تفسير سورة الإسراء، من قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ... ) الآية 99 إلى 104

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الإسراء: 

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) 

مساء الإثنين 17 رجب الأصب 1445 هـ 

نص الدرس:

الحمد لله مكرمنا بالوحي والتنزيل، وبيانه على لسان رسوله خيرِ هادٍ ودليل، سيدنا محمد صاحب الإسراء والمعراج والتشريف والتكريم والتبجيل والتخصيص والتعظيم، من حضرةِ الملك الجليل، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على المخصص بالتفضيل، عبدك المصطفى سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه خير جيل، وعلى من والاهم فيك واتبعهم بإحسان في النية والفعل والقيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أهل الفضل الجزيل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك ياأرحم الراحمين.

 أما بعد،،،

 فإننا في نعمة تدبُّرنا لكلام ربنا وخطابه، وتعليمه وإرشاده، وصلنا في أواخر سورة الإسراء إلى قوله جلَّ جلاله: (أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99))،  يوجِّه سبحانه وتعالى عقول عباده المُكلَّفين على ظهر الأرض، أن تُحسِن النظر، وأن تَستبصِر الأمر والخبر، وأن تُحسِن استعمال هذه العقول التي أوتيَتها من محض فضل العلي الأكبر، سبحانه وتعالى.

 فمن لا يُحسُن استعمال عقله في واضح الفكر؛ كمن يتنكَّر لنعمة العين والبصر؛ إما بالتغميض بالجفن على الاستمرار، أو بمغالطته لنفسه بأن يقول عن القريب بعيد، أوالبعيد قريب، والأسود أبيض، أوالأبيض أسود، وما إلى ذلك. هذا انسان أخبل، وجاهل أهبل، ولو أحسن استعمال النظر، لأقّر ببياض الأبيض، وبسواد الأسود، ولعرف القرب والبعد من خلال استعمال هذا النظر الموهوب له من قبل الله، لو كان فاقد البصر كان له العذر، وهؤلاء وهبهم الله العقول ثم لم يحسنوا النظر، ولم يحسنوا استعمالها، وينكرون البعث، وينكرون الإعادة بعد الموت؛ وهو (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ..) [الملك:2] جلَّ جلاله، (وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمًا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) [الإسراء: 49].

 يقول الله وأمام أعينكم: (أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ…(99))، انظروا القدرة أمام عينيك، ما هذا الخلق؟ ما هذا التكوين؟ ما هذا الإيجاد؟ ما هذا الإنشاء؟ ما هذا الابداع؟ ما هذا التصوير؟ (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر:57]، كم مقدارك؟ وكم تسع؟ وكم وزنك؟ وهذا السماوات المخلوقة فوقك، والمبنيَّة بالبناء المُحكم، وعلى مدى القرون، هل تعرف لها هيئة من الهيئات لصيانتها؟! لمفاقدتها، لترميمها في شيء؟! وباقي على مدى هذه القرون بهذه القوة الضخمة، ما هذه القدرة؟ هل سيعجز أن يخلقك ويردك ثاني مرة؟!! ويخلق مثلك؟!! ما لك تُعطِّل العقل، ما لك تعطل العقل الذي أعطاك الله إياه؟!!

(أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ.. (99))، لا شك ولا ريب فيه، أجل مسمى لخلقه؛ لإخراجهم من بطونِ أمهاتهم، لأيام صِباهم، وأيام شبابهم وقوتهم، وكبرهم، ولِلحظات موتهم، ولبقائهم في البرزخ، آجال رتبها، سماها لا ريب فيها ولا شك ولا جدل (..وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًاا رَيْبَ فِيهِ..(99))، وترى هذا، وتنظره أمام عينك، وواقع البشر، (..یَهَبُ لِمَن یَشَاۤءُ إِنَـٰثًا وَیَهَبُ لِمَن یَشَاۤءُ ٱلذُّكُورَ* أَوۡ یُزَوِّجُهُمۡ  ذُكۡرَانًا وَإِنَـٰاثًا وَیَجۡعَلُ مَن یَشَاۤءُ عَقِیمًاۚ إِنَّهُۥعَليمٌ قَدِير) [الشورى:49-50] -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- وجعل هذه الآجال أمامنا (لَّا رَيْبَ فِيهِ..(99)).

 فبعدها كيف ينكرون؟! (.. فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99))؛ معاندة ومغالطة، وتَنكُّر للحق الواضح الصريح؛ إلا إننا -وما في الوجود كله- أدلَّة قاطعة على صدق الرسل، وخاتمهم سيد المرسلين، وأنهم جاءوا بالحق من عند الخالق القوي المتين، الأول الآخر، الباطن الظاهر، المقدِّم المؤخِّر، الرافع الخافض، المعز المذل، المحيي المميت؛ (تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا..) [الملك:1]، فاجعلنا من أحسن عبادك عملا يا رب، وما كان من السوء من أعمالنا وأقوالنا و نياتنا في ماضي أعمارنا اغفره  لنا، وسامحنا فيه، واجعل ما بقي من أعمالنا في أحسن الأعمال، (.. لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ* ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖ..) [الملك:2-3]، كلُّ خلقه مُبدَع مُتقن مُحكم قوي عجيب، فيه حِكم وآيات، وترتيب بديع (..مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ* ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ* وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ) [الملك:3-4]. 

(..فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ…(100))، لو كان خزائن الأرزاق والرحمات لِأنواع المواهب والعطايا بيدكم، لكنتم تمنعونها عمن لا يمشي في آرائكم، ومن لا ينقاد لأهوائكم، ومن لا يخضع لقراراتكم، كما أنتم تحاولون، يحاولون يصلِّحون حصارات مثلاً، وحصار على البلاد الثانية، وحصار على البلاد الثانية، وهذه الأيام يعيش الناس في حصار في غزة، وكم له!!  ولو كان بيدهم الرزق، أوبيدهم حتى الهواء هذا لمنعوه، ولكن سبحان الرزاق، ما ينسى أحد، وهم يحاصِرون ويعملون، وربي يرزق، وثلاثة أشهر وما مات الخلق من الجوع، ولا من العطش، لا إله إلا الله، وتأثر من تأثر، واستشهد من استشهد، وحاز الأجر من حازه، ولله في خلقه شؤون، والباقي باقي، والقيوم قيوم، فوق خلقه والعاقبة للمتقين.

 (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100))، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خشية أن يتلف، أو أن ينتهي شيء، والحق تعالى صاحب خزائن الملأ "إن يد الله سحاء الليل والنهار" أترون ما  أعطى الله تبارك وتعالى وأنفق، منذ خلق السماوات والأرض إلى اليوم، قال: فإن ذلك لا يغيض مما في ملكه شيء، ما يغيض شيء، الله أكبر -جلّ جلاله- (هَٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍۢ) [ص:39].

يقول: (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا(100))،  يخاف النفاد، يخاف الفناء، ويقول بعد هذا: من أين يأتي؟ وربما هذا الباب ينغلق، وكيف أعمل؟ والإنسان قتور، بخيل شحيح، إلا من رحم الله سبحانه وتعالى؛ ومع ذلك فهذا أصل طبع الإنسان، وبعد ذلك الإنسان والمخلوقات؛ إما يعطي ويبذل إلا وهو يرجو مقابل ذلك شيء عظيم، لكن الذي يعطي من دون أي مقابل، ولا تعود إلى أي مصلحة هو الله، ليس محتاج لأحد، ولا يقدر أحد ينفعه، ولا يقدر أحد يجلس في ملكه، يعطي ويعطي ويعطي؛ هذا هو السخي، هذا هو الكريم، جلَّ جلاله وتعالى في علاه.

 و لما وقف مجوسي يوم على باب سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأراد أن يكرمه يغديه ويعشيه، قال له: أسلم نطعمك، قال: أنت تشترط الإسلام، راح وتركه. فأوحى الله إليه: "إنَّ عبدي هذا يشرك بي، ويعبد غيري، وأنا أرزقه منذ خلقته إلى اليوم، وطلبك وقْعة واحدة في غدوته ومنعته"، فعاتبه الله. راح له: سيدنا الخليل يمشي حتى حصل على المجوسي، قال: أرجع ونكرمك، وكان هكذا وقفتُ على الباب، قلتَ لي: أسلم. قال: أوحى الله إلي، وقال: ربك عاتبك فيّ؟!! وأنا أشرك به!! أُسلم أول؛ هنا أسلم .. أسلم وجهه، قال: من هذا الإله هذا؟! قال، قال لي: أنا أرزقه منذ خلقته، وهو يكفر بي، وأنا أرزقه كل يوم اعطيه، وأنت اليوم!!! أراد أن يجري خيري ورزقي على يدك فمنعني، فرجع أسلم، وتأثر وعاد إلى الخليل إبراهيم يكرمه، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. 

