تفسير سورة الإسراء، من قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً..)، الآية: 16

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الإسراء: 

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}

مساء الإثنين: 13 محرم 1445هـ

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكْرمنا بالتنزيل، والهداية لأقوم سبيل، على لسان عبده الجليل، سيدنا المصطفى محمد الذي جعله الله سبحانه وتعالى الأصلح في الفعل والأصدق في القيل، والذي ختم به النبوة والرسالة وأحسن به الدلالة. اللهم أدم صلواتك على من نَزَل كتابك على قلبه ليكون من المنذرين بلسانٍ عربي مبين، فهديت به من شئت ويسَّرت لهم التأمل والتدبر فيه وعلى آله وصحبه أول من استمع عنه كلام إلهه وباريه ودلالاته ومعانيه على من والاهم فيك واتبعهم بإحسان وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفعت لهم القدر والمنزلة والشأن وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين. 

أما بعد ،،

فإننا في نعمة تأمُّلنا لكلام ربنا جلّ جلاله وتدبرنا لتعاليمه وتفهيمه وكلامه وإحكامه وكتابه جلّ جلاله أنتهينا إلى قوله سبحانه وتعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16))، وتعلَّمنا من ربنا الخالق المتصرِّف الذي بيده ملكوت كل شيء جلَّ جلاله أن مدار هلاك الأمم والقرى مخالفتهم لرب الورى ولما أوحى إلى أنبيائه، واشتغالهم بالفسق والمخالفة للأمر وارتكاب الكبائر والسيئات؛ فهذا هو السبب الأصيل، الأساس لهلاك كل قرية وهلاك كل أمة وهلاك كل طائفة وهلاك كل دولة من الدول، وما عدا ذلك أسباب يُسيّرها المسبب على هذا الأساس من أول ما خلق الله العباد إلى أن تقوم الساعة. 

فأساس الخراب والفساد في الدول وهلاكها وهلاك أهلها خروجهم عن أمر الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- وأن يصير الأمر إلى مترفين لا يقيمون للشرع وزْنًا ولا للدين وزْنا ولا للآخرة وزْنا؛ فيفسقون. ويزينون الفسق ونرى البشرية وصلت الآن إلى تحسين قباحة الفسق في أقبح صورها ومظاهرها وإرادة نشر ذلك؛ وهذه أسباب الدمار والهلاك على وجه الحقيقة للأمم على مدى القرون الطويلة التي مرت، وعلى ما يصير أيضا في أعمارنا القصيرة التي تمر بنا على ظهر هذه الأرض، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا)، وعلمنا ما جاء في قراءة (أمَّرْنا)، وفي قراءة (آمَرْنَا)، وعلمنا أن (أمرنا) شامل للجميع، أي أظهرنا ديننا وشريعتنا وأوصلناها إليهم بالأوامر التي يحملها إليهم الأنبياء، ففسقوا، خالفوا وغيروا، (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا)، ففسقوا فيها فتحوا أبواب الفسق وبرروا له وأرادوا تحسين قبحه وتزيين سيئه وتطيب خبيثه، والحق يقول: ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ) [النساء:88]، ومن أركسه الله لم يبقَ للمؤمن أن يكون أمامه إلا مستنكر لشأنه ولفعله ما تكونوا فئتين (أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ) [النساء:88]، أتريدون أن تجعلوا الضلال هداية؛ بأمانيكم؟ برغباتكم؟ بنفوسكم؟ الهدى هدى والضلال ضلال ما يملك أحدا يحول هدى ضلال ولا ضلال هدى ( قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ ) [آل عمران:73] جلَّ جلاله، فالهدى هدى الله وما جعله الضلال واعتبره الضلال فهو الضلال وما تكون عقول البشر ومداركهم أمام علم من خلقهم وخلق عقولهم وخلق مداركهم وخلق أذهانهم وخلق تجاربهم، وعلم بهم قبل أن يخلقهم جلَّ جلاله، و( أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [آلطلاق:12] سبحانه وتعالى؛ فلا هدى إلا هدى الله ولا ضلال إلا ما خالف هدى الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.

( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ) وبانتشار الفسق من الفواحش والمسكرات والرباء وانتقاص الضعفاء وأخذ مال الغير بغير الحق والاستهزاء بأمر الدين، بانتشار هذا الفسق يحصل التدمير، يقول جلَّ جلاله -وتعالى في علاه- في الهلاك الذي سبق في أمةٍ وهو قائم على الأساس الذي أُهلك به من قبلهم ويُهلكُ به من بعدهم، يقول جلَّ جلاله وتعالى في علاه: ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ) [الاعراف:135-136]، الهلاك جاء من هنا؛ من نكثهم العهد، من فسقهم من إبائهم تصديق موسى والاستسلام له فيما جاء به عن الله؛ بهذا غرق فرعون بهذا هلك، وقد كان في طغيان، وما كان ليُهلك قبل أن يُرسل إليه الرسول -قبل أن يأتيه موسى-، وكان في طغيانه وغيِّه، ما كان ليُهلك ولا يتدمر ولكن مع ذلك كله كان أقرب الأسباب إلى دماره بعد أن أتاه أمر الله وجاءه رسول الله فأبى وأصر إلا أن يُفسد في الأرض ويدَّعي الألوهية ويُقتل ويعمل. يقول: ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) [الأعراف:137].

ويقول: ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ) [الأعراف:137]، فوجود الحُسنَى لكل طائفة ولكل جماعة في أي بلدة كانت إلى أن تقوم الساعة؛ بالقيام بأمر الله والإيمان والعمل الصالح والصبر على ذلك،( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) [القصص:83]؛ هذه الأسباب الأساسية الحقيقية لصلاح الأمم والشعوب والطوائف والجماعات ولهلاكهم كذلك. يقول ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) وآمرنا بمعنى كثَّرنا وأمرنا بمعنى جعلنا الأمر في تلك البلد للمترفين الفسَّاق ( فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)).  

يقول الله تبارك وتعالى هذه سُنتنا في خلْقنا ومن يعيش من بني آدم على ظهر الأرض (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) كاملًا كما تتفتت المدْرة حتى لا يبقَ منها شيء ( فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ) [الأحقاف:8]، يقول جلَّ جلاله ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ  .. (17)) وليس هذا مخصوصا بزمن معين ولا وقت محدود؛ هذه سُنتنا في الوجود مهما غفلتم ومهما تغافلتم ومهما تجاهلتم، لم يوجد في واقع البشرية غير هذا، لم يوجد في واقع الناس غير هذا، ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ .. (17)) وخصص من بعد نوح؛ لأن الخطاب لمن كانوا من ذرية الذين معه في السفينة، لأنه ما عاد ُوجِد في الأرض لهم؛ ولكون الكفر والشرك بدأ من عند قوم نوح، وكان بنو آدم قبل ذلك لا يصلون إلى درجة الكفر والاشراك بالله وإنما تكون فيهم معاصي يؤآخذون بها. 

من عهد آدم عليه السلام ما كانت الفطرة تقبل أن تكْفر بالذي خلقها ولا أن تشرك معه إله آخر؛ لقرب عهدهم بالفطرة كانوا على التوحيد كلهم ومن بعد آدم ومن بعد من بعد آدم، من بعد شيث ومن بعد شيث إلى إدريس ومن بعد إدريس، وبدأ في تاريخ البشر الكفر والإنكار والشرك -أيام قوم نوح-، قال الله و من ذاك العهد :( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ )؟ يعني كثير كثير، كم أهلكنا من القرون!! كعادٍ وثمود والنمرود وما بين ثمود والنمرود أعداد كبيرة وقرون كثيرة كما ذكر الله تبارك وتعالى واستشهدنا بذلك فيما يقول سبحانه وتعالى في صريح كتابه عن أولئك الذين مروا ودُمروا تدميرا بإذن القوي القادر القهار سبحانه وتعالى يقول جلَّ جلاله -وتعالى في علاه-: ( وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ۖ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا *وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًاوَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ) [الفرقان:37-39]. بعدما قال: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ) [الفرقان:35-36].

( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ ) قرنًا بعد قرن، والقرن مائة عام، يقول محمد بن قاسم يقول: أنه جيئ بخَتَني صغير لما ولد، إلى عند النبي  -عبد الله بن بُسر- قال: فوضع يده على رأسه وقال: "يعيش هذا الْغُلَامُ قَرْنًا"، قال: فعددنا وعددنا السنين حتى كمَّل المائة ومات، قال: "يعيش هذا الْغُلَامُ قَرْنًا"، فالقرن مائة عام. ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ )، لا إله إلا الله، طوائف وطوائف فما أدري ما غرور الذين هم على ظهر الأرض اليوم!! وإلى أين يصل غرورهم وافتراؤهم؟! ماذا يغرهم؟؟ قنابل أسلحة نووية ما الذي عندهم؟؟ هذا تاريخهم، تاريخ أجدادهم، تاريخ من مر من آبائهم، ما لهم يتناسونه؟ ما لهم يغفلون عنه؟ ولن يجدوا غير السبيل الذي مضى فيه من قبلهم. فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم: ( فلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) [فاطر:43]، كما سمعتم الملك ملك الله والأمر أمر الله والخلق عبيد الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه ومع ذلك يجحدون ويبطرون. 

( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ ) يا مخصوصا بعظيم فضله وعنايته ومحبته الكبرى، ( وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17))، فهو الأعلم بسيئاتهم ومعاصيهم سرها وعلانيتها قليلها وكثيرها صغيرها وكبيرها، ( وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ). ومع ذلك وعدناك في أمتك أن لا نعمُّهم بعذاب نهلكهم به جميعاً، وكثَّرنا لهم على يدك من المكفرات للذنوب وأسباب المغفرة ؛( وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا )، وكم دمَّر بالذنوب من مضى من الأمم! ومعاني من التدمير حاصلة في هذه الأمة، ولكن كثير من التجاوزات والتكفيرات للذنوب والمغفرة للأمة خُصت بها ( وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ). 

وخذوا الحقيقة من رب الخليقة: ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ) [الإسراء:18]؛ هذه قصة الدنيا، (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) [الإسراء:18]، فإلى أي مستقبل يدعوننا هؤلاء؟ إذا اتبعناهم نصير معهم إلى جهنم، هذا ضمان مستقبل؟ إذا جئنا معكم، سواء لطلب الشهادات أو طلب الوظائف أو طلب المناصب أو طلب الدخول في الحزبيات وحرفتمونا عن منهج الله والقيام بأمره وارتكبنا ما حرَّم علينا؛ فيصير مصيرنا نار جهنم، هذا هو المستقبل الذي تنظمونه لنا أو تحفظونه علينا؟! (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا)[الإسراء:18]، واقعٌ عليه الذم والملام والعتاب مدحوراً مهاناً مذلاً مطروداً مدحور، ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:18-19]، اجعلنا من أهل السعي المشكور عندك يا رب فإنك أنت الدائم وأنت الباقي وأنت القوي إن شكرتنا شعوب أو دول سيذهبون وينتهون وماذا نستفيد؟ لكن إن شُكر سعيُنا عندك؛ نستفيد دوام الجزاء الحسن والمثوبة والنعيم، ( فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) من قِبل القوي الدائم الباقي فيتنعمون نعيم الأبد ويتلذذون لذاذة السرمد (فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) من كان يريد، فالناس يعيشون على ظهر الأرض من يريد العاجلة ومن يريد الآخرة، صنفان. 

قال الإمام عبد الله بن علوي الحداد عليه رحمة الله تعالى: والذين يتحقق في حقهم الوعيد المذكور في الآية من مريدي الدنيا هو كل من أراد الدنيا إرادة ينسى في جنبها الآخرة فلا يؤمن بها أو يؤمن ولا يعمل لها، فالأول كافر لا يؤمن بالآخرة والثاني مُصدق بالآخرة؛ ولكن إرادته للدنيا غلبت عليه فلا يبالي عند إرادة الدنيا أن يخالف وأن يعصي وأن يترك واجب وأن يفعل محرم وأن يأخذ حقوق الغير؛ فالأول كافر والثاني فاسق موسوم بالخسار، والأول كافر مُخلد في النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى- من كان يريد العاجلة بهذه الطريقة، يا من انحصرت أفكارهم في الحياة القصيرة، يا من رضوا لأنفسهم بالأعمار الساقطة حتى تجدهم من غباوتهم لا يحبون أحد يذكر لهم الموت وينفرون من ذكر الموت، لماذا؟ لأنه يسيِّب عليهم حياتهم، وهو لابد منه وآتٍ لهم ولا يقدرون أن يردوه، فما معنى الفرار من شيء لايمكن الفرار منه؟؟ ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) [الجمعة:8]، من بديع تعبير القرآن ما قال يلاحقكم من وراكم تفرون منه، إلا هو أمامك أصلاً، مُلَاقِيكُمْ الذي تفرُّ منه، ما يجي من وراك يمسكك، إلا هو أمامك تجده، (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) من أمامك يجي. تفر الى أين؟ تفر من الأمر الذي لابد منه، (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [الجمعة:8]، يا معشر من انحصر في الحياة الدنيا وكانت هو مراده نُذكركم أن الذي خلقكم أنعم عليكم بما ينقذكم من هذا الوبال وهذا البلاء لو بقيتم فيه حتى متم وقد وصلتكم الرسالة سواء كنتم رؤساء أو اُمراء أو وزراء أو مفكرين أو مخترعين أو صانعين أو طيارين أو كائنين ما كنتم؛ فإنكم معرَّضون لهلاك أبدي وعذاب سرمدي لا تطيقونه فلو أنقذتم أنفسكم كان خيرا لكم. 

 ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ .. (18))، الدنيا المُعجّلة في هذه الحياة والتي هي بالنسبة لأكثر الناس في هذه الأمة ما بين الستين والسبعين الأكثر، وبعضهم اربعين، وبعضهم عشرين، وبعضهم خمسة وعشرين، وبعضهم ثلاثين، وبعضهم سبعين، وبعضهم قليل قليل سبعين، قليل ثمانين، قليل تسعين، قليل أقل مائة يجاوز المائة أقل الأقل، و لا واحد في الألف من الأمة يجاوز المائة أقل من نسبة واحد في الألف بل الألفين بل في العشرة الألف يجاوز المائة السنة؛ يا ما أقصرها يا ما أسرع إنقضاءها، والغرور كله فيها والغرور كله فيها، والزور كله فيها، والحروب فيها والمشاكل فيها، والمضاربة فيها؛ يا عقلاء إنما بُسِطت لكم هذه الحياة لتعمروا بها الأبد، لتحوزوا بها نعيم الخلد، فاحذروا أن تتحول عليكم إلى سوء: ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ ) -الدنيا- ( عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ) ما هو كلهم يحصلوا الذي يبغوه، كم من دول سقطت، كم من محاولة إنقلاب فشلت، كم من ثورة ذهبت وما أن وصلت إلى حدّها، كم من شركة فلَّست،كم من بنك فأفلس؛ ليس ما يريدون، لا، ليس على ما يريدون ( لِمَن نُّرِيدُ ) نعطيهم من اللعاع هذا والأمر الحقير ويضحك على عقولهم الشيطان عدوهم، (لِمَن نُّرِيدُ) ليس كل واحد منهم يجد الذي يريده، والذي يُظن أنه حصل على ما يريد مِمَن ُوصف أنه صاحب دولة كبرى، ولا صاحب صنع القرار، كم نسبة الذي يحصل مما يريد، والذي لا يحصل؟ إعقل، والله يريدون أشياء كثيرة ماهم قادرين عليها في أنفسهم، في دولهم، في أسرهم، في واقعهم، في مجتمعهم في علاقتهم بالدولة هذه، في علاقتهم بالدولة هذه؛ وإن حصلوا ما حصلوا، وظلموا ما ظلموا وأكثر ما يريدونه ما حصَّلوه؛ لأنهم عبيد كما سمعتم، لأن الحاكم فوق المملكة غيرهم، غيرهم يحكمهم ليس هم، ظنوا انفسهم حكام، وفعلوا ما فعلوا ووصلوا إلى شيء مما يريدون وأكثر ما يريدون ما وصلوا إليه وهم في الدنيا، وما بعد ذلك أكبر وأشد عليهم. 

( عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ .. (18))، حتى في قراءة (ما يشاء) ما هو دخول على ميشئتهم كلها نافذة لا لا ( لِمَن نُّرِيدُ)والحاكم فوقهم الحاكم فوقهم، والملك فوقهم ما هو على ما يريدون ( لِمَن نُّرِيدُ) بالمقدار الذي نُريد من وقت كذا إلى وقت كذا، من حجم كذا إلى حجم كذا، وانتهت بس غير هذا ما يقدرون عليه "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"، قال النبي لابن الصياد اليهودي: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"، ما تتجاوز حدك، وهم كذلك صغيرهم وكبيرهم، وهل كان النمرود يُحصِّل ما يريد؟ وهل كان فرعون يحصل ما يريد؟ ولماذا يحتاج  للمقاتلة؟ ويُجهز الجيش؛ لأن له اشياء ما يريدها، لم يحصلوا على ما أرادوا، ولكن شيء مما أرادوا أعطاهم، واغتروا به وجحدوا وعاندوا؛ فجعل لهم جهنم يصلونها مُذمومين مُهانين مُدحورين، اللوم عليهم، والصغار عليهم، الذلة عليهم، -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. 

كما يقول جلَّ جلاله وتعالى في علاه: ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) -هل تعرف الْهُونِ؟ هون: منتهى الهوان- ( بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف:20]، فالفسق سبب كل مصيبة في العالم يُحسِّنون له، يزيِّنون له، يدعون الناس إليه -دفع الله شرهم عنا- ، ويضحكون على الشباب مساكين بنزواتهم، وقوة شهواتهم يضحكون عليهم، ومع أن فوز الشباب وعزتهم في ضبط هذه الشهوات، وتسخيرها بما أحب لهم خالقها ومبتليهم بها ومختبرهم بها جلَّ جلاله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ ) -فمن ابتغى وراء ذلك من أنواع الفسق- ( فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ )  [المؤمنون:5-7]، تعدُّوا الحدود فلهم الجزاء. 

وهم يثبتون بعلومهم وما توصلوا إليه من تقدُّم كما هو في القرن الماضي؛ أن مصائب الإيدز وأنواع من الأمراض الخطيرة تنتشر بسبب الزنا، وتنتشر بسبب اللواط. وكلما عملوا دراسة يخفونها، ثم بعد ذلك يبعدونها، ثم يقولون نُشرّع، يحسبون أنها شريعة ويتركون كل هذا، وينسون كل هذا. عملوا ضجة على الكورونا، بعدها جاءوا بيعملوا ضجة على مرض آخر -مرض القرود-، ظهرت أول ما ظهرت في الشاذين جنسياً، سكتوا ساكتين "ما فشت الفاحشة في قوم إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم" صدق حبيب الخالق صدق محمد الصادق وكذبوا، هم يكذبون ما توصلوا إليه من تحليل صحيح، يرجعون يكذبونه. 

كانوا ينشرون في فترة من الفترات فوائد الختان المعتدل للمرأة صحياً، وجسدياً، ومنافعه الكثيرة، مرت فترة، ثم يأتوا في مشروع إبليس عندهم: أن هذا الختان الذين سيعدل شهواتهم فيصعب استجرارهن لأن يكونن بضاعة للفسق فأحسن إمنعوه، وجرِّموه وقولوا: جريمة، هم بنفسهم بعلومهم قد نشروا فوائد، ثم يردونه جريمة وممنوع،لعب، لا علم ولا عقل؛ مسأله فسق، هل تعرف الفسق؟! هم فساق -دفع الله شرهم عنا وعن الأمة-. 

  يقول: ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19))،  أراد الآخرة: آمن وصدّق بالمعاد ضوالمرجع الذي العلامات عليه واضحة والدلالات قويمة وبُعث به الرسل من عهد آدم عليه السلام إلى أن جاء النبي محمد عليه الصلاة و السلام، كلهم على هذه الحقيقة وإثباتها (أَرَادَ الْآخِرَةَ)، أراد الفوز والنعيم في الدار الآخرة، أراد الآخرة إرادة صادقة، كيف إرادة صادقة؟ وسعى لها سعيها، ما أراد لها إرادة لم ينتهض بقيامها، لا، وسعى لها سعيها اللائق بها، ما هو سعي الآخرة؟ 

كان يقول سيدنا عبد الرحمن السقاف بن محمد مولى الدويلة:  

  • كل علم بلا عمل باطل،
  • كل علم وعمل بلا نية هباء،
  • كل علم وعمل ونية بلا موافقة سنة مردود،
  • كل علم وعمل ونية وموافقة سنة بلا ورع خُسران،

إذًا فسعي الآخرة؛ علم وعمل ونية، إخلاص لوجه الله تعالى، وإرادة لوجهه وموافقة لسنة المقتدى القدوة محمد : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) [الأحزاب:21]، ( قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) [آل عمران:31]، ومع ذلك تورُّع، و حذر؛ هذا سعي الآخرة؛ ما قام على هذا من عبادة، من طاعة، من صلاة من صيام، من صدقة، من إصلاح مجتمع، من زراعة من حراثة، من صناعة، من خدمات اجتماعية، من خدمات صحية طبية ،ما قام على هذا الأساس علم، وعمل، ونية، وموافقة للسنة وورع؛ هذا سعي الآخرة هذا سعي الآخرة.

( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ .. (19)) -بكمال الإيمان- ( فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم .. (19))، أتولى شكرهم، وأنا الرب رب الدنيا، ورب الآخرة أتولاهم، أرعاهم، أثبت لهم ما عملوا ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) [النساء:40]، قوله جلَّ جلاله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) [الكهف:30]، ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [الأنعام:160]، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [الزلزلة:7-8].

(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)) -اجعلنا منهم يا رب- (.. فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا)، يقولُ الله هؤلاء يعيشون في الدنيا، مريدون للآخرة ومريدون للدنيا، -الله الله الله- يريدون الدنيا في متاعها العاجل ولذائذها المنقضية فقط، الذين يريدون الآخرة يأخذون من الدنيا ما يعينهم على سبيل الآخرة؛ من مطعم، من مشرب، من ملبس، من منكح، من مركوب، من مسكن، من أدوات، من مادة وغير ذلك، كل ما يأخذونه من حِلٍّ بوفق شرع الله وينفقونه في مرضاة الله تبارك وتعالى، فهؤلاء يأخذون من الدنيا ما يحقق لهم إرادةَ الآخرة، ولا أرادوا الآخرة إلا لأجل ربِّ الآخرة -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- ( كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ .. (20))، الذين يريدون الدنيا يمدهم، قال؛ ساعة نعمل لهم تكنولوجيا، وساعة نعمل لهم أجهزة معينة، وساعة نعمل لهم وسائل نقل ومواصلات، وساعة.. 

( نُّمِدُّ ) نعطي هؤلاء وهؤلاء، وهؤلاء أيضًا المؤمنون نمدهم بنور الإيمان، وبالثبات، وبتسخير الأسباب لهم نمدهم، ونجعل كثير من سعي الكفار ينتفع به هؤلاء المؤمنون، يصرفونه في الآخرة، وهم عملوه من أجل الدنيا أو من أجل أن يفسدوا الدين، فيأخذه أصفياءنا هؤلاء ويصرفونه لخدمة الدين -الله أكبر-، (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ .. (20))، -الله- لا أحد يستقل لا فرد ولا جماعة ولا شعب ولا دولة بإحداث شيء؛ لأنه الذي فوقهم، هذا عطاء ربك يامحمد! الذي أرسلك وختم بك النبوة؛ هذا منه، الذي يمد به الكفار، والذي يمد به المؤمنين، الذي يمد به من يريد الدنيا. 

( كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20))، ممنوعًا ولامحصورًا على أحد، كلٍ غارق في عطاء الله مؤمنهم وكافرهم، هؤلاء خُلقوا من عدم ومعهم أسماع من الله، وأبصار من الله، ويد من الله، وصحة من الله، وعافية من الله لمن صح منهم، ومال من الله، وتسخير أسباب كلها من الله؛ لا شيء من عندهم أصلًا. والمؤمنون الذين يريدون الأخرة كذلك عندهم توفيق من الله، وعندهم نور من الله، وعندهم تيسير من الله، وتسخير من الله، وإلهام للرشد من الله (.. مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ..)؛ ربك الذي أرسلك يا محمد، هم في قبضته كلهم وما يملكون شيء إلا ما أعطاهم ( كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا )

فتَفَكَّر يا أيها المؤمن!، تَفَكَّر يا أيها العاقل!، (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ..(21)) وفارق كبير بين مريدي الآخرة ومريدي الدنيا؛ مريدي الآخرة أنفسهم درجات درجات درجات، مريدي الدنيا.. كم من فوارق بينهم؟! فتأمَّل ... رئيس .. ومرؤوس .. أمير .. ومأمور .. وغني .. وفقير .. وصحيح .. ومريض؛ فوارق واعتبارات كبيرة كثيرة في عالم الدنيا، ( انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ). وأرباب الآخرة كذلك ما بين محافظ على الأوامر ومجتنب النواهي، ما بين واقع في المحظورات، وما بين أرفع من محافظ على السنن ومجتنب للشبهات، وما بين صاحب معرفة وذوق، وما بين صاحب صِدِّيقيِّة، وما بين أنبياء ومرسلين، (.. فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ..) ترون في الدنيا أيضًا كيف التفضيلات والفوارق بينكم. 

(.. وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21))، يقول الرحمن: عندي في الدار الآخرة درجات في الجنان لا تحصى، ودركات في النيران لا تحصى، فإن أردتم السلامة من شيء فمن دركات النيران خيرٌ لكم، خير من السلامة من فقر في الدنيا، خير من السلامة من مرض في الدنيا، خير من السلامة من موت مُعجل والموت لابدَّ منه، لكن وإن أردتم الفوز بشيء؛ فدرجات الآخرة خير لكم، خير من وزارة في الدنيا، خير من رئاسة في الدنيا، خير من قيادة جيش في الدنيا؛ أن تنال الدرجات الآخرة فاحرص عليها، (.. وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا).

فاسلكوا في الطريق، يقول الله لحبيبه؛ خاطِبْ العباد بهذا الخطاب الذي أوجهه إليك: (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ..(22)) إن أردت الدرجات والسلامة من الدركات؛ (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ..) فإنَّما الله وحده خالق كل شيء وبيد ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء. (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ..) لا تنصب هواك صنمًا تسجد له، ولا تنصب شهواتك صنمًا تسجد له، ولا تنصب رئاسة رئيس صنمًا تسجد له، ولا تنصب اتجاه متجه بحزبية وغيرها صنمًا تسجد له، (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ..) لا تسجد إلا لله، اخضع لجلاله وقدِّم أمره على كل أمر، (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ ..(22)) -إن جعلت مع الله إلهاً آخر- (.. مَذْمُومًا ..) مُلامًا .. مُعتبًا .. قبيحًا .. سيئًا .. مخذولًا .. مذمومًا بين العباد، مخذولًا من رب العباد -والعياذ بالله تعالى- فالذم والخذلان في اتخاذ إلهٍ آخر مع الله، ألا لا إله إلا الله ثبتنا عليها يا رب واختم بها أعمارنا واجعلنا عندك من خواص أهلها المتحققين بها، (لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا (22)).

حققِنا بحقائق لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّه، واجعل سراية أنوار توحيد حبيبك محمد لك سارية إلى قلوبنا حتى نوقن اليقين التام ونترقى المراقي الشريفة الرفيعة العليَّة في علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين أن لَا إِلَٰهَ إِلَّا أنت بما أوحيت إلى حبيبك ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) [محمد:19]، يا محيطًا علماً بكل شيء ثبتنا على ما تحب، واجعلنا في من تحب. 

"يا لطيفًا بخَلقِهِ، يا خبيرًا بخَلقِه،يا عليمًا بخَلقِهِ،  الطُفْ بِي يا لطيفُ يا عليمُ يا خبيرُ

"يا لطيفا لم يزل، الطُف بِنَا فيما نزل، إنك لطيف لم تزل .. الطُف بِنَا والمسلمين"،  

.. الطُف بِنَا والمسلمين"، .. الطُف بِنَا والمسلمين"،

"يالطيفًا لم يزل إنك لطيف لم تزل ألطف بنا فيما نزل إنك لطيف لم تزل ألطف بنا والمسلمين "

"يا لطيفا لم يزل، الطُف بِنَا فيما نزل، إنك لطيف لم تزل .. الطُف بِنَا والمسلمين"،  

.. الطُف بِنَا والمسلمين"، .. الطُف بِنَا والمسلمين"،

واجعل هذا العام، من أبرك الأعوام، على أهل الإسلام، في كل خاص وعام، ورُدَّ كيد الكفرة الفسقة اللئام، وما يحبونه من نشر فسق في شبابنا وشاباتنا وربوعنا، ردهم عنَّا ورد كيدهم فينا واقطعهم واردعهم وامنعهم بما بما شئت، وكيف شئت، وارزقنا الاستجابة لداعيك ومناديك وما أوحيت إلى خاتم أنبيائك ورسلك والعمل على ذلك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين.

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

سبحانه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 

تاريخ النشر الهجري

14 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

31 يوليو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام