(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 205- كتاب الصلاة (96) فصل: في أمر الأئمة بالتخفيف
صباح السبت 2 ربيع الثاني 1446 هـ
فصل في أمر الأئمة بالتخفيف
"كان رسول الله ﷺ ينهي الأئمة عن التطويل بالناس ويقول: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء"، وكان ﷺ يخفف الصلاة مع إتمامها ويقول: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه"، وصلى عمار بن ياسر بالناس فخفف من قراءته في صلاته ومن الطمأنينة فيها فقيل له: لو تنفست؟ فقال: إنما بادرت به الوسواس.
قال ابن عمر: وكان رسول الله ﷺ إذا أمنا بالصافات نرى أنه قد خفف، وكان ﷺ إذا أقيمت الصلاة فرأى الناس قليلاً جلس وإن رآهم جماعة صلى، وكان ﷺ يطول كثيرًا في الركعة الأولى من الصلاة حتى لا يسمع وقع قدم مُساعدةً للمتخلفين ليدركوا الركعة، وكان الظهر يقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي رسول الله ﷺ فيدرك معه الركعة الأولى مما يطولها".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه سيدنا محمد خير الورى صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه الذين رفع الله لهم به قدراً، وعلى من تابعهم بإحسان واقتدى بهم سراً وجهراً، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين رفعهم أعلى الدرجات وكانوا أولى بها وأحرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم؛ إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويشير سيدنا الإمام الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل إلى ما جاء في إرشاد الأئمة الذين يؤمون الناس في الصلوات الخمس، أن يكونوا على قدم اعتدال ومراعاةٍ لأحوال المسلمين تقريباً إلى الحقِ؛ وتحبيباً للعباد إلى الله؛ وتحبيب الرب تعالى إلى عباده؛ ليدوم لهم رغبتهم في الإقبال ويدوم لهم العطاء والإفضال من حضرة ذي الجلال -جل جلاله وتعالى في علاه-.
وقال: "كان رسول الله ﷺ ينهي الأئمة -أي: الذين يأمون الناس في الصلوات- عن التطويل بالناس" وقال: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء".
ومن هنا أخذوا التفريق بين أن يكون المأمومون غير محصورين، ويدخل أي داخل ويصلي معهم وبين أن يكونوا عدد محصورين:
لا يقصر من ذلك فيحرمهم السنن؛ ولا يزيد على ذلك فيشق على الذين يريدون الإسراع.
فيعتدل؛ وفي هذا الاعتدال اعتبارات لأحوال المصلين، فبعض المصلين الاعتدال في حقهم لا يكون اعتدالًا في حق آخرين، وكما أن نفس الصلوات جاء في الحديث تطويل لبعضها وتخفيف لبعضها، فيكون التطويل في المغرب بشيء لا يعد تطويلاً في صلاة الصبح ولا في صلاة الظهر مثلًا.
لان الذي ورد عنه ﷺ في الأكثر أنه كان يقرأ بقصار المفصل في المغرب غالباً، وقد جاء غير ذلك كقرائته لسورة المرسلات وهي آخر صلاة من الصلوات الخمس صلّى بها بالناس في مسجده الشريف، واشتد المرض بعدها فلم يستطيع الخروج لصلاة العشاء فصلى وقرأ المرسلات، وكما جاء عنه انه قد قرأ في المغرب أيضاً بالطور، ولكن غالب قرائته في صلاة المغرب تكون بقصار المفصل، أي من سورة الضحى إلى سورة الناس.
وكما جاء عنه قراءة الكافرون والإخلاص في مغرب ليلة الجمعة يعني مساء الخميس؛ قرأ فيها بالكافرون والإخلاص، فهي إذاً من السنة أن يقرأ الإمام الذي يؤم الناس في المغرب ليلة الجمعة أي مساء الخميس أن يقرأ الكافرون والإخلاص .
كما ورد عنه ايضاً، في السفر قراءة الكافرون والإخلاص في صلاة الصبح لأجل السفر. من هنا ايضاً ذكر أهل الفقه والعلم هل ينتظر الداخل -إذا أحس بداخلٍ- وهو مثلاً في الركوع؟ كما جاء عندنا أنه "كان ﷺ يطول.." في القيام "حتى لا يسمع وقع قدم" -يعني: يكون كلهم اجتمعوا- "مُساعدةً للمتخلفين ليدركوا الركعة" و كما سيأتي معنا في صلاته الظهر.
الشرط لسنية الانتظار:
وكذلك عرفنا مذهب الحنفية والمالكية أنه لا ينتظره؛ وإليه ذهب الأوزاعي، وعرفت عند الشافعية أن الانتظار يكون:
ولكن بشرط أن لا يميز بين الداخلين ولا يفرق، وأن لا يطول الانتظار؛ ويفحش طول الانتظار، ويكون المسبوق قد دخل وسط المسجد -ما هو عاده- صوته خارج.
يقول: "وكان ﷺ يخفف الصلاة مع إتمامها"؛ أي: لا يجوز أن يكون تخفيف الصلاة يؤدي إلى خلل فيها، وإلى ترك الطمأنينة ونحو ذلك مع إتمامها، ويقول أيضا سيدنا أنس: ما رأيت أحدنا أخف صلاة من ﷺ مع إتمام.
وكان يقول: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي" أي: يخفف فيها "مما أعلم من شدة وجد أمه صلاته من بكائه"، وفي هذا رحمته ﷺ وتواضعه عليه الصلاة والسلام ورعايته لنفسيات الناس ولخواطرهم -صلوات ربي وسلامه عليه-.
قال: "وصلى عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه وأرضاه بالناس فخفف من قراءته في صلاته ومن الطمأنينة فيها"، يعني: من طول الركوع والسجود -ما هو ترك الطمأنينة ولا نقص فيها- يعني: خفف من طول الركوع من طول السجود "فقال له: لو تنفست قال: إنما بادرت به الوسواس" حتى لا يصيبهم وسوسة الشيطان من طول الانتظار، فأنا بادرت حتى يكون مشتغلي القلوب بمعاني الأفعال والأقوال متواصلة؛ ولا يجد الشيطان سبيل يوسوس لهم، إن كثير من المأمومين طول الإمام سبحوا في الأفكار وذهبوا في الوساوس، قال: "إنما بادرت به الوسواس"، إبليس الذي يوسوس في صدور الناس.
"قال ابن عمر: وكان رسول الله ﷺ إذا أمنا بالصافات ﴿وَٱلصَّـٰۤفَّـٰتِ صَفࣰّا * فَٱلزَّ ٰجِرَ ٰتِ زَجۡرࣰا﴾ [الصافات 1-2] نرى أنه قد خفف"، فتبين بذلك أن التخفيف له نسبة إلى الأحوال؛ وأحوال المأمومين؛ وأحوال الموقع؛ وأحوال الإمام.
فقال:إذا كان لم يقرأ إلا مثل سورة الصافات، وهذا في مثل صلاة الصبح، قال: رأى أنه خفف الصفات فقد قرأ في صلاة الصبح، "إذا أمنا بالصافات نرى أنه قد خفف"، -سمعت-؛ بينما كثير من الناس يقولون هذا أكبر تطويل؛ هذا يقرأ سورة الصافات! ولكن كانوا يرونه إنه خفيف.
"وكان ﷺ إذا أقيمت الصلاة فرأى الناس قليلاً" أي: إذا حضر وقت الإقامة "فرأى الناس قليلاً جلس" ينتظر مجئ الباقين، "وإن رآهم جماعة" أمر بالإقامة فصلى بهم يراعي أحوالهم. كما كان في صلاة العشاء؛ إذا اجتمع الناس مبكرين خرج لهم، وإن تراخوا ينتظر حتى يتكاملوا فيخرج بعد ذلك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
"وكان ﷺ يطول كثيراً" في الصلاة في "الركعة الأولى من الصلاة" في الغالب "الركعة الأولى في الصلاة يطول حتى لا يسمع وقع قدم مساعدة" لا يسمع حس لمن هو داخل، الذين يعتادون للصلاة حضروا كلهم لم يبقى أحد؛ "مُساعدةً للمتخلفين ليدركوا الركعة".
"وكان الظهر يقام" أي: تقام صلاة الظهر فيؤمهم ﷺ "فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي" ثم يرجع يدرك الركعة الأولى معه، "فيدرك معه الركعة الأولى مما يطولها"، مما يطول الركعة الأولى في الظهر؛ حتى إنه قيل إن أطول صلواته الخمس الظهر وقيل الصبح.
فهي مما يُقرأ فيها بطوال المفصل، وهكذا جاء في رواية الإمام النسائي، عن أبي هريرةَ قالَ: ما صلَّيتُ وراءَ أحدٍ أشبَهَ صلاةً برسولِ اللَّهِ ﷺ من فُلانٍ، قالَ سليمانُ: كانَ يطيلُ الرَّكعتينِ الأولَيينِ منَ الظُّهرِ، ويخفِّفُ الأخيرتَينِ، ويخفِّفُ العصرَ، ويقرأُ في المغربِ بقصارِ المفصَّلِ، ويقرأُ في العشاءِ بوسْطِ المفصَّلِ ويقرأُ في الصُّبحِ بطِوالِ المفصَّلِ.
والمفصل: آخر القرآن الذي يكثر فيه الفصل بالسور، فقيل إنه يبدأ من سورة الحجرات وقيل من سورة ق؛ وقيل من قبلها، هذا هو المفصل:
وأما المصلي متنفلًا وحده فليطول ما شاء ويقرأ ما شاء، كما جاء إنه ﷺ أنه قرأ في ركعة واحدة في قيامه في الليل، وكان خلفه ابن مسعود سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء كلها في ركعة واحدة ﷺ، ولا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل الله الرحمة، ولا بآية عذاب إلا وقف واستعاذ بالله تعالى من العذاب، ولا آية تسبيح إلا سبح، ولا آية استغفار إلا استغفر، ولايزال كذلك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يقول أيضًا المالكية: إنه نُدِبَ تطويل قراءةً بصبح، يُقرأ فيها من طوال المفصل، من الحجرات إلى النازعات وإن قرأ فيها بنحو يس فلا بأس به بحسب التغليس؛ يعني: إذا دخل مبكرًا في الصلاة، والظهر تليها -أي: الصبح- في التطويل؛ يُقرأ فيها من طوالها أيضًا ووسطه.
والتطويل: يكون لفذٍ أو إمام بجماعةٍ معينين محصورين طلبوا التطويل، وندب تقصير القراءة بمغربٍ وعصرٍ يَقرأ فيهما من قصار المفصل،
ويرون أيضًا فيما جاء أنه ﷺ يقرأ في الفجر في الركعتين جميعًا، كان يقرأ نحو أربعين أو خمسين أو ستين آية سوى الفاتحة، وفي رواية عن الحسن يقول ما بين الستين إلى مئة فالمية آيه أكثر ما يقرأ فيهما والأربعون أقل، قال وزعوا الأربعين مثلًا على الركعتين، بأن يقرأ في الأولى خمسة وعشرين وفي الثانية خمسة عشر كمل الأربعين، فيقول بعضهم الحنفية، أن الأربعون للكسالى والضعفاء، وما بين الخمسين والستين للأوساط، وما بين الستين إلى المائه الراغبين المجتهدين.
قالوا: ويقرأ في العصر والعشاء مقدار عشرين آية في الركعتين الأوليين، أو خمس وعشرين على الركعتين.
على كلٍ فهذا نظر الأئمة إلى كيفية القراءة في الصلاة، وبذلك يقولون التخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي ﷺ وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين، ولا اعتبار بالكسالى منهم ولا بالذين لا يحرصون على السنن.
كان رسول الله ﷺ ينهي الأئمة عن التطويل بالناس ويقول: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء"، وكان ﷺ يخفف الصلاة مع إتمامها ويقول: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه"، وصلى عمار بن ياسر بالناس فخفف من قراءته في صلاته ومن الطمأنينة فيها فقيل له: لو تنفست؟ فقال: إنما بادرت به الوسواس.
قال ابن عمر: وكان رسول الله ﷺ إذا أمنا بالصافات نرى أنه قد خفف، وكان ﷺ إذا أقيمت الصلاة فرأى الناس قليلاً جلس وإن رآهم جماعة صلى،
وجاء أيضًا عن ابن عمر كما سمعنا في هذا الحديث يقول: "كان رسولُ اللهِ ﷺ يأمرٌنا بالتخفيفِ وإن كان ليؤمُّنا بالصافاتِ"، يعني: تفسير التخفيف، التخفيف يؤمنا بالصافات، يعني هذا هو التخفيف أن يقرأ سورة الصافات، فإذًا اعتبر القراءة من الصافات من التخفيف.
وينبغي أن تكون القراءة في الركعة الأولى أطول منها في الركعة الثانية، إلى ذلك مالَ المالكية والشافعية والحنابلة، ومحمد بن الحسن من الحنفية؛ قالوا: أنه ينبغي أن يكون تطال الركعة الأولى على الثانية؛ إلا فيما وَرَد:
فما ورد يوقَفْ عنده؛ وما لم يرد فينبغي أن تكون الركعة الأولى قرأتها أطول من قراءة الركعة الثانية؛ كما هو أكثر أحواله صلَّ الله عليه و آله وصحبه وسلم.
لكن الحنفية قالوا: هذا في صلاة الصبح فقط، في صلاة الصبح تكون أطالة الركعة الأولى تكون أطول من الركعة الثانية دون بقية الصلوات، فلا تسن إطالتها؛ والأئمة الثلاثة قالوا في كل الصلوات يسن أن تكون القراءة في الركعة الأولى أطول منها القراءة في الركعة الثانية، وحصر ذلك الحنفية -غير محمد بن الحسن- حصروه في الصبح لما جاء إنه يطيل الصبح، ولكن سمعت أيضًا في الحديث يطيل الأولى في صلاة الفجر، وسمعت في الحديث ايضًا إطالته الأولى في صلاة الظهر، ولذا لم يفرق الأئمة بين الصلوات الخمس، وقال الحنفية: إنما تطويل الأولى قراءة الأولى على الثانية مخصوص بصلاة الصبح، والله أعلم.
الله يرزقنا إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضيه، وأن نتابع فيه خير خليقته محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله، ويكتب لنا القبول في صلواتنا وأدائها على الوجه الأحب، ويكتب لنا -سبحانه وتعالى- ثمرة الصلاة ونور الصلاة، و حقيقة الصلاة وبركة الصلاة، وخير الصلاة والتحقق بحقائق الصلاة، ويجعلنا من مقيمي الصلاة، ويجعل أهلينا من مقيمي الصلاة، ويجعل أولادنا من مقيمي الصلاة، ويجعل طلبانا من مقيمي الصلاة، ويجعل قرابتنا من مقيمي الصلاة، ويجعل جيراننا من مقيمي الصلاة، ويرزقنا حسن إقامتها على ما هو أحب إليه، وأرضى له في لطفٍ وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة
02 ربيع الثاني 1446