كشف الغمة -184- كتاب الصلاة (75) باب صفة الصلاة -27- فصل: صلاة الوتر

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (75) باب صفة الصلاة -27- فصل: صلاة الوتر

صباح الأحد 8 محرم 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  هل صلاة الوتر سنة أم واجبة؟ 
  •  عدد ركعات الوتر
  •  سنة القنوت في الوتر
  •  أفضل وقت لصلاة الوتر
  •  إن الله وتر يحب الوتر
  •  هل الوتر من قيام الليل؟ 
  •  هل الأفضل أن نسلم من كل ركعتين؟
  •  حديث: الوتر ركعة من آخر الليل
  •  صلاة النبي 13 ركعة
  •  قرأ ﷺ سورة البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة
  •  قال العلماء: حقيقة الوتر ركعة واحدة
  •  الأفضل في افتتاح صلاة التهجد
  •  لماذا سُن تخفيف الوتر؟
  •  صلاته ﷺ بعد أن أسنّ

نص الدرس مكتوب:

فصل في الوتر 

"قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يحثنا على صلاة الوتر من غير أن يعزم علينا ويقول: "الوتر حق لا واجب فأوتروا يا أهل القرآن"، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنها سُنة سنَّها رسول ﷺ، وكان ﷺ يقول: "إن الله وتر يحب الوتر ومن لم يوتر فليس منا"، وكان ﷺ يقول: "الوتر أول الليل مسخطة للشيطان وأكل السحور مرضاة للرحمن".

وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: من أصبح على غير وتر أصبح على رأسه خنزير قدرَ سبعين ذراعاً، وكان ﷺ يقول: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الفجر أوتر بواحدة"، قيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: يسلم من كل ركعتين، وكان -رضي الله عنه- يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر ليأمر ببعض حاجته ثم يرجع إلى الصلاة، وكان ﷺ يقول: "صلاة المغرب وتر النهار"، وكان ﷺ يقول: "الوتر ركعة من آخر الليل"، وكان ﷺ يوتر بثلاث وتارة بخمس وتارة بسبع وتارة بتسع وتارة بإحدى عشرة وتارة بثلاث عشرة. 

قال العلماء وحقيقة الوتر إنما هو ركعة واحدة فكان ﷺ تارة يوترها بعد ركعتين زيادة على سنة العشاء وتارة بعد أربع، وكان ﷺ إذا قام يتهجد من الليل يجعلها آخر ما يصلي، وكان معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كثيرًا ما يوتر بركعة من غير زيادة فأُخْبِرَ بذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- وقيل له إن معاوية يوتر بركعة واحدة فقال: دعوه فإنه قد صحب النبي ﷺ ولم ينكر عليه في اقتصاره على ركعة، وكان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- يوتر بركعة، وكذلك تميم الداري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم-.

وكان عثمان -رضي الله عنه- يحيي الليل كله بركعة واحدة، قال أنس -رضي الله عنه- رضي الله عنه: وكان رسول الله ﷺ يسلم من كل ركعتين، وتارة يتشهد فيما قبل الأخيرة ولا يسلم ثم يأتي بالأخيرة ويتشهد ويسلم، وكان ﷺ إذا أوتر بثلاث تارة يفصل وتارة يصليها كالمغرب فلما فعله الناس نهى عن وصلها وقال : "أوتروا بخمس ولا تشبَّهوا بصلاة المغرب"، وكان ﷺ إذا أوتر بثلاث يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بالإخلاص.

 وسُئلت عائشة -رضي الله عنها-: متى كان رسول الله ﷺ يقوم من الليل وبماذا كان يوتر؟ فقالت: كان ﷺ يقوم إذا سمع الصارخ يعني: الديك؛ فيصلي عشر رکعات ويوتر بركعة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة، وفي رواية فقالت: كان ﷺ يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين ثم يصلي إحدى عشرة ركعة فذلك ثلاث عشرة ركعة، وفي رواية فقالت: كان رسول الله ﷺ لا يزيد في صلاة الليل في رمضان وغيره على إحدى عشرة ركعة يوتر بالأخيرة منها وهو قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾ [الإسراء: 79]، وفي رواية فقالت: كان رسول الله ﷺ يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، وتارة كان ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن فلما أسنَّ رسول الله ﷺ وأخذه اللحم كان يوتر بسبع يجلس في السادسة ولا يسلم ثم يأتي بالسابعة ويسلم، وتارة كان يصلي السبع لا يجلس إلا في آخرهن. 

قالت: -رضي الله عنها- وكان لا يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه، وكان إذا غلبه نوم أو وجع منعه عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، قالت: ولا أعلم رسول الله ﷺ قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح وكنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله تعالى متى شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، قالت وكثيرًا ما كان يوتر بتسع يجلس في الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو جالس فتلك إحدى عشرة ركعة".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة العظيمة، وبيان أحكامها على لسان عبده وحبيبه محمّد، الهادي إلى الطريقة القويمة، اللهم أدم صلواتك على عبدك المختار سيدنا محمّد، من أَذِنت بتقديمه وتفضيله على من سواه، وعلى آله وصحبه الهداة وعلى من اتبعه ووالاه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك سادات كل منيبٍ أواه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

وبعدُ،،

فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل ما يتعلق بصلاة الوتر، وهي من آكد الصلوات النوافل والمسنونات والمستحبات والمقرِّبات إلى الحق -جلّ جلاله-، وعدّها بعض أهل الفقه في الرّواتب لأنها متعلقة بصلاة وهي صلاة العشاء؛ فلا تصحّ إلا بعد فعل صلاة العشاء.

فقال الحنفية والمالكية: إنها من رواتب الصّلاة.

وقالوا المالكية: هي آكد الرواتب.

وكذلك يقول الحنابلة: أنها آكد الرواتب صلاة الوتر.

والمعتمد عند الشافعية؛ أنها من غير الرواتب المتعلقة بالصلاة، فهي صلاة مستقلة. 

وكذلك في قول عند الحنفية: هي صلاة مستقلة؛ لكنها لا يصح الدخول فيها إلا بعد أداء فريضة العشاء، كما سيأتي معنا في الفصل الذي بعده وقت صلاة الوتر.

صلاة الوتر: 

قال الإمام أبو حنيفة بوجوبها، وعبّر صاحباه محمد والحسن أنها مسنونة، وقالوا: إنما أرادوا بقول مسنونة أنه ثبت وجوبها في السنة وليس بالقرآن، وأنه لا يكفر جاحدها كما هو معلوم، فقال في المعتمد عند أبي حنيفة: أنها واجبة، فمن طلع عليه الفجر ولم يصلّي ثلاثًا من الوتر أَثِمَ، ووجب عليه القضاء.

فال الجمهور: أنّها سنّة ليست بواجبة، واستدلوا بما جاء في الصحيح: أنه لمّا قال للسّائل عن الصلاة، قال: خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلّا أن تطّوّع، أن تطّوّع بما زاد على الخمس الصّلوات، فجعلها ما بقي منها ومنها الوتر من باب التطوع.

قال الإمام محمد ابن حنبل: إنها آكد الرواتب وأنّ الذي يتركها مسيء، ولا ينبغي أن تُقبل شهادته، ما تكون مقبول الشهادة عند القاضي وعند الحاكم؛ لإهماله صلاة الوتر.

والواجب عند الحنفية ثلاث ما يصح واحدة، لابد يصلّي ثلاث ركعات صلاة الوتر فيسقط بها الإثم عنه بصلاة ثلاث من الوتر. 

  • وأقلّها عند غيرهم واحدة.
  • وأدنى الكمال ثلاث.
  • وأكملها إحدى عشرة ركعة.

تُصلَّى إما ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا أو إحدى عشرة ركعة، ففي الليلة الواحدة لا يزيد بنية الوتر على إحدى عشرة ركعة. 

 

"قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يحثنا على صلاة الوتر من غير أن يعزم علينا" -أي: من غير أن يفرضها- ويقول: الوتر حقٌ لا واجب فأوتروا يا أهل القرآن". وهكذا تعدّد حثه ﷺ على أداء صلاة الوتر.

ويُسنّ فيها القنوت:

  • عند الشافعية في النصف الأخير من رمضان.
  • وقيل كما قال الحنفية: يسنّ القنوت في الوتر طول العام في ليالي السنّة كلها، يقنت في الوتر؛ إلّا أن القنوت عندهم في آخر القيام في الركعة الثانية، يكبّر ويدعو.
  • وكذلك عند المالكية القنوت في صلاة الصبح قبل الركوع.
  • قال الشافعية: القنوت بعد الركوع في الاعتدال يقنت.

ومنه الدّعاء الذي علّمه ﷺ لسيدنا الحسن ابن علي: اللهم اهدني في من هديت وعافني في من عافيت…" إلى آخره.

 

قال: "وكان علي -رضي الله عنه- يقول: الوتر ليس بحتم -أي: بفرض- كهيئة المكتوبة ولكنها سُنة سنَّها رسول ﷺ"، رزقنا الله المحافظة عليها.

قالوا: 

  • ومن وثِق بقيام الليل وكان من عادته فالأفضل أن يجعل الوتر من آخر الليل.
  • ومن لم يثق من قيام الليل فالأفضل أن يصلّيَ الوتر قبل أن ينام، كما أوصى ﷺ سيّدنا أبا هريرة أن يُوتر قبل أن ينام.
  • فإذا أوتر قبل أن ينام ثم استيقظ من الليل فأراد أن يكمل الوتر فله ذلك، فإذا أوتر بثلاث فقد بقي له ثمانٍ من كمال الوتر، فيصلي ركعتين أو أربعًا أو ستًا أو ثمانية.

 

ويقول: " وكان ﷺ يقول: "إن الله وتر يحب الوتر ..والوتر: الفرد الواحد، فمعنى "إن الله وتر" أي: واحد، "يحب الوتر" أي: صلاة الوتر، "ومن لم يوتر فليس منا" وهو من أدلة الوجوب عند أبي حنيفة، فمن لم يوتر فليس منا".

قال: "وكان ﷺ يقول: "الوتر أول الليل مسخطة للشيطان وأكل السحور مرضاة للرحمن".

 

"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: من أصبح على غير وترٍ أصبح على رأسه خنزير قدر سبعين ذراعًا"، إشارة إلى تسلّط الشيطان عليه وإلى دنائته، "وكان ﷺ يقول: "صلاة الليل مثنى مثنى" ومن الفقهاء من أخذ وجوبًا أن تكون مثنى، ولكن جاء في الرّوايات: أنه صلّى أربعًا، "مثنى مثنى فإذا خفت الفجر أوتر بواحدة".

ثم هل هي أيضًا صلاة التهجد صلاة قيام الليل أم كونها من قيام الليل؟ 

نعم؛ فكل صلاة تُؤدى في الليل وطاعة فهي من قيام الليل، وأما التهجد: فما كان بعد نوم، إذا نام ثم استيقظ فيبدأ التهجد؛ لأن التهجد معناه ترك الهجود -التهجد- الهجود: هو النوم، فالتهجد ترك الهجود، كما يقولون حدث بكذا تأثّما أي: بعدًا عن الإثم وتركًا للإثم وخوفًا من الإثم، يتركوا الإثم، وتهجّد أي: يتركوا النوم، قم من النوم.

  • فإذا نام فهي صلاة التهجد وهي صلاة وتر.
  • وإذا لم ينام بعد فهي صلاة قيام صلاة وتر، وليست بتهجد حتى ينام أولًا ثم يستيقظ فتصير الصلاة بعد ذلك تهجدًا.

قال الله لحبيبه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79]، وفيها إشارة إلى أن رفعة الدرجات عندها تأتي من أقوى أسبابها قيام الليل والتهجد، ولهذا يقولوا: أهل المحافظة على التهجد من أقرب الناس من صاحب المقام المحمود، (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79]، لما ذكر التهجد ذكر المقام المحمود.

 

وقال: "قيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: يسلم من كل ركعتين".

قال الشافعية: يجوز وهو الأفضل أن يسلم من كل ركعتين، ويجوز أن يصلي أربعًا أو ستًا بتسليمة واحدة، أو ثمانيًا أو عشرًا أو إحدى عشر أو سبع أو ثمان بتسليمة واحدة، بتشهد واحد أو بتشهدين.

عند الحنفية: ثلاث ركعات يتشهد في الركعة الثانية ثم يقوم إلى الثالثة من دون أن يسلم.

قال المالكية: يسلم من الركعتين، ثم يفرد الركعة مستقلًا ويسمونه الشفع والوتر، أن الركعتين شفع وهذه وتر، فيسلم من الركعتين لابد من ذلك عندهم.

قال الشافعية والحنابلة: يجوز أن يصِلَ بينهما؛ بين الركعتين والثالثة، ويجوز أن يفصل، بأن يسلّم ثم يقوم.

والفصل أفضل عند الشافعية بأن يسلم من الركعتين ثم يصلي ركعة وحدها، كما هو واجب عند المالكية أن يفصل وعند الحنفية لا، بل يصِلَ بينها ولا يصح أن يفصل، فإنما يتشهد على سبيل السنّية، سنة أن يتشهد في الركعة الثانية ويقوم إلى الثالثة من دون أن يسلم.

 

قال: "وكان -رضي الله عنه-.." يعني: ابن عمر "يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر.." يعني: يجعل الركعة مستقلة وحدها، ويسلم من الركعتين ليأمر ببعض حاجته، ثم يرجع إلى الصلاة فيصلي للركعة الأخيرة.

 

"وكان ﷺ يقول: "صلاة المغرب وتر النهار"، لأنها تأتي عند إدبار النهار وإقبال الليل.

ومن هنا قال الحنفية: أن وتر الليل يشبه وتر النهار، فيصلي ثلاث ركعات كصلاة المغرب

وقال الهادوية: ينبغي أن يصليها الثلاث وصلًا من دون أن يتشهد؛ حتى لا تشبه المغرب، من دون أن يتشهد التشهد الأول، ولكن تشهد واحد.

يقول: وكانﷺ يقول: "الوتر ركعة من آخر الليل" وهو أفضل فأن يختم صلاته في الليل، وقيامه بالليل بالوتر هو الأفضل.

وصلِّ له واختم صلاتك بالوتر

 

"وكان ﷺ يوتر بثلاث وتارة بخمس وتارة بسبع وتارة بتسع وتارة بإحدى عشرة وتارة بثلاث عشرة"، ثلاثة عشر إذا أُضيف إليها سنة العشاء البعدية، فتصير مع الوتر إحدى عشر ثلاثة عشر، ولم يكن في عامة لياليه يزيد في العدد في الركعات على هذا إلا أنه كان يُطيل القيام، ويُطيل الركوع والسجود ﷺ.

وذكر في طول قيامه عَنْ حذيفة ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ ﷺ، ذاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَح البقَرَةَ، فقلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ: يُصَلَّي بِهَا في ركْعَةٍ، فمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَح النِّسَاءَ فَقَرأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَها،.. إلى آخر الحديث، وعَن ابنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: صلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَيُلَةً، فَلَمْ يَزلْ قائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرٍ سُوءٍ. قَيل: مَا هَممْت؟ قَالَ: هَممْتُ أَنْ أَجْلِس وَأَدعهُ.

فهذا في ركعة واحدة قرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة من تهجده ﷺ ومن وتره، إلا ما جاء عنه في رواية عند مالك في الموطأ وغيره، في رمضان أنه صلّى بهم عشرين ركعةً دون الوتر -أي: صلاة قيام رمضان- أما الوتر فهذا ما كان يزيد على إحدى عشر ركعة، فإذا أُضيف إليها سنة العشاء كان ثلاثة عشر، وقد يصلّي بعد الوتر ركعتين أخرى تصير ثلاثة عشر؛ لكن الوتر يتقدم، مع أن المستحب أن يختم بالوتر؛ ولكن صلاة ركعتين بعد الوتر لبيان الجواز؛ وأنه لا يجب الختم بالوتر؛ وأنه يجوز نصلي بعدها؛ فلبيان الجواز صلّى في بعض لياليه ركعتين بعد أن أوتر ﷺ.

 

"قال العلماء: وحقيقة الوتر إنما هو ركعة واحدة فكان ﷺ تارة يوترها بعد ركعتين زيادة على سنة العشاء -البعدية فتصير ثلاث- وتارة بعد أربع -فتصير خمس-، وكان ﷺ إذا قام يتهجد من الليل يجعلها آخر ما يصلي"في غالب أحواله، وقد سمعت أنه في بعض لياليه صلّى بعد أن أوتر ركعتين، "وكان معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كثيرًا ما يوتر بركعة من غير زيادة فأُخْبِرَ بذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- وقيل له إن معاوية يوتر بركعة واحدة فقال: دعوه فإنه قد صحب النبي ﷺ -يعني: يعرف المسألة- ولم ينكر عليه في اقتصاره على ركعة".

قال الشافعية: ويُكره أن يواظب على ركعة واحدة، أقل شيء ثلاث، ولا يخرج من الإثم عند الحنفية إلا بثلاث، ثلاث ركعات من الوتر.

"وكان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- يوتر بركعة، وكذلك تميم الداري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم"، ولكن هذا الكلام عن هؤلاء يُحمل أنه بعد أن يصلّوا ركعات، ثم يوترون بركعة مستقلة، لكن يتقدم قبلها ركعات.

 

"وكان عثمان -رضي الله عنه- يحيي الليل كله بركعة واحدة"، يطيل فيها، قد يقرأ الختمة كلها في ركعةٍ واحدة سيدنا عثمان بن عفان، فكان له ترنّم بالقرآن، وكان من حفظة كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وكان يقول: لو طَهُرت قلوبنا ما شبعَت من كلام الله.

"قال أنس - رضي الله عنه- : كان ﷺ يسلّم من كل ركعتين" كما هو الغالب، وجاء في الصحيح عندنا أنه: "صلِّي أربعًا فلا تسأل عن حسنِهنَّ وطولِهنَّ ثمَّ يصلِّي أربعًا فلا تسأل عن حسنِهنَّ وطولِهنَّ" ، ولكن الغالب أنه يسلّم من كل ركعتين، "وتارة يتشهد فيما قبل الأخيرة ولا يسلم ثم يأتي بالأخيرة ويتشهد ويسلم"،  وهو ما عليه الاستحباب عند الحنفية، أو إقامة الوتر على هذه الكيفية.

 

"وكان ﷺ إذا أوتر بثلاث تارة يفصل وتارة يصليها كالمغرب فلما فعله الناس نهى عن وصلها وقال : "أوتروا بخمس ولا تشبَّهوا بصلاة المغرب""، ومن هنا قال الهادوية: أنه يصلّيها بتشهد واحد حتى يفرق بينها وبين المغرب، وقال الحنفية: بل هذا الوتر كوتر النّهار، المغرب وتر النهار وهذا وتر الليل كمثله بتشهدين، الأول مسنون والثاني واجب.

"وكان ﷺ إذا أوتر بثلاث يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بالإخلاص"، وفي رواية بالإخلاص والمعوذتين، وعند الحنابلة يقتصرون على الإخلاص وحدها، ولا يأتون بالركعة بل بالمعوذتين، وعند الشافعية يسن أن يأتي بالإخلاص والمعوذتين في الركعة الثالثة كما جاء في رواية.

 

"وسُئلت عائشة -رضي الله عنها-: متى كان رسول الله ﷺ يقوم من الليل وبماذا كان يوتر؟ فقالت: كان ﷺ يقوم إذا سمع الصارخ يعني: الديك؛ فيصلي عشر رکعات ويوتر بركعة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة، 

وفي رواية فقالت: كان ﷺ يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين.."  فيسنّ للمتهجد إذا قام من النوم أن يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين، يقرأ فيهما آية (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) [النساء:64]، أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، فيستغفر ثلاثًا، ثم يقرأ الكافرون ويركع، في الركعة الثانية يقرأ آية (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:110] ويستغفر الله ثلاث مرات، ويقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ويركع، فهذا الأفضل في افتتاح صلاة التهجد.

قالوا: وإنّما السنّة تخفيفهما لماذا؟ 

قالوا: لحكمة من جملة الحكم لأن الشيطان يعقد على رأس ابن أدم عند نومه ثلاث عقد، فإذا قال انتبه من نومه وذكر الله انحلّت عقدة، فإذا توضأ انحلّت الثانية، فإذا صلى ركعتين انحلت العقد كلها فيصبح طيّب النفس نشيط الجسم، لأجل هذا يخفّف الركعتين لتنحل العقد كلها، وبعدين يطوّل في الصلاة، لكن أولا تفتك العقد كلها بالذكر والوضوء وصلاة ركعتين، صلاة الركعتين يخففهما بهذه الصورة التي ذكرناها، في الركعة الأولى يقرأ آية (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) [النساء:64]، ويأتي بها بعض العلماء والأولياء من أولها، يقول:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) [النساء:64]، فيستغفر ثلاثًا، ويقرأ (يَآ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، في الركعة الثانية إذا كمّل الفاتحة يقرأ آية (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:110]، ويستغفر ثلاثًا ويقرأ سورة الإخلاص، فهذا افتتاح التهجد، "كان ﷺ يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين، ثم يصلي إحدى عشرة ركعة فذلك ثلاث عشرة ركعة وفي رواية فقالت: كان رسول الله ﷺ لا يزيد في صلاة الليل في رمضان وغيره على إحدى عشرة ركعة يوتر بالأخيرة منها وهو قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ﴾ [الإسراء: 79]، وهذا ما شاهدته عائشة، والمروي عنه أيضاً في صلاة مدة ليلتين أو ثلاثة لما صلّى بهم التراويح أنه صلّى عشرين، وقيل: إحدى عشرة ركعة، وأجمع الصحابة بعد على صلاة العشرين في رمضان، وعليه الأئمة الأربعة أن الأفضل صلاة عشرين ركعة من التراويح، وإنما طرأ عليها اسم التراويح: لِما كانوا يُطيلون القيام حتى يراوحوا بين أرجلهم، فسمّيت صلاة التراويح، أن يستعجلون ويسمّونها صلاة تراويح، وهم لا راَوحوا بين أرجلهم من طول القيام ولا شي، بقي الاسم مسحوب عليه صلاة التراويح، وهي صلاة قيام رمضان المخصوصة بقيام رمضان لا صلاة الوتر المعتادة في طول العام؛ الوتر المعتاد طول العام غير التراويح، هذه مخصوصة برمضان صلاة التراويح.

 

قال: "وهو قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79]، وفي رواية فقالت: كان رسول الله ﷺ يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، وتارة كان ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن" فيه أنّه صلّى الخمس بتسليمة واحدة؛ بل بتشهدٍ واحد وتسليمة واحدة. 

"فلما أسنَّ رسول الله ﷺ وأخذه اللحم كان يوتر بسبع يجلس في السادسة ولا يسلم ثم يأتي بالسابعة ويسلم "  فيه أنه تسليمة واحدة وتشهدين، فإذًا تعدّدت الروايات وكله جائز، "وتارة كان يصلي السبع لا يجلس إلا في آخرهن" أي: بتشهد واحد وذلك جائز، ولكن يقول المالكية وغيرهم: لابد أن يسلّم من الركعتين كما هو عند الشافعية في التراويح، لابد أن يسلّم من كل ركعتين، أما في الوتر والضحى يجوز أن يصلّي الأربعة والست والثمان بتسليمة واحدة. 

قالت: -رضي الله عنها- وكان لا يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه -أي: من ورده من الصلاة والقراءة- وكان إذا غلبه نوم أو وجع منعه عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، قالت: ولا أعلم رسول الله ﷺ قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح -فلا بد ينام في شيءٍ من أول الليل أو وسطه أو آخره- وكنا نعد له سواكه وطهوره -الماء الذي يتوضأ به- سواكه وطهوره -يعني: قريبة من المكان الذي ينام فيه- فيبعثه الله تعالى متى شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك -أول ما يبدأ به إذا انتبه من الليل استعمال السواك- ويتوضأ، قالت وكثيرًا ما كان يوتر بتسع يجلس في الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة -إذًا فتعددت الكيفيات والهيئات- ويسلم ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم -هذه ركعتين بعد ما قد أوتر- وهو جالس فتلك إحدى عشرة ركعة"، الركعتين هذه الأخيرة صلاها وهو جالس أيضًا لبيان الجواز ي فالجلوس في النافلة أو لكونه قد أسنّ وكبر فشقّ عليه القيام، فصلّاها من جلوس ركعتين بعد الوتر.

 

عمر الله ليالينا وأيامنا بطاعته، وجعلنا من مقتفي أثر حبيبه ﷺ المستنين بسنته، وأكرمنا بشريف مرافقته، ودفع به عنه كل سوء أحاط به علمه في الدنيا والآخرة.

 

 

 بسرِّ الفاتحة

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،

 

الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

08 مُحرَّم 1446

تاريخ النشر الميلادي

14 يوليو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام