كشف الغمة 257- كتاب الصلاة ( 147) ما يحل ويحرم من اللباس (6 )
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 257- كتاب الصلاة ( 147) ما يحل ويحرم من اللباس (6 )
صباح الأربعاء 8 رجب 1446
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :
- لباس الأنبياء وتواضعهم
- إظهار النعمة والتوسط في اللباس
- حكم نحت الصور والرسم المخلوقات والجمادات
- ربط النهي عن التصوير بعبادة غير الله وتحدي صنع الخالق
- شروط للنهي عن التصوير عند المالكية
- وجود التصاوير في وسائد أو فرش النبي ﷺ
- صور ملوك على الدنانير في عهد النبي والصحابة
- القول بحرمة الصور المسطحة
- أمر النبي بكسر تمثال
- وضع الصحابة الستر على الأبواب لا الجدران
- الأمر بلبس السراويل تحت الثياب
- طول القميص والتحرز من طوله
- سدل العمامة بين الكتفين
نص الدرس المكتوب :
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه وعنكم ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:
"وكان ﷺ يلبس القلانس اليمانية وهي البيض المضربة، وكانت قلنسوته ﷺ لاطية، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كان على موسى -عليه الصلاة والسلام- يوم کلمه ربه سراویل صوف وجبة صوف وكساء صوف وكمة صوف ونعلان من جلد حمار ميت"، والكمة هي القلنسوة الصغيرة على الرأس، وكانت الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحبون أن يلبسوا الصوف ويحتلبوا الغنم ويركبوا الحمر ويجالسوا الفقراء، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا تزاوروا تجملوا بالثياب الحسنة والرائحة الطيبة، وزار أخ من التابعين أخاه وعليه ثياب من صوف فقال له: هذا زي الرهبان إن المسلمين إذا تزاوروا تجملوا.
وكان ﷺ ينهى عن اتخاذ الستور التي فيها تصاليب أو صور، وينهى عن التصوير لها ويقول: "كل مصوّر في النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفس تعذبه في جهنم"، وكان يرخص في تصوير الشجر وما لا نفس له، قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: وكان بساط كسرى ستين ذراعًا في ستين ذراعًا من كل جانب وكان مربعًا على مساحة الإيوان. وكان مصوّرًا فيه جميع ممالك كسرى وسائر بلادها بأنهارها وأشجارها وقلاعها وسائر حصونها وصفة الزرع والثمار وسائر ما في مملكته فكان إذا جلس على كرسي مملكته نظر في بلاده بلدًا بلدا فيسأل عنه وعمن فيه فيزيل ما يخبرونه به من الظلم، وكانوا قد جعلوا له البساط تذكرة للنظر في أمر مملكته ولما قسم الصحابة -رضي الله عنهم- هذا البساط أصاب عليّ -رضي الله عنه- قطعة قدر شبر فباعها بعشرين ألف دينار"، رواه أبو نعيم.
وكان ﷺ إذا أهديت له ستور فيها تصاوير قطعها وسائد يرتفق عليها ويطؤها، وكان ﷺ يقول: جاءني جبريل فوجد في بيتي كلبًا جروا للحسن والحسين وتمثالًا في ستر فلم يدخل وقال: مر برأس التمثال الذي في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر يقطع واجعله وسائد، ومر بالكلب يخرج، ففعلت ذلك"، وكان ﷺ ينهى عن اتخاذ الستور على الجدران في البيوت ويقول:"إن الله لم يأمركم أن تكسوا الحجارة والطين"، وكان الصحابة -رضي الله عنهم - يرخصون في اتخاذ الستور على الأبواب.
وكان ﷺ يحث على لبس السراويل والأزر ويقول: "خالفوا أهل الكتاب فإنهم لا يتسرولون ولا يأتزرون"، وكان يقول: "اتخذوا السراويلات وحضوا عليها نساءكم إذا خرجن.
وكان ﷺ يأمر بجعل كم القميص إلى الرسغ وهو المفصل، وكان ذيله ﷺ إلى الكعب تارة وفوقه إلى قريب من نصف الساق تارة، وكان إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه، وكذلك كان يفعل بن عمر وسالم والقاسم وعبدالله وغيرهم رضي الله عنهم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة وأحكامها وبيانها على لسان عبده وحبيبه موضحها وإمامها صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى آثاره في جميع شؤونهم إقدامها وإحجامها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين جعلهم الله لمحبته أعلى أعلامها، وعلى آلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،،
فيواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلق باللباس، قال: "وكان ﷺ يلبس القلانس" جمع قلنسوة؛ وهو الذي يقول لها من الكوفية ما يوضع على الرأس "اليمانية وهي البيض المضربة، وكانت قلنسوته ﷺ لاطية، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كان على موسى -عليه الصلاة والسلام- يوم کلمه ربه سراویل صوف وجبة صوف وكساء صوف وكمة صوف -أي: قلنسوة- ونعلان من جلد حمار ميت" أي: مدبوغ؛ أخرجه الحاكم في المستدرك. قال: "والكمة هي القلنسوة الصغيرة على الرأس."
قال: "وكانت الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحبون أن يلبسوا الصوف ويحتلبوا الغنم ويركبوا الحمر ويجالسوا الفقراء" فهديهم -صلوات الله وسلامه عليهم- العبودية للحق تبارك وتعالى والتواضع والخشوع والخضوع -صلوات الله وسلامه عليهم-. قال تعالى في وصفهم (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 90]، فلا خير في مظاهر التكبر ولا التجبر ولا الترفع ولا الادعاءات الباطلات باسم الثقافة والاطلاع والدراية والإدراك، وما حق الملائكة ولا الإنس ولا الجن ومن سواهم من المخلوقات إلا الخضوع؛ إلا التواضع؛ إلا الخشوع وفيه عزهم وشرفهم وكرامتهم، ومن تكبر وضعه الله -تبارك وتعالى- وقمعه؛ "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ومن نازعني شيئًا منهما قصمته ولا أبالي" -نعوذ بالله من غضب الله-.
وهكذا كان مسلك الأنبياء، وكذلك مسلك الملائكة في السماوات والأرض، قال -سبحانه وتعالى-: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)[الأنبياء: 26-28]، فهكذا الملائكة وهكذا الأنبياء، ولكن الكفار والفجار والأشرار والمتجبرون والمتكبرون يرفعون رؤوسهم فتُكسر، وتُعرَّض لجهنم -العياذ بالله تبارك وتعالى-.
فيا فوز من خضع لله وتذلل لعظمته، فذلك الذي يعلو في الحقيقة قدره، ويعظم أمره، ويضاعف أجره، وينور قلبه وقبره، ويطيب له بعثه وحشره، وينال رضوان ربه الأعلى- جل جلاله وتعالى في علاه-.
فلا طريقة لنيل السعادة والعزة إلا بالتذلل. قال بعض الأنبياء لربنا: أين أجدك يا رب؟ قال: "تجدني عند المنكسرة قلوبهم من أجلي". رزقنا الله الخشوع والخضوع والإنابة والخشية و الإستقامة، وسلك بنا مسلك أنبيائه وأصفيائه من صالح عباده، وأعاذنا من فعل أهل النار وفعل الجهال، ومن أوصافهم ومن أفكارهم ومن تصوراتهم الباطلة، وأعاذ جميع أهالينا وأولادنا وذرارينا وطلابنا وأحبابنا وأصحابنا إنه أكرم الأكرمين.
هذا "وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا تزاوروا تجملوا بالثياب الحسنة والرائحة الطيبة" شكرًا لله وإظهارًا للنعمة وخدمة للإخوان، "وزار أخ من التابعين أخاه وعليه ثياب من صوف" -لا لمجرد كونها صوف أنكر عليه، ولكن لإهماله إياها وعدم تنظيفه لها- "فقال له: هذا زي الرهبان إن المسلمين إذا تزاوروا تجملوا." هكذا جاءت الشريعة بالوسط والاعتدال في الأمور، وراعت انكسار القلب والخضوع للعزيز الغفور، وإظهار نعمته بمقدار وسطٍ لا إفراط فيه ولا تفريط.
"وكان ﷺ ينهى عن اتخاذ الستور التي فيها تصاليب أو صور" -التصاليب جمع صورة الصليب- "وينهى عن التصوير لها ويقول: "كل مصوّر في النار يُجعل له بكل صورة صوّرها نفس تعذبه في جهنم" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
فجاء بهذا حكم التصوير:
-
فأما نحت صور ذوات الأرواح فمحرم ولا يجوز.
-
وأشد وأعظم إثمًا ما كان من نحت الأصنام التي تُعبد من دون الله -تبارك وتعالى-.
-
ثم نحت كل ذات روح -نحتها بتجسيمها- أن تكون لها أطراف وجرمٌ يمسك، لا مجرد صورة تُرى؛ فهذا أيضًا تدل الأحاديث على تحريمه من كل ذي روح، وأن صاحبها يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
فتصوير ذوات الأرواح من الحيوانات والناس يحرم بالتجسيم بالاتفاق؛ ومن غير التجسيم على اختلاف.
-
بخلاف صور الجمادات والنباتات؛ فلا يحرم تصوير المنازل والسيارات والسفن والمساجد وبقية الجمادات من الجبال، وكذلك النباتات والأشجار.
-
وبعضهم مال إلى منع تصوير الشمس والقمر بحجة أنها مضاهاة لخلق الله، وأنها عُبِدَتْ أيضًا من دون الله تبارك وتعالى.
هذا وجه؛ والذي عليه العامة هو أن المطلق في الأحاديث مقيد بما ورد من ذوات الروح، وعليه نزل الحديث القدسي يقول: "من أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي" وذلك غير ممكن وإنما هو بشيء من المشابهة، وإلا ما أحد يخلق غيره -سبحانه وتعالى-، (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)[الرعد:16] جل جلاله وتعالى في علاه.
الجمهور يقولون: تصوير الأعشاب والأشجار والثمار وسائر المخلوقات النباتية، سواء كانت مثمرة أو غير مثمرة جائز.
وفي حديث صحيح البخاري: "من صورَ صورةً في الدنيا، كُلِّفَ يومَ القيامةِ أن يَنفخَ فيها الروحَ، وليس بنافِخِه". فتبين أن المقصود ذوات الروح، وليس النباتات والجمادات، يعني: ما فيها روح أصلاً، حتى قالوا: انفخ فيها الروح.
يقول الطحاوي من الحنفية: أن ذات صورة الحيوان لما أبيحت بعد قطع رأسها، كما في حديث جبريل عندنا، بعد قطع رأسها أنها لا تعيش بدونه، قال: دل على إباحة التصوير ما لا روح فيه أصلاً. عندنا في الحديث أمره أن يقطع رأسه من هذه الصورة، والباقي لا يمكن أن يعيش بهذه الصورة.
فمن هنا أيضا جاء الإطلاق في رسم جزء من حيوان، إن كان هذا الجزء ما يمكن أن يكون الحيوان حيًا به؛ كنصف أو كرأس منفصل عن الجسد؛ وأما بالنحت ينبغي الابتعاد عن ذلك.
وأما بمجرد الرسم فالمجال يكون فيه أوسع على اختلاف، إلا أن يصور شيء يُعبد من دون الله -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، أو يصور ما يُكرم وهو حقير عند الله -تبارك وتعالى-، أو أيضًا بالعكس، تصوير شيء محترم بصورة مُزرية للإذلال، فذلك تأتي الحرمة من اعتبارات أخُر لا مجرد التصوير.
فإذن من أهل العلم من جعل تصوير ذوات الأرواح من إنسان وغيره لا يحرُم إلا أن يُصنع صنمًا يُعبد من دون الله، وحملوا جميع ما ورد من النهي عن ذلك على ما يُعبد من دون الله لقوله تعالى ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:95].
وقوله ﷺ في الصحيحين: "إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بيعَ الخمرِ والميتةِ والخنزيرِ والأصنامِ". وقالوا: إن الجان أمروا أن يمتثلوا أمر سليمان، وكانوا يعملون له ما يشاء من المحاريب والتماثيل وجفان كالجواب.
وقوله ﷺ في المصورين الذين يضاهون بخلق الله -لا إله إلا الله-.
يقول الحق تعالى في الحديث القدسي: "ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً"؛ فحملوه على من قصد أن يتحدى صنعة الخالق ويفتخر عليه بأنه يخلق مثله، ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وقال: أخلُق كما يخلق الله، بهذا الصورة هذا متفق على تحريمه من جهة الاعتقاد ومن جهة النية.
كما استدلوا بحديث "أشدُّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامةِ، المصوِّرونَ"، وقالوا: لو كان حرام لكان واحدًا من جملة المحرمات، ما يكون أشد الناس عذابًا إلا شيء شرك وكفر. إذًا المراد المصورين للأصنام الذين ينحتون الأصنام لتُعبد حوله، وكيف يكون أشد الناس عذابًا؟ واحدة من المعاصي، وفي ذنوب كثيرة، والشرك أكبر منه. فإذن المراد بها الشرك. قالوا: ما يكون أشد الناس عذابًا؟ وإنما أشد الناس عذابًا المشركون يوم القيامة، وبهذا استدلوا على أنه إنما يكون التحريم لتصوير ما يُعبد من دون الله -تبارك وتعالى-.
ويقول المالكية وابن حمدون من الحنابلة:
-
إنه ما يحرم إلا أن تكون صورة الإنسان أو الحيوان مما له ظل -تمثال مجسد-.
-
أما إن كانت مسطحة مرسومة لم يحرم ذلك وتكون كاملة الأعضاء، إن كانت ناقصة عضو مما لا يعيش الحيوان مع فقده لم يحرم كما لو صوِّر الحيوان مقطوع الرأس، أو مقطوع البطن، أو الصدر.
-
والشرط الثالث: أن تُصنع الصورة مما يدوم، من حديد أو نحاس أو حجارة أو خشب ونحو؛ وذلك فإن صُنعها مما لا يستمر كقشر بطيخ أو عجين، قالوا: لم يحرم، لأنه عندما ينشف يتقطع، وفيه خلاف عندهم.
فهكذا يقول المالكية وابن حمدان من الحنابلة، كما يقول: المراد بالصورة المحرمة ما كان لها جسم مصنوع، له طول وعرض وعمق، واستدلوا بما جاء في الصحيحين، أن النبي ﷺ قال: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة، إلا رقمًا في ثوب" فهذا الحديث مقيد، يحمل عليه ما ورد منعه عن التصاوير.
وكذلك بما تقدم في الحديث القدسي: "ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً". المقصود بالتصوير مضاهاة خلق الله -تبارك وتعالى-.
وقالوا: إن الله لم يخلق هذه الأحياء سطوحًا، بل اخترعها مجسمة.
ثم ما جاء من وجود التصاوير في بعض الوسائد التي يُجلس عليها أو الفرش في البيت النبوي "كانَ لَنَا سِتْرٌ فيه تِمْثَالُ طَائِرٍ، وَكانَ الدَّاخِلُ إذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ، فَقالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: حَوِّلِي هذا؛ فإنِّي كُلَّما دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا" أخرجه مسلم، فأمر بتحويله، ولم يذكر لها التحريم.
وفي رواية في البخاري: "أَميطِي عني قِرامَكِ هذا فإنه لا تَزَالُ تَصاويرُهُ تَعْرِضُ لي في صلاتي"، وكذلكم كانت الدنانير الرومية والدراهم الفارسية موجودة في عهد الصحابة، عليها صور ملوكهم؛ وما كانت النقود إلا هي تتبادل، إلى أن ضرب سيدنا عمر بن الخطاب بعد ذلك النقود، فكانت النقود الدراهم والدنانير، عليها صور ملوك الروم والفرس، وكانت هي المتداولة بين الناس، وما أنكرها أحد، لا النبي ولا الصحابة -رضي الله عنهم-.
وهكذا جاءت عدد من الاستدلالات لكل من القائلين.
والقول الثالث: أنه يحرم تصوير ذوات الأرواح مطلقًا، للصورة ظل أو ليس لها ظل.
ولاحظوا على الإمام النووي دعوى الإجماه في ذلك، وقالوا: لا يصح دعوى الإجماع فيه، وهو القول الثالث.
والمالكية وابن حمدان من الحنابلة: لا يرون تحريم الصور المسطحة؛ التي ليست بذات جرم ولا نحت فيها، ومع ذلك، يستثنى بعض الحالات إما على اتفاق أو على اختلاف بينهم.
فالتصوير المحرم يعد من الكبائر لما ورد في الحديث عنه.
يقول: "وكان يرخص في تصوير الشجر وما لا نفس له" أي: لا روح له، "قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: وكان بساط كسرى ستين ذراعًا في ستين ذراعًا من كل جانب وكان مربعًا على مساحة الإيوان. وكان مصوّرًا فيه جميع ممالك كسرى وسائر بلادها بأنهارها وأشجارها وقلاعها وسائر حصونها وصفة الزرع والثمار وسائر ما في مملكته فكان إذا جلس على كرسي مملكته نظر في بلاده بلدًا بلدا فيسأل عنه وعمن فيه، فيزيل ما يخبرونه به من الظلم، وكانوا قد جعلوا له البساط تذكرة للنظر في أمر مملكته ولما قسم الصحابة -رضي الله عنهم- هذا البساط أصاب عليّ -رضي الله عنه- قطعة قدر شبر فباعها بعشرين ألف دينار"، غريب هذا القول ونسبه لأبي نعيم هنا، معلق يقول: لم أجده.
"وكان ﷺ إذا أهديت له ستور فيها تصاوير قطعها وسائد يرتفق عليها ويطؤها" -يجلسون عليها- "وكان ﷺ يقول: جاءني جبريل فوجد في بيتي كلبًا جروا للحسن والحسين وتمثالًا في ستر فلم يدخل وقال: مر برأس التمثال الذي في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة، -ما عاد حيوان- ومر بالستر يقطع واجعله وسائد، ومر بالكلب يخرج، ففعلت ذلك".
"وكان ﷺ ينهى عن اتخاذ الستور على الجدران في البيوت ويقول:"إن الله لم يأمركم أن تكسوا الحجارة والطين"، وكان الصحابة -رضي الله عنهم - يرخصون في اتخاذ الستور على الأبواب". لأجل الستر للنظر لا على الجدران، ستر فوق جدار لماذا؟ هو جدا امامك وتصلح فوقه خرقة ليش؟ هذا فعل المترفين، فعل العابثين في الأموال؟ فكانوا يكرهون ستر الجدران، كان الستر الأبواب والنوافذ لا بأس لأجل إذا انفتح يمنع النظر، واما هذا الجدار يلزمه ثياب هو جدار.
يقول: "وكان ﷺ يحث على لبس السراويل والأزر ويقول: "خالفوا أهل الكتاب فإنهم لا يتسرولون ولا يأتزرون" السراويل تحت الإزار والسراويل أيضا تحت القميص وتحت الجبة، "وكان يقول: "اتخذوا السراويلات وحضوا عليها نساءكم إذا خرجن." أي: تحت ثيابهن.
وكانت امرأة تمشي على دابة فوقعت وسقطت، والتفت -صلى الله عليه وسلم- إلى الجهة الأخرى، فقالوا: يا رسول الله، إنها لم يظهر منها شيئًا، كانت عليها سراويل. فقال: "رحم الله المتسرولات من النساء" أي: اللاتي اتخذن السراويل تحت الثياب؛ ما يظهرن في السراويل، ويجعلن السراويل تحت ثيابهن التي تسترهن.
ويقول: "اتخذوا السراويلات وحضوا عليها نساءكم إذا خرجن، وكان ﷺ يأمر بجعل كم القميص إلى الرسغ وهو المفصل، وكان ذيله ﷺ إلى الكعب تارة وفوقه إلى قريب من نصف الساق تارة" فلا يتجاوز الكعب لا ذيل إزاره، ولا قميصه، ولا جبته، ما شيء منها يجاوز الكعب، يكون فوق الكعب، وأحيانًا فوقه إلى قريب من نصف الساق، فالتساهل بلبس القميص المسدل إلى ما تحت الكعب غلط، ينبغي التحرز منه، ويجعله بعض العابثين أنها من الموضة، أن يكون الثوب لتحت يسحب في الأرض، موضة إيه؟ موضة مخالفة الشريعة، أو كيف؟ موضة مشابهة المتكبرين. إيش ذي الموضة؟
"وكان ذيله ﷺ إلى الكعب تارة وفوقه إلى قريب من نصف الساق تارة"، "وكان إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه" -أي: طرفها بالعذبة،- "وكذلك كان يفعل بن عمر وسالم والقاسم وعبدالله وغيرهم -رضي الله عنهم-".
رزقنا الله حسن متابعته والاقتداء به في جميع شؤوننا وأحوالنا، وبلغنا به فوق آمالنا، ونظر به إلينا، وأصلح به ظواهرنا وخوافينا، وفرج كروب أمته، وكشف الشدائد عنهم، وحول حالهم إلى أحسن الأحوال في عافية، ورد كيد المعتدين الظالمين الغاصبين، وقمعهم وقطعهم بما شاء كيف شاء، وهزمهم وزلزل بهم.
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة
14 رَجب 1446