تفسير سورة الإسراء، من قوله تعالى: { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ .. ) الآية 97 إلى 100

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الإسراء: 

( وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)

مساء الإثنين 3 رجب الأصب 1445 هـ 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرمنا بالقرآن المجيد، الدال على الأمر والمنهج الرشيد، ومبيّنه بلسان سيد أهل حقيقة التوحيد، خير العبيد، سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه في كل حال وحين، وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن والاهم فيه، واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين وآله وصحبهم، وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

أما بعد،،، 

فإننا في نعمة تلقينا لمعانِي كلام ربنا، ودلالات خطابِ إلهنا، وتوجيهاته، وتعليماته، وتبييناته في آياته على لسان خير بريِّاته، قد وصلنا في أواخر سورة الإسراء إلى قوله جلَّ جلاله: (قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96))، وقد ذكر لنا تِلكم الجراءات، وتلكم التحججات، وتلكم الاقتراحات التي يقترحها الكفار لِما يدَّعون أنهم إذا رأوه ربما صدَّقوا، وربما آمنوا، وعندهم مِن الآيات البينات ما يكفيهم والله غني عن عباده أجمعين (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ...) [الزمر:7]؛ لأن ذلك يوجب سعادتكم، ونيلكم المزيد (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) جلَّ جلاله -وتعالى في علاه-.

يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ..(96))، إن تنْزِل علينا كتابا مِن السماء، وتأتي لنا بشهود -ملائكة- يشهدون معك؛ تعمل كذا، تعمل كذا- تحججات، وتعللات، واجتراءات تدل على البُعد عن الصدق، والبُعد عن إرادة فَهْم الحق والاطلاع عليه 

يقول: (قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ ..) أنا الذي أقول لكم إني مِن عنده جئتُ لكم، وأنه أرسلني، وأنه جعلني خاتم النبيين، أي يقدر أن يقول هذا القول أحد فيتركه الله -سبحانه وتعالى- دون أن ينتقم منه؟!! (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) [الحاقة:44-47]، أقول لكم وهذه الحجج أمامكم؛ كتاب وقرآن ما استطعتم أن تأتوا بمثله، ولا بمثل عشْر سور، ولا بمثل سورة واحدة مِن سورة ولو أقصر سورة، مايكفيكم؟ وانشق القمر، وحصلت كثير مِن الآيات الكافيات. 

(قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ .. (96)) الذي هو بعباده خبير بصير بمقاصدهم، بنواياهم، بطواياهم، بأعمالهم؛ فمحاسبهم عليها ومجازيهم بها وهو الخبير البصير الذي يعلم الصادق وصدقه وقيامه بأمره، ويعلم الكاذب فيؤاخذه بكذبه (..إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)) -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدا، وأنعِم به مِن شهيد، وأنعِم به مِن خبير، وأعظم به مِن بصير -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- ولو عقل كل مخلوق -وعرف أنَّ خالقه العظيم هو الله- لاستكفى به شهيدًا؛ ولكان خوف هذا الإله وهيبته يبعده عن العناد وعن المكابرة وعن غلبة الهوى وعن تغليب حظ النفس الأمّارة وعن الركون إلى الفانيات، وإلى الدنيا، وإلى الزائلات مِن مُتع هذه الحياة التي جعلها الله -تبارك وتعالى- اختبارًا وامتحانًا لعباده -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-؛ (لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ..) [سبأ:21]، (...وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25]، (قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(96) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ.. (97))

اللهم اهدنا فيمن هديت فلا هادي إلاَّ أنت وهو القائل في حديثه القدسي جلَّ جلاله: "ياعِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ":

  • فاستهدوني:اطلبوا مني الهداية؛ بالدعاء والتضرع وبالتدبر والتأمل لِما أوحيت وأرسلت بالنبي محمد وبالامتثال للأمر واجتناب النهي .

  • فاستهدوني أهدكم: أمدكم بالهداية والتوفيق والمعرفة والقرب وزيادة المعارف وعجائب العلوم اللطائف.

  •  يقول تعالى: "فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ"، (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ.. (97))، وهكذا لا يطلب الهداية بصدق أحد مِن خلقه إلاَّ هداه.

 وعلَّمنا الله هذا الطلب وأمرنا به في كل صلاة فنقرأه في الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة:6]، إذا تلونا أوصافه الكبيرة العُلى وعظمته والمرجع إليه، طلبناه وقلنا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة:6-7]. 

فأنعِم يا رب علينا بالهداية التامة الكاملة في جميع الأحوال والشؤون، اللهم اهدنا فيمن هديت. 

(وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ .. (97))، وأعلى مَن هداهم الله؛ أنبياءه وأوحى إليهم وعلَّمهم مِن عنده ما لم يعلِّم غيرهم صلوات الله عليهم، وخاتمهم سيدهم وإمامهم عبدالله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

(وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ .. (97))، فمن يطلب الهداية مِن غير الله؛ ما أضلَّه!! وما أقل عقله!! وما أفسد رأيه!! إنَّ الهادي هو الذي خلق، إنَّ الهادي هو الذي أحاط علمًا بكل شيء، وليس هذا إلاَّ الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- وأما أن تطلب الهداية مِن ضال، مِن مجرم، مِن فاسق، مِن بعيد!! يهديك لماذا؟! يقولون لأتباعهم في القيامة: (..قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ..)[ابراهيم:21]، أصلًا نحن غير مهتدين وهاديين وأنتم عظمتمونا وأفكارنا وزخرف القول لزخرفناه لكم واتبعتونا، يقولون: (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) [غافر:47-48]، (..لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ..) [ابراهيم:21]، ما فيكم هداه "اتبعتم ضُلَّال أصلًا أنتم (..سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) [ابراهيم:21]، -والعياذ بالله تبارك وتعالى- هكذا يقولون في ذاك اليوم، وكم وكم مِن متبوعين على الضلال في هذا العالم وفي هذه الدنيا، ويمشون مع متبوعيهم بما يلقون عليهم مِن أفكار ويرونهم هم المتقدمون، وهم المتطورون، وبعد ذلك يرجعون إلى هذا الأمر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. 

يقول -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا..)[ابراهيم:21]، الذين كانوا يقولون: نحن القادة ونحن السادة؛ صنَّاع القرار؛ (فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا..) [ابراهيم:21] مشينا وراءكم، وصدقناكم، وتركنا كلام الحق والرسول والأولياء وإستهزأنا بهم وظننا أنكم أنتم الذين ستنقذونا وأنتم الذين سترفعونا (..إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ..) [ابراهيم:21]، الآن هل ستصُدُّوا عنا شيء مما استقبلنا مِن هذا العذاب الذي لا يطاق؟ قالوا: (..قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ..) [ابراهيم:21]، لو كنا نحن مهتدين كنا سنهديكم لسواء السبيل، وستتبعون الأنبياء، وما أحب الله منكم خالقكم جلَّ جلاله: (.. لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ..) [ابراهيم:21]، لكن نحن كنا الضالين، وانتم تبعتونا، لماذا تتبعونا؟! .

(..سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا..) [ابراهيم:21] إن بكينا، وإن سكتنا وإن خرجت دمعة أو الدم كله سواء؛ نار أمامنا لا شيء غيرها، جنهم (..مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) [ابراهيم:21]، ويرجعون لكبيرهم إبليس -هذا هو رأس العصابة- كل أنواع الشر المنتشر؛ في الفساد، القتال بغير حق، المخدرات والمسكرات، الزنا واللواط، قطيعة الأرحام، إيذاء الخلق، الخديعة، المكر، الضر هو رأسها هذا إبليس، ويقولون: يا ربنا خذ حقنا مِن إبليس هذا، فيؤمر بكرسي مِن نار بين الجنة والنار يُنصب، يقعد عليه إبليس ويحترق فيه، ويكلم أصحابه وتجتمع عصابات الإلحاد والكفر وأنواع الشر كله هو هذا السبب؛ هيا اسمعوا (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ..) [إبراهيم:22]، أعطاكم وعد حق صحيح (..وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ..) [اإبراهيم:22]، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120]، يقول: (..وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ. .) [إبراهيم:22]، شيء قوة؟ هل أنا أخذتكم بالغصب؟ (..وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ..) [إبراهيم:22]، يعني منقذكم (..وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ..) [إبراهيم:22]، إذهب ما عاد شيء يفيد، لا شيء إلاَّ النار و-العياذ بالله تبارك وتعالى-.

لكل مَن بلغته دعوة الله فكذّب واستكبر وأدبر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر:18-25]، هو يعرف إن البشر لا يقدرون أن يأتوا بمثله، إذا هو قول البشر هات مثله، ما يقدر، ولا أنت، ولا أصحابك، ولا جماعتك، وبعد ذلك كيف هو قول البشر؟!!

قال الجبار الأعلى:(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)[المدثر:26](سَأُصْلِيهِ..) سأحرقهُ بنار جهنم، (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ) [المدثر:26-28]، تحرق الجلد، واللحم، والعظم، والقلب، وتصدعه، يقول: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ  * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) [الهمزة: 6-7]، (لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ) [المدثر:28-29]، (عَلَيْهَا.. ) أي مِن خزنة جهنم (..تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر:30] مِن الملائكة -لا إله إلاَّ الله-، اللهم أجرنا مِن النار، اللهم أجرنا مِن النار.

(وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ.. (97))، لا أحد يتولاهم ويهديهم إلى الصواب،؛ مَن أضلهم الله -تبارك وتعالى-، فخضعوا لأهوائهم، وخضعوا لشهواتهم، وخضعوا لدنياهم، لا تقدر أن تهديهم، ولا أحد يقدر يهديهم، فيا ويل مَن خضع لشهوته ولهواه. 

(..وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ.. (97))، -سبحانه وتعالى- لا أحد يهديهم، ولا أحد ينقذهم، لا أحد ينجيهم، لا أحد يسلِّمهم مِن الورطات والعذاب، ونتائج الأعمال السيئة،(..وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ.. (97)).

يا الله..

 عند الحشر يكون الناس ثلاث درجات، عند النفخة الثانية في الصور (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) [القمر:7]:

  • فمنهم من يخرجون ويُكْرَمون وأمامهم النجائب معها الملائكة يُركِبونهم عليها ويطيرون بهم إلى ظل العرش وإلى منازلهم في القيامة، هؤلاء أول صنف

  • والثاني يمشون ويسعون ويجْرون

  • والثالث على وجوههم، تسحبهم الملائكة على وجوههم يمشون.

(ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا..(97))، يتردد عليهم عذاب الصمم والبكم والعمى؛ إمَّا بمعنى "عماهم" عمَّا ينفعهم، وعمَّا يسرهم، وعن أنواع النعيم، فواضح ومستمر كما عموا في الدنيا عن آيات الله وعن بلاغ رسوله ﷺ وعن هداياه التي هداهم بها، وكذلك بكَمهم عن القول الحق وعن الحجة والبرهان فهم بكم في الدنيا والآخرة.

في الدنيا لا ينطقون بالحق ولو عرفوه، وفي الآخرة لا ينطقون بما يُنجِّيهم ولا بما يُقِيم لهم الحجة أصلًا، وصمًا كذلك عن سماع الحق، والهدى، وعن سماع ما يفرح وما يسُر، فكما تصامموا في الدنيا عن سماع كلام الله وكلام رُسُلهْ وكلام الناصحين من أتباع الرسل فكذلك عندهم صمم في ذلك اليوم عن كل ما يُبَشرَ بِهِ الصالحون. 

  • صمم؛ لا يسمعُ شيء من البشائر ولا من التقريب ولا من الملاطفة هذا واحد.

  • والمعنى الثاني (عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا..(97))، يكونوا في وقت الحشر ثُمَّ يبصرون كل شيء ويتكلمون، ثُمَّ يرجعون إلى النار، ثُمَّ يعود إليهم بعد النداء والخطاب (ٱخۡسَـُٔوا۟ فِیهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المُؤۡمِنُونَ:108]، يعودون صُمًا بُكمًا عُميًا والعياذ بالله تبارك وتعالى -لا إله إلا الله-. 

وكانوا في مواقف القيامة ينظرون، ويشاهدون، ويسمعون الخطاب وتخاطبهم الملائكة، ويسمعون زفير جهنم، إذا وقفوا (سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا..) [الفرقان:12]، الله الله الله الله -اللهم أجرنا من النار- وهكذا يكون وقت الحشر في عمى وصمم وبكم ثم يُبصَّرون، لإجل أن يروا النتائج، ويروا الحقائق، (يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ) [الحديد:12]، من أجل أن يتحاجون ويتلاعنون ويتكلمون وهكذا.

 حتى إذا دخلوا إلى النار (كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا) [الأعراف:38]، ويقولون ويقولون ثُمَّ يُنَادون يا مالك، يا مالك، يا مالك، يا مالك، يا مالك ينادون الخزنة، أولًا خزنة جهنم ويعرضون عنهم ويقولون ما لكم؟ يقولون (ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ) [غافر:49] يوم واحد من أجل نستريح من شدة العذاب (قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ) [غافر:50]، ما أنزل الله إليكم كتب وأرسل رسل بيّنوا لكم هذا الحال؟ (قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ) [غافر:50]، يرجعون يا مالك، يا مالك، يا مالك، رئيس خزنة جهنّم؛ يا مالك.

 بعد ألف عام ينظر إليهم نظر المُغْضَب، يقول ما لكم؟ يقولوا (لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ) [الزخرف:77]، قل لربك يقضِي علينا، اعترفنا وندِمنا (لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا) [الزخرف:77]، (قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ) [الزخرف:77]، انتظر لا يوجد موت هنا، هنا عذاب مستمر، مافي موت (إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ) [الزخرف:77]، -اللهم أجرنا من النار-.

فيرجعون يُردِّدون؛ يا رب يا رب يا رب يا رب يارب. بعد مقدار ألف عام يتجلى الجبار يقول ما لكم ياأهل النار؟ (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ) [المؤمنون:106]، أنتُم الذين ملأتوا الدنيا؛ نحنُ و نحنُ و نحنُ،، والآن أنتم الضالين، عرفتوا أنفسكم ضالين (وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ) [المؤمنون:106]، (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون:106]، يقول الجبار بغضبه عليهم (ٱخۡسَـُٔوا۟ فِیهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المُؤۡمِنُونَ:108]، ما عاد يسمعون شيء، ولا عاد يبصرون شيء -يزول منهم- ويرجعون عمياً صماًً بكمًا -لا إله إلا الله- عذاب فقط -اللهم أجرنا من النار-

 من يطيق هذه النار؟ قد جعل لك تذكرة منها في الدنيا. ضع أصبعك دقيقة واحدة في النار وسيعطونك ألف دولار! حتى مليون دولار لن أحرق إصبعي، من أجل ماذا؟! هذا مثال.

 فُضِّلتْ عليها بسبعين ضعف في شدة الحرارة، من يقوى عليها؟ قالوا للنبي كانت هذه كافية -نارالدنيا- قال: "فإنها فُضِّلَت عليها بسبعين ضعفًا" -يا رب أجرنا من النار- فيها أودية، لو أن جبال الأرض سُيرت فيها لذابت من شدة حرها -اللهم أجرنا من النار- فهم يعرضون أنفسهم للنار مساكين؛ جميع الفاسقين، والظالمين، والمجرمين، والمثيرين للشهوات الحقيرة التي اختبروا بها فسقطوا، فسقطوا في الاختبار وسقطوا في الامتحان وآثروا الفاني على الباقي.

قال تعالى: (ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا..(97))، مأواهم: مثواهم، مستقرهم منقلبهم، محلهم؛ حِلالهم جهنم -اللهم أجرنا من النار- هذا مأواهم -المستقر والمرجع والمأوى والحِلال جهنم؛(جَهَنَّمَ یَصۡلَوۡنَهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُ)[إبراهيم:29]، بئس الاستقرار والاستمرار في لهيب النار، ومن فوق لهيب النار عقارب تلدغ، وحيات تلدغ، وفوق العقارب والحيات، سياط تضرب به الملائكة، ومقامع من حديد، وفوق السياط طعام من شوك ضريع (لَّا یُسۡمِنُ وَلَا یُغۡنِی مِن جُوعٍ) [الغاشية:7]، ويغصُّون به، وفوق هذا شراب حميم؛ قيح وصديد يخرج من فروج الزُناه والزانيات يُغلى في النار، يُجمع ويغرفونه الملائكة ويسقونهم إياه يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد:15]، كيف تتصور هذا العذاب؟ هذا كله بسبب الكفر؟، هذا كله بمعصية، هذا كله بإيثار الفاني بعد وصول دعوة الله إليك.

 فاحذر، فما يُقْدر على هذا (لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا) [المائدة:36]، ليس فقط شيء من الدولارات، ولا من الذهب، ولا وزارات، (لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) [المائدة:36]، فما قيمة هذا الذي أضلهم وأغواهم، وآثروه -ليس هو هذا الذي في الأرض كله- لو جئت به وملكته وتريد أن تفتدي من العذاب لن يُقبل منك، فما أحقر ما في الأرض (لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [المائدة:36-37]، -يا رب اجرنا.

(كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا..(97))، (كُلَّمَا خَبَتْ..(97))، قضت عليهم حتى وصلت إلى صدعة الفؤاد، أعَدنا لهم لحومهم ودمائهم مرة ثانية وزاد اللهيب (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97))، لهباً، (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ..) -لا إله إلا الله- ( ..إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا) [النساء:56].

يقول تعالى: (كُلَّمَا خَبَتْ..(97)) يعني بالنسبة للواحد منهم؛ أكلتُه كله لكن بسرعة يرجع ويزيد لهبها وهكذا هكذا تتجدد (لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) [النبأ:23:]، غير متناهية (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا..(97)).

 يُنذر إلهنا الذي خلقنا وبيده أمرُنا وإليه مرجعُنا يقول: (ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا ..(98)) هذا جزاء من جاءته الآيات والدلالات والعلامات وبعثنا إليه الرسل وبلغه دعوتنا على أيدي الرسل أو على أيدي أتباعهم من بعدهم!! فأبى وصدَّ واستكبر. بهذا يشترون النار، بهذا يَتهيأون لهذا العذاب العظيم والعياذ بالله (ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا ..(98)).

 وقالوا في جملة ظلالاتهم واستكباراتهم وزيغ أقوالهم: (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ..(98)) إذا متنا وصرنا في التراب عظاماً ورفاتاً -كنا تراب- (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98))؟ سنرجع مرة ثانية!! هذا كلام لا عقل ولا منطق، أصلاً من أين جئتم أول مرة؟ العظام هذه التي صارت رميم، كيف تكونت من بدايتها؟ من أين جاءت؟ هه، ما كنتم شيء، والذي كون هذه العظام، ألا يستطيع ردها؟ ماذا تقولون؟ ماهذا الكلام؟ ليس منطقًا الذي يقولون به هذا!! ما أبعد الملحدين عن العقل!! ما أبعدهم عن العقل؟ متناقضين مع ما آتى الله الخلق من عقول.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ..(99))؟ يقول كيف يردنا؟  كم حجمك؟ حجمك كم؟ كم أذرع؟ كم طولك؟ وكم عرضك؟ انظر فوق؛ الكواكب هذه كلها مخلوقة له، انظر الى السماوات والى الأرض و الجبال هذه، أنت أكبر منها أم ماذا؟ أو أنت أصعب منها أم ماذا؟ (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[غافر:57]، أنظر إلى الجبار خلق كل شيء أمامك وتقول كيف يحيي العظام وهي رميم؟ (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) [يس:78-79]، (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر:57].

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ..(99))، لا إله إلا الله، بلى  جلّ جلاله، (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحْۦِىَ ٱلْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰٓ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ) [الأحقاف:33] واحد صنع لك الصنع الكبير البديع، بعد ذلك أتستصغر أن يردك أنت الذي طولك كم أذرع؟!

 (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ ..(99)) قل لهم؛ بأصنافهم إحضروا عقولكم ولو لحظة، تفكروا معنا دقيقة واحدة، كنتم عدم. من الذي وقَّت مجيئكم؟ وجعل لكم يوم وساعة ولحظة ومكان تولدون فيه، قل لي ترتيب وزارتك؟! ولا مجلسك؟! ولا الهيئة؟ هم الذين رتبوا لك خلقك وأجل ووجودك؟!  قليلًا اعقل وتفكر!

  • لديك أجَل من حين خروجك من بطن أمك، أمامك أجل تراه بعينك، كما لم يكن لك اختيار في الأجل الأول ليس لك اختيار في الأجل الثاني (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌۢ بِأَىِّ أَرْضٍۢ تَمُوتُ)[لقمان:34].

  • وأجَل من حين الوصول للبرزخ إلى وقت النفخ في الصور.

  • وأجل بين النفختين.

  • وأجل في القيامة من حين النفخة الثانية إلى دخول الجنة أو النار.

  • ثم أجل مستمر في الجنة والنار.

 (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ ..(99)) لا شك، كل منهم يعرف؛ لا اختار أمه ولا اختار أباه ولا اختار بلاده ولا اختار جنسيته ولا اختار لونه. من الذي كونك؟ من أين؟ كيف تكونت؟ والآيات أمام عينك وتأتي  تكابر وتنكر وتجحد.

 يقول: (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ ..(99)) في أحد من المتحررين هؤلاء، رّتب أمه ورتب أباه واختارها ورتب ولادته في الساعة كذا، في مكان كذا، في بلاد كذا، في زمن كذا ؟! من الذي رتب الآجال هذه؟ من الذي قدرها؟ لا إله إلا هو.

قال: (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ(99))، ومع وضوح هذه الدلالات أمام أعينهم؛ (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا(99))؛ تمادياً في الغي والظلال وتشبثاً بالكفر والإنكار، (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)).

 (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ..(100))؛ لأنكم ساعة تحاصرون الناس، وساعة تجوعون الناس، وساعة تأخذون ثرواتهم وتنهبونها، كيف لو أن الله وكلكم على خزائنه ورحمته؟ ماذا ستفعلون بخلقه أنتم؟ ستهلكون عباده ولا تعطونهم شربه، ولا نفس من الهواء، ستمنعون عنهم الهواء وتمسكونه، لكن أنت لا تمسك الهواء. تأخذ رزقهم من كذا ويرزقهم ربك من كذا، وكيف لو أنت تملَّكت خزائن الرحمة وخزائن الرزق؟ والخزائن كلها وقعت بيدك ماذا ستفعل؟ أنظر الى المنعم المتوالي نعمهُ؛ على كل ذرة، على كل حجرة، على كل شجرة، على كل حيوان؛ في البحر، في البر، نِعم نِعم نِعم -تترا- يصبها عليهم -جلَّ جلاله- (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20].

لكن أنتم مخلوقين؛ أولًا تستشعرون حاجتكم وتخافون فوات الأمر عليكم وتحبون أذى غيركم وتأذونهم، لكن لو بيدكم الخزائن -لا إله إلا الله- لم يعد أحد سيعيش معكم، الخزائن هي ليست بيدهم وهناك ناس يدَّعون أنفسهم من عقول ويفكرون أنه أحسن يموت ثلثي العالم هذا من شأن النخبة فقط تعيش مرتاحة بالثروات الموجودة، هم يفكرون كذا، يا الله … فكيف لو كان صدق الآجال بيدهم؟! ولذا من أجل غرض خسيس تافه يُقَتَّل النساء، يُقَتَّل أطفال، يُقَتَّل مئة .. مائتين وعشرين ألف .. ثلاثة آلاف ..أربع لا يضر، ماهذه القلوب ؟!!

فالحمد لله الذي جعل الملك بيده وأنعم على خلقه سبحانه وتعالى بما لا يُستطيعون إحصاءه ولا يستطيعون حصره (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [النحل:18].

(إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ..(100))؛ 

  • خشية أن تنفقوا فيضعف عليكم أو يقل عندكم وينقص، ولكن خزائن ربي ما ينقص منها شيء.

  • أو (خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ.. (100)) أي خشية الفقر؛ نفق هذا المال أي بمعنى ذهب، نفقت هذا البضاعة بمعنى ذهبت

  • وأن تخافون الفقر خشية الإنفاق فتمسكون خشية الإنفاق.

(وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100))، بحكم طبعه بخيلًا يخاف، يقول عند أخذِ هذا، بعد ذلك من أين آتي به ؟ وكيف هذا؟ سيأخذ علي وانا أنظر! أحسن يكون لي، (وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا(100)) هذا طبيعتهم وأسخاهم أقربهم إلى الرب -جل جلاله- إذا آمن بهذا الإله.

فهكذا يبين لنا الرحمن -جلّ جلاله- الآيات العظيمة ويذكر لنا: (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَٰتٍ بَيِّنَٰتٍۢ ۖ فَسْـَٔلْ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُۥ فِرْعَوْنُ إِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسْحُورًا (101))؛ وَالْخَلَاصَةَ كلمات وادعاءات وجَرَاءات في أهل الكفر بأصنافهم وأنواعهم على مختلف الأزمنة وعلى في مختلف الأمكنة يرددون نفس الكلمات و (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35]، (وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ.. (97))، فالله يهدينا فيمن هداه ويحشرنا بأسماعنا وأبصارنا ويحشرنا في المكرمين، يحشرنا سبحانه وتعالى في زمرة المقربين والصالحين والصديقين وزمرة النبيين، يا رب في زمرة سيد المرسلين برحمتك يا أرحم الراحمين. لا تخلفنا عن ركبه وعن زمرته وعند دائرته حتى تدخلنا معه جنتك فإنه أول من يدخلها يا أرحم الراحمين. تدارك أمته أجمعين واجعل لنا صدق إقبال عليك في هذه الأيام والليال يا عظيم النوال يا جزيل الإفضال يا أرحم الراحمين. 

وبارك لنا في رجب هذا ولياليه وأيامه وساعاته ولحظاته بركات تامات كاملات تجعلنا فيها نرقى في مراقب التقى وندخل مع أهل النقى، وتهبنا من مواهبك الكبيرة ومننك الوفيرة ما تنور لنا به كل بصيرة وتصفي كل سريرة، وتثبتنا على الاستقامة وتتحفنا بالمنن والمواهب والمزايا والكرامة وتعيذنا من مجبات الحسرة والندامة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة حتى تجمعنا في دار الكرامة وأنت راضٍ عنَّا، اللهم بارك لنا وللأمة في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، وبلغنا رمضان، وبلغنا رمضان، وأعِنَّا على الصيام والقيام، واحفظنا من الآثام، ورقِّنا إلى أعلى مقام، ولا تحرِمنا خير ما عندك لشر ما عندنا. 

 وعجِّل بتفريج كرُوب المسلمين في غزة وفي الضفة الغربية وأكناف بيت المقدس وفي السودان وفي العراق وفي ليبيا وفي الشام وفي اليمن وفي أقطار الأرض كلها يا مُفرِّج الكروب يا دافع الخطوب، بك نستغيث ونستنصرك ونرجع إليك ونسألك ونلجأ إليك ونتضرع بين يديك مُقنيين أن الأمر لك لا تخيب رجاءنا ولا تردَّ دعاءنا؛ ولا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين.

(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) - ربنا- (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس:85-86]، (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الممتحنة:5]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:174]، (وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا) - أَنتَ مَوۡلَىٰنَا- (فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ) [البقرة:286]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10]. 

اجمع شمل المسلمين وقلوبهم على ما تحب، وادفع كيد ابليس وجنده من شياطين الإنس والجن عنا وعنهم وأصلح أهل لا إله إلا الله بلا إله إلا الله، وثبتنا وإياهم على لا إله إلا الله، وحققنا بحقائق لا إله إلا الله، واجعلها آخر كلامنا من هذه الحياة برحمتك.

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد ﷺ 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

07 رَجب 1445

تاريخ النشر الميلادي

17 يناير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام