(536)
(228)
(574)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل من قوله تعالى:
(إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (24) لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ (27) ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (28) فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ (29))
ضمن جلسات الإثنين الإسبوعية
الحمد لله مكرمُنا بالوحي والتنزيل وبيانه على لسان رسوله خير معلِّم ودليل اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أهل التكريم والتبجيل وعلى من والاه فيك واتبعه بإحسانٍ في النية والفعل والقيل وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين منك بالتقديم على من سواهم من البرية والتفضيل وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين
أما بعد،،
فإننا في نعمة تأملنا لكلام ربنا وخطابه وتنزيله ووحيه وتعليمه سبحانه وتعالى وإرشاده فيما أوحى إلى قلب نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، انتهينا في سورة النحل إلى قوله جلَّ جلاله وتعالى في علاه: (إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِد) رزقنا الله كمال الإيمان واليقين ولا إله لنا غيره، وهكذا حالُ من لم يعرف إلهه ولم يخضع له يكون مبلبَلا مشتتَا لا مرجع ولا ملجأ له ولا ملاذ ولا معاذ حقيقي ينال به الطمأنينة ويجتمع به شمله وكذلك من ادعى شركاء مع الله تبارك وتعالى فصار: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) [الزمر:29]، فالذي يشترك فيه متشاكسون يتشتت ويعْظم عليه شدةُ حالهِ ما بين ذا وذاك ولكن من لم يكن له إلا مرجعٌ واحد ولا يملكه إلا واحد فهو الأجدر بأن يطمئنّ قلبه ويجتمع شمله ويسكن قلبه وتعظم طمأنينته.
(إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ) للحق الواضح البيِّن (فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ) تستثقل نفوسهم وقلوبهم ذِكْر المصير والمآل وما يقطع عليهم ما هو في نظرهم مُتعتُهم ولذتهم وفائدتهم من شؤون الدنيا فإذا ذُكِر المصير والآخرة فهم تستنكر وتستثقل قلوبهم ذلك (قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ). وعلى قدر الإيمان بالآخرة تكون القلوب عارفة تكون القلوب موقنة تكون القلوب مطمئنة تكون القلوب مستسلمة تكون القلوب مُقبلة على الحقيقة وذكْرها فرِحة بذكر هذا المصير الذي به تقوى على ترك المُتع وعلى مخالفة النفس والهوى.
(فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ (22)) وفي هذا المعنى يقول في الآية الأخرى فيما يُلقي أعداء النبيين من شياطين الإنس والجن من زخرف القول والغرور (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * ولِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الأنعام:1112،113]؛ إشارة إلى أنه لا يستنكر الحق ويستمرئُ الباطل ويميل إليه إلا من لا يؤمن بالآخرة، من كذَّب الأمر الواقع الحتمي الذي لابد منه والمصير الذي يصير إليه قهرا. من أنكر ذلك فهو الذي يقبل باطنه الباطل (ولِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) [االانعام 113]. ولكن المؤمنين بالآخرة مهما عُرِض عليهم من دعوات الباطل والضلال استنكروها ورأوا أن مِن ورائها سوءاً وشرهـاً وضرّاً وبلاء. وأنها لا يمكن أن تكون حقا أصلا فعلى قدر الإيمان بالآخرة تُتبين الحقائق.
قال تعالى (فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ (22)) والعياذ بالله تبارك وتعالى؛ يردُّون الحق ويبطرونه ولا يقبلونه ويحتقرون أهل الحق وهم مستكبرون. (لَا جَرَمَ)؛ لا شك ولا ريب (أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ (23)). كل من عاش على ظهر الأرض يبْطُر الحق ويحتقر خلق الله فهو مبغوض عند الله الذي خلقنا ولابد أن يكون مآلهُ النار والعياذ بالله تبارك وتعالى ولقد جاءنا في الحديث الصحيح أنه ﷺ قال لنا -كما جاء في رواية ابن أبي شيبة والإمام مسلم وأبي داود والترمذي والنَسائي- يقول ﷺ: " لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرِ"؛ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر والعياذ بالله تبارك وتعالى، وقيل له يا رسول الله: إنَّ الرجُلَ يُحبُّ أنْ يكونَ ثوبُهُ حسنًا، ونعلُهُ حسنةً، هل هذا من الِكبر؟ قال : "لا، إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ ، الكِبرُ بطَرُ الحقِّ ، و غمْطُ الناسِ"، وقال لبعضهم -وقد سأله- يارسول الله: إني رجل أحب الجمال وأتاني منه ما ترى، أفمن الكِبر هذا؟ قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مؤمن مطمئن. قال: " ليس ذاك من الكِبر، الكِبر أن تبطر الحقِّ وتحتقر الناس"، الله أكبر، الكِبْر بطرُ الحق؛ رد الحق، وغمْط الناس واحتقارهم. وكم يعيشُ معنا على ظهر الأرض من يحتقر الناس يحتقر مِن عامَّتهم أومِن خاصَّتهم من يحتقر؟ -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودً جهنم، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي الْنَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذرّة مِنْ إِيمَانٍ، "فَلَا يَخْلُدُ فِي الْنَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذرّة مِنْ إِيمَانٍ، فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذرّة مِنْ كِبِرٍ" والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ولذا رأينا أكثر خلْق الله تواضعًا الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم ثم ورثتهم وأعظمهم تواضعا عبد الله وحبيبه محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله ولقد صح في حديثه قال: "أتاني َملكٌ في حِجرِ الكعبة أو في جِرم الكعبة وقال يا محمد أتحبُ أن تكون نبياً ملِكاً أو نبيا عبدا ؟ فقال: بل نبي عبد، قال أن أكون نبيًا عبدًا؛ قال فشكر الله لي ذلك، فقال أنت أول شافع وأنت أول مشفع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فهو سيد المتواضعين.
(إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ (23)) وهكذا يقال لأهل النار في الآخرة (بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف:20]، فالذين يستكبرون بغير الحق ويفرحون بغير الحق أولئك هم المبغوضون لله تبارك وتعالى وشرار الخلق (إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُم)؛ معاشر أولئك الكفار(مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ) على الأنبياء؟ (قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (24))؛ يعني ما يُسطِّره ومايكتبه الأولون من خرافات وما إلى ذلك. فأنكروا القرآن؛ وفي إنكاره كفرٌ بالله جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وقالوا: (أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (24))، وكان بعضهم من المشركين من يجمع من كتب التاريخ والأخبار ويقول إن محمدًا إنما يأتي بأساطير الأولين وحديثي أحسن من حديثه الى غير ذلك مما يقولونه كِْبرا، وهم تُحُدوا بأن يأتوا بمثل سورةٍ فلم يقدروا، ثم بعد ذلك يقولون أساطير الأولين، إيش أساطير الأولين!! لكن المُبطِل متناقض وهم أمام أعينهم ما يقدرون على أن ياتوا بمثله وخضعوا لعظمته ومع ذلك استكبروا في أنفسهم (وقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الفرقان:5] لا إله إلا هو جلّ جلاله.
قال (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ قَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (24)) فكذبوا بالقرآن لأن نفوسهم لا تطاوعهم أن يخضعوا لهذا الحق لمكان كِبرهم فكان ذلك سبب أن يحملوا مع أوزارهم - ذنوبهم وأثامهم - أوزار الذين يضلُّونهم؛ قال تعالى :
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)؛ ليحملوا أوزارهم، أثقالهم من الذنوب والمعاصي والسيئات كاملة. لماذا قال كاملة؟ لأن المؤمنين يجعلوها لهم مكفرات لأوزارهم، ويجعل الله لهم سبب لمغفرة أوزارهم، ويجعل الله سبحانه وتعالى لهم ما يمحو به أوزارهم، من هم هؤلاء؟ لاشيء يُكفِّر أوزارهم، لا شيء يخفف عليهم من آثامهم.
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) تأتي كل ذنوبهم كاملة ما ينقص منها شيء ما يخفف عليهم منها شيء ما يُمحى منها شيء بخلاف المؤمنين لأنهم يتعرضون لغفران الذنوب لكفَّارة السيئات ولمحو الخطيئات ولتبديل السيئات إلى حسنات لكن الكفار من يموت على الكفر.
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لامِ العاقبة، يعني يكون هذا الاستكبار والإضلال للعباد سبب لأن يحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، يحملون من أوزارهم ما تسببوا فيه؛ ما كانوا لهم يدٌ في الإضلال فيه والسببية فيه فيحملونه فوق أوزارهم؛ لأن " مَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه مِن الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَن تبِعهُ، لا ينقُصُ ذلك مِن آثامِهم شيئًا". و"مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا".
فليحذر المؤمن أن يكون سببا لإضلال أحد في قولٍ أو فعلٍ ومعاملةٍ أو أي شأن من شؤون الحياة، فإنك إن أضللت الغير كان عليك مثل إثمه فإن امتد بسبب إضلالك إضلالٌ إلى آخر ثالث عادت أوزارهم عليك.
(لِيَحۡمِلُوٓاْ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍ)،(بِغَيۡرِ عِلۡمٍ)؛ يمكن أن يرجع إلى الضالين إسم الفاعل؛ يعني هم ضلوا وأضلوا، ويمكن أن يعود إلى المفعول يعني من أجل ذلك. (بِغَيۡرِ عِلۡمٍ)؛ أي الذين لا يعلمون أنهم ضالين بغير علمٍ، فيحملوا من أوزارهم؛ يعني يتبعونهم بغير علم؛ لأنهم لم يعلموا أن هؤلاء ضالِّين فاتبعوهم بغير علم، بغير أن ينكشف لهم حقيقة ضلال هؤلاء الذين عرضوا عليهم الباطل؛ وفي هذا إشارة إلى أنه لا عذر، لا عذر للجاهلين، يقول عرَضَ عليَّ فلان وفلان وأنت ُأعطيت سمع وبصر، انظر كلام غيرهم انظر ما يقال مقابل ذلك لماذا اقتصَرتَ على هؤلاء؟ كما هو الحال فيما يسمى بالاتبِّاع الأعمى والانقياد، والاقتداء الأعمى الذي يكون عند كثير من الناس؛ يقول خلاص وراهم؛ وراء ما قال فلان وفلتان، ليس لك عذر ولا حجة، ليس لك عذر أن فلان قال ولا فلان قال، أما آتاك الله سمعًا وبصرًا وإدراكا؟ أما أعطاك قدرة على البحث عن الحقيقة وتأمُل للمعنى للوصول إلى الحق؟! فلماذا لم تستعمل ذلك؟ وما بالك عند طلبك للمال وعند طلبك لصحة الجسد لا تصدق أي قول وتتعب نفسك للتفكير، وين أحسن؟ وين أفضل؟ وعند الدين لله تبارك وتعالى قلتَ تبعتُ فلان، تبعتُ فلان؛ ما ينفع كذا، لا بد أن تحتاط وأن تبذل وسعك في معرفة الحق.
(وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍ) ولا عذر لهم، وإن لم يعلموا أن هؤلاء ضالين فكان عندهم من القدرات والإمكانيات ما يستبينون به ضلال هؤلاء وما يستبينون به الحق عند غيرهم فيهتدون به. يقول (وَمِنۡ أَوۡزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ (25))؛ قبُح وعظُم إثما وإفكا وشرا وتعبا ما يزرون، ما يحملونه من تلك الآثام على ظهورهم والعياذ بالله تعالى. قال تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ) [العنكبوت: 13] والعياذ بالله تبارك وتعالى في كل من أظلُّوه وكل من دعوه إلى السوء فإستجاب لهم.
يقول الله تبارك وتعالى هؤلاء الذين يعملون هذه الأعمال ويمشون في هذه الأحوال على ظهر هذه الأرض (أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) فلم لا يعتبرون بمن مضى؟ ولم لا يحسنون النظر؟ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) [الروم :9]، يا كفار زماننا ويا غافلين في زماننا من المسلمين قد مضى في الكفر والغفلة طوائف وطوائف وطوائف، فأين ذهبوا؟ وما كانت عواقبهم؟ فلِم تبقون على الكفر وعلى الغفلة؟ لم تصرُّون على الأهواء وتتبعونه وقد أصرَّ على الهوى من كان أكثر منكم جمعا ومن كان أكثر منكم مالاً ومن كان أكثر منكم قوة فأُهلكوا وما بقيت لهم باقية.
يقول سبحانه وتعالى (قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) فما كانت العاقبة في من مضى من قبلهم من الأمم والطوائف الكثيرة؟ ولا تجدُ صاحب هوى ولا ضلال ولا كفر، الموجود على ظهر الأرض إلا نظراؤه وأمثاله وأشياعه قد مضوا أعداد كبيرة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [القمر : 51]. فنظراؤهم كثير موجودين لا تظن أن شيء في عصرنا جديد من أصله، إن كان جديد من حيث فرعه أو صورته أو هيئته فلا جديد في الأصول، أصول الكفر والفسق هي واحدة من أيام آدم إلى أن تقوم ساعة وكما أن أصول الخير هي هي واحدة وأصل كل خير للمكلفين على ظهر الأرض من إنس وجن لا إله إلا الله .
أصل كل خير لهم على الإطلاق -لا إله إلا الله- من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة هذا أصل الخير ثم بعد ذلك هناك المشابهات ما بين الطوائف. قال الله تبارك وتعالى (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [ البقرة : 118]
(قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) فماذا حصل؟ (فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم) إتيان انتقام وبأس؛ (فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ) قصد إلى تخريب ما بنوا. (قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) فاستعملوا أنواع من المكر(قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ). يقول سبحانه وتعالى في شؤون هذا المكر الغريب الذي يحصل من ذا ومن ذاك وعند الله مكرهم (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال) [إبراهيم:٤٦]، يقول حق جلّ جلاله وتعالى في عُلاه: (فَلَا تَحْسِبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُولَهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُوانتقام)، جلّ جلاله. يقول سبحانه وتعالى (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ) قال: (وسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) [ابراهيم:46].
(قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) وآذوا الأنبياء واستعملوا الحِيَل وأنواع الخداع وجمَّعوا الجموع ورتبوا التراتيب واستغلوا حاجة المحتاجين وفقر الفقراء وضعف الضعفاء، كل هذا قد عُمِل فماذا يُعمل في عصرنا؟ شيء مما نظيره قد مر. (قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) لكن العاقبة:
( فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ) لا إله إلا الله. ومن هم هذا؟ النمرود بن كنعان وبنى بيت ويرفع إلى خمسة ألف ذراع، يريد يطلع الى السماء كما قال فرعون لصاحبه قال (يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ) [القصص:38]؛ خيالات وضلالات شيء من هذه الأوهام.
(فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ) كلما مكروا وكلما حاقوا من مكر وكل ما ما خادعوا وكل ما آذوا به الرسل عاد عليهم بالسوء فأُهلِكوا وعُذِّبوا بسبب ذلك، فهم كما من بنى بناء ضخما شامخا فسقط عليه فقتله، وهؤلاء من حيث ما مكروا ومن حيث ما كذبوا ومن حيث ما خدعوا ومن حيث ما تحيَّلوا عادت عليهم نتائج ذلك هلاكا عليهم ومحْواً لآثارهم على ظهر الأرض.
قال (فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ) من الأساس أُهلكوا نهائيا فهل ترى لهم من باقية؟! وقال (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [يونس:13].
(فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ) كلما حاكوا ومكروا ورتبوا رجع عليهم، رجع عليهم خُسران وعذاب فضيحة وانتهى. (وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ)؛ من حيث لا يحتسبون ولا يظنون وما كانوا يظنوا أن يأتيهم العذاب من هذه الناحية ومن هذه الحيثبية من حيث ماخططوا ومن حيث ما مكروا، لا إله إلا الله. ولاتزال الأرض مليئة بمكر الماكرين من هؤلاء، والصادقون من المؤمنين أرشدهم على لسان نبيه الأمين ويقول عن القوم ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران:54]، (وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
ووصل النبي إلى المدينة واسْتُقْبل بِـ "طَلَعَ البَدْرُ عَلَيْنَا مِنَ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع" وقامت قوائم الجهاد ومكْر بعد مكْر ومكْر بعد مكْر وفتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا:
وما مضى حتى أقام الدين *** وصار سهلاً واضحا مبينًا
صلوات ربي وسلامه عليه.
(وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ (26)) جاءتهم بدر، وكانوا في مكرهم ونحن ونحن وأكثر عُدّة وعدد وتسعمائة وخمسين من المقاتلين، وجِمال كثيرة وينحرون كل يوم ما بين تسع وعشر، ومائتين من الأفراس للقتال مع المسلمين، ما ينحرون شيء لا من الجمال، إلا هي الجمال الموجودة تكفي ركوب لبعضهم، فقط سبعون لثلاثمائة وبضعة عشر، سبعون بعير يعتقبونها، والأفراس اثنان مقابل مائتين، عدد السيوف ثمانية في صف المسلمين، ثمانية سيوف، ثمانية ثمانية وبقي معهم سهام ورماح، وسيوف ثمانية بس، واحد منها انكسر في أثناء المعركة، انكسر سيفه مسكين وجاء عند النبي ﷺ : إنكسر سيفي يا رسول الله في بدر، نظر النبي بجانبه وكان عود حطب فأخذه وقال خذ هذا فقاتل به، مسكه من يد النبي وإذا به سيف طويل أبيض حديد حاد، بقي معه طول عمره يجاهد به في سبيل الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وجاءهم ماجاءهم بعد ذلك هنا وهنا وهنا وجاءتهم السنين وجاءهم الرزق وجاءهم ما يمكن يحتسبون، حتى جاء صلح الحديبية وخانوا ومكروا، ففتح الله على نبيه مكة وانتهى المكر (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43]. كما قال الله: (وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ) قال هذا فقط الذي في الدنيا والجزاء قادم (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ* وكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ) [القمر:52-53].
يقول سبحانه وتعالى (ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ) يذلهم ويهينهم الله الله الله. ويقول (أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡ) ؟ (أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ) في معتقدكم الباطل وظنكم الكاذب ووهمكم الفاسد أن لي شركاء؟ أين هم؟!! (أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡ) تشاقون المؤمنين، تضادّونهم تشاقون فيهم؟. وهذا على صنمه وهذا على الشمس وهذا على القمر وهذا على البقرة، وهذا يقول العلم الحديث، وهذا يقول التطور وهذا يقول الحضارة وبعدين !! هاتوا بهم هاتوهم، ايش لهم من أمر؟! وايش لهم من مرجِع يرجعون له؟ من هذا شريك لي؟! إاحضروهم. (أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡ) تشاقُّون المؤمنين ومشاقة المؤمنين جعلها الله كمشاقتهِ سبحانه وتعالى وهو المنزَّه العظيم ولكن في غضبه على من شاقَّ المؤمنين كأنه شاقَّ الحق جلّ جلاله حتى جاء في قراءة (تشاقُّونِّي فِيهِمۡ) يعني بمشاقَّة المؤمنين مُشاقنكم للمؤمنين، اتخاذكم شق آخر غير شقهم.
(قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ) الأنبياء وأتباعهم الصالحون هم هؤلاء أهل العلم. أين العلم إذن؟! والعلمانين أين؟! وآل البحث العلمي أين ؟ (قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ) بس هم أنبياء وخواص أتباعم، هؤلاء هم اللي عندهم العلم هؤلاء أهل العلم الحق وأهل علم الحقيقة للوجود وما فيه وسرِّه وغايته ونهايته عندهم هؤلاء، هؤلاء هم أهل العلم الذي إليه مرجع الكل والباقي ما يبقى منه شيء ولا ينفع منه شيء.
(قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ) الهون والذل (ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ) والعذاب والنكال والشدة (إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ) فياويلُ الكافرين وهذا مستقبلهم، فهل نحن محتاجون يعلموننا شيء من ضمان مستقبلنا؟ ايش الضحكة هذه؟!! إيش البلادة هذه؟!! إيش البلاهة هذه؟! هذا مستقبلهم! فنحن ننقذهم، نودُ إنقاذهم وننذرهم سوء المستقبل والمصير الخطير.
(إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ) فما نحن بحاجة أن يأتوا ليعلموننا ضمان المستقبل، ماهو ضمان المستقبل؟!! إحضروا أولادكم يأتون عندنا نحن نعلمهم ونتولى صياغة أفكارهم ونزين لهم الباطل والضلال ونقطعهم عن حقائق الإيمان من أجل ضمان المستقبل. قل له إذهب أنت انتبه من مستقبلك، الخزي أمامك والسوء أمامك والهون أمامك والنار أمامك، إذهب صلِّح مستقبلك أولًا، بتفسد مستقبل هؤلاء، يافاسد المستقبل؟ مهما مُتَّ على حالتك هذه فمستقبلك شر المستقبلات كم ضحكوا على عقول المسلمين وكم صدَّقهم من المسلمين. ويا مسلم ضَعُف إيمانك فلا تنقص عن أقل درجة، تريد الدنيا ومتاعها؟ عندك وفي حالك وفي بلدك من الأسباب والوسائل ما تكسب به الدنيا بوجهٍ حلالٍ شرعي واكتفِ بذلك، ماذا عندك وراء هذا؟
قال: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ)؛ أي تخرج أرواحهم من أجسادهم (ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ)؛ بكبرهم بمكرهم وبمضادتهم للأنبياء. (ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ) استسلموا، وإلا في أحد منهم لن يموت؟ قرارالموت جاء من عند من ؟ هل اتخذته دولة من الدول؟ هل اتخذوه مفكرون عبقريون؟ هل اتخذه أهل التطور العلمي؟ هم قرروا على الناس الموت؟!! فبالله عليكم من قرر على العباد الموت؟!! وكيف أنتم خاضعون لهذا القرار ولا تعرفون المقرِّر ولا تخضعون له؟ وقرارهُ يمشي عليكم، رغماً عليكم، من عنده جاء القرار ليس من عندكم، ولا من عند أصحابكم ولا جماعتكم من عنده هو جلّ جلال.
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [العنكبوت:57]؛ (تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ)؛ تُخْرِج أرواحهم من أجسادهم عند استيفاء المدة التي عيُّنت لكل فرد منهم أن يحياها على ظهر الأرض من وقت خروجه من بطن أمه ومن عند نفخ الروح وهو في بطن أمه ومن خروجه إلى أن يموت، لحظات وأنفاس معدودة إذا استوفاها أخذتهم الملائكة مستوْفَين، مستفتيه أرواحهم (ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ) وقالوا (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ) يقولون ما عملنا سوء إما ينكرون وإما يبينون ظنهم الواهم. (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ)؛ تقول لهم الملائكة : (بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (28)). ومن سلك هذه المسالك تكون النتيجة والمستقبل الكبير له (فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ) لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء، ادخلوا أبواب جهنم مهيأة لكم مقسَّمة عليكم الفريق كذا والفريق كذا والعمل كذا وكل واحد باب يدخل منه (فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ (29)).
اللهم خلصنا من الكبر ونزهنا من الكبر وطهرنا عن الكبر وارزقنا كمال التواضع لجلالك. وقد جاءنا في الحديث عنه ﷺ يقول: إن الله تعالى يقول " من تواضع لي هكذا - وأشار بباطن يده إلى الأرض- رفعته هكذا، وأشار بها إلى السماء" يشير ﷺ بيده، وقال: "ومن تكبر وضعته". هكذا فكلهم نازلون إلى أسفل سافلين، كل من لم يؤمن بالله ورسله فليس لهم إلا الخزي ليس لهم إلا السوء، ليس لهم إلا الهون والعياذ بالله تعالى (ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27]. فاحمدوا الله على نعمة الإسلام والإيمان فاشكروه عليهما وسأله أن يزيدكم منهما، اللهم كما أنعمت علينا بالإسلام فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالإيمان فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالعافية فزدنا منها، وكما أنعمت علينا بالعمر فبارك لنا فيه برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
الفاتحة.
21 ربيع الثاني 1444