، وهي مطلقة أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. 

وبذلك جاءنا في السنة صلاتهم خلفه في بيت المقدس ليلة أُسري به، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وَوَصْفِهِ لهم ولهيئاتهمْ، فهذا الالتقاء بالأنبياء كما قال الله لنبيه، فلما التقى بسيدنا موسى ليلة الإسراء والمعراج عند قبره، وفي بيت المقدس، وفي السماءِ السادسة، ولقيهُ أكثر من باقي الأنبياء، قال: فجعلتُ أتردد بين ربي وموسى، بين ربي وموسى، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ)[السجدة:23].

فهذا اللقاء للأنبياء يكون لقاء أرواحهم الطاهرة، أما أجسادهم المكرمة محفوظة في أماكنها حتى يأتي وقت النفخ في الصورِ فيكونون أول من تنشق عنهم الأرض، صلوات الله وسلامه عليهم، أولهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فجسدُه الشريف حيث وضع بعد وفاته، وهو كذلك إلى أن تقوم الساعة، أما روحه الأكرم فما في الأولين والآخرين ولا في السماوات والأرضين روح أكرم منها، ولا أقوى منها، ولا أعظم إطلاقاً منها في العوالم كلها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

وإذا كان أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في رياض الجنة إلى غير ذلك، فكيف بأرواح الأنبياء؟ فكيف بروح سيد الأنبياء؟ وهو القائل: "ما من أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليْهِ السَّلامَ". قالوا: ومعنى رد الله عليَّ روحي لـِكثرة المسلمين عليه، مع قيامه بأشغال كثيرة، يعني: ينبهني عليه ويشعرني به، هذا معنى "ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليْهِ السَّلامَ"، لأنه في كل لحظة يسلم عليه كثير من أهل السماواتِ والأرض، ويرد عليهم كلهم، هذه قوة الروح العظيمة، مع اشتغالِه بأمور أخرى من عرض الأعمال عليه وصلاته صلى الله عليه وسلم في قبرِه وغير ذلك، ومع ذلك كله، فهذه عظمة الروح وخصوصيتها.

 

بل قال عن سادتِنا شهداءِ أحد: لا يقف عليهم أحد فيُسلِّم عليهم إلى يوم القيامة إلا ردّوا عليه السَّلام وهذا بخصوص من وقف عليهم، وأما هو، فأيّ مسلم يسلم عليه في أي مكان، فإنه يرد عليه، صلى الله عليه وسلم، مهما كان سلامه مقبولاً.

 

قال: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: قتل رجل من المسلمين رجلًا من المشركين" -هذا الذي عند عبد الرزاق وأبي يعلى- "بعد أن قال المشرك لا إله إلا الله فبلغ ذلك النبي الا الله فعاتبه في ذلك فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذًا، فقال رسول الله ﷺ: "فهلا شققت عن قلبه"، قال أنس -رضي الله عنه-: ثم مات قاتل الرجل فدفن فلفظته الأرض حتى فعل ذلك به ثلاث مرات" ترميه الأرض؛ تخرجه  "فقال النبي ﷺ: "إن الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله جعله عبرة فألقوه في غار من ذلك الغيران" هكذا جاء في الرواية، أما قوله في التعليق أن الرواية عند مسلم والبخاري فليس في رواية هذا محلم بن جثامة إنما  في رواية سيدنا أسامة بن زيد، وهذا في قتله للمشرك بعد أن قاتله، فلما تمكّن منه وهوى عليه بالسيفِ قال: لا إله إلا الله، فقال: ذا الحين يكذب، بغى يسلم من الموت فقتله، وبلغ الخبر النبي  قال: ويحك أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ قال: "إنما قالها متعوذاً،" قال: "فهلا شققت عن قلبه؟"، وجاء في رواية: فما تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ وأخذ يكرر عليه: ويحك أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ حتى قال: تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك، ليأتي الإسلام فيَجُبَّ هذه الفعلة، وهو حِبُّ رسولِ الله وابنُ حِبِّه أسامة بن زيد.

أما الرواية هذه حق الذي لفظته الأرض، فهو محلم بن جثامة، وقد جاء في رواية البيهقي في كتابه دلائل النبوة روى قصة محلم بن جثامة، وأنه كان بعثه النبي  في سرية، ولقي بعد ذلك رجل كان بينهم إحنة -أي: الحِقد والضِّعْن- ووقفة في الجاهلية بين قبيلته وقبيلةِ هذا؛ اسمه عامر بن الأضبطِ المقتول هذا، لقوه في الطريقِ وكان معه بعض الغنم، فجاء وحياهم بتحية الإسلام: السلام عليكم، وهذا كان علامة أنه مسلم، وكان محلم بن جثامة بما في صدره أيضاً مما بينهم وبين هذه القبيلة من أيام الجاهلية، قال: هذا إلا فزع مننا لما رآنا أقبلنا وخاف أننا نأخذ غنمه، وأن هذا كذاب، فـقال أمير الـسرية لهم: كفوا عنه، لا أحد لا أحد يقرب منه بعدما قال السلام عليكم، ما عرفوا من إسلامه إلا أنه بدأ بتحية الإسلام، فقال: هذا كذاب، ذا لأجلِ ما نشل عليه غنمه ولا نقتله، فقتله. فتبرأوا منه الصحابة الآخرين، أمير السرية ومن معه قالوا: ما لنا دخلٌ فيك أنت، فلما بلغ النبي غضب صلى الله عليه وسلم كثيراً، ونزلت فيه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم - مشركين- مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا)[النساء:94]، ولا تقتلوا أحداً إلا من يستحق القتل.

 

فجاؤوا بعدين إلى عند النبي ، وأراد عيينة بن حصن الفزاري أن يشفع فيه، ويقول الأقرع وهو الذي أراد يشفع فيه: سُنَّ اليوم وغير غداً. قال عيينة: لا والله حتى يذوق نساؤه من الثُّكْلِ ما ذاق نسائي -يعني: من جماعته هذا-، فجاء محلم بين بردتين وجلس بين يدي النبي  ليستغفر له، قال: قتلته بعدما قال السلام عليكم؟ اذهب، لا غفر الله لك، وقام يبكي، ثم مات بعد ساعة، فقبروه فلفظته الأرض، حفروا له قبراً ثانياً قبروه فلفظته الأرض رمته، ثالث مرة فجاؤوا إلى النبي قالوا: الأرض ما قبلته، فقال: "إنَّ الأرضَ لتقبلُ من هو شرٌّ منه ولكنَّ اللهَ أحبَّ أنْ يرِيَكم تعظيمَ حُرمةِ المؤمن" ؛ لأنه قتل نفساً بغير حق، وما ظهر من علامة إسلامِه إلا أنه قال: السلام عليكم، فقط -لا إلهَ إلَّا اللهُ-

 

فهكذا، ففيه خطرُ الحكم على الناس بالكفر والشرك وإن ظهرت علامات أن أحدهم متعوِّذٌ وما إلى ذلك، فليس هذا إلينا، أمره إلى الله تبارك وتعالى،  قال: "فألقوه في غار ووضعوا عليه الحجارة".

 

"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول : لما أحيىٰ عيسى -عليه السلام- حام بن نوح" -مروا على قبره وقالوا له- "بسؤال الحواريين له" -سألوه أن يحييه لهم، فقال: قم بإذن الله، قام، فتحدث معهم وسألوه- قالوا: يا نبي الله " ألا تنطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا، فقال:.." لا هذا قد انقضى أجله من زمان وما عاد له رزق في الدنيا  " فقال: كيف يتبعكم من لا رزق" ما أحد يموت إلا بعدما ما عاد له في الدنيا شيء، لا شربة ولا  قطرة، ولا أكله ولا حبة، ما عاد شيء له، لو عاد له رزق ما بيموت حتى يأكله،  لكن خلاص قد انتهى رزقه، ورجع إلى قبره، يقول: إنما أحيا اثنين سيدنا عيسى أو ثلاثة. وقال: (وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ)[آل عمران:49]، (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي)[المائدة:110].

أَخوكَ عيسى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ *** وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الرُّممَ

من العدمِ رددتهم إلى خير الإسلام والإيمان بعد الكفر فهذا معجزتك هذا أعظم. 

صلوات ربي وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

 

 "وتقدم أوائل الباب قوله ﷺ: "عجلوا بالدفن فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله"، وكان ﷺ يقول: " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وكذلك عند رجليه فإذا وضع في قبره فليقرأ عند رأسه بخاتمة سورة البقرة"، قال وأخرجه الطبراني في المعجم الـكبير، وتأملوا ما قالوا في سنده، وفيه القراءة على قبور الموتى، وجاء عن الأنصار أنهم كانوا يترددون على قبور موتاهم يقرؤون القرآن.

 

بارك الله لنا في أعمالنا، ورزقنا سبحانه كمالَ حسن الخاتمةِ عند الموت وعوافيَ كوامل، واجعَلْ قبورنا وقبور أهلينا ووالدينا ومولودينا وأصحابنا وأحبابنا رياضاً من رياض الجنة، ولا تجعَلْ فيها حفرة من حفر النار.،ثبِّتْنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اختِمْ لنا ولكم بالحسنى وأنتَ راضٍ عنا في لطف وعافية.

 

بسرِّ الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

12 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

09 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام