تفسير سورة الإسراء، من قوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. )، الآية: 36

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الإسراء: 

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}

مساء الإثنين: 03 ربيع أول 1445هـ

نص الدرس مكتوب:

الحمدُ لله مُكرِمنا بالقرآن وتنزيله، وبيانه على لسان عبده وحبيبه ورسوله، سيدنا محمدٍ صلى الله سلم وبارَك وكرَّم عليه، وعلى آله وأصحابه، وأهل ولائه ومتابعته في نيته وفعله وقوله، وعلى آبائه وإخوانه مِن أنبياء الله ورسله، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقرَّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمن.

أما بعد،،

فإننا في نعمة ومنَّة ورحمة تأمُّلنا وتدبُّرنا لخِطاب وكلام وتوجيه ربِّنا -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- وصلنا في سورة الإسراء، ومررنا على قوله -جلَّ جلاله و-تعالى في علاه-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..(36))؛ وفي هذا بيانُ أساسٍ مِن التثبُّت في مُختلَف شُؤون الإنسان، حتى لا يُجاوِزَ حدَّ، ولا يتسبَّب في سُوءٍ وشرٍ ويُقيم أمورًا على وهمٍ وظنٍ، يخرجُ به عمَّا هو أجمل وأحسن، وقد يُرديه إلى فحشٍ وسوءٍ، وتقومُ به سُوءُ علاقاتٍ بين الناس مردُّ كلُّ هذه الآفات إلى أن يقفُوَ الإنسان ما ليس لهُ به علمٍ، أن يتقوَّل، أن يتطاول، أن يُصدِّق الظن والوهم، وَ "إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ"، أن يُصدِّق النَّمَامين، ويُصدِّق أرباب الأغراض المُتكلمين على غيرهم.

اتباع الإنسان الشيء بغير علمٍ، (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..(36))، فلا تتبع ولا تقول على أحد، ولا تُصدِّق في أحد ما لم ينتهِ إلى حدِّ علمِك، فإذا انتهيت به أو وصلت فيه إلى حدِّ العلم، فإنَّ منهج الله يعلمك

  • كيف تتعامل مع ما علمت مِن سوءٍ، 
  • وكيف تنأى بنفسك عن أن تكون ناشرَ سوءٍ، 
  • أو مَن يُحب أن يشيع بين الناس سوءٍ، 
  • أو أن تكون مُغتابًا، أو أن تكون نمَّامًا، 
  • بل تكونُ ناصحًا ومُعالِجًا بقدر الطاقة والإمكان؛ 

فهذا منهج الرحمن الذي يصلح به الشأن، ونجد أكثر ما يُنشر اليوم ويُذاع ويُصدَّق ويُتَّبع أنواعًا مِن الكذب، والتدليس، والباطل، والخديعة، والغشّ، وتصوير الأمر على غير ما هو عليه في الواقع؛ وبذلك أثارت شرورًا كثيرة بين الناس؛ هذا مصدر دائها، مصدرُ ذلك الشر، ومهما أريد معالجة هذا الشر مِن دونِ إزاحة هذا المصدر فلن يعالج، فإنه لا يزال يُصدِّر هذه الشرور ويقويها حتى يستقيم الإنسان على أن: لَا يَقْفُ مَا لَيْسَ لَه بِهِ عِلْم، وأن يُحكِّم العلم الصحيح، وأن يحتاط في نقل الأخبار وفي تصديق الأخبار، وفي نقل الأحكام، وفي كل ما يُزاوله. 

وذكر لنا أساسًا لهذا الأصل، ولهذه القاعدة، وهو تذكُرنا أنَّ ما أوتينا مِن سمعٍ وبصرٍ وفؤادٍ، أوتينا كُلَّ ذلك؛ لنُختبر به ولينظر ما الذي يُوصِلُنا إليه، أي كيف نتصرَّفُ فيها؟ وكيف نستعمِلُها؟ (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36))، كل أولئك مِن السمع والبصر والفؤاد، كان هذا الانسان عنه مسؤلاَ مِن قبل مَن أعطاهُ إياه؛ قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). والذين يجحدون لا يستفيدون مِن حقيقة السمع والبصر ولا الفؤاد، بل هم الذين قال الخالق عنهم: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا) [الأعراف:179].

يقول تعالى -عن الذين كذبوا نبيَّ الله هود عليه السلام، واغترُّوا بما عندهم من قوة، وكابروا وجاهدوا إلى وقت أن جاءهم ساعة قُرب العذاب وهم يكابرون-: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) [الأحقاف:24]، هذا الخير لنا والفائدة والرحمة، (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *  تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) [الأحقاف:24-25]، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، (كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [الأحقاف:25]. ولقد (جَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً) [الأحقاف:26]؛ لكن ما أحسنوا استعمالها، ما قاموا بحقها، ما وظَّفوها في وظيفتها، (فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ) [الأحقاف:26]، لماذا؟ ماالسبب؟! (إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأحقاف:26]. فالجاحدون بآيات الله من الموجودين على ظهر الأرض، هم الذين يفوتهم أن ينتفعوا بسمعٍ أو بصرٍ أو فؤاد، فمنافع السمع والبصر والفؤاد؛ معطلةٌ عندهم

لكن مَن أصغى إلى آيات الله ولم يجحد بها وآمن وحمل نفسه على اتباعها، فهو الذي يحسن استعمال السمع والبصر والفؤاد، ويستفيد مِن سمعه، ويستفيد مِن بصره، ويستفيد مِن فؤاده؛ فوائد ومنافع دائمة أبدية، ونعيمًا سرمديًا أبديًا، ولذائذ وحلاوة دائمة مؤبدة يستفيدها مِن خلال هذا السمع والبصر والفؤاد، فيما يغضُّه عن ما حرَّم الله عليه، وفيما يستشفُّ به أسرار حكمة الله في هذا الوجود وما مِن موجودٍ إلاَّ وهو شاهدٌ بعظمة مُوجده، وعلو مُوجده، وقدرة مُوجده، وإرادة موجده -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- كما يأتي معنا قوله: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ..(44))

يقولُ: هؤلاء هم الذين ينتفعون مِن السمع والبصر والفؤاد، فأعظم مَن انتفع مِن السمع والبصر والفؤاد الأنبياء، ثم أتباعهم على قدر اتِباعهم وقدر وعيهم لِما بلغ الأنبياء، هؤلاء ينتفعون مِن السمع والبصر والفؤاد؛ ولهذا يقول: هؤلاء الذين لم ينتفعوا مِن سمعهم، وبصرهم في الدنيا، إذا شاهدوا الآخرة أيقنوا أنهم لو كانوا أحسنوا السمع وأحسنوا البصر لكانوا اهتدوا إلى وجود الخالق، وعظمته، وأُلوهيته، وربوبيته، وإحاطته بهم، ولخضعوا لجلاله واستعدوا للقائه. وقال: لكن في القيامة بعدما تنكشف الحقيقة قالوا: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) [السجدة:12]، لماذا؟  هل  كنتم لا تبصرون ولا تسمعون؟! أمَّا في الظاهر هم يعدُّون أنفسهم أنهم السامعين، وأنهم الباصرين، وأن عندهم التقدم في السمع والبصر، وأنهم لا أحد أسمع منهم، ولا أبصر منهم؛ لكن لمَّا انكشفت الحقيقة قالوا: ماكُنَّا نَسْمَعُ، ولا نبصر ولا ..! ربنا الآن (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا) [السجدة:12]، ما شأن مَن سمع وبصر في عالم الدنيا؟ هؤلاء لو رجعوا إلى الدنيا وهم سامعين مبصرين ماذا يعملون؟ (نَعْمَلْ صَالِحًا)، (فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا) [السجدة:12].

السامعون البصراء عاملون بالصالحات، هم هؤلاء، العاملون هم الذين يسمعون، وهم الذين يبصرون وهؤلاء يقولون: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) [السجدة:12]، الآن جاء اليقين؛ لكن كانت عندكم الفرصة أن تسمعوا وتبصروا أيام كنتم في الدنيا، وأن تتقوا، وتعملوا الصالح، فما لكم؟ حتى توصَّلتم في وقت مِن الأوقات إلى الشذوذ وسميتوه المثلية، وإلى تحويل الخِلقة، (وَلَآمُرَنَّهُمْ)، إبليس يقول: (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) [النساء:119]، وتفاخرتم بذلك! أين السمع والبصر؟! أين السمع والبصر؟! لماذا ما أبصرتم وسمعتم أيام كنتم في الدنيا؟  غيركم سمع وأبصر، فهو اليوم يدرك ثمر ما سمع وأبصر، ويأخذ لذائذ ما سمع وأبصر. اليوم بصرهم يرى وجوه أنبيائنا، ويرى وجوه المقربين عندنا، ويرى عجائب نعمتنا، وأسماعهم تسمعُ خطابنا الطيب لهم، ونكلمهم وننظر إليهم ونزكيهم؛ جاءت نتائج الأسماع والأبصار. الله! الله! الله! ويسمعون ملائكتنا تقول لهم: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30]، ويقولون لهم: (هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء:103]، الله أكبر.

وهكذا مَن أحسن السمع، والبصر في الدنيا، كيف تكون عاقبته؟ وكيف تكون نتيجته؟ يا ربي ارزقنا حسن استعمال السمع والبصر على ما تحبه يا حي يا قيوم. وهكذا يقول هؤلاء الذين عطلوا الأسماع والأبصار في الدنيا يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ) [الملك:10]، أفئدة! ما في عنده فؤاد وقلب يعرف فقط كيف ينهب، كيف يخدع، كيف يتفاخر، كيف يصنع سلاح يهلك خلق الله، كيف يقضي شهواته في الدنيا. هذا عقل؟! هذا قلب هذا؟! ما وصل رتبة الحيوان، الحيوان يقضي شهوته باعتدال، ولا ينسى ذا الجلال، يُسَبِّحُ بِحَمْدِ ربه. وذا إنسان أين قلبه؟  أين العقل؟! جاوز الحيوان. لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .. لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ) [الملك:10-11]، ما هو ذنبهم؟

  • أنهم خانوا أمانة السمع، والبصر، فلم يُحسنوا استعمال السمع ولا العقل. 
  • وأنهم خانوا أمانة العقل، وأمانة السمع، خانوا أمانة السمع؛ فاستهزأوا بالأنبياء، وبالمرسلين، ومن يبلغهم عن الأنبياء والمرسلين، وقالوا خرافات، وقالوا أساطير الأولين. 

وقالوا ما يقول اليوم الكافرون والفاجرون، ما يقولون عن آيات الله، وعن كلام الصالحين في زمانهم، هذه الأقاويل قالوا عنها هكذا؛ فعطلوا أمانة السمع، فكان هذا ذنبهم؛ لأن الذنوب الأخرى تكبت عليهم، وعطلوا أمانة العقل.

والعقل وما حواليهم يدلهم على عظمة الخالق، وصدق المرسلين، وصدق مَن يبلغ عن المرسلين؛ لكن ما أحسنوا استعمال العقل، راحوا يُسخَِرون العقل لشهواتهم، ويخضعونه لأهوائهم، فخانوا الأمانة في العقل؛ فلهذا قالوا هذا الذنب حقهم: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا) [الملك:10-11]، هذا الذنب؟ ما هو الذنب؟! أنهم ما سمعوا! يعني خانوا أمانة السمع، والعقل، فبذا 

  • تعرف حاجة مَن على ظهر الأرض مِن الكفار والفجار إلى الإنقاذ، 
  • وتعرف المهمة الكبيرة عند المؤمنين التي ما عرفوا قدرها إلاَّ القليل منهم، والقليل منهم هم الذين لهم بكاء في السجود، وفي الخلوات؛ لإنقاذ هذه الأمة، وبذلوا غاية المستطاع للتبيين وللتذكير، هؤلاء الذين أدركوا، عامة المؤمنين ماأدركوا عظمة هذه المهمة وأنّ عليهم هذا الواجب؛ لينقذوا الأمة.

عطلوا أمانة السمع، عطلوا أمانة العقل، عطلوا أمانة البصر، فدعَوا الناس أن يفكوا أبصارهم على الوساخات، وعلى القاذورات، وعلى التفاهات، وعلى السفليات. والله تعالى خلق البصر؛ لنتلوَ هذه الآيات، ولنتأمل عظمة الكون، ولننظر للناس بعين الرحمة، ولنهتدي في طريقنا الظاهرة والباطنة. كم صرفوها وحرّفوها؟! ضيعوا أمانة البصر، فما يستحقون أن يروا وجه نبي في الآخرة، ولا وجه مُقرب عند الله، ولا يستحقون أن ترى أبصارهم الجنة، ولا أن تسمع ما فيها مِن الصوت الجميل، ولا من النداء الحسن مِن الملائكة، ولا يفقهون حقيقة ذلك النعيم مع ما يُبصَّرون، لذا تحسروا كما يقول: (يُبَصَّرُونَهُمْ) [المعارج:11]؛ يعني يرجع إليهم عقلهم، فيعرفون أنَّ هذا فلان الذي كان معه في الدنيا فاز؛ لأنه أحسن أداء الأمانة في السمع والبصر والعقل، واتبع الأنبياء (يُبَصَّرُونَهُمْ) [المعارج:11]. 

يقول جلَّ جلاله -وتعالى في علاه-: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًاإِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًاوَنَرَاهُ قَرِيبًايَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِوَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِوَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًايُبَصَّرُونَهُمْ) [المعارج:4-11]، يُمكَّنون مِن النظر لهم، كما يمكنون مِن نداء أهل الجنة؛ ليزيد تحسرهم، ومنهم من يقرب من الحوض حتى يرى عذوبة هذا الماء وصفاءه فيُطرد طرداً، فيقولون: ما لكم؟! قال: لأنكم كذا وكذا وعطلتم أمانة الأسماع، والأبصار، والعقول. يقول: لماذا قربتونا منه؟! لماذا تركتونا نراه ونشمُّه؟! قالوا: لتزدادوا حسرة، انظروا الى أنفسكم! ضيعتم ماذا؟ فوّتُّم ماذا؟  يامغترين، يا مفترين، يا مجترئين على الله جلَّ جلاله. 

  • فما أشرف مَن يعيش على ظهر الأرض خاضع لجلال ربِّ السماء والأرض؛ هؤلاء الأعزة؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8]؛ هم هؤلاء لهم العزة، والعزة لهم، والشرف والكرامة لهم. حققنا الله بحقائق الإيمان، وأعزنا بالأدب معهم والخضوع لجلاله، والطاعة له يا أكرم الأكرمين.
  • ما أَعزَت العِباد أنفُسها بمثلِ طاعة الله ولا أهانت أنفُسها بمثل معصية الله، هكذا يقولون: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [الملك:10]، وقال عَنهم الحقُ في وصفهم هذا بهذه الحالة: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) [البقرة:18]، (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [البقرة:171]، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

ويقولُ سبحانه وتعالى: (وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) [الاعراف:100]، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46]، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46]، (وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ ) [الإسراء:72].

فَنَحمد الله على نِعمَة الإسلام -اللهم زدنا إسلامًا-. ونحمدُ الله على نعمة الإيمان -اللهم زدنا إيمانًا-.  نحمد الله على نعمة العافية، -اللهم زدنا عافية-. ونحمدُ الله على نعمة العمرِ ونسأله أن يُبارك لنا فيه، نزداد من أيامنا وليالينا قربًا من إلهِنا وبارينا وفهمًا عن مُرشدنا وهادينا، ومعرفةً بأسرار الوحي والتنزيل وثباتًا على سواءِ السبيل؛ فهذا 

  • أعظم ما يمكن اكتسابه من خلال هذا العمْر، أعظم ما يمكن اكتسابه مِن خلال هذا العمر، وما عدا ذلك وما خرج عنه فإلى متى؟ وإلى أي مَدى يظلُ معكِ أو تظل مِعه؟
  • ما عدا ذلك وما خرج عنه؛ لابد أن يفارقك ولابد أن تفارقه، لابد أن ينقطع عنكِ، لابد أن تنقطع عنه، لابد أن يُحال بينك وبينه، لكن هذا الذي يبقى معك؛ أعلى ما تكتسبه في هذه الحياة، -ارزقنا حسن الاكتساب في أعمارنا وبارك لنا فيها يا ربنا-.

(إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا (36))؛ يقول جلَّ جلاله: (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ) -نختبره- (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان:1-2]، فيُرثى الذي يَسقُط في الإختبار، والذي يَهرُب من يَوم الإختبار، ومن قاعة الإختبار ويظن أنَّه سَيَسلَم!  كيف سَيَسلَم! ستطلع النتيجة عليك؟ ..  ادخل واختبر .. وانتبه لنفسَك .. وإلا فأنت الخاسر. ويظن من شرد عن الاختبار في المدرسة يطلع الأول على مستوى فصله، هل ممكن؟!  لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

قم بأمر الله وامتثل واجتنب ما نهاك عنه وانجح وادخل، خذْ  لك درجة .. خذ  لك درجة ..  نص ..  أكثر .. خذ لك درجة .. أما تروح هناك!!  تكفر بالله وتجحد أين ستذهب؟! مرجعك إليه والجزاء من عنده ترى.؛ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) [المؤمنون:115-116].

لا نرى أحدا منهم يرجع إلى صاحبه، ولا أحد مِنا يَرجع إليهم؟ ولا هم يرجعون إلينا، ونحن وهم راجعون إلى واحدٍ، خَلَقَنا وكَوَّننا وأوجَدنا وأرسل إلينا الرسل وأنزل علينا الكتب، وختم الرسل بنبينا الذي شرفنا به، وختم الكتب بالقرآن الذي أوحاه إليه وشرفنا بتأمله وبالجلوس في مجالس تدبر ما فيه. اللهم اجعلنا من أهل القرآن عِندك. وهل تَعرفون من أهل القرآن؟ قال عنهم، من أُنزَل عليه القرآن: "أَهْلُ القرآنِ ، هم أَهْلُ اللَّهِ، هم أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ"، من بريته، اللهم ألحقنا بهم.

(إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا (36))؛ كيف تَصَرفت فيما أعطاك من سَمعٍ؟ .. فيما أَعطاكَ مِن بَصر؟  .. فيما أعطاك من فُؤاد؟ 

  •  لا تَحرف الفِكر عما يَجب أن تُفَكِر فيه بالطَريقةِ التي شرع لك تفكر بها، 
  • ولا تَحرِف البَصر إلى نَظَر ما حَرَم عليك ،
  • ولا تَحرف السمع إلى استماع ما حرم عليك أن تسمعه،

يا مخلوقاً له يا مصنوعاً له يا موجوداً بإيجاده، يا من لا تَخرج عن قَبضَته، انتبه لِنَفسك وَقُم بِأَمرِه خَيرً لك؛ (إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا (36) وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًا ..(37))، تَرَفُعاً وكِبراً وغَطرَسَة، هذه مَسالك السقطة والسفلة هذه مسالك من لم يعرف لِمَ خُلِق ومن خَلقَه (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنً) [الفرقان:63]، ما هو مرحاً!! 

(وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًا ..(37))، وأنتم أيها المُتَكَبِرون بِعلمِكم أو بأسلِحَتِكُم أو بِحَضارَتِكُم أو بأفكاركم أو بأحزابِكُم. من منكم يخرق الأرض ومن منكم يبلغ الجبال طولا؟ فكما أنَّكم عاجِزون عن هذا، 

  • أنتم بِكِبرِكُم عاجزون عن أن تَخرُجوا عن أصلِكُم، 
  • عاجزون عن أن تغيروا الحقيقة، 
  • كما أنكم عاجزون عن أن تبلغوا الجبال طولا
  •  وعاجزون عن أن تخلقوا الأرض، إما بثقبها وإما بالوصول من طرفها إلى طرفها،

لا تستطيعون ذلك، فأنتم كذلك عاجزون، مهما تكبرتم عن أن تكونوا غير مَخلوقين وغير مَملوكين وغير مُحاسَبين، لن تغيروا من الحقيقة شَيئاً، مَهما تَكَبَرتُم مهما جَحَدتُم مهما ألحَدتُم، لن تُغَيروا من الحَقيقة شَيء، الحقيقة كما هي. 

(وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا (37))، فأنتم عاجزونَ أمام أشياء كثيرة. فلمَ بالتَكَبر! ولمَ بالمَرح؟ (وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًا ..(37))، (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص:79-81].

ابن عُمَر رأى واحِد يَمشي في الأرض يتبختر، قال إن للشياطين إخوانا، إن للشياطين إخوانا يَمشون بِهذه الصورة. ولما مَشى بعضُ الصحابة بين الصفوف وقت الجهاد وأشرف على الموت وكان يمشي متبخترا، قال ﷺ: "إن هذه مَشية يبغضها الله إلا في مثل هذه المواطن"  التَبَختُر عندَ المَوت وأنت ستقبل على ربك -بسم الله-، أما غير هذا، ما لك حق التَبَختُر ولا تمشِ إلا هونًا، ولا تَمشِ على الأرض إلا هَونًا؛ هكذا عِبادُ الرَحمن.

وبِذلك جَاء وصف سيد الأكوان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان:" كأنّما ينحطُّ من صببٍ"، إذا مَشى يَرفَعُ رِجلَهُ مِنَ الأرضِ رَفعاً بيناً، ويطَأُ الأرض بِرِجلِه مَعاً، و"كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ"، يَمشي الهُوَينَا بالوَقار ولا يُسبَق، ومن معه يَجهَدون أنفُسهم وهو بِطَبيعته يَمشي غَير مُكتَرِث، يَقول: "إنّا لنَجهَد أنفُسَنا وهو غير مُكترث"، يمشي بِطَبيعته ﷺ. 

كأنما تطوى له الأرض إذا  *** مشى و لا يشكو لغوبا أو أذى‌

صَلوات ربي وسلامه عليه، وكان أقرب الناس في مَشيَتِهِ فاطمة ابنته، حتى لما تَراها السيدة عائشة تقول: "ما تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مشية أبيها"، "ما تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مشية أبيها"، كأنها أبوها، تمشي في كيفية رفع رجلها ووضعها، مثل حبيب الرحمن صلى الله عليه وعلى آله.

يقول: (وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا (37) كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهً عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا (38))، أي المُنهيات هذه التي أنهينا عنها سيئة مكروهة عند الله.  ألا يكفيك التَنفير عنها والتَحذير منها؛ أنها مكروهة لخالقك؟ يكرهها رَبك وبارئك؟، ماذا تريد أشد من هذا! وأشنع من هذا! وأقذر من هذا! شيء، الله يكرهُه!! ماذا تريد به ؟! إبعد عنه؛ (كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئَةً عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا (38))، أمر سيء قَبيح مَكروه عند الله تبارك وتعالى. وفي قراءة: (كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا (38))، 

  • فالذي قال سيئةً، أراد به المناهي الأخيرة التي جاءت، 
  • والذي قال سيئهُ، من أول ما جاء من الآيات السابقة، أي: السيئ منها كان مكروهًا عند ربك، 

والذي أمرك به وأحبهُ مِنك هو محبوبٌ لهُ، فَدونَك فَارغَب فيه، وحَقي وأنا عبدٌ لَه: أن أُحبَ ما يُحِب وأن أَكره ما يَكرَه،- جل جلاله- فأنا عَبدُه؛ يَجب أن أُحب مايُحِب وأن أكره ما يَكره، وهذه حقيقة من حقائق التوحيد، دَرَجَ عليها الأَجاويد من صالحِ العَبيد، يُحبون كل ما أحب ويَكرهون كُل ما كَرِه الرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه-. فلا شَيء يَستَقِلّون بِمَحَبته إلا أن يُحِبه رَبُهُم، ولا شيء يَستَقِلون بِكَراهَته إلا أن يَكرَهُه رَبُهم -جَل جَلاله وتعالى في علاه -؛ فهؤلاء هم الذين يَغار عَليهُم رَبُهم، والذين يُسارِع رَبُهم في رِضاهُم -جل جلاله- لما خضعوا وتأدبوا زادهم من إحسانه وزادهم من امتِنانِه حتى قال عنهم: "وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعُطِيَنَّه، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَكُنْتُ سَمْعَه و بَصَرَة"، وَمَا أَعْظم ما يَتَنَزل الحَق لهذا الصِنف من خيار عباده، ألحقنا الله بهم. 

قال: (كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهً عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا (38) ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِ ..(39))؛ هذه المَسالِك وهذه الأذواق وهذه الأخلاق حِكمة؛ علمٌ نافع يَرتَفع به الإنسان ويَشرُف ويَتَصفى ويَنظُف ويَرقى ويَعلو ويَحوزُ سَعادة الدارين وخَيرات الدارين، بواسطة هذا العِلم الذي يُراد إنكارهُ ويراد طَمسهُ ويُراد إبعاده، ولا يزال الحق يتفضل بظهوره وبروزه في هذه الأمة الخيرية إلى آخر الزمان، الحمد لله.

إبليس ومن مَعك من جُندك من شَياطين الإنس والجِن، لا يَزال فينا من يَقهَركُم الله به ويُغيظِكُم به، حتى يَنزِل عيسى بن مَريم ويَجِد فينا قُرة عُيون مثل الحَواريين وخيراً منهم، فاعمَلوا ما شِئتم فإن ما تُقَدِموا لأَنفُسِكُم من شدة عذاب وشدة غَضب بارِئِكُم الذي لا تُطيقونها، وإنا وراء محمد سائِرون نُحب ما يُحب ونكره ما يَكره نقتدي به ونهتدي به حتى نَلقاه، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227]، (وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) [هود:122]، (اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ) [هود:121]. 

فياربِّ ثبِّتنا على الحقِّ و الهُدى *** و ياربِّ اقبضْنَا على خَيرِ مِلَّـــةِ

يقولُ: (ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ ..(39))؛ أتدرون هذا المصدر؟ أتدرون هذا المنبع؟ أتدرون هذا المرجع؟ ما هو؟! محمد لم يأتِ بتفكيرات بشرية، لم يأتِ بتجريبات إنسانية، لم يأتِ بمحاولات فكرية؛ مصدره إلٰه خَلَق وعَلَّم: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء:113]. (ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِ ..(39))؛ هذا مَقام الدين ومقام الشريعة ومقام الأخلاق ،أمر أَكبر من فِكر البَشَر ومن تَجربة البَشر والإنس والجِن، ومَن هُم أمام عِلم واضح من خالقهم ومُكَونِهم؟!  -جل جلاله-.

(ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِ ..(39))؛ العِلم النافع -اهدنا بهذا الهُدى، يا رب-، (قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ) [ٱل عمران:73]، (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ) [البقرة:120]، وما بعد الهدى إلا الضلال؛ (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ) [يونس:32]؟  فلا يُغروننا بِشَيء، ولا يُغونَنا بِشَيء مما عِندَهُم، على قَدِم محمد أحدٌ أحَد، في تَبَعية مُحَمد حتى نلقى الواحد الأحد. 

فياربِّ ثبِّتنا على الحقِّ و الهُدى. 

دعانا إلى حقٍّ بِحَقٍّ مُنَزَّلٍ *** عليهِ مِن الرحمن -(ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِ)- أفضَلُ دَعوةِ.

دعانا إلى حقٍّ بِحَقٍّ مُنَزَّلٍ *** عليهِ مِن الرحمن أفضَلُ دَعوةِ

أجَبنا قَبِلنا مُذعنينَ لأمــرِهِ *** سمعنا أطعنا عنْ هدىً وبَصِيرةِ

فياربِّ ثبِّتنا على الحقِّ و الهُدى *** و ياربِّ اقبضْنَا على خَيـــرِ مِلَّـــــــةِ

آمين يا رب 

وعم أصولاً والفروع برحمة *** وأهلاً وأصحاباً وكل قرابة

وسائرأهل الدين من كل مسلم *** أقام لك التوحيد من غير ريبة

 

ثم يقول: احذر من الكبائر العظيمة ومن الأوزار الوخيمة،  (وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (39))،  لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (مَلُومٗا) أشد من كونك (مَذْمُومًا)، كونك ملوم و اللوم عليك. (مَلُومًا مَّدْحُورًا (39))، مطروداً، أشد من كونك مخذول. وقد سبق ذِكر: (مَذْمُومًا مَّخْذُولًا (22))، لكن هذا أكبر و أشد لأن أجهل الجهل الشرك بالله تبارك وتعالى واتخاذ إله آخر مع الله جل جلاله، قل من جعل مع الله إلها آخر يلقى في جهنم ملوم فوق إنه مذموم،  و فوق كونه مَّخْذُولًا؛ مَّدْحُورًا، بالإضافة الى أنه مُعنَّف فوق دحره وفوق أخذه بقوة، مطرود فوق كونه مخذول، مخذول تعني مطرود أيضا، -والعياذ بالله تعالى- أعوذ بالله من ذلك. 

نسأل الله أن يسلك بنا أشرف المسالك إنه أكرم الأكرمين، يا رب بارك لنا في شهر ربيع الأول وفي إهلاله علينا وعلى أمة حبيبك الأكمل ونبيك الأفضل، اللهم افتح لنا في شهر ذكرى ميلاده فرجًا لأمته أجمعين، وغياثًا لأتباعه أجمعين، ثبت قلوبنا على اتباعه، واجعل هواك أحب إلينا مما سِواكما، نحيا على ذلك، ونموت على ذلك، يا ملك الممالك، يا من يعطي ولا يبالي، بعظيم العطايا وجزيل المواهب والهدايا، وكبير المِنن والمزايا، يا رب البرايا يا عالم الظواهر والخفايا، صلِّ على حبيبك سيدنا محمد وأنقذ أمته، وأصلح أمته، وارحم أمته، وفرج كروب أمته، وادفع البلاء عن أمته، واجعلنا في خيار أمته، واحشرنا في زمرته وأنت راضٍ عنا، برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين. 

بسر الفاتحة 

الى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

04 ربيع الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام