كشف الغمة 259- كتاب الصلاة ( 149) ما يحل ويحرم من اللباس (8 )
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 259- كتاب الصلاة ( 149) ما يحل ويحرم من اللباس (8 )
صباح الأحد 12 رجب 1446
نص الدرس المكتوب :
"فرع: وكان ﷺ يحث على نظافة الثياب وحسنها ويقول: "إن الله جميل الجمال"، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: البسوا من الثياب ما قيمته خمسة دراهم إلى عشرين درهمًا، وكان أبو ذر -رضي الله عنه - يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "البس الخشن الضيق حتى لا يجد الفخر فيك مساغًا"، وكان علي بن الحسين -رضي الله عنهما- يلبس المسوح على جسده والثياب الناعمة فوق ذلك ويقول: لبسنا المسوح لله والثياب الناعمة للناس، وكان ﷺ يقول: من ترك لبس صالح الثياب وهو "يقدر عليه تواضعًا لله عز وجل دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن شاء"، وكان ﷺ يقول: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله عز وجل ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه النار"، وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس"، وكان ﷺ يقول: "مَثَلُ الرافل في الزينة أو الرافلة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها"، وسيأتي في باب ما يتزين به النساء مزيد أحاديث.
وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: "حضرنا عرس علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فما رأينا عرسًا كان أحسن منه حشونا الليف وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا وكان فراشها ليلة عرسها جلد كبش"، وكان ﷺ يقول:"ما أسفل من الكعبين من القميص أو الإزار في النار، فقال له أبو بكر -رضي الله عنه- يومًا: یا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء"، وكان ﷺ ينهى عن الإسبال في العمامة وهو إطالة العذبة. وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "رأى رسول الله ﷺ رجلًا مسبلًا إزاره فقال له: اذهب فتوضأ فذهب فتوضًا ثم جاء ثم قال له اذهب فتوضأ فقال له رجل: يا رسول الله ﷺ مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكتَّ عنه، فقال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل".
وكان ﷺ يقول: أبغض الخلق إلى الله تعالى من كانت ثيابه ثياب الأنبياء وعمله عمل الجبارين"، وكان ﷺ ينهى المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها ويقول لها: اجعلي تحت ثوبك غلالة فإني أخاف أن يصف حجم عظامك.
قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ولما نزلت سورة النور عمد نساء الأنصار إلى مروطهن فشققنها فاختمرن بها على جيوبهن حتى كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية، وتقدم في باب شروط الصلاة الترخيص للنساء في إسبال الإزار والقميص شبرًا وذراعًا، وكان ﷺ يقول: "إن المرأة إذا بلغت المحيض لن يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكانت أم سلمة -رضي الله عنها- لا تضع جلبابها في البيت طلبًا للفضل، وكان عمر -رضي الله عنه- ينهى الأمة أن تلبس كهيئة الحرائر، وكان ﷺ ينهى لبس العمائم وهو اللفافة الكبيرة على الرأس ويقول:"إنما العمائم للرجال"، ودخل ﷺ على أم سلمة -رضي الله عنها- وهي تختمر فقال: "ليّة لا ليتين"، يعني لا تكرريه طاقين فأكثر.
وكان تميم الداري -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ ينهى النساء عن النساء عن لبس القلانس والنعال والجلوس في المجالس والخطر بالقضيب ولبس الإزار والرداء بغير درع"، وكان ﷺ إذا رأى على أولاده قلادة ذهب أو فضة نزعها وقال ثوبان:" أمرني رسول الله ﷺ أن أذهب بقلادة كانت على فاطمة إلى بني فلان وقال: اشتر لها قلادة من عصب وسوارين من عاج فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، وكان ﷺ إذا وفد عليه أحد من الوفود لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك، وكان ﷺ يصلح طيات عمامته في حب الماء، ولما قدم عليه وفد كندة لبس حلة يمانية ولبس أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مثله.
وكان ﷺ يقول: "حمل العصا علامة المؤمن وسنة الأنبياء"، وكان ﷺ إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه وإذا استجد ثوبًا أو قميصًا أو رداء أو عمامة سماه باسمه ثم يقول: "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صُنِعَ له وأعوذ بك من شره وشر ما صُنِعَ له" ، وكان ﷺ إذا استجد ثوبًا لبسه يوم الجمعة ثم يحمد الله ويصلي ركعتين ويكسو الخلق، وكان ﷺ يقول:" لأن يلبس أحدكم ثوبًا من رقاع شتى خير له من أن يأخذ بأمانته ما ليس عنده"، يعني: يستدين، وسيأتي آخر كتاب النفقات نبذة صالحة تتعلق بالباب إن شاء الله تعالى، والله أعلم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكْرِمِنا بالشريعة الغَرَّاء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله الذين حُبُّوا به طُهْرًا، وأصحابه الذين رُفِعوا به قَدْرًا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وبمَجْرَاهم جَرَى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أفاضل خلق الله تعالى وأكرمهم على الله سرًا وجهرًا، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم ومن والانا فيه سبحانه وتعالى أبدا سرمدا.
وبعد، فيواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد فيما يتعلق باللباس وهيئته ونوعه والهدي النبوي فيه، وكان ﷺ يحث على نظافة الثياب وحسنها، ويقول: "إن الله جميل يحب الجمال" صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
ومعلوم في هديه من ذلك أنه يلبس ما وجدَ، ومعلوم من هديه لبسه لكثير من الثياب الطيبة والفاخرة، ولبسه لكل ما وجد مما دون ذلك، وكذلك هديه لمتبعِيه بأن يتجنبوا الغالي الرفيع، ويتجنبوا الدنيء الهابط الوضيع، ويأخذوا من الوسط ما استطاعوا لذلك سبيلا.
وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: "البسوا من الثياب ما قيمته خمسة دراهم إلى عشرين درهما"، -يشير إلى الوسط-.
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله ﷺ: "البس الخشن الضيق حتى لا يجد الفخر فيك مساغًا"، أي: لا تجعل لبواعث الكبرياء والفخر في باطنك بابًا، ولا تفتح لها ثغرة، ولا تُفك لها كُوَّة، وإن مثل حالك يحتاج إلى أن تتروّض النفس منك بلبس الدّون من الثياب، "البس الخشن والضيق حتى لا يجد الفخر.."، حتى يعتدل باطنك ولا يجد الفخر والكبرياء سبيلا إلى الوصول إليه، وإلى بعث ضره وشره فيك.
يقول: "البس الخشن الضيق حتى لا يجد الفخر فيك مساغًا"، -لا يجد مجالًا ولا سبيلًا-.
"وكان علي بن حسين -رضي الله عنه- يلبس المسوح على جسده -ثياب أقل- والثياب الناعمة فوق ذلك"، والمراد بالناعمة: المتوسطة، ويقول: "لبسنا المسوح لله.." -جل جلاله- لأجل ستر العورة، وللتواضع، وللزهد فيما بيننا وبينه، "ولبسنا الثياب الناعمة للناس"، أي: لكف شرهم وضرهم، وكف الشر عنه:
-
لئلا نطلب عندهم اعتقاد الزهد فينا.
-
ولا أن نتظاهر لهم بفقر؛ فيحسبون أنّا نسألهم ونريد شيئًا من مالهم، ولا نطلب اعتقادهم فينا أننا زهّاد في هذه الحياة الدنيا.
-
ولا ننكر نعمة الله تعالى علينا فيما أنعم به علينا، ونسَلّمهم من أن يغتَابوا أو يحتقِروا فيقعوا في الخطر.
فلهذا معنى قوله: "للناس"، أي: لسلامة الناس من الشر، وسلامتنا من شرهم وضرهم والآفات التي تحصل عند ظهور الإنسان بالثياب الخشنة الدّون، ومبالغته في ذلك، فمنهم من يلمز بالبخل، ومنهم من يلمز بالرياء، ومنهم من يلمزُ بغير ذلك، ومنهم من يظنّ أنّه يسأل ليُتصدّق عليه، ومنهم من يلمز بالمراءاة والتظاهر بالزهد إلى غير ذلك، وربما مال قلبُه إلى طلب اعتقاد الناس فيه الزهد، فيتضرّر في ذلك بالناس. فقال: من أجل سدّ كل هذا! لبسنا هذه الثياب الناعمة.
ولما دخل أيضًا للزيارة النبوية، الإمام عبد الله بن عمر بن يحيى، وكان عليه جبّة فاخرة ولباس، قال: ثم إنّه لمّا رفع قدمه لاحظوا بعضهم إذا تحته لباس دون، فتعجبّوا. فقال لهم: "هذه الجبة التي دون هي من ثياب الإمام أحمد بن عمر بن سميط، ولبسناها توسلاً وتقرباً للحق واستعطافاً للحبيب، وهذه لبسناها تعظيماً للشعائر، وإكباراً للمقابلة النبوية التي فوقها". صلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وعلى أهل النيات الصالحات، الذين ما التفتت قلوبهم إلى غيره -جل جلاله-، ولا قصدوا سواه.
وكان ﷺ يقول: "من ترك لبس صالح الثياب -أي: غاليها وأرفعها- وهو يقدر عليه تواضعاً لله -عز وجل- دعاه الله -عز وجل- على رؤوس الخلائق حتى يخيّره في حلل الإيمان أيتهنّ شاء، -وفي لفظ- من حلل الجنة يلبس من أيّها شاء"، لأنه ترك ذلك من أجل الله تعالى، وفيه بيانه ﷺ أن البعد عن التفاخر والتكاثر باللّباس من سنته ومن هديه، وأنه معشعش يعشعش فيه الشيطان، ويلعب به على كثير من الناس، حتى يذهب فكره كله في لبسه والمباهاة به، ويظل يتابع الموضات -كما يقولون- وكل ما جابوا له واحدة أخبث من الثانية اشتراها بغالي الثمن، وتباهى بها، ووضع عقله وعمره وفكره كله وراء هذه الخِرَق التي لا تساوي شيء، ولا ترفع صاحبها مكان، ولا توصله إلى منزلة، (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الجمعة:5]، ما تفيده الكتب شيء، ولا يكون عالم بحمل الأسفار، وهذا بلبس الثياب، هذا لا يكون رفيع، ولا يكون شريف، ولا يكون عزيز، وقلبه مضيع، وفكره مضيع، وهو عن ربه مقطوع -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، إنما هي نعمة من الله تعالى، وأمر منه نمتثله، وإظهار للمنّة علينا، ونقتدي ونهتدي بسيدنا وإمامنا ﷺ.
وكان ﷺ يقول: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله عز وجل ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه النار"، -والعياذ بالله- أخرجه أبو داوود.
فالذين يتبعون ثياب الشهرة والتفاخر، هم الذين وقعوا في هذه الورطات التي قد حذّرهم منها رسول الله ﷺ وبيّنها لهم.
فجاءتنا موجات كبيرة على أفكارنا، يتّبعون فيها الشهرة بهذه الملابس، والأغرب والأعجب أن منها ما يخلّ بالمروءة، ومنها ما يخرج عن الجمال الحسّي فضلاً عن المعنوي، ومع ذلك يتفاخرون بها ويتغالون فيها، وهذه لأنها لبس فلان، وربما كان ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ويتبعونه فيها ويفتخرون بأنهم تابعوه -والعياذ بالله تعالى-، انعكاس وانتكاس على أم الرأس وذهاب للعقل -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فإن أردت شرفاً واقتداءً، فحسبك محمّد بن عبد الله ﷺ وأنبياء الله ورسله والصالحين من عباده.
قال: وكان ﷺ يقول: "مَثَلُ الرافل في الزينة أو الرافلة في غير أهلها - أي: في غير محارمها تظهر زينتها للأجانب-، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها". (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النُّور:40]، (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) [يونس:27]، أي: أنّ هذا يؤدي إلى سوء العاقبة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وهو لبس المرأة ثياب الزينة أمام الأجانب، لبس "الزينة أو الرافلة في غير أهلها، في غير محارمها، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها".
"وسيأتي بيان في لبس النساء مزيد من الأحاديث" فيما يتعلق بشأن المرأة، وأين تكون زينتها؟ وكيف تكون زينتها؟ وعمّن تستر زينتها؟.
قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ ) [النور: 31].
ومن المعلوم أن دعوة عدو الله إبليس لبني آدم هي مخالفة هذا المسلك ومضادته، ويعمل لها كثير من البلبلات والدعايات في العالم، يتأثر بها ضعيف الإيمان وناقص العقل من المسلمين.
"وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: "حضرنا عرس علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فما رأينا عرسًا كان أحسن منه حشونا الليف -كان الوسادة حشوها ليف- وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا -وكانت هذه الوليمة- وكان فراشها ليلة عرسها جلد كبش"محشو بليف، فهذا حقها، وايش استبرق من هذا الآن؟.
وخرج منه الكثير الطيب، وكان فيه الثَّقَل القائم مع القرآن، والمرتبط بالقرآن، والثَّقَل كله من هذا العرس، فإيش تعمل هذه الفخفخات والتفاخرات بما لا طائل تحته؟ لا إله إلا الله.
وكان ﷺ يقول: "ما أسفل من الكعبين من القميص أو الإزار في النار"، فلا يجوز إسبال قميص ولا إزار ولا سراويل تحت الكعبين للرجال، هذا مما يختص في حرمته الرجال ويباح للنساء.
قال: فقال له أبو بكر -رضي الله عنه- يومًا: یا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي -لأنه كان نحيف الجسد ويخرج عليه إزاره- إلا أن أتعاهده" بكل ساعة أطلعه وينزل عليه، "فقال: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء"، لا تقصده ولا تريده، وإذا نزل عليك تردّه، فما أنت من أهل هذا الوعيد -عليه رضوان الله تعالى-.
قال: "وكان ﷺ ينهى عن الإسبال في العمامة وهو إطالة العذبة" وهو: إطالة العذبة حتى تخرج إلى السرة، إذا تجاوزت العذبة السرة فهو إسبال محرّم، غاية ما جاء عنه في العذبة ذراع، ما تزيد على ذراع، ما تصل إلى حدود السرة، وأقل العذبة أربع أصابع، وأوسطها شبر، وجاء في بعض الروايات: أن إحدى عذبتيه ذراع، والأخرى شبر ﷺ، كذلك الإسبال في الرداء أيضًا ممنوع ومحرّم، يسبل في الرداء يلبس الرداء إلى تحت الركبة، ما جاوز الركبة من الرّداء إسبال ممنوع محرّم.
وكان طول ردائه ﷺ أربع أذرع ونصف ﷺ، وهذا غاية ما يطول له الرّداء، وعرضه ذراعين ونصف، وكانت تجي الشالات هذه من الباكستان والهند وغيرها، كانت تجي على هذا الذرع، ولأنه تطوروا وقصروها، وكانت تجي من أجل هذا الوارد في السنة أربعة أذرع ونصف طولها، وعرضها ذراعين ونصف، فكان هذا مما حُفظ من قدر ردائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
"وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "رأى رسول الله ﷺ رجلًا مسبلًا إزاره فقال له: اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء ثم قال له اذهب فتوضأ فقال له رجل: يا رسول الله ﷺ مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكتَّ عنه، -ايش سبب الوضوء؟- فقال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل". فأراد بالوضوء يتعرّض للغفران، الغفران تكفير ذنوبه وسيئاته، فيجدد الوضوء ويصلي غير مسبل للإزار، فكان يكره الإسبال للرجال ﷺ.
وكان ﷺ يقول: أبغض الخلق إلى الله تعالى من كانت ثيابه ثياب الأنبياء وعمله عمل الجبارين"،
"وكان ﷺ يقول: أبغض الخلق إلى الله تعالى.." من شابه النبيّين والمصدقين المقرّبين في لباسه، وخالفهم في عمله وفي مسلكه وفي نيته وفي قلبه، فما معه إلا صورة من الصور"، قال: أبغض الخلق إلى الله -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، أبغض الخلق إلى الله تعالى من كانت ثيابه ثياب الأنبياء وعمله عمل الجبارين"، متعالي متجبر متغطرس، وثيابه متواضع كما الزهاد كما الأنبياء.
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ *** فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
(وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ) [الأعراف:26].
إذًا فجاءتنا الشريعة بوسط عجيب، لا تعظيم وتركيز لمجرد اللباس مع الإخلال بالاستقامة، ولا إهمال لشأنه حتى إما أن يُحرَّم ما أحل الله تعالى فيه، وإما أن يُتفاخر ويُتغالى به، فيخرج عن حده، فيعرّض صاحبه للذلّة يوم القيامة، وأن يُلهب فيه النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. وجاءنا بوسط مُعتدل، لا يضحك فيه علينا إبليس ولا جند إبليس في حياتنا، ولا في أفكارنا، ولا فيما نبذل من أموالنا، ونكون على قدوة حسنة ووسط طيب، نقصد وجه الله -جل جلاله-.
وإذا كان أيضًا ورد في الطيب واللباس، كذلك "من تطيّب لله لقي الله يوم القيامة ورائحته أحسن من المسك، ومن تطيّب للناس لقي الله يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة"، فلا تتطيّب إلا لله، ولا تلبس إلا لله، -جلّ جلاله وتعالى في علاه-، هو الذي خلقك، هو الذي خلق لك الثياب، فمن أجله ألبسها كما أحب منك وكما يرضى منك، وما عليك من غيره؟ لا خلقك ولا خلق الثياب غيره -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
قال: "وكان ﷺ ينهى المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها -من الضيّق أو الشفاف- ويقول لها: اجعلي تحت ثوبك غلالة فإني أخاف أن يصف حجم عظامك". فأراد الستر التام ﷺ، فلا يحكي الحجم، ولا يحكي اللون.
-
فلا يكون ضيقًا يحكي الحجم، ولا رقيقًا يحكي اللون، فهذا مقصود الستر.
-
وأما الحجاب، فالمقصود به أن تُستر الزينة، أن تُغطى الزينة للمرأة، فكيف تستعمل حجابًا مزينًا؟
هو شُرع الحجاب لكِ لكي تستري الزينة، وهم أتوا لكِ بحجاب مزين مزخرف يحتاج إلى حجاب فوقه لكي تغطينه، لأنه ما شُرع الحجاب إلا لتستري الزينة، وهذا مزين! هو المقصود تغطيته، هاتي غطاء غطيه، وإلا ايش المقصود إذا صورة حجابك وهو مزخرف؟
يضحكون على عقولهن، يضحكون على أديانهن، يضحكون على معاملتهن للرب -جل جلاله-. فالله يزكي عقول رجالنا ونسائنا حتى لا تغدوا ألعوبة بيد إبليس وجنده، ويكون الهوى تبعًا لما جاء به حبيبه وصفوته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ولما نزلت سورة النور عمد نساء الأنصار إلى مروطهن فشققنها فاختمرن بها على جيوبهن حتى كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية"، سترن وامتثالًا لأمر الله -تبارك وتعالى-: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) إلى آخر ما ذكر، ثم حرّم عليهم تحريك الرِّجل للخلخال الذي فيه، حتى لا يظهر صوته: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) [النور: 31]. زينة مخفية، لكن الصوت حقها يظهر، قال: لا تظهري الصوت، لا تضربي الأرض، يتحرك الخلخال ويُحْدث صوت، وإذا كان هذا الآية صريحة في هذا، فايش الفكر في إظهار الزينة هذه في غير محلها!؟ إلا أن يراد بها الإفساد، ومضادة أمر رب العباد -جل جلاله وتعالى في علاه-، لا تنمُّ إلى عقل ولا وعي ولا تطوّر ولا تقدّم ولا رقيٍّ بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
قال: "وتقدم في باب شروط الصلاة الترخيص للنساء في إسبال الإزار والقميص شبرًا وذراعًا" من عند الكعبين، حرام على الرجل يسبل أي ثوب من ثيابه، والمرأة شبر تأخذ من عند الكعب، تأخذ شبر، فإن زادت فإلى ذراع.
وقلن يا رسول الله نمشي في الطريق فتلتصق النجاسة بثيابنا، ما قال: ارفعن الثياب، قال: يطهره ما بعدها -ما دام النجاسة يابسة وتعدّين على التربة بعدها والأرض بتبعد هذه خلاص- يطهره ما بعده.
قال: ذيل المرأة شبر، فقالت بعض أمهات المؤمنين: إذًا تنكشف أقدامنا يا رسول الله يمكن ما يكفي الشبر، ربما يظهر القدم، قال: فذرَاع لا يزدن عليه. فلا يجوز لها أن تزيد على الذراع، هنا يكون الإسبال محرم عليه، تزيد على ذراع، وهذا إذا كانت تزيد تريد أحد يسحب الثوب من وراها كفاها، فهكذا جاءت الإرشادات النبوية.
قال: "الترخيص للنساء شبرًا وذراع"، وكان ﷺ يقول: "إن المرأة إذا بلغت المحيض لن يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وكانت أم سلمة -رضي الله عنها- لا تضع جلبابها في البيت طلبًا للفضل" ما عاده للخروج في الشارع، حتى وسط الدور، وكان على هذا كثير من خيّرات النساء، وكان إلى أوقات قريبة ليست ببعيدة، النساء في صنعاء وما حواليها تكون وسط البيت بجلبابها الكامل سترًا، لأن في البيت إخوان زوجها، وقد يكون أعمامه، وقد يكون ذلك، فإذا تمشي إلى الحمام أو إلى المطبخ تكون كأنها في الشارع، لابسة زيّها الكامل وحجابها الكامل، إلى أن جاءت الثورات وغيّرت التغييرات، وخرّجت الناس من فوق إلى تحت، الله يصلح أحوال المسلمين، ويحوّل حالهم إلى أحسن حال.
قال: "وكانت أم سلمة -رضي الله عنها- لا تضع جلبابها في البيت طلبًا للفضل، وكان عمر -رضي الله عنه- ينهى الأمة أن تلبس كهيئة الحرائر، وكان ﷺ ينهى لبس العمائم"، كلّ تشبه بالرجال محرّم عليهم، كما أنه محرّم على الرجال كلّ تشبه بالنساء، ليحفظ كل جنس خصائصه ومزاياه، وما يختص به فيكون له.
قال: وكان ﷺ ينهى لبس العمائم وهو اللفافة الكبيرة على الرأس ويقول:"إنما العمائم للرجال"،لا يجوز أن تتشبّه المرأة بالرجل في لباسها، قال: "ودخل ﷺ على أم سلمة -رضي الله عنها- وهي تختمر فقال: "ليّة لا ليتين"، معناه: لا تتشبهين بالعمامة حق الرجال، دعيها ليّه تستر البدن، "يعني لا تكرريه طاقين فأكثر".
قال: "وكان تميم الداري -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ ينهى النساء عن النساء عن لبس القلانس -الكوافي، الطاقيات هذه- والنعال -التي تشابه نعال الرجال يعني-، والجلوس في المجالس والخطر بالقضيب -بحمل العود وحمل العصا لغير المحتاجة لذلك إلا ليكون فيه تشبه بالرجال- ولبس الإزار والرداء بغير درع"، بل إنما تستعمل ما يليق بها ويبعد عن تشبّهها بالرجال.
"وكان ﷺ إذا رأى على أولاده قلادة ذهب أو فضة نزعها" المراد، بأولاده: الحسن والحسين، ومحسّن لم يكبر، محسن الثالث من أولاد فاطمة، ولما جاء وجد قلوبين من فضة زينت بها سيدتنا فاطمة الحسن والحسين، انقبض ورجّعها إلى بيته، ففطنت السيدة فاطمة، فأخرجت القلوبين من ابنيها، وأرسلتها إلى النبي ﷺ، قالت: ضعهما حيث تشاء يا رسول الله، ففرح وجاء إلى بيته ﷺ، وهكذا ربّى خاصته صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وكما سمعتم ما قال في قرابته، وقال ثوبان:" أمرني رسول الله ﷺ أن أذهب بقلادة كانت على فاطمة إلى بني فلان وقال: اشتر لها قلادة من عصب وسوارين من عاج فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا".
لهذا كانت زوجة سيدنا الفقيه المقدم زينب بنت أحمد بن محمد صاحب مرباط، حقها الحلي، لا ذهب ولا فضة، تجعلها من الرشد، هذا يسمونه الرشد أبيض، يصلح منه لونه لون الفضة، وما يساوي شيء من الرشد، وتكتفي بهذا، وزوجها يتصدق في اليوم بأربعمائة رطل، ستمائة إلى ألف رطل يخرجها كل يوم، فهي تقدر تجيب لها ذهب من رأسها إلى قدمها، ولكن اختارت هذا.
قال: "وكان ﷺ إذا وفد عليه أحد من الوفود لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك، وكان ﷺ يصلح طيات عمامته في حب الماء" -يعني الزير الذي فيه الماء فيظهر الصورة في سطح الماء من فوق المجوف، أي: بدل من المرآة إذا لم تكن أمامه، إذا لم تكن المرآة أمامه جاء إلى الماء فيظهر الصورة أثرها في هذا الماء، فتكفي لتحسين العمامة.
"ولما قدم عليه وفد كندة لبس حلة يمانية ولبس أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مثله" وكونها أيضًا يمانية، وهم واردون من اليمن من حضرموت يقال لها كِندة، وكانت إذًا فيها مناسبة.
وكان ﷺ يقول: "حمل العصا علامة المؤمن وسنة الأنبياء"، ولما بلغ الإمام الشافعي أربعين سنة حمل العصا، فقالوا له: لست بضعيف تقوي على المشي بدون عصا، قال: أتذكر أني مسافر، أنا حملتها من أجل السنّة، ولكي أتذكر أنني خارج من الدنيا هذه، لأتذكر أنني مسافر -رضي الله تعالى عنه-.
يقول: "وكان ﷺ إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه"، وهكذا في لبسه الثياب، بل في لبسه النعلين، وفي وضوئه يحب التيامن في شأنه كله، وإذا استجد ثوبًا أو قميصًا أو رداء أو عمامة سماه باسمه ثم يقول: "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صُنِعَ له وأعوذ بك من شره وشر ما صُنِعَ له" ، .
"وكان ﷺ إذا استجد ثوبًا أي أخذ ثوبًا جديدًا- لبسه يوم الجمعة ثم يحمد الله ويصلي ركعتين ويكسو الخَلِق" -الخلق هذا الثوب القديم السابق-، ويكسو الخَلِق، يكسوه أحد -يعطيه أحد- ممن يحتاج إلى لبسه ﷺ.
وهكذا في المحافظة على سنة التيامن، يقول بعض أحفاد الحبيب إبراهيم بن عقيل في آخر أيامه، قال: لمّا جئت أوضيه، فأردت أن أرفع الكمين حقه لليدين، قال: فجئت أرفع اليمنى، قال لي: لا، ارفع كم اليسرى أول، قلت له: ليش؟ قال: لأن هذا نزع، هذا ما هو لباس، اللباس تبدأ باليمين، والنزع تبدأ باليسار، هذا تخرجه وتبعده وتكشف ما هو تلبسها، أرفع أول كم اليسرى، ثم أرفع كم اليمنى، إذا غسلت اليمنى واليسرى، نزل كم اليمنى أول وبعدين كم اليسرى. فدقة الملاحظة للسنّة في آخر عمره، وهو على سرير المرض وفراش المرض، ولا يغفل عن السنّة في رفع الكم ولا في خفضه، وهكذا الأتباع، هكذا الأتباع لأهل مقام الارتفاع.
قال: وكان ﷺ يقول:" لأن يلبس أحدكم ثوبًا من رقاع شتى خير له من أن يأخذ بأمانته ما ليس عنده"، يعني: يستدين. -يعني يستدين ويتكلف-، قال: الموجود معك حتى رقاع من ألوان متعددة، ومن ألبسة متعددة، جمّعها وخلها لك لباس، أفضل لك من أن تستدين لتلبس ثوبًا آخر.
قال: "وسيأتي آخر كتاب النفقات نبذة صالحة تتعلق بالباب إن شاء الله تعالى، والله أعلم".
فالله يرزقنا المتابعة، ويرفعنا مراتب القرب الرّافعة، ويصلح شؤوننا القريبة وَالشاسعة، وشؤون المسلمين في المشارق والمغارب، مع عطاء كبير ومنّ وفير، وسير في خير مسير، وحسن مصير، واستقامة على منهج البشير النذير والسراج المنير، في جميع الأحوال، وارتقاء المراتب العوال، وصلاح أحوال أمته، وكشف الشدائد والبلايا والآفات عنهم، وتحويل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وأن يعظم لنا البركة فيما بقي لنا من رجب، وفي شعبان، ويبلغنا رمضان، ويعيننا على الصيام والقيام، ويحفظنا من الآثام، ويرضينا باليسير من المنام، ويحفظ زائري النبي هود في الذهاب والعود، ويجعل الزيارة في هذا العام من أبرك الزيارات على أهل الأراضين والسموات، والأحياء والأموات، وعلى أهل جميع الجهات، وعلى العوالم مع اللطف والعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
14 رَجب 1446