تفسير سورة إبراهيم، من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ}، الآية: 19

تفسير سورة إبراهيم، من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ}، الآية: 19
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة إبراهيم، من قوله تعالى: 

{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ (20) وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا فَقَالَ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعٗا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا مِنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ قَالُواْ لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡۖ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ (21) وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (22) وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٌ (23)}

ضمن جلسة الإثنين الأسبوعية بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مكرمنا بالوحي والتنزيل، وبيانه على لسان أكرم رسول وخير دليل، عبده الهادي إلى سواء السبيل، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على معدن التشريف والتبجيل، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأهل متابعته في النية والفعل والقيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أهل القدر والمقام الجليل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا من هو حسبنا ونعم الوكيل. 

أما بعد،، 

فإننا في نعمة تأمُّلنا لكلام إلهنا وخالقنا وربنا جلّ جلاله، وتدبُّرنا لما أوحاه إلى نبيه، وما علَّمنا وما أرشدنا وما بيَّن لنا، وصلْنا في سورة سيدنا إبراهيم إلى قوله جلّ جلاله وتعالى في عُلاه: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ (20))

(أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ)، ولم يشاركه في خلقهما أحد، ولم يُكَوِّن معه غيره شيئا منهما، وكان الخلق للسماوات والأرض، لا عبثًا ولا لعبًا ولا هزوًا ولا لهوًا؛ ولكن لحِكمٍ كبيرة، فهي تحمل الدلالات على عظمة الخلاق، وهي تحمل المنافع والمصالح للعباد والخلق، وهي تدل دلالات واسعة على أسماء الصانع المكوِّن وصفاته العُلا -جل جلاله وتعالى في عُلاه-، وهي مخلوقة بدقة وبنظام قوي بديعٍ مكين، وهي محددة ساعات إنشائها وتكوينها، ومرور الأحوال فيها وساعة فنائها وزوالها بأمره جلّ جلاله؛ إذًا فهي بالحق. 

(أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ ..(19))، لا لعب ولا باطل، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)، (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:27]. يقول الحق جل جلاله وتعالى في علاه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:27]، اللهم أجرنا من النار يا من لا يخيب من به استجار، (خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ)، فمن ظن أن هذا الخلق والتكوين لمجرد أن يلهو و أن يلعب أو يتبع شهواته ومصالحه الفانية ويمضي، فقد ظن أن الله خلقها بالباطل، وقد ظن أن الله خلقها باللعب والهزو، وحاشاه من ذلك، وحاشاه من ذلك -جل جلاله- بالحق خلقها، خلقها بالحق بالدلالة العظيمة الواضحة، بالإتقان في الصنعة والإحسان، خلقها بالحق، بتدبير مُحكم وتوقيت من عنده مؤقت،(خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ ..(19)). 

ويقول جلّ جلاله وتعالى في علاه، يقول سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ * لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّٱتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ *  بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ) [الأنبياء:16-20]؛ 

  • و لذلك وصف ربنا أولي الألباب العقلاء الذين أحسنوا استخدام العقل، وانتهوا إلى كريم ثمراته، أولي الألباب: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران:191]، ماذا يقولون؟ (رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُ) [آل عمران:191-192]. 
  • إذًا فنظْرة الملحدين والكافرين أن السماوات والأرض خُلِقَتَا لعباً أو لهواً أو هزواً أو باطلاً، (ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:27]؛ 

وهذا فارق عظيم بيننا وبينهم، نقول خلَقَها بالحق ليقيم أسرار التكليف، وأسرار الخلافة بالتشريف لِمَن قَبِل التشريف على ظهر الأرض، ورتبها ونظمها وقَدَّر فيها أقواتها وأحسن كل شيء خَلْقه، وجعل لكل مخلوق حكمة وأسرار وغرائب في هذه الحِكم لذلك المخلوق. (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات:20-21]، (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ * وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ) [الذاريات:47-50]. 

(أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ ..(19)) ومن أبدع هذا الإبداع وصنع هذا الصنع، هل يصعب عليه أن يُهلككم ويستبدلكم ويأتي بغيركم؟ (إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ (20)) لأنه ليس ينفعه شيء، ولا يضره شيء، ولا يحتاج إلى شيء، وهو الغني عن كل شيء ويفعل ما يشاء، (إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ)، كما قال: (كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) [الأنعام:133]، كان قبلكم على ظهر الأرض ناس مثلكم ذهبوا كلهم ثم جئنا، وهل يصعب عليه أن يُزيلكم أنتم؟، وأزلْتَ كم طوائف قبلكم؟ كم أجيال؟! مئات ألوف!! مئات الألوف!! جيل بعد جيل بعد جيل، وأنتم ما الذي يعجز فيكم؟ (إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ (20)) أو ينهي الجنس كله، يعدمه و يأتي بجنس آخر، يقدر، صاحب القدرة أمامك كَوَّن هذا، ما الذي يعجزه؟ -لا إله إلا الله-. 

وبذا تعْلم جهل الإنسان وغفلته عندما يألف الأشياء؛ وكلها آيات، يستسلم لهذه الأشياء ويسلِّم بها، وأي شيء لم يألفه كأن القدرة عاجزة عنه! كيف هذا؟ كيف يكون هذا؟ ليس كيف يكون هذا؟! كيف كان هذا الذي أنت فيه؟ السماء والأرض! وأكلك وشربك! ونظرك وسمعك! كلها آيات، كيف تكوّن؟! لكن لمّا ألِفها صار ما يستسلم، فإذا حُدِّث بشيء لا يعتاده استغرب؛ هذا من ضعف الإنسان، من جهل الإنسان، ترى القدرة أمامك، ما الذي يعجز عنه؟ الذي أوجد هذا؛ (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر:57]، كما قال الله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ) [الأحقاف:33]، لم يعجز بخلقهن، (بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ) [الأحقاف:33]، إذًا تتحكم العادة والإلف في الناس فما يألفون، وهو كله آيات و عجائب. 

لذا حتى كان واحد من الكفار اسمه وليم جونز، كان يتكلم على مظاهر الكون والخلق، تعجّب من الذين ينكرون المعجزات وينكرون الأشياء التي لا يألفونها، قال: ما من عاقل يرى هذا الكون وتدبيره، ثم يشك أن القدرة التي أوجدته قادرة على أن تحذف شيء منه أو تضيف شيء إليه. القدرة التي خلقته بهذه الصورة، قادرة على أن تضيف شيء و تحذف شيء منه، ما الذي يعجزها؟ ثم يأتون، إذا سمعوا معجزة لنبي و كرامة لولي يقولون: آه مش معقول! والذي أنت فيه هذا ما هو؟ والأرض التي من أسفلك ما هي؟ كلها آيات ألِفتها فنسيت ما فيها من العظمة، وما فيها من الآيات، فإذا جاء شيء يخالف ذلك استعظمته، ولا يستعظم على الله شيء. (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [ البروج:16] جلّ جلاله، إلا أن له حكمة في سَن النواميس والقوانين والأسباب والمسببات، وهي الغالبة على الناس، لكن ما يجوز أن تظن أنه لا يقدر يحذف شيء، أو يضيف شيء، أو يغير شيء؛ بيده الأمر كله. ولذا يُحدث دائما في عالم الحس والمعنى كثيرا من غير المألوفات، من وقت لوقت لكي تتنبه العقول، لكي تعرف أن الكون لا يسيِّر نفسه، ولا هو خالق نفسه، فوقه مكون .. بديع .. فاطر مسيِّر .. مدبِّر .. مقدِّر -جل جلاله وتعالى في علاه-، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد:8]. 

(أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ (20))، ليس ثقيل عليه، ولا صعب عليه، ولا هو محتاج لأحد، ولا يضره وجود أحد، ولا هلاك أحد، ولا مجيء أحد، ولا ذهاب أحد، كله سواء عنده -جلّ جلاله في علوه وعظمته- (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]. يقول الله: وما هي إلا أوقات عيَّنتها، (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) [النبأ:17]، أوقات عيّنتها تنتهي وإذا بالناس في موقف الحشر، يقول سبحانه وتعالى: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ * فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ) [النازعات:13-14] على ظهر الأرض التي يسهر كل من عليها، ماعاد شي نوم، و(إِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ) [النازعات:14]. 

يقول: (وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا ..(21))، برزوا لله جميعا، كيف برزوا؟ ما كانوا يظنونه أنه يستتر ويتخبَّى؛ ذهب الوهم، وكل واحد منهم مكشوف بخواطره ونياته وأعماله، وما في خلوته وما في جلوته وباطنه وضميره؛ مكشوف كله، فـ(إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) [العاديات:9-10]، أُظهِر وأُبرِز، وإذا الحقائق بارزة، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ) [الحاقة:18]. (وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعٗا ..(21))، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم و فاسقهم، -الله الله-. 

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ ..(21)) من أتباع الكفار والفجار والأشرار والعاصين، يقول التابعين -الذين هم ضعفاء- للذين استكبروا ممن كانوا يَقُودون، ويُنَظِّرون، ويُقَنِّنون، ويُغْرُون، ويَدفعون، بهؤلاء: (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ..(21))، نحن في الحياة الدنيا عشنا تبعكم، نأخذ أفكاركم، نأخذ كلامكم، نأخذ نظامكم، نأخذ قانونكم، نمشي ورءاكم؛ الآن وصلنا إلى حالة شنيعة ومصير سيئ بسببكم، (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ)، اليوم هل تفكون علينا؟ هل تخففون شيء من العذاب هذا الذي نزل علينا وواقع بنا؟ (فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ..(21))؟ -الله-، هذا حوارهم، (قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ..(21))، نحن كنا ضالين مكذبين بالآيات و أنتم تتبعونا، لو كان بغيتوا الهداية شوفوا الذين هداهم الله من الأنبياء والرسل، لماذا ذهبتم وراءهم؟ لماذا أتيتم إلى عندنا؟ 

في أولياء، في صالحين، في علماء، في أنبياء لم تذهبوا وراءهم، صدّقتمونا! نحن أصلا ضالّين، لو كان الله هدانا بنهديكم، لكن ضالّين وضللناكم، فكلنا في الضلال، (قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ) لأنه لا سبيل إلى الهداية إلا من الله، "يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلَّا من هديتُه ، فاستهدوني أهدِكُم"، يا رب اهدنا الصراط المستقيم، (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ)

قال الله في الذين هداهم وانتخبهم: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24]؛ هؤلاء هم الذين يُتبَّعون، (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ..(21))، أمَّا وقد ضللنا وضللتم معنا، فلا توجد فائدة اليوم من الكلام، (سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ (21))، عذاب عذاب، نار نار، حريق حريق، أغلال سعير زقوم؛ هذا هو حميم، هو هذا، هو لا يوجد  معنى غيره، ودِّينا بأنفسنا لهذه الهاوية، لا يوجد إلا هو لنا ولكم، انظروا: (سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ أَمۡ صَبَرۡنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ)؛ لا يوجد مهرب، لا يوجد حيلة، لا يوجد وسيلة، لا يوجد سبب، لا يوجد .. لا يوجد .. لا يوجد .. لا يوجد من إنس، (يَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذٍ أَيۡنَ ٱلۡمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡمُسۡتَقَرُّ) [القيامة:10-12] -الله أكبر- (نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا) [الإنسان:28]، (يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا * يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا * يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا * وَعَنَتِ) [طه: 108-111]، و عنتْ: خضعت وذلت، (وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا) [طه:111]. 

يقول لهم: (لَوۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيۡنَٰكُمۡ ..(21)) والحين تأتون تتكلمون؟ من قال لكم أن تتبعونا؟ (سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَجَزِعۡنَآ) صَيَّحنا أوبكينا أم صبرنا، عذاب عذاب، هذا هو، أغلال وسلاسل وزقوم وجحيم وحميم وإهانة وخزي، لا شيء غير هذا الذي نحن فيه، عقارب وحيات، هذه لنا (سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ)، (مَا لَنَا مِن مَّحِيصٖ). فيتبرأ البعض (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة:166]، يعني أهل الباطل. 

أهل الحق لها، يا ربي أمتي يا أمتي، ويؤذن للأنبياء من بعده، يقول المؤمن: يا رب فلان .. يا رب فلان .. من أمتي، هؤلاء متبوعين صالحين صادقين، ينفع اتِّباعهم، لكن هؤلاء (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً) [البقرة:166-167]، أو إذا يوجد رجعة للدنيا؟ (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:167]. 

لا شيء ينفع؛ سبَّوا .. لعنوا .. طعنوا، كلُّه خلاص، (قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَيۡكُم بِٱلۡوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ * يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ) [ق:28-30]، -اللهم أجرنا من النار واجعل مآلنا الجنة يا غفار-.

 يلعن بعضهم بعضا .. يسب بعضهم بعضا .. يحتج بعضهم على بعض، (قَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) [ق:23]، يقول لقرينه من الملائكة حاضر، يقول قرينه للشيطان الذي أغواه: ( قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ * قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَيۡكُم بِٱلۡوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ) [ق:27-29]، ويستمر الأمر بينهم وفي منازعات ومخاصمات كثيرة، يحتج بعضهم على بعض، و يقول: هذا بي، ويقول: هذا بي، ويقول: هذا السبب، ويقول: هذا السبب، ويسب بعضهم بعض؛ كله ما ينفع، ما يفيدهم شيء. 

يقول جلّ جلاله: (وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ) [سبأ:31]، يا شياطين يا خباث، أبعدتونا من الأنبياء و جعلتمونا نمشي وراء أفكاركم الخبيثة، الآن وصلنا للنار بسببكم، (لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ) [سبأ:31-32]، أنتم مثلنا مجرمين! من قال لكم أن تتبعونا؟ أنتم مثلنا! (وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ) [سبأ:33]؛ كلهم نادمين : (وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ) [سبأ:33]، 

وبعد ذلك، كل التابعين يرجعون على المتبوعين ولا يوجد فايدة، يُجمعون كلهم؛ التابعين والمتبوعين لكبيرهم، يقولون: يا رب عبدك إبليس، هذا إبليس الشيطان هو الذي أغوانا كلنا، لولاه لآمنا بك وصدقنا رسلك وصدقنا بالوحي الذي أنزلته وأطعناك في الحياة القصيرة التي مرت علينا، لكن ابليس هذا هو الذي أغوانا، خذ لنا حقنا منه، فيُنادى إبليس: تعال يا ابليس، ويأتي له كرسي من نار، كرسي من نار بين الجنة و النار يُنصب، قم؛ فيجلس يخطب -يصلِّح خطبة-، لما قرأ خطبته هذه سيدنا ابن عباس، قال: ضحك عليهم في الدنيا و ضحك عليهم في القيامة، كله كذب في كذب، كله دجل ما عنده حق أصلًا، -الله-. 

(وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ..(22))، لما حُكم بهؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار، قال أهل النار: هذا هو السبب، كلهم اجتمعوا عليه التابعين والمتبوعين كلهم؛ لأنهم كلهم هو حقهم الرأس -لا إله إلا الله-. ومن أجل أن نجتمع مع النبيين تحت لواء محمد، ذاك الرأس حقنا محمدًا، ذاك الرأس حقهم إبليس. (وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ) شوفوا إيش يقول!  ولكن حقنا القائد - إن شاء الله نحشر معه- يقول: أنا لها أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، -يا خير متبوع يا خير قائد- لكن حقهم ماذا يقول هذا لما قضي الأمر؟ (وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡ ..(22)) شفتوا المهقلة المهزلة المضحكة، هذا هو الكلام لايوجد شيء عنده. 

 الحق حق ربكم، أرسل رسله وقال لكم: (مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة:7]، أنتم ما صدقتوا ربكم، جئتوا الى عندي، (إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ)، (وَوَعَدتُّكُمۡ ..(22))، قلت لكم بأُعطيكم وأُمنيتكم ومشيتوا ورائي، أنا كذاب، أخلفتكم، (وَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡ) لكن اسمعوا (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ)، ليش تحتجون عليه؟ (إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ..(22))، واسمعوا نهاية الخبر؛ كلهم نادمين. الآن: (مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ)، مُنقذكم، لا يوجد غوث عندي ولا إنقاذ، ولن أنقذ واحد منكم ولن أُخلِّص صغير ولا كبير، أنا متورط مثلكم، أنا وإياكم معًا في الورطة! (مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ ..(22))، أذهبوا أنتم و وكذبكم، لا أنا رب ولا إله، كلام كله كذب، من قال لكم أن تتبعوني؟ هيا بس خلاص، انتهت المسالة (إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُ).  

قال ابن عباس: الآن ضحك عليهم في الدنيا ويضحك عليهم في القيامة، وهكذا كل من يتبع إبليس -ثبت يا رب أقدامنا على اتباع محمد، حبيبك محمد ﷺ، اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا في دائرته وارزقنا في الحياة نصرته ومحبته والذَّب عن شريعته ودينه وسنته-. 

يقول: (وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ..(22)) فُصِل، هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار؛ (إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ) كلام ربي هو الصدق، قال: أما أنا وأنتم، كذابين، كلنا دجالين خلاص لنا النار أعوذ بالله، (وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡ)، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120]، (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ)، هل أنا بالقوة مسكتُ أحد منكم وقلتُ له اتبع الشيطان؟ هل أحد ربط في رقبته حبل وأخذه بالقوة؟ وإلا هل أحضر له سلاح؟ وإلا حتى جنبيّة؟! ما جاب حاجة، حتى جنبية ما عرضها عليك،ولا  قال لك، فقط وسوس في قلبك وقلت له: مرحبا ورحت وراءه، ثم أين اللوم؟ قال: (مَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ ..(22))، أنتم جاوبتم معي وجيئتم عندي فلا تلوموني، لوموا أنفسكم، ايه إلي خلاكم تجون معي؟ لماذا تتبعونا؟ لوموا أنفسكم (مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ) لا بأنقذكم ولا بتنقذوننا، ولا أحد بيخرِّج الثاني منّا؛  نار .. نار، هذي هي جهنم .. سعير .. عذاب .. جحيم .. حميم هذا هو، لي و لكم مرة خلاص -أعوذ بالله-. (إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُ) فإذا صارت الحقيقة (إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (22)) -أجرنا من الظلم يا رب ومن دعوة المظلومين- (إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (22)) : شديد الايلام -الله-.

(وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٌ (23)) -الله-، هذا (مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ ..(22))، و هناك سلام، 

  • الملائكة تدخل عليهم: (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24]، 
  • وغير الملائكة: (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس:58]؛ 

هذه الحقائق، والله ما أحد يتكلم حقيقة عن المستقبل مثل القرآن ومحمد؛ هو ذا المستقبل الكبير العظيم والكلام والإستعداد له من هنا، باقي الكلام كله كذب؛ كل ما قطعك عن هذا الخير كذب في كذب في كذب ما ينفعك. 

هذا المستقبل: (وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ)، من أدخلهم؟ هو -الله أكبر-، هو خلقها لهم وهو أدخلهم فيها، (وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ..(23)) بساتين تجري من تحتها الأنهار (خَٰلِدِينَ فِيهَا) ينادى عندما يدخل الجنة "إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا" [صحيح مسلم]-اللهم اجعلنا من أهل الجنة-.  

(جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٌ (23))؛ فيُسلِّم بعضهم على بعض، تُسلم عليهم الملائكة، ويُبادرهم الرحمن بسلام من عنده: (سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ * وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ) [يس:59-58]. يا رب اجعلنا من أهل جنتك، يا رب اجعلنا من أهل جنتك، يا رب اجرنا من نارك، يا رب اجرنا من نارك، يا رب اجرنا من نارك، فإنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. وفي الخبر أن: "مَن سألَ اللهَ الجنَّةَ ثلاثَ مرَّاتٍ، قالتِ الجنَّةُ : اللَّهمَّ أدخلهُ الجنَّةَ ، ومن استجارَ منَ النَّارِ ثلاثَ مرَّاتٍ ، قالتِ النَّارُ : اللَّهمَّ أجِرْهُ منَ النَّارِ" [الحديث]، "مَن سألَ اللهَ الجنَّةَ ثلاثَ مرَّاتٍ، قالت الجنة: يا رب ادخله إلي، ومن استعاذ بالله من النار ثلاث مرات، قالت النار: يا رب هذا عبدك يستعيذ بك فأعذه مني".

فلنتوجَّه كلنا إلى الله؛ ونادوه وقولوا: اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ وَنَعُوْذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ وَنَعُوْذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ وَنَعُوْذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ، وادخلنا الجنة ونجنا من النار برحمتك يا أرحم الرحمين. 

يا رب واجمعنا وأحباباً لنـــــا *** في دارك الفردوس أطيب موضع

فضلاً وإحساناً ومنا منك يا *** ذا الجود والفضل الأتم الأوسع

برحمتك يا أرحم الرحمين، وبارك لنا في رجب وفي لياليه وأيامه، واجعل لنا فوزًا بالدرجات العلى في الجنة، وفقنا لما ننال به ذلك الفوز، وندرك ذلك الخير ونحوز، يا من قلت: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185]، فلا تغرّنا بها ولا بالشيطان، وارزقنا الإيقان وحقائق الإيمان، والارتقاء في مراتب الