(536)
(228)
(574)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل من قوله تعالى:
(وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ (9) هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (14))
ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية
الحمدُ لله مكرمُنا بالوحي والتنزيل على قلبِ ولسان عبده المصطفى الهادي الدليل صلى الله عليه وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه أهل المقام الجليل وعلى أتباعهم بإحسان على مَمر الزمان بغير تحريف ولا تغيير ولا تبديل وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل التمجيد والتكريم والتفضيل وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
أما بعد،، فإننا في نعمة تأملنا لكلام ربنا جلَّ جلاله وتعالى في علاه وتعليمه وآياته وهداه وما أوحاه إلى نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وصلنا في أوائل سورة النحل إلى قوله جلّ جلاله وتعالى في عظمته (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ)، ولمَّا ذكر المسار على الأنعام وما هيأ لنا من قطْعِ المسافات وحملِ الأثقال ذكر المسار أيضا للقلوب والأرواح والعقول والأفكار، السير في الطريق المعنوي الذي يُوصل إلى حقائق السعادة ونيل الحسنى وزيادة وقال وهذا السبيل أيضًا بينته لكم وهديتكم إليه ولا يمكن أن يكون في بال أحد منكم أن البيان للهدى يأتي من مخلوقٍ إنقَطع عن خالقه، وأن حقيقة البيان للحق إنما يأتي من قبل الإله الحق سبحانه وتعالى فهو الحق المطلق (قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:73]. فأي عقل هذا لأي إنسان على ظهر الأرض يتصور ويتوهم أنه بتفكير ذا أو ذا أو ذاك، أفراد أو جماعات يأتون بحق وهدى دون منهج الله الذي خلق! أي عقل هذا؟! هذا العقل الذي أُسيء استعماله وخبُث تسييره وتسخيره فانعكست عليه الأمور فبدل أن يدل على الصواب كان داعياً إلى الفساد والخراب، وهكذا كل من أساء استخدام عقله، وإن إدعى عقلَ، فإن العقول التي وهبنا الله إذا أُستعملت الإستعمال الصحيح هَدت، ألا (إنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّه) [آل عمران: 73]، وأن الحق ما جاء عن الله -جل جلاله وتعالى في علاه- وأنه لا يمكن لصاحب عقل مثلي، هو عاقل وأنا عاقل، أن ننازع من خلقنا وخلق عقولنا وأحاط علما بكل شيء في معرفة حقيقة أو اهتداء إلى سواء طريقة لذا قال (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيل) بيان السبيل الحق وتوضيح المسلك الموصل إلى الفوز والسعادة، قال الله عليَّ بيانه، أنا ربكم ما تركتكم بعقولكم التي آتيتكم وأسماعكم وأبصاركم بلا منهاج وبلا بيان وبلا توضيح لكن (عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيل)، ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ) [الليل:21]؛ إن علينا نحن الذين نهدي وندل.
( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) فما أقبح حال الذين أعرضوا عن خالقهم وخالق عقولهم ليألِّهوا مخلوقين مثلهم بعقول مخلوقة لهذا الإله الذي خلق القول فيُولون شطر قصدهم ووجهتهم نحوهم ويعرضون عن أمر الله ووحي الله ومنهج الله جل جلاله، إذًا لا أعظم على أي إنسان من نعمة أكبر من نعمة الإسلام، لا أعظم نعمة على أي إنسان من نعمة الإسلام، ولكن على قدر التحقق بها والإرتقاء في مراقيها تعظم تلك النعمة، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة. (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) بيانه الحق ويقول ( أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة:140]، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) [التين:8] جل جلاله وتعالى في علاه. بل إذا أحسنَّ استعمال هذه العقول هَدتنا إلى مقصود كبير في تأملنا لأحوالنا وأحوال الكون والحياة من حوالينا نُوقن (أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، كما قال جلّ جلاله ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا) [الطلاق:12]،إذا أحسنت استعمال عقلك، وتأملت هذا الوجود والكون وما يجري فيه؛ علمت علمًا لا ريب فيه ( أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، سبحانه (وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن:28]، فهكذا نتائج حسن الاستعمال لنعمة العقل.
( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا ) من السبيل وطريق جائر؛ خارج عن سبيل الحق والهدى، (جَائِرٌ)؛ فاسد ظالم سبيل الأهواء والشهوات، سبيل اتباع الغيّ، سبيل تحريم ما أحلَّ الله أو إحلال ما حرَّم الله -سبحانه وتعالى جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، لهذا فإن الحق المطلق في التحريم والإحلال لله وحده؛ لهذا قال سبحانه ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا .. (116)) على من؟ لأنه هو صاحب الحق والتحريم ما حد غيره ( لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ..(116)) تكذبون عليه تحلون شيء حرمته وتحرمون شيء أحللته، (لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ..(117))؛ فهذا جزاء وعاقبة من حرم ما أحل الله وأحل ما حرم الله؛ فافترى على الله الكذب -والعياذ بالله سبحانه وتعالى-، لذلك يجب أن ندرك هذه الحقيقة . وذكر لنا أمثلة في هذا قرآن ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ۖ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118))، ثم بعد ذلك كل من فضله وإحسانه، أنه فتح باب المراجعة؛ لمن راجع حساباته وأراد أن يرجع إلى ربه بعد عصيانه ومخالفته ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (119))، اللهم اغفر لنا وارحمنا.
يقول جلَّ جلاله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ) كان بن مسعود يقول: منكم جائر؛ والجائر الذي اتبع سبيل الجور؛ وسبيل الجور كل ما خالف منهج الله، كل ما خالف شرع الله هو الجور، (وَمِنْهَا جَائِرٌ) كائناً ما كان كل ما خالف شرع الله فهو الجور( وَمِنْهَا جَائِرٌ ). يقول الله سبحانه وتعالى: إني خلقتكم على هذه الهيئة وبيَّنتُ لكم ثم جعلتُ منكم المستفيد والمتلقي والمحسن للتلقي والعامل على حسن استخدام حواسه وعقله فيما ينفعه، وسلطتُ علي أقوام من ظلمات الوهم والخيال والأهواء والشهوات، حتى عبد بعضهم بعضاً من دوني، ونبذوا أمري لحكمة؛ أنا أعلم بها، (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)، لكن هكذا شاء فله الحكمة فوق عقولنا يهدي من يشاء ويضل من يشاء جل جلاله، ولو كان أمر الهداية مثلاً كله إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي مُلأ قلبه بالرحمة لهدي الناس كلهم لو كان أمر الهداية للأنبياء والرسل جميعهم يهدون وما أبقوا واحدة لا يهتدي لكن الأمر( لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) [البقرة:272]، ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) [القصص:56]، ثم لو كان أمر الإضلال أيضاً كله بذاته حق لإبليس معاد بقي حد مهتدي! يضل الخلق لهم، لكن لا لذلك ولا لذلك وفوق الكل من يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وما فعل ذلك إلا لحكمة أرادها وقضاها بلغت عقولنا إلى إدراكها أو لم تبلغ، بل قال خيار الناس وأعظمهم عقلاً من الصديقين والمقربين كأمثال سيدنا علي بن أبي طالب، لو كُشِف الغطاء وأدركتم أسرار حكمة الفاطر الموجد الذي يهدي ويضل ويقرب ويبعد ويشقي ويسعد ما اخترتم إلّا الواقع، ترون هذا هو أحسن شيء لأنه اختيار من (أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، من هو القادر على كل شيء؟ فهذا هو الأفضل، ما هو على عقلك أنت -الله أكبر-، محجوب عقلك ولو إنكشفت هذه الحقيقة التي قالوا عنها، ليس في الإمكان أبدع مما كان أن الكون مجبول على أعظم الحكمة لما خلق وفطر سبحانه وتعالى، فاللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت اجعلنا ممن شئت هدايتهم وسعادتهم وعنايتك بهم يا أرحم الراحمين.
قال ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)؛ تبينتم الحق والصواب ووِفقتم للسير فيه وانتهت المسألة قال ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس:99] ولكنه شاء أن يهدي هذا ويضل هذا فسّلْ ربك الهداية "يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلَّا من هديتُه ، فاستهدوني أهدِكُم"، اللهم اهدنا فيمن هديت. (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)، قال انظروا حياتكم كلها ذكرت لكم الأرض وتكوينها والأنعام عليها وما يكون لكم في شؤونها وما تأكلون وما تركبون، والماء الذي ينزل من السماء، من الذي يُنزِّلهُ؟ والذي تحتكم والذي فوقكم كله مذكر بهذا الإله وأنتم تجحدون؟ وأنتم تناكرون؟ وأنتم تستكبرون؟ كيف يكون هذا؟! (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وينزل الماء من السماء بقدرته، بتقديره جل جلاله في الوقت الذي يريد المكان الذي يريد بالقدر والكمية التي يريد وماذا يحصل من أثر ذلك؟ ( لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ ) تشربونه ماء قراحا خالصا تخلطونه بشيء من المواد يتحوَّل إلى عصير يتحول إلى أطعمة أو تعصرون من هذه الفواكه التي ينبتها لكم فتسيل (لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ) رتبتوا إنباتها به ولوشاء ينبتها، ينبتها لكنه رتب إنباتها بوجود هذا الماء ( وَمِنْهُ شَجَرٌ): ينبتها لكم بسبب هذا الماء أشجارا ينبتها لكم، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى.
كما يقول جل جلاله وتعالى في علاه عن هذا الشجر الذي يُنبتُ لنا به سبحانه وتعالى ينبتها لنا سبحانه وتعالى ويرزقنا إياها من عنده سبحانه وتعالى، لا إله إلا هو. يقول جلّ جلاله -وتعالى في علاه- منزل القرآن ومبين البيان على لسان سيد الأكوان، (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا) [النمل:60]؛ لا بقوتكم ولا بقدرتكم ولا بحيلتكم، أرضاً أنا خلقتها، وتراباً أنا خلقتها، وبذور أنا خلقتها، وماءً أنا أنزلتهُ وخلقته، وأنا أنبتُه، حد منكم يدخل في الأرض يقول النبتة ذي تحولي كذا! اطلعي كذا! من منكم؟ شي أوامر تجي من عند الوزارة تقول تحرك يا حب قل كذا! افتقش! قلع شجرة لفوق! حد من منكم! ( مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ) [النمل:60] لا إله إلا الله. ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:60]؛ يجورون، يجحفون في الطريق و ينكرون الواضح البين سبحانه وتعالى (أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) [النمل:61] حَاجِزًا، من صلح هذا؟ ( أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ) [النمل:61]، لا إله إلا الله.
قال جلَّ جلاله :( وَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ)؛ في هذا الشجر ترعون أنعامكم، كما قال في الآية الأخرى (مَتَاعًا لَّكُمْ وَ لِأَنْعَامِكُمْ) [عبس:12] جل جلاله. يقول ( أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَ لِأَنْعَامِكُمْ) [عبس:25-32] جلَّ جلاله وتعالى في علاه، ( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [النازعات:27-33]، (فِيهِ تُسِيمُونَ)؛ ترعون الأغنام حقكم والبقر والإبل وأصناف من هذه الدواب ترعى من هذا الشجر وتأكل منه كما أنتم تأكلون مما يخرج من الشجر، لكم أكل، والأنعام أكل و لكل طائفة، وكله خزنته لكم في الأرض ورتبته لكم هذا تقدير من؟!
يقول ( وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ ) بهذا الماء (الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ) خصصها من بين بقية الأجناس لقيام الحياة عليها ولأهميتها في الحياة. الزَّرْعَ؛ منه هذا البُر والذرة وأمثال من ما يتغذى به. وَالزَّيْتُونَ؛ فيه الدواء والصبغ ومنافع كثيرة. وَالنَّخِيلَ؛ الذي فيه الغذاء الكامل والفوائد الكثيرة. في شجر النخيل الذي يأتي لنا والبسر والرطب والتمر. (وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ)؛ وما يترتب عليها من صحة ومنفعة وحكمة فخصص ( الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ ) ثم على الإجمال ذكر ( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ)، ( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ )، قالوا لم يقُل وكل الثمرات؛ لأن كل الثمرات التي في الجنة في الدنيا. ( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ )؛ يعني الذي سمح بإبرازها لكم لتكون نماذج وتذكر لكم، قال لما أنا خلقت جنة، وخلقت قبلها قيامة، وخلقت قبلها برزخ، وخلقت قبلها هذه الدنيا التي فيها تكليفكم، جعلتُ لكم في هذه الدنيا وفي هذه الأرض نماذج؛ مما أُحدِّثكم عنه هناك، الثمرات هناك كلها. قال ( مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) من هذا ومن هذا ومن هذا -الله أكبر-، قال ( وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) فذكرها على الإجمال وذكر هذه ( الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ ) وخلقها على وجه التخصيص لأنها عظمت فوائدها وكثرت حاجة الناس إليها.
يقول جلَّ جلاله: وهي أيضا يكون محال إنباتها في مختلف بقاع الأرض من المواطن الحارّة والباردة يزرعونها مفرقة في الأرض، منها ما يصلح للأعناب وما يصلح للنخيل، منها ما يصلح للنخيل ولا يصلح للأعناب، وهكذا يقول (وَ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ ) علامة واضحة ودليل قوي؛ ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)؛ يحسنون النظر والتأمل والتدبر؛ أي يحسنون استخدام القوى العقلية، وبهذا النظر وصفاء الفكر؛ تزداد معرفة الله، ومن هنا قالوا " إن فكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة"؛ تزداد به إيمان، تزداد به يقين، تتفكر في عظمة الرحمن من خلال هذه الآيات، زيتون ورمان وعنب ونخيل وزرع، كيف تكون؟ وكيف جاء، وكيف وصل إلى فمك؟ وكيف دخل بطنك؟ كيف تناسب مع تكوين جسدك وتحول إلى غذائك؟ تنال الأصابع منه، كل أصبع نصيب، والكف نصيب والساعد نصيب والرجل نصيب والفخذ نصيب، كل واحد تتوزع عليهم توزيع، إيش الترتيب هذا؟ ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وبهذا التفكر يصلون إلى المعرفة؛ فتزيد المعرفة بصفاء الفكر، كما يزداد الأنس بكثرة الذكر، أُنسك بالله وبالمعرفة به، يقوى بكثرة الذكر، وإيمانك يقوى وتزداد معرفتك بصفاء الفِكْر:
وَصَفِّ مِنَ الأَكْدَارِ سِرَّكَ إِنَّهُ *** إِذَا مَا صَفَا أَوْلاكَ مَعْنَىً مِنَ الْفِكْرِ
تَطُوْفُ بِهِ غَيْبَ الْعَوَالِمِ كُلِّهَا *** وَتَسْرِيْ بِهِ فِيْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ إِذْ يَسْرِي
اللهم اهدنا من عندك واجعل لنا فكراً صافياً نزداد به معرفة بك آمين.
قال ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ومن الذي شارك في هذا وأنتم وسط هذا كله، هنا عندكم الأرض وعندكم خلْقكم من نُطف، تكوّنتكم تكوين، وأنعام من حواليكم (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6))، ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ ..(7))، ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ..(8))، وبعد ذلك أهداكم إلى سوى السبيل وَ(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ..(10))، وأنبت لكم الزرع والزيتون، وسخّر لكم ليل ونهار، فين محل الشرك الآن؟ فين محل الكفر؟ أنت محاط بآياته من كل جانب، كيف ماتذكره؟! كيف ما تشكُروه؟! هذا الذي لا يعقل والذي لا يعلم هو الذي يقع في هذه المصائب كيف ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ) [البقرة:28] جلَّ جلاله وتعالى في علاه. يقول سبحانه وتعالى في أوائل سورة البقرة مذكراً لنا بهذه الحقائق يقول جلَّ جلاله ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:28-29]، يقول ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [فصلت:9]، ثم (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت:10-12]، لم تكفرون؟ لم تشركون؟ لم تعتمدون على غيره؟ لم تنسونه؟ لم تخرجون عن طاعته؟ وهذا كله منه ولو خلَّف شيء من هذا عنكم من يجيء لكم به؟ إن جعل الليل عليكم سرمدا من يأتيكم بنهار؟ إن جعل النهار عليكم سرمدا من يأتيكم بليل ؟ إن أمسك عنكم قطر السماء من ينزله؟ إن فكوا عليكم بقوة ما عاد قدرتم عليه من يمسكه؟ فيا عقلاء يا واعين يا آدميين يا أُناس لم نغفل؟ لم نكفر؟ لم نشرك لم نكذب ؟ كل ما حوالينا ينادينا إنه الله العزيز الحكيم جلَّ جلاله.
قال ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ)هل عملوا محطة تسيِّر الشمس، يقولون اطلعي كذا روحي كذا اجري كذا !! (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ)، (وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ) والقراءة تقول ( وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ)؛ علامات وحجج وبراهين واضحة جليَّة (لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يَعون ويتعظون ويفهمون، اللهم ارزقنا فهمًا وعلمًا. ( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ ) وباقي أيضًا بثَّ ونشر(ومَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) أصنافه وأنواعه وأيضا لونه، أنواعه مختلفة أحمر أخضر أصفر أسود، كله موجود في ما ينبته لنا، من الذي يُلوّن الصبغة؟ من أين جاء اللون حقها؟ في محل واحد تنبت؟ حتى هذه نخلة وذي نخلة في أرض واحدة وتُسكب بماء واحد، هذا يطلع أصفر، هذا يطلع أحمر، في شيء في النواه حقها؟ حد حط شيء تلوين؟ وين الصفرة التي في النواه؟ ويخرج بعدين كله، التمر أصفر، وين الصفرة؟ وين الحمرة التي في الثاني؟ تحطه ما تشوف، شيء تحطه تصفر ذي وتحمر ذي الله أكبر؛ ( مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ )، وبعدين (يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الرعد:4]، هذي حالية وهذي حامضة وهذي مُز وهذه كذا وهذه كذا الله الله الله الله، وهذا حالي وهذا حالي وهذا حالي؛ فرق بين حلاوة ذا وحلاوة ذا، تتعب إذا أرادت تفرق بين الحلاوة باللفظ بيصعب عليك حلاوة في الذوق، مو مثل حلاوة ذا، في حلاوة للتفاح، في حلاوة للموز، ما نفس الشيء واحدة؛ فيه فرق، كلّه حالي نعم، لكن حلاوة الموز مثل حلاوة التفاحة ؟ لا، وبعدين مثل حلاوة الحبحب ذي حلاوة ثانيه ، طعمه يختلف تماما، بعدين كل الحلو يختلف عن حلاوة الثاني، ايش الصناعة هذه؟ ومنين جاءت؟ لا إله إلا الله. قال تعالى ( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) بث ونشر لكم في الأرض (مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً) ربي هكذا يتنزل معنا، يقول شوفوا أنا معكم في ذا، أنا خلقتُ لكم ذا، وبعدين تكفرون بي وتروحون عند غيري وتعصوني؟! وتقدِّمون مناهج سواي؟ لا إله إلا أنت، يا رب ثبتنا على ما تحب.
( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ) ولا أحد صلَّح لكم؟ يقولون في وقت ما يريده الله ينقِّص الماء بحر أو يجففه، ويقول لهم امسكوه! بقوَّتكم كلها، بتقدمكم كله، امسكوه! ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) لا إله إلا هو ( لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا )؛ أنواع الصيد والسمك في البحر وجمهور أهل العلم على ما لا يعيش إلا في الماء وإذا خرج إلى البر يموت فهو من الحلال كله. ( لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) لؤلؤ ومرجان وياقوت تتزيّنون بها ( تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ )؛ سفن جارية تشق شقَّا؛ تمخرُ تقطع وتشق. (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) سفن خلقها لكم ورتب لكم، خلقها لكم من مادة، قال هذه المادة ما تغوص في الماء، من رتب هذا؟ منذ سنة كم؟ ولا وقت التقدم جابوا هذا! من أيام آدم وهذا النوع والمادة هي التي لا تغوص في الماء، فهل الآن عند التقدم والتطور -خلاص- إتركوا الخشب هذا والأشياء!! هذا الموديل قديم، هذا من عهد آدم، هاتوا ا الآن سفن من أحجار وحديد بنركب فيها؛ باتغوص ما يمكن تغوص، يقدرون؟! عاجزون مخلوقون متكبرون متكبرون، ونحن نترك أمر ربنا ونمشي وراءهم؟ بأي حق هذا، تستعبدوننا من دون الله جلَّ جلاله! هو الذي خلقنا و رتب هذا ( هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) تمخر؛ يسلِّمها وينجي سبحانه وتعالى من شاء، ولما كانت تنال أصحابها الشدائد؛ أُعدت الغزوة التي في البحر مضاعف أجرها ومضاعف ثوابها لأصحابها؛ يخرجون جهاد في سبيل الله في البحر، يعدون في البحر.
(مَوَاخِرَ فِيهِ) بالريح والعجيب ريح واحدة، سفينة تروح وسفينة تجي، كله يمشي من ريح واحدة، عجيب هذا ريح واحدة تودي كذا! وذي مقبلة وذي مدبرة كلها تمشي بريح واحدة ذي تروح كذا وذي تجي ذا -الله- كيف هذا؟! لا إله إلا الله. ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَفِيهِ )؛ ( وَآيَةٌ لَّهُم أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ) [يس:41]؛ يعني أجدادهم وأبائهم ( فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) [يس:41-42]، في البر في البحر يركبون في السفينة، وفي البر عندهم مراكب منها هذا الذي جُعِل على مدى الأزمان من الإبل والحمير والخيل والجمال ومثلها، ومنها هذا الذي استحدث بعد ذلك؛ يشبه السفينة التي في البحر وهو في البر؛ من دراجة وسيارة وبعدين من طائرة وكله. (وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) [يس:42]؛ مثله تركبونه في البر وذا في البحر سبحانه.
قال جلَّ جلاله ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ )؛ تطلبوا من فضله أرزاق وخيرات تجيكم من هنا ومن هناك، والعاقل منكم يدرك ما المقصود منها؟ ولا تغرّه ولا تضره ولا تقطعه عن مهماته الكبيرة في الحياة وتزوُّده منها استعدادا للقاء الله تعالى، والأبلة والأحمق يردها مقصود له وغاية وراء الرزق يكدِّسه وبعدين ما ينتفع به ويموت ويسأل عنه وقد ضيَّع مهمات وواجبات فيخسر، يقول جلَّ جلاله ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) صلَّحتُ هذا كله لكم وما طلبت منكم الّا اليسير من الإيمان والتوحيد والعبادة أقبلُ القليل منكم وأثيبكم عليه كثير وانتم ما ترضون (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) اخرجوا من الجحود (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17]، يقول (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)؛ يعني جحود (وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات:6-8]؛ لحب الخير والمال و متاع الدنيا ( لَشَدِيدٌ) [العاديات:8]. يقول تذكر أنا خلقت لك العالم بهذه الصورة وبأنقلك منه إلى عالم ثاني (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) [العاديات:9-11] هو علم ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ) [النجم:30]، ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) [الأنعام:53]، ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ) [النجم:32] جل جلاله اللهم اجعلنا من الأتقياء.
وهكذا يبين لنا الحق هذه الحقائق له الحمد والشكر، رزقنا الله كمال الإيمان واليقين وزادنا زيادة وثبتنا على ما يحب وجعلنا فيمن يحب إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمن. ونحن نستقبل بكل هذه المعاني والدلالات ليالي وأيام زاهيات في شهر كان فيه ذكرى ميلاده خاتم النبوة والرسالات خير البريات محمد سيد الكائنات ابن عبد الله رفيع الدرجات صلوات ربي وسلام عليه وعلى آله وأصحابه وأهل المتابعة إلى يوم الميقات وعلينا معهم،
وافرح بذا الشهر إذا قالوا لي الشهر هل *** ربيع الأول ونعمك شهر ما له مثل
شهر السعاده ولد به خير عبد اتصل *** يا موسم الخير يا شهر الصفاء والصلاح
يا شهر هبت علينا في خير الرياح *** عطر النبي خير خلق الله في الكون فاح
صلى الله عليه وسلم الله نهار مولده سمعوا في السماء زجل، اللهم صلِّ عليه وعلى آله :
قد كان مولده والمبعث بأرض البطاح *** وساعة الوضع صار الليل مثل الصباح
والكون لبَّى بالتشميت له حين صاح *** فإن طربنا فما في ذا الطرب من جناح
معنا فرح بالنبي عسى علينا يدوم
يامرحباً شهر رحماته علينا عموم
شهر العطايا الجزيلة والمنن والعلوم
وفر الله حظنا من ليالي هذا الشهر وأيامه، يا رب أدركنا شهر ذكرى ميلاد نبيك فانظر إلى أمته فيه، وأصلح أحوال أمته فيه، فرج كروب أمته فيه يا حي يا قيوم يا الله. في ليلة مولده نكست أصنام الدنيا فاجعل لنا في شهر مولده تنكيس لأصنام الباطل والكفر والجبت والطاغوت والظلال في شرق الأرض وغربها، رد كيدهم عنا وعن أهل لا إله إلا الله يا الله، وأشرقت الأرض بنور ميلاده فانظر إلى قلوبنا وقلوب جميع المؤمنين، نورها بنور نبيك الأمين فإنَّ عمه العباس قال له في آخر أيامه "وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق، ونحن في ذلك الضياء وذلك النور سبل الرشاد نخترق" جاءنا الحديث بسند حسن عنه ﷺ، وتقوم به الحجة أن العباس يقول بهذا، فمن ذا يتكلم على المولد؟ إما ملحد وإما مفسد، من يتكلم على المولد؟ وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق ونحن في ذلك الضياء، يقول العباس نحن في ذلك الضياء وذلك النور سبل الرشاد نخترق؛ النبي قال له: " لا يفضض الله فاك"، كبر سنه وصل الثمانين وماشي سن خرج كل أسنانه محفوظة، لا يفضض الله فاك في ذكرى المولد الشريف وأنهم في نور هذا المولد نحن في ذلك الضياء وذلك النور ﷺ.
فالحمد لله على إهلال هذا الشهر الله يجعل فيه حياة لقلوب المؤمنين بأنوار الإيمان واليقين، وقعت ولادة في عالم البشر؛ ما مثلها قبلها ولا بعدها مثلها أبداً، لا مثلها لا قبلها ولا بعدها أمنا حواء ولدت؛ ولدت عشرين، واحد وعشرين مرة وبعدها بناتها إلى ليلتنا هذه، ولا واحدة ولادة مثل هذه الولادة ولا واحدة من الذي عند ولادته نكست أصنام الدنيا؟ من الذي عند ولادته انشق إيوان كسرى ؟ من الذي عند ولادته خمدت نار فارس؟ بلا سبب! فوقها سدنة يؤججونها وتنطفي، ايش الذي حصل! من الذي عند ولادته خر ساجداً؟ بالله عليكم حصل مثلها كيف ما تُعظم؟ كيف ما تُذكر من أعظم آيات الله؟ عندنا في صحيح مسلم يُسأل عن الصوم يقوم يذكر ولادة حقه، ما تقول في صوم يوم الإثنين، قال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ" والسائل ما سأله عن مولده! سأله عن الصوم! قال هو أجاب بالمولد، قال:"ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ". فلو كان ميلاده عادي وما له الشرف، ليش يقولوا هكذا؟ وإلّا بغيتوا تعلمون النبي! هو الذي يعلمنا النبي، هو الذي يعلمنا النبي، ونحن نتعلم منه. قال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ" صلى الله عليك يا خير مولود ويا أكرم والد، "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ" ولنعم الصوم فيه.
فاتقوا الله في الذي بلغكم شهر ذكرى ميلاد حبيبه وارتبطوا بمنهجه وسنته وشريعته وأدبه ودينه في دياركم، فإن عندنا ديار خرج منها سنة النبي المختار وهديه وحل فيها صور وأفلام وعادات وأفكار أعداء له؛ فجار كفار أشرار، شيء مع النساء شيء مع الرجال، فاتقوا الله، فاتقوا الله ونوروا دياركم وقلوبكم بنور النبي وسنته وأحياء ذكراه بالحس والمعنى وأكثروا صلاة وسلاما عليه، فإن أولانا به يوم القيامة أكثرنا عليه صلاة وسلاما، "إنَّ أولى النَّاسِ بي يَومَ القيامةِ أَكْثرُهُم عليَّ صلاةً" ، "مَن صلى عَلَيَّ واحدةً ، صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا". لك الحمد يا رب، صلِّ على عبدك المقرب الأطيب وأدخلنا جميعا في دائرته وارزقنا إحياء سنته وخلقنا بأخلاقه وأدبنا بأدابه في لطف وعافية .
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه
الفاتحة
03 ربيع الأول 1444