يقول: (..إذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚوَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا(100) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ…(101))، فإن الله تعالى يبعث الأنبياء، ويجعل معهم آيات، ومعجزات تدل على صدقهم، لِيهدي الله لنوره من يشاء، ولتقوم الحجة على عباد الله، (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ…) [النساء:165]، (..وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء:15].

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ…(101))، آتاه سبحانه وتعالى: العصا، يُطْلقها تصير حية، ويمسكها ترجع عصا كما كانت، ثم هذه العصا أكلت أحمال من الحبال والعصي، ولا سُمنت ولا كبرت! أكلتها أمام الناس! أحمال من الحبال والعصي، صلَّحوا السِّحر، صارت تتخيل العيون أنها تسعى، وهي ما تسعى، (..قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ  أَنتَ الْأَعْلَىٰ) [طه:68، يقول لموسى: (وأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) [طه:69]، جاءت تأكلها كلها، طيب أين راحت العصا؟! هذه طولها وعرضها وسمنها نفس الشيء، وكذا كذا كذا مئة عصا كذا كذا مئة حبل كله، أين راحت؟ وهي أكلتها كلها تلقَّفتْ الجميع ولا تغيَّرت ولا سمُنت ولا تغير شكلها؛ آيات. 

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ) [طه:70]؛ وصاروا مؤمنين أقوى، في لحظات؛ (..يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ..) [النور:35]؛  وزعل هذا المتكبر يقول هكذا: (.. إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ..) [طه:71]؛ لأنهم ايقنوا أن هذا آية من آيات الله لا يتأتَّى بسحر أوغيره، كيف تُؤكل أمام الناس مواد مطروحة أمامه، تؤكل وأين تروح؟!! ولا يبقى لها وجود، ما أحد يقدر عليه ساحر ولا غيره؛ فَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ جَاءَ؛ فقوَّت إيمانهم؛ (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ..) [طه:72]؛ وقال: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ) [طه:71]؛ إِسْتَعْرَض عَضَلَاتُهُ و قُوَّاتُهُ؛ (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ..) [طه:72]؛ 

الجماعة تحولوا تحوُّل كلي بواسطة الإيمان، كانوا أول متزلِّفين لفرعون متذلِّلين ويقولون: (قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)  [الأعراف:113]، إِذَا إِنتصرنا لَكَ عَلَى مُوسَى هَذَا، بِتَعْطِينَهَا نَحْن الأَجْر؟ (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الشعراء: 42]، وأما الآن (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ..) [طه:72]؛ ما نريدك .. ما نعظمك .. ما نحبك .. ما نريد شيء من الذي عندك؛ بسرعة تحولوا: (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا..) -خلقنا وأوجدنا من العدم وانت مثلنا مخلوق ونترك ربنا من أجلك هذا ما لا يكون- (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ..) -صلِّحْ إلِِّي فِي رَاسَكَ- (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ..)، قالوا له أدركْنا الحقيقة واسمع: (إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ..)، الأجهزة من الأرض التي تحت حكمك في مدة معينة فقط، وأنت ليس الحاكم، الحاكم من فوق، (..إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [طه:72]  البقعة التي أنت فيها في الوقت المحدد بس، والقاضي فوقك، فوقنا ومرجعنا إليه. 

(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) [طه:73]، خَيْرٌ، هذا منطق الإيمان (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)، إذا عُرِض على المؤمن أي إغراء، إذا عُرِض على المؤمن أي تهديد من أي جهة؛ (الله خير وأبقى) الله خير وأبقى،  ما يترك علاقته بالله ولا إيمانه بالله ولا طاعته الله مقابل أي شيء في الوجود، (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)؛ لأن العقبة الكبيرة؛ (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ) [طه:74-76]، اللهم اعطِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها.

 (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ…(101))، العصا واليد، يدخل يده تخرج بيضاء من غير سوء، والقُمَّل والضفادع والدم (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ..) [الأعراف:133] يقول سبحانه وتعالى -جلّ جلاله- فيما أرسل به النبي موسى.

  •  يقول سبحانه وتعالى، الله أكبر: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ) فاض الماء عليهم (وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ) في وقت أرسل الطوفان وخافوا ورجعوا، قالوا : يا موسى ادعُ ربك إن كشف لنا هذا نؤمن بك، و دعا موسى ربه وارتفع عنهم الطوفان ورجعوا ولا رضوا.

  • ثم أرسل الله عليهم الجراد ملأ الديار وملأ المنازل وملأ الثياب وملأ الشوارع، كله جراد .. جراد .. جراد، فيأكل جراد، ويطبخ جراد، ويتحرك جراد، يا موسى ادعُ ربك أذا رفع عنا هذا نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، دعا ربه وارتفع الجراد، قالوا: لا. كل ساعة يصلحون عهد. 

  • أرسل الله عليهم القُمَّل، في رأسهم قمّل، في وجوههم قمّل، في صدورهم قمّل، في ثيابهم قمّل، في الشنط قمّل، في الأماكن قمّل، في الغرفة قمّل، يأتي بالقِدر قمل، يحضر الطعام يحصِّل قمل، قمل قمل…. تعب، قالوا يا موسى ادع ربك يرفع عنّا هذا، ونحن نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه وارتفع  القمل؛ أبَوا وقالوا: لا نؤمن ولا شيء.

  •  أرسل الضفادع وانتشرت الضفادع من كل جانب، يريد يشرب يحصِّل الضفدع، بيأخذ اللقمة يحصِّل الضفدع في اللقمة. تعبوا: ياموسى ادعُ ربك، هذه المرة خلاص نؤمن بك، يبعُد هذا منا. ولا نفعهم فرعون ولا غيره، ورجعوا، ودعا ربه وراحت الضفادع. ولكنهم كفروا، وقالوا: أبدا ما نؤمن -لاحول ولا قوة إلا بالله-.

  •  والدم؛ فصار الدم يظهر عليهم في أيديهم في وجوههم، بيأكل يحصّل دم، بيشرب يحصل دم، يقرب الماء يحصّل دم، ما هذا؟! بيلبس يحصل دم يسيل، ما المصيبة هذه؟ رجعوا: (قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الاعراف:134]، وكشف الله عنهم، رجعوا ثاني مرة وقال: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُم..) [الأعراف:135-136].

  • وكان في لسانه لكْنة، حتى قال: هارون أخي (أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)  [القصص:34]، ثم لما قام يخاطبهم راحت اللكنة وانطلقت لسانه وصار ما عاشد به شيء ولا عاد عجمة ولا لكنة في لسانه، آية من الآيات. 

-لا إله إلا الله- وتسع آيات وعلموا أنها حق وأنها من الله قاموا ينكرون ويستكبرون -والعياذ بالله- تبارك وتعالى.

يقول -جلَّ جلاله- في ذكْر هذه الحقيقة -لا إله إلا هو- يقول سبحانه: (وَأَدۡخِلۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖۖ فِي تِسۡعِ ءَايَٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ * فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَٰتُنَا مُبۡصِرَةٗ..) -واضحة بيِّنة يعلمون أنها من عند الله- (قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ) [النمل:12-13]،(..وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗا..) [النمل:14]،  (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ..(101)): 

  • يقول الله لنبيِّه محمد: (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ..) ليكون ذلك حجة عليهم فيمن يسأل من علمائهم ومن هو موجود في وقته. 

  • (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) من خلال ما قصصنا عليك في القرآن وأنزلنا عليك. 

(فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ) -سيدنا موسى- (إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا (101))، قال له: جئتك بآيات من عند الرب -سبحانه وتعالى- ودعوى إلى طاعته وتوحيده تقول لي: مسحور؟!  (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا (101))، قال أنت فيك سحر، يُخيَّل لك خيالات وتزعم أنك نبي ورسول، قال: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ ..) -الآيات أمامكم التسع- (..إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. (102)) من يقدر منكم يفعل مثل هذا؟ الله أيَّدني بهذه الآيات أمام أعينكم واضحة.

(لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ.. (102))، تُبصِّر الناظر إليها والمتفكّر فيها؛ لكنهم يغالطون عقولهم وما يحسنون استخدام عقولهم. (..بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)) مصروفا عن الآيات، محبوسًا في هواك، هالك؛ واصل الى اللعنة والدمار -والعياذ بالله تعالى- هذا معنى الثبور. (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) و المثبور: الهالك والمحبوس والمصروف عن الوجهة. (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)).

قال تعالى: (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ.. (103)) كيف؟

  • (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ) بإخراجهم أو قتلهم، هذا الذي يعمله اليوم الذين كفروا بحقيقة ما جاء به سيدنا موسى عليه السلام، و من هؤلاء الصهاينة، يقولون: تهجير وقتل.

  •  (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ) يخرّجهم ويقتّلهم؛ إما قتل وإلا خروج من الأرض.. أخرجوهم، هذه إرادة فرعون، وكما هي إرادة هؤلاء الآن، البعيدين عن الله وعن الفطرة وعن الإنسانية وعن العقل، هذه إرادتهم. 

  • (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ) لكن الله أراد أن يبقيهم وأن يمكّنهم في الأرض؛ فنفذتْ إرادة الله وبطلت إرادة فرعون.

 (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103))، ما تمشي إرادة الفراعنة ولا إرادة الحكّام والسلاطين، تنفذ إرادة القوي القادر، أراد الله غير ما أرادوا فبطلت إرادتهم وجاء مراد الله، جاءنا أن مراده -سبحانه- حسب ما أخبرنا على لسان رسوله: "أن الله يبقي المسلمين ويُبقي فيهم خِيَرة، صادقين، مخلصين حتى يختبئ منهم اليهود وراء الشجر والحجر ولن يكون إلا ما أراد الله"، لا ما أراد الصهاينة ولا غيرهم ولكن حُكم من حكم الله. قال سبحانه وتعالى: (..وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ) [آل عمران:140-141] -جل جلاله-. 

يقول: (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرضِ) يعني يقول: خروج، ابعدوا؛ تهجير، ابعدوا روحوا الى أرض ثانية، أبعدوا؛ وإذا قتل نبعِّدكم، أفنيكم وأنهيكم (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103)) لأنه استمر في كبريائه، لما أراد الله -سبحانه وتعالى- أن ينجي سيدنا موسى ومن معه ويهلك فرعون وقومه. (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) [الشعراء:52] تحرّكت قوى الكفر خلاص واستعدت للضربة القاسية؛ سرى، وسبحان الله، يسري في الليل للعبودية وإقامة للأسباب، وما نفع المسْرى في الليل! أمامهم بحر ولا فائده، ما قدروا يعبرون، قال: نتركهم في مكانهم؟ لا!! 

ولله حكمة في حركة الإنسان على ظهر الأرض في العبودية للرب، تحرَّكْ بمقتضى وحْيه وتنزيله وهو بيكمل لك الباقي، وسيُيسِّر لك الأمر، لكن أنت تحرّك قم بواجبك (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا) -في الليل- (إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) [الدخان:23]. 

سرى في الليل لكن وجد أمامه بحر ولا توجد سفن، ومعه قومه المؤمنين كثير، كيف يصنع؟ بقي فوق الماء، فأصبحوا الصباح ، قالوا: أين موسى ومن معه؟ هربوا، أين هربوا؟  قالوا: وراءهم. فاستعدت قوى الكفر وجاءوا بالأسلحة والألوف المؤلفة من أجل يستأصلوا موسى (فَأَتۡبَعُوهُم مُّشۡرِقِينَ) [الشعراء:60]، أول ما أشرقت الشمس ذهبوا وراءهم (فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ) [الشعراء:61]، هذا يشوف هؤلاء وهذا يشوف هؤلاء، قال أصحاب فرعون: أين نذهب؟ موسى قال مباشرة : (كلا) ماذا يقصد بـ كلا؟ قال: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي) -يرى البحر هنا والجيش هنا- (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ) إقامة سبب وإلا ماذا؟! (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:62-63]؛ قدرة إلهية، الماء السائل الذائب المايع تحول صلابة جبل، إن أراد أن يذوِّب الجبال يحولها ماء يقدر، وإن أراد أن يرد الماء جبال، ما يذوب ذائب ولا يقوى قوي إلا بإرادته. وإذا المياه كأنها جبال؛ (فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) وصلَ فوجدهم قد ذهبوا ،مشوا، قال في دعواه: أنا الذي فلقتُ لهم البحر.

 الدعاوي هذه لازالوا فيها؛ وراءهم، سوف نلحق بهم، فمشوا، فلما توسَّط وسط البحر ومن معه، ردَّ الله الماء إلى سيولته وإذا هو يطلع وينزل في الماء (قَالَ آمَنتُ) راحت الزمجرة كلها وراح الكلام الفارغ، (..أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) [النازعات:24]، (..مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي..) [القصص:38]، (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) أولائك كانوا من الصادقين، صدَّقوا إله واحد، الله الذي يعبدونه واحد، لا أنا ولا غيري ما في أحد (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]، قال الله: (ءَآلۡـَٰٔنَ) وهل ينفع الآن الإيمان؟ و قد أشرفتَ على الموت؟!  قال: (ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ * فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗ..) [يونس:91-92]، فأروا الآن جثته موجودة؛ تريد أن تعتبر اذهب لتراها، كلام ربك واضح وليس هناك داعي للتكبر، ومن يوم مات وهو يُعذَّب إلى الليلة، في كل يوم و في كل ليلة يُعرض هو وقومه على النار صباح ومساء، الله الله الله الله. 

قال -جلّ جلاله-: (ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗا..)، أمس عُرضتْ عليهم النار والبارح واليوم هذا والليلة هذه تُعرض عليهم النار، (غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ) [غافر:46]؛ لو آمنوا بموسى لنجَوا من هذه البلايا كلها.

قال: (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) -الأرض أرض الله- (اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104))، (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) -القيامة- (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )، جمعنا الأولين والآخرين لفِّيناهم وضمِّيناهم ولم نغادر منهم أحد، ما من إنسان ولا  حيوان إلا وجاء؛ (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:47]، يردّهم كما كانوا بقدرتة -جل جلاله-؛

  •  (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) يقول بعضهم أنه عندما يحصُل أيضا ( وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ (7))؛ أنهم يلتفون (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)).

  •  يقول بعضهم: عند نزول عيسى بن مريم يجتمعون ولكن القول الأوضح في تفسير الآية (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) -وقت القيامة- (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )،هم.

قال تعالى وبالحق أنزلناه، هذا الكتاب الذي تتلوه يامحمد (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) -واضحًا بينًا شافيا للصدور منوِّرًا للقلوب موضًحًا للحقائق- (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105))؛ فنعم المبشر ونعم النذير، السراج المنير محمد بن عبدالله، صاحب الإسراء والمعراج وارزقنا حسن متابعته يارب وارزقنا كمال نصرته يا رب، كمال محبتك ومحبته من أجلك يا رب حتى نحيا ونموت وأنت و رسولك أحب إلينا مما سِواكما .. آمين، أحينا على ذلك وأمتنا على ذلك.

 ثبتنّا أكمل الثبات حتى تكون أحسن ساعاتنا في الدنيا ساعة الممات، نلقاك وأنت راضٍ عنا وتنقلنا إلى مرافقة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم والعباد المقربين، وترزقنا يا مولانا نعيم القبر ونعيم البرزخ ثم ترزقنا الفضل والإحسان والستر والعفو في يوم القيامة، وترزقنا دخول الجنة في أوائل من يدخلها وترفعنا إلى فردوسها الأعلى وتزيدنا من فضلك ما أنت أهله يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

 اللهم فرٍّج كروب المسلمين وادفع البلاء عن المؤمنين، اللهم فرج على أهل الغزة وعلى أهل الضفة الغربية وعلى أكناف بيت المقدس وعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يارب فرّج كروبهم وادفع البلاء عنهم ورد كيد المعتدين الظالمين والغاصبين في نحورهم وأكفِ المسلمين جميع شرورهم يا حي ياقيوم برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير فأغثنا وأجرنا ياخير مجير، فرج كروب الأمة و أكشف الغمة وبارك لنا في رجب في لياليه وأيامه واجعلنا من خواص أهليه عندك وبارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان جميعه واجعلنا من خواص أهله لديك، وبارك لنا فيما أعطيتنا و ما أنعمت به علينا واختم لنا بالحسنى يا أرحم الراحمين.

 

 

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

25 رَجب 1445

تاريخ النشر الميلادي

04 فبراير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام