كشف الغمة 254- كتاب الصلاة ( 144) ما يحل ويحرم من اللباس (3 )
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 254- كتاب الصلاة ( 144) ما يحل ويحرم من اللباس (3 )
صباح الأحد 5 رجب 1446 هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- النهي عن لبس الحرير والاستبرق
- هل يجوز استعمال الحرير كالجلوس أو استخدامه كيس؟
- حكم وضع المياثر على السرج الحمر أو الحرير
- الجلوس على كراسي من ذهب
- حكم رقع الحرير في الثوب والأزرار كان مع أسماء بنت أبي بكر جبة للنبي تغسلها للمرضى
- هل جلود السباع طاهرة؟
- حكم لبس جلود السباع وافتراشها
- لبس الحرير المصمت للرجال ومتى يستثنى
- ألوان عمائم النبي ﷺ
- العبرة في الحرير بالقلة والكثرة
- اختيار النبي لأهل بيته الصبر والزهد
نص الدرس مكتوب:
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يلبس الاستبرق فدخل عليه المسور بن مخرمة يومًا فأنكر عليه، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنما كره ذلك لمن يتكبر فيه، فلما خرج المسور قال: انزعوا هذا الثوب عني، وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على المياثر وهي ما يضعه النساء لبعولتهن على الرحال كالقطائف من الأرجوان وهو صبغ أحمر شديد الحمرة، وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على كراسي الذهب، ولما دخل أصحاب رسول الله ﷺ على هرقل أمرهم بالجلوس على كراسي الذهب فامتنعوا وقالوا: نهانا رسول الله ﷺ عن ذلك، وكان ﷺ يرخص في العلم والرقعة من الحرير إذا كانت موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة.
قال شيخنا -رضي الله عنه-: وفي هذا دليل لأصحاب المرقعات في ترقيعهم بالألوان المختلفة، وكان ﷺ ينهى الرجل أن يجعل في أسفل ثيابه أو على منكبه حريرًا مثل الأعاجم، وكان ﷺ يرخص في العصب وهي ضرب من البرود، وكان ﷺ له جبة طيالسية عليها شبر من ديباج كسرواني وفرجاها مكفوفان به وكانت بعد موت النبي الله عند أسماء -رضي الله عنها- تغسلها للمريض يستشفي بها، وكان ينهى غيره عن لبس الثوب المكفوف بالديباج، وكان ﷺ ينهى عن ركوب جلود النمار والسباع، وكان يرخص في لبس قميص الحرير للحكة والقمل، وكان ﷺ يرخص في لبس العمائم من الخز الأسود.
وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يلبسون عمائم الخز كثيرًا وربما كساهم النبي ﷺ منها ثم نهى بعد ذلك عن لبسها، وكان ﷺ يرخص في لبس الثوب الذي سداه حرير وينهى عما كان قيامه حريرًا، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: "كنا ننزع الحرير عن الغلمان ونتركه على الجواري"، ولبست أم كلثوم -رضي الله عنها- حلة سيراء وهو المضلع بالقز، وكان ﷺ يكسي بناته كثيرًا خمر القز والإبريسم فلما كبرت فاطمة صارت تلبس العباءة والكساء، وربما اطلع عليها رسول الله ﷺ لابسة كساء من أوبار الإبل وهي تطحن فيبكي ويقول: "يا فاطمة اصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدًا"."
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكْرِمِنا بهذه الشريعة النَّيِّرة، وبلاغها وبيانها على لسان عبده محمد ﷺ صاحب الصفات الشريفة والمراتب الكبيرة، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار في سيرته خير سيرة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، صفوة الحق من بريته، الدُّعاة إليه على بصيرة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلق باللباس، قال: "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يلبس الاستبرق فدخل عليه المسور بن مخرمة يومًا فأنكر عليه، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنما كره ذلك لمن يتكبر فيه، فلما خرج المسور قال: انزعوا هذا الثوب عني" فكأنه كان يجتهد أولاً أن النهي لأجل التكبّر به، وأما من لا يتكبر به فليس عليه شيء، ثم مال إلى ما قاله الجمهور من أنه يحرم لبس الحرير ومنه الاستبرق مطلقاً، فأمر بنزعه عنه ونزعه، "انزعوا هذا الثوب عني".
"وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على المياثر"، وكما أن لبس الذهب ولبس الحرير حرام على الرجال، فكذلك بقية استعماله، وبقية أنواع الاستعمال للحرير أو للذهب حرام أيضاً، ويكون أيضاً بمنزلة اللباس للحرير أن يجلس عليه، أو أن يستخدمه كيساً له يضع فيه متاعه، إلى غير ذلك.
وجاء في صحيح البخاري عن سيدنا حذيفة -رضي الله تعالى عنه- يقول: "نهانا رسول الله ﷺ أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه"، وهكذا يقول سيدنا علي بن أبي طالب فيما جاء في صحيح مسلم: "نهاني رسول الله ﷺ عن لبس القسي -وهو نوع من الحرير-، وعن الجلوس على المياثر".
وعلى ذلك الجمهور الشافعية والحنابلة وجمهور المالكية، وكذلك الصاحبان لأبي حنيفة.
قال أبو حنيفة وبعض من المالكية: استعماله في نحو افتراش أو وسائد أو نحوها جائز، ولكن الجمهور على خلاف ذلك.
وقال في ذكر المياثر، يقول: "وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على المياثر وهي ما يضعه النساء -لأزواجهن- لبعولتهن على الرحال كالقطائف من الأرجوان" هذا المياثر وأصله: جمع مِيثَرة، وكان من مراكب العجم، يجعلون وِطاء يصنعنه النساء، ويضعنه لأزواجهن على السروج، ويكون أحمر شديد الحمرة غالباً، وقد يكون من الحرير، فإن كان من الحرير فهو حرام، وإن لم يكن من الحرير أيضًا فالجمهور قال أنه ليس بحرام، ولكن يكره ذو الحمرة الخالصة لنهيه ﷺ عن ذلك.
فإذا كان من الحرير، فكما هو الغالب استعمل المياثر من الحرير، وعادتهم كذلك فهي حرام؛ لأنه جلوس على الحرير واستعمال له، وهذا حرام على الرجال.
وإن كانت من غير الحرير، ليست بحرام، وقال: بكراهتها بعض العلماء إذا كان يرى من بعيد كأنها حرير، أو كانت حمراء خالصة. هذه المياثر، قال: "وهو صبغ أحمر شديد الحمرة"، "وكان ﷺ ينهى…. كالقطايف من الأرجوان، وهو صبغ أحمر شديد الحمرة، وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على كراسي الذهب"، ما يجوز الجلوس على كراسي الذهب، ولا اتخاذ مدهن، ولا اتخاذ مكحلة، ولا أي آنية من الأواني.
قال: "ولما دخل أصحاب رسول الله ﷺ على هرقل أمرهم بالجلوس على كراسي الذهب فامتنعوا وقالوا: نهانا رسول الله ﷺ عن ذلك"، ففيه تعظيم الصحابة لأمر الله ورسوله ﷺ، ومواجهتهم بمنهج الله لزعماء الأمم والطوائف في الشرق والغرب، فما يضيعون أوامر الله، ولا يرضخون لعادات ولا لتقاليد، ولا لأنظمة الكفار كائنين ما كانوا.
ولما دخلوا هؤلاء على هرقل وعنده كراسي ذهب، قال: اجلسوا، قالوا: لا نجلس على كراسي ذهب، لماذا؟ قالوا: نهانا رسول الله أن نجلس على كراسي ذهب، ولصدقهم وتمسكهم بدينهم نصرهم الله تعالى، ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7] أمّا من يداهن، ومن يتسرب إلى قلبه تعظيم شيء من أنظمة الكفر أو الكفار، فحري أن لا يُنصر، بل أن يُذل في الدنيا ويُخزى في الآخرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وقال: "وكان ﷺ يرخص في العلم والرقعة من الحرير إذا كانت موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة" فإذا كان في الثوب أعلام من الحرير، وهو غير حرير مثلًا، أو في قطعة في الثوب من غير جنسه أو من غير لونه، يقال لها: علم، يقول الحنفية والشافعية، وكذلك قول عند المالكية: أن أعلام الحرير في الثوب غير الحرير جائزة، إذا كانت مقدار أُصبع أو أُصبعين إلى ثلاثة أو أربعة أصابع.
جاء عن سيدنا عمر أن النبي ﷺ نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربع، وجاء في رواية الإمام أحمد وابن داود، وأشار بكفه الأربع أصابع؛ لأن هذه الأعلام تابعة ليست هي المقصودة.
وقال ابن حبيب من المالكية: لا بأس بالعلم الحرير في الثوب وإن عظم، أما العُرى والأزرار فتجوز وتُباح، كما قال الحنفية والشافعية والحنابلة، وكذلك معتمد المالكية.
يقول: وكان ﷺ يرخص في العلم والرقعة من الحرير إذا كانت موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة"
"قال شيخنا -رضي الله عنه-: وفي هذا دليل لأصحاب المرقعات في ترقيعهم بالألوان المختلفة، وكان ﷺ ينهى الرجل أن يجعل في أسفل ثيابه أو على منكبه حريرًا"، يجعلون عطفًا في آخر الكساء أو في طرفه يلوون عليه من الحرير أو نحوه. ويقول: "ينهى الرجل أن يجعل في أسفل ثيابه أو على منكبه حريرًا مثل الأعاجم".
ويقول: "وكان ﷺ يرخص في العصب وهي ضرب من البرود، وكان ﷺ له جبة طيالسية عليها شبر من ديباج كسرواني وفرجاها مكفوفان به -طرف- وكانت بعد موت النبي الله عند أسماء -بنت أبي بكر- -رضي الله عنها-"، كما جاء في صحيح البخاري ما تعمل بها أسماء بنت أبي بكر "وكانت..تغسلها للمريض يستشفي بها"، إذًا فالصحابة صوفية كبار -رضي الله عنهم-، يحبّون التبرّك، ويمسكون الجبة حقّ نبينا إذا أحد مريض يغسلونها له، هذا تعليم رسول الله، هذه مخرجات على يديه، هذا الرعيل الأول الذي أخرجه ﷺ للأمة، هكذا شأنهم.
جاء في البخاري قالت: "وهذه جبة لرسول الله ﷺ كان يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها" -رضي الله تعالى عنهم-، هذه تربية محمد ﷺ، من غير شك أنه لا يعدو أن يكون ذلك وسيلة وسبب أشرف من سبب الأدوية المختلفة، وسيلة وسبب، كسبب الأدوية المختلفة، والفعّال والشافي واحد هو الله -جل جلاله-، لا إله إلا هو.
قال: "تغسلها للمريض يستشفى بها".
"وكان ينهى غيره عن لبس الثوب المكفوف بالديباج، وكان ﷺ ينهى عن ركوب جلود النمار والسباع".
-
فجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية يقولون: على جلود السباع إذا دبغت صارت طاهرة، لقول الرسول ﷺ: "أيما إهابٍ -أي:جلد- دبغ فقد طهر" كما روى الإمام مسلم.
-
وأبو يعلى الحنبلي يقول: لا يجوز الانتفاع بها قبل الدبغ ولا بعد، لما رُوي من أنه ﷺ نهى عن ركوب النمور، فحمله الجمهور على أنه إذا لم تكن مدبوغة فهي نجسة، أما إذا دبغت فقد طهرت.
وجاء عن المقداد بن عدي أن رسول الله ﷺ كان ينهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها، هكذا جاء في رواية أبي داود، وأنه ﷺ نهى عن افتراش جلود السباع، في الترمذي أيضاً. فكله محمول على ما كان نجساً منه وهو الذي لم يُدبغ، أما الذي دُبِغ فقد طهر بخبره ﷺ، وكذلك عند الحنابلة روايتان للثعالب وجلودها.
وأما الحرير المصمت فاتفقوا على حرمة لبسه للرجال، سواء كان ثياباً، أو غطاءً للرأس، أو اشتمالاً ولو بحائل، أو الجلوس عليه؛ إلا في الحرب يجوز لبس الحرير عند أبي يوسف ومحمد وابن ماجشون من المالكية وعند الحنابلة إذا كانت باللابس حاجة إليه فيجوزونه الحنابلة ويقولون: إذا كان لابسه يحتاج إليه، لأنه يمنع اختراق السيف له، فيزلق منه السيف، ونوع من الحرير ما يصل إليه الضرب فهذا يجوز، وهكذا يقول له الشافعية، قالوا: أيضًا إذا كان لحر أو برد مضرّين أو لجرب، كما رخص ﷺ لبعض الصحابة كان فيه الجرب فأذن له بلبس الحرير، وقال أبو حنيفة كما هو المشهور عند المالكية: لا يجوز لبس ثياب الحرير المطبقة المصمتة الكاملة المطلقان لعموم الخبر.
ثم قال: "وكان يرخص في لبس قميص الحرير للحكة والقمل، وكان ﷺ يرخص في لبس العمائم من الخز الأسود"، وجاء في بعض الأخبار لِبسه للعمامة السوداء ﷺ، وجاء في بعض الأخبار لِبسه للعمامة الخضراء، وجاء لبسه للعمامة الصفراء، والأكثر أن تكون العمامة بيضاء.
يقول: "وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يلبسون عمائم الخز كثيرًا وربما كساهم النبي ﷺ منها ثم نهى بعد ذلك عن لبسها" إذا كانت من الحرير، "وكان ﷺ يرخص في لبس الثوب الذي سداه حرير -طرفه- وينهى عما كان قيامه حريرًا" فالعبرة بالكثرة والقلة، ويقول: إذا كان كثير ممنوع.
"وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: "كنا ننزع الحرير عن الغلمان ونتركه على الجواري -لأنه جائز للنساء- ولبست أم كلثوم -رضي الله عنها- حلة سيراء -أي: من الحرير- وهو المضلع بالقز، -لحرير- وكان ﷺ يكسي بناته كثيرًا خمر القز والإبريسم فلما كبرت فاطمة صارت تلبس العباءة والكساء، وربما اطلع عليها رسول الله ﷺ لابسة كساء من أوبار الإبل وهي تطحن فيبكي ويقول: "يا فاطمة اصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدًا" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهكذا اختار لآل بيته الصبر والزهد، وأبى أن يعطي ابنته وهي أعزّ عليه وأكرم، شيئًا من الخدم الذين يوزعهم وأعطاها التسبيح بدل ذلك، ووزع الخدم على المحتاجين من غيرهم من المسلمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهيأها لما رفعها الله من المقام العظيم، فكانت سيدة نساء أهل الجنة، وكانت أول أهل بيته لحوقًا به ﷺ.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ووقانا الأسواء، وأصلح لنا السر والنجوى، وكسانا حلل التقوى، ولا نزعها عنا أبدا، ورزقنا خِلع التقوى الخمس، الربانيات والرحمنيات، خلعة الأعضاء وخلعة القلوب وخلعة الروح وخلعة السر وخلعة سر السر، يكسونا الله في التقوى أسنى الخلع وأبهاها وأجّلها، ولا ينزعها عنا أبدا، ويجعل ذلك في عافية تامة، يكسونا حلة العافية التامة الدائمة، ولا ينزعها عنا أبدا، ويتولانا بما هو أهله هاهنا وغدًا، ويصلح شؤون الأمة أجمعين.
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة
06 رَجب 1446