كشف الغمة -109- كتاب الصلاة (2) أمر الأولاد بالصلاة وعلامات البلوغ
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (2) أمر الأولاد بالصلاة وعلامات البلوغ
صباح الأحد 11 جمادى الآخرة 1445هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- حُسن تربية الأولاد من أعظم المهمات
- حديث: مروا أبناءكم بالصلاة إذا ثغروا
- معنى: وفرِّقوا بينهم في المضاجع
- ضوابط (واضربوهم عليها وهم أبناء عشر)
- رؤوس الحقوق المتعلقة بالأبناء
- مهمة التربية والتأديب
- حق التأديب والتزويج والإحجاج
- من تربية الصحابة للأبناء
- متى يكون ضرب الأبناء ومتى يمنع؟
- فعل بعض الأخيار عند بلوغ أبنائهم
- يرفع القلم عن ثلاثة
- لا ينبغي الضرب لتعليم القرآن
- هل على المُرتد قضاء الصلوات؟
- ما هي علامات البلوغ؟
نص الدرس مكتوب:
كتاب الصلاة
"فرع: "وكان ﷺ يقول : مروا أبناءكم بالصلاة إذا ثغروا" وفي رواية "أو أثغَروا"، وفي رواية: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"، وفي لفظ "أولادكم"، وفي رواية : "وهم أبناء ثلاث عشرة سنة وفرقوا بينهم في المضاجع"، قال جعفر الصادق: لا يفرقُ إلا بين الذكور والإناث إذا اجتمعوا، وأما الذكور فقط والإناث فقط لا يفرق بينهم .
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أدب ابنك وزوِّجْه وأحجُجْهُ، فإذا فعلت ذلك فقد قضيت حقه وبقي حقك عليه.
وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يحجزون على من تخشى معرته من الأطفال. وقيَّدَ ابن عباس -رضي الله عنهما- عكرمة على تعليم القرآن والسنن والفرائض ، وكان ﷺ يقول: "إذا صلى الغلام فلا تضربوه فإنا قد نهينا عن ضرب أهل الصلاة"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا نبتت عانة الغلام أجريت عليه الأقلام. وكان ﷺ يقول: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل".
قال شيخنا -رضي الله عنه-: واعلم أنه لا ينبغي لمؤدب الأطفال أن يضربهم على عدم حفظهم للقرآن، لأن الضرب للتعزير ومن لم يتيسر له حفظ لوجه البلادة أو غيرها لا يأثم فلا يستحق التعزير بخلاف قلة الأدب فله أن يضربه عليها، وكان ﷺ لا يأمر من أسلم بقضاء الصلاة ويقول ﷺ: "الإسلام يَجُبُّ ما قبله"، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وحبيبه وصفوته، سيدنا محمد صلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأهل بيته وذريته، وعلى أصحابه وأهل متابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلق بشأن الصلاة والأمر بها لناشِئتنا؛ ربطًا لهم بعمود الدين؛ وبمعاني القرب من إلههم رب العالمين؛ وتبعية حبيبه الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قال: وذكر أمره ﷺ للآباء والأمهات أن يأمروا أولادهم بالصلاة، أما رواية "إذا ثغروا أو أثغروا" أي: خرجت أسنانهم، وذلك يأتي في ما بين هذه السن السابعة وقريب منها أن تسقط ما يسمونه بأسنان الرضاعة أو أسنان اللبن، وتبدأ الأسنان التي تستمر مع الإنسان إلى شبابه وإلى كهولته، فهذه علامة من علامات وصوله إلى سن التمييز والوعي، فيؤمر بالصلاة؛ بل يعلم أحكام الشريعة ويعلم الواجبات ويُحذّر من المحرمات، فمن خلال هذا السن حتى يسبق إلى ذهنه وعقله نور الحق والهدى، ولا ينازع في ذلك أباطيل الأوهام والخيالات والأضاليل، وما تنشر النفوس والأهواء، وما ينشر الشياطين على ظهر الأرض، فيسبق إلى ذهنه وعقله نور الحق والهدى؛ فيكون ذلك أوثق أن يتعمق في قلبه وباله، وأن يسلم من التأثر السلبي بأقاويل وأطروحات الغافلين والفاسقين والبعيدين عن الله -تبارك وتعالى- والمخالفين لشريعته.
فهذه من عظيم مهمات الآباء والأمهات حسن تربيتهم لأبنائهم وبناتهم، وملئ جوانحهم وبواطنهم بمحبة الله ورسوله، وبالتعلّق بالله ورسوله، وبتعظيم الله ورسوله ﷺ، وتعظيم ما جاء به من الشعائر ومنها عمود الدين الذي هو الصلاة، والتي هي في الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، وفي الرواية الأخرى "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"، وفي لفظ "أولادكم" ولا شك أنه وأيضا رواية "أبناءكم" المراد بالذكور والإناث لا خصوص الذكور، وفي لفظ "أولادكم" يشمل الذكر والأنثى، فحينئذ من الواجبات على الأبوين القيام بربط الأبناء والبنات بالصلوات الخمس المفروضات وأدائها، وحثهم لهم على ما تيسّر لهم من السنن من رواتب أو ضحى أو وتر.
وجاء في لفظ ابن السني عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إذا أفصح أولادكم فعلموهم لا إله إلا الله، فإذا أثغروا فمروهم بالصلاة"، فتلقينهم لا إله إلا الله من أول ما تتمكن ألسنتهم من النطق ربطا لهم بمفتاح باب الجنة، وجاء أيضا "كان يؤمر الصبي بالصلاة إذا أثغر" أي: سقطت أسنانه، ويقولون: ثَغَرَ الصبي إذا سقطت أسنانه الأولى، وأثغر إذا نبتت الأسنان التي تُعتاد أن تنبت ثانيا، فإن الأسنان الأولى تسمى أسنان الرضاعة وأسنان اللبن، تسقط بحكمة الحق -تبارك وتعالى- عندما يبلغ الصبي هذا السن.
ومن المعلوم أن الوجوب وجميع التكاليف تكون للإنسان بعد بلوغه؛ ولكن هذا واجب على الآباء والأمهات نحو الصبيان، فيُأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنوات ويضربه على تركها إذا أبلغ عشر سنوات.
قال: "وفرّقوا بينهم في المضاجع" فلا ينامون متقاربين من بعضهم البعض، أومتلاصقين؛ فإنهم عند هذا السن تبدأ هواجس الشهوات تنازلهم، وخصوصا إذا كانوا يسمعون أو يرون ما يثيرها، فحينئذ من قبل أن يُدركهم أي سوء ننشئهم على الطهر وعلى العفاف وعلى النقاء، فهذا الواجب على الآباء والأمهات.
قال الحنفية والشافعية والحنابلة: الأمر في الحديث "مروهم لسبع .." قال: للوجوب. واجب على الآباء والأمهات أن يضربوا الصبي إذا بلغ عشر فأخّر فريضة من الفرائض، وأن يأمروه بالصلاة وهو بسبع؛ ولكن هل يمكن أمره بالصلاة من دون أن يُعلّم الصلاة؟
والمعنى أنه يُعلّم كيفية الطهارة وكيفية الصلاة من قبل ما يبلغ السبع من قبل ما يتجاوز سبع؛ حتى إذا وصل سبع قلنا صلّي، وأما إذا لم يُعلّم، ثم نقول له صلّي، صلّي كيف ما يعرف الصلاة!؟ يعني يجب يسبق تعليمهم ذلك حتى يمكن أمرهم بالمواظبة على الصلاة وهم أبناء سبع، كذلك الضرب على تركهم وهم أبناء عشر،
في قول عند المالكية حملوه على الندب، أنه يُندب ضربهم، وكذلك صرّح الحنفية وغيرهم أن الضرب يكون باليد لا بغيرها من مثل عصا وسوط، وأن لا يجاوز الثلاث، لما جاء أنه قال ﷺ لمرداس: وكان يعلم الأطفال، قال: "إياك أن تضرب فوق الثلاث فإنك إذا ضربت فوق الثلاث اقتص الله منك"، وهكذا يُفهم من كلام المالكية أنه يجوز باليد وبغير اليد، وأنه ما يتحدد فيه عدد، إنما هو راجع إلى اختلاف حال الصبيان، فإذا ظنّ إفادة الضرب ضرب بشرط، عند الجميع الشرط أن يكون غير مبرّح، إذا كان يتوقع فائدته في استقامة أمر الصبي وإقامة للصلاة، فيكون ذلك الضرب غير مبرح، المبرح هو: الذي يكسر عظم أو يسيل دم فهذا غير جائز، كالضرب في الوجه حرام ولو وجه بهيمة، لا يجوز أن تضرب في وجهها، فذلك محرم فلا يجوز الضرب في الوجه، ولا يجوز أن يكون مبرحاً، ولا يجوز أن يتجاوز به العشرين في رأي لبعض أهل الفقه وهو أقل الحدود، فإن التأديب والتعزير لا يرقى إلى الحد، وأقل حدٍ حد شارب الخمر إذا كان مملوكاً عشرين ضربة، فلا يجوز أن يبرح عشرين، ولا يزيد على العشر في رأي آخر عند أهل الفقه؛ لما ورد عدم تجاوز العشر الضربات، ولا يجاوز الثلاث عند الحنفية، فلا يجاوز الثلاث الضربات.
ويقولون الحنفية والحنابلة: أبناء سبع من أكملوا السبع وأبناء عشر من أكملوا العشر.
قال المالكية وكذلك الشافعية: أبناء السبع من وصلوا السبع وان لم يكملوا السابعة إذا دخل السنة السابعة، وأبناء العشر من دخلوا السنة العاشرة وإن لم يكملوا السنة العاشرة، فمن بدايتها ودخوله فيها يتوجّه الأمر ويتوجّه الضرب على الوالدين، فيُضرب في أثناء العشر عقب استكمال التسع، كذلك عند الشافعية والمالكية. وقال الحنفية والحنابلة: يُتأنّى به إلى استكمال السابعة واستكمال العاشرة، وفي الحديث: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشرة سنين فاضربوه عليها"،وكذلك ما أشار إليه في رواية "وهم أبناء ثلاثة عشرة سنة"، يعني: قاربوا البلوغ.
"وفرّقوا بينهم في المضاجع" قال جعفر الصادق: بين الذكور والإناث إذا اجتمعوا. فهكذا يقول جمهور فقهاء الشريعة المطهرة: يجب التفريق بين الصبيان في المضاجع وهم أبناء عشر للحديث الشريف، وحملها بعض المالكية على الندب، وذكروا في معنى التفرقة: أن يكون لكل واحد منهم ثوب مستقل وفراش مستقل وغطاء مستقل.
ويقول: وكان ابن عمر لمّا يقول: "أدّب ابنك وزوّجه وأحجّجه"، أي: هذه الرؤوس) الحقوق المتعلقة بالأبناء والبنات على الآباء والأمهات:
أن يؤدبوهم؛ أن يلاحظوا أخلاقهم أن يلاحظوا أفكارهم؛ أن يغرسوا في قلوبهم تعظيم الحق ورسوله، تعظيم ما جاء به عن الله، تعظيم الدار الآخرة، تعظيم شعائر الله -جل جلاله- هذا هو الأدب، أن يحافظوا عليهم من مجالسة أهل السوء، وأن يلاحظوا قيامهم بالأعمال الصالحة، وتلفّظهم بالألفاظ الطيبة، وتجنبهم للأعمال السيئة والألفاظ النابية والقبيحة، هذا هو تأديب الأبناء والبنات مهمة من مهمات الآباء والأمهات، يقصّر فيها الكثير وربما عادت عليه بمشقة وتعسير في الدنيا قبل يوم الحساب العسير.
ولما شكى بعض الآباء إلى بعض أهل العلم، أن ولده وصل إلى حد أن ضربه، فقال العالم للأب: وأنت ماذا علّىتَ الولد في ماضي عمره معك!؟ قال: علمته يحرث الأرض بالثيران، عندي ثيران يحرث بها الأرض. قال: خلاص وهو حسبك واحد منهن هذه الثيران وضربك، فما يضرب الثيران شافك ولو كان علمته واجباته مع الله، وعلمته ما أوحى الله إلى رسوله، وعلمته الدار الآخرة، وعلمته الواجب والحرام بنلومه؛ لكن أنت ما علمته إلا حرث الثيران وحسبك واحد منهم، وما يعرف إلا حرث الأرض بالثيران، وعدّك واحد منهم صلح لك ضربة كما يشوفك تضرب الثيران، يعني أنت السبب أنت المقصر في تعليمه، وجئت إلى عندي الآن تشتكي منه!! فإن الأمر راجع إلى التربية.
وينشأ ناشئ الفتيان منّا …. على ما كان عوّده أبوه
فهذه مهمة كبيرة من المهام المفروضة على الآباء والأمهات، وأولياء الأمور بالنسبة لمن يلون أمرهم من أبناء وبنات، قال: "أدّب ابنك وزوّجه وأحججه" يسّر له سبيل الحج، قال: إذا عملت ذلك أحسنت أدبه وساعدته حتى زوّجته وتزوج، وساعدته حتى حجّ بيت الله، قال: "فإذا فعلت ذلك فقد قضيت حقه وبقي حقك عليه"، الآن عليه هو يبرّك، وأنت أديت حقك معه تاما بالتأديب والتزويج والإحجاج، أي: كمال أداءك لما يتعلّق من حق الأولاد بك، فتكمل الحقوق بحسن التأديب، وبالتزويج عندما يبلغ سن الزواج ومن بعد بلوغه، ثم بالإحجاج إلى بيت الله الحرام إذا تيسّر لك ذلك.
قال: "وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يحجزون على من تخشى معرته من الأطفال"، أي: لا يهملونهم يتصرفون التصرفات السيئة، ويلاحظونهم ما بين إلزام بالجلوس في البيت؛ وما بين أن يكون مع أحد ممن يكبره، من أخيه الكبير أو أبيه أو عمه أو خاله، يخرج معه ويمشي معه، ويحضر المجالس معه، ولا يتركونه للمعرة تجلب المضرة،.
"وقيَّدَ ابن عباس -رضي الله عنهما- عكرمة على تعليم القرآن والسنن والفرائض "وكان ﷺ يقول: "إذا صلى الغلام" يعني: بلغ سن الصلاة وصار يصلي "فلا تضربوه فإنا قد نهينا عن ضرب أهل الصلاة"، وعلى كلٍ ما يكون الضرب إلا على الحال الذي وُصف في السنّة الغراء، وحيث يُرجى فائدته ونفعه، وحيث يتعين للخلاص من سوء، أو القيام بواجب من الواجبات، والضرب المبرح ممنوع في كل حال، والعدد اختلف فيه الأئمة، وضرب الوجه حرام منهي عنه لا يجوز، فبهذه الضوابط يبقى الضرب محتاج إليه في بعض الأحوال لبعض الناس، ويكون ناجحا ومفيدا لهم.
"يقول: وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا نبتت عانة الغلام أجريت عليه الأقلام"، -يعني صار بالغًا-، وكان كثير من الأخيار عندما يُشرف ولده على البلوغ يجمع له الكبار من قرابته، وقد يجمع بعض أعيان أهل بلدته، ويشهدهم أنه علّم هذا الولد، وبيّن له ما يجب عليه وما حرم الله تعالى عليه، وما ندبه إليه، وأنه الآن صار مُكلّفا تكتب عليه سيئاته؛ تكتب له حسناته، ويُشهدهم أنه خرج من العهدة بينه وبين الله -تبارك وتعالى-، وأنه أدّى واجب التربية، ويطلب منهم أن يدعوا له وأن ينظروا إليه وأن يوصوه، فيبكي الولد -الطفل- ويستشعر مهمة التكليف، وأمانة ما بينه وبين إلهه اللطيف في الأوامر والنواهي، وهكذا كانوا يعظّمون الدين وشعائر الدين.
واليوم كيف حالة كثير من الأبناء مع آبائهم والأباء مع أبنائهم، وربما ما صدرت منه كلمة صالحة تقيم الإيمان أو تبعث التعظيم للرحمن ورسوله قط، وربما وربما….، فواجب أن نعي ما فرض الله تعالى علينا، وكان ﷺ يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ،" -فلا يُؤاخذ لعدم شعوره- "وعن الصبي حتى يحتلم،" -يبلغ إما بالاحتلام أو خروج المني أو بكمال سن خمسة عشر- " وعن المجنون حتى يعقل".
"قال شيخنا -رضي الله عنه-: واعلم أنه لا ينبغي لمؤدب الأطفال أن يضربهم على عدم حفظهم للقرآن، لأن الضرب للتعزير ومن لم يتيسر له حفظ لوجه البلادة أو غيرها لا يأثم فلا يستحق التعزير.." ولكن يُرغّب يُؤمر بالقيام تنبيها له، وبغير الضرب يؤدب "بخلاف قلة الأدب فله أن يضربه عليها،" حتى لا يعوجّ طبعه وينحرف في عادته ومألوفاته.
وكان ﷺ لا يأمر من أسلم بقضاء الصلاة ويقول ﷺ: "الإسلام يَجُبُّ ما قبله"، والله أعلم.
"قال: وكان ﷺ لا يأمر من أسلم بقضاء الصلاة؛" بل ولا بقضاء الصوم غيره بالنسبة للكافر الأصلي [قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ] (الأنفال:38)، وأما المرتدّ -والعياذ بالله- فهذا يجب عليه الرجعة إلى دين الحق دين الإسلام، ويجب عليه أن يقضي جميع ما فاته أيام الردّة؛ سواء كان من صلاة أو سواء كان صوم وغير ذلك ما فاته أيام الردة يجب عليه قضاءه، أما الكافر الأصلي أي: الذي لم يسبق له إسلام أصلًا فهذا ما يلزمه قضاء صلاة ولا قضاء صوم، ولا يلزمه إلا ما كان متعلقًا بحقوق الآدمين فيردها إليهم، وما عدا ذلك فلا يُطالب به بل يُغفر له ما قد سلف، ويستأنف العمل من جديد، ويقول ﷺ: "الإسلام يَجُبُّ ما قبله"، يعني: يقطع؛ يقطع وينهي ما قبله.
إذًا فعلامات البلوغ أشار إلى أن منها عند بعض أهل العلم: ظهور الشعر على عورته، فظهور شعر العانة علامة أنه بلغ، وفيه للعلماء أقوال: منهم من لم يجعلوا علامة أصلا، وهذا قول عند الحنفية ورواية كذلك عن الإمام مالك فيما ذكره في المدوّنة، والثاني أن الإنبات القول الثاني: أن الإنبات علامة البلوغ مطلقا هذا مذهب المالكية والحنابلة، وهي أيضا رواية عن أبي يوسف من الحنفية، واحتجوا بما جاء أنهم لما شكوا في من بلغ ومن لم يبلغ من بني قريضة عندما أمر بقتل البالغين منهم؛ فكانوا إذا ادّعى من يُتوقع أنه قد بلغ ادّعى عدم البلوغ أمرهم أن ينظروا إلى الإنبات، إن أنبت ألحقوه بالبالغين وقتلوه، وإلا فهو لم يزل في الطفولة، وهكذا جاء القول الثالث أنه يكون في بعض الصور علامة للبلوغ، وهذا جعله الشافعية أن يُحكم به ببلوغ ولد الكافر ومن جهل إسلامه، دون المسلم عندهم أمارات على البلوغ؛ إما بالاحتلام وإما كمال الخمسة عشر سنة، وكذلك بالنسبة للأنثى الحيض إذا أتاها الحيض، وهذا أيضًا مع كونه قول الشافعية قال به بعض المالكية؛ إلا أنهم وسعوه ما خصصوه بأولاد الكفار.
يقول علامة بين الشخص وبين غيره من الآدميين يعني في الحقوق المتعلقة بالآدميين من قذف وقطع وقتل وما إلى ذلك، وأما بينه وبين الله -تبارك وتعالى- فلا يعتبر به، وإنما يُعتبر بالاحتلام أو كمال خمسة عشر سنة، وهكذا يبدأ سنّ التكليف وفيه لمن قام بحقه كمال التشريف، وفيه لمن أضاع حق الله -تبارك وتعالى- التعرض للخزي والمهانة -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وما أعزّت العباد أنفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله.
فأعزّنا اللهم بطاعتك ولا تذلّنا بمعصيتك، واجعلنا من عبادك الصالحين وحزبك المفلحين، وفرّج كروبنا وكروب جميع المؤمنين وحوّل الأحوال لأحسنها، واختم لنا بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنّا.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
13 جمادى الآخر 1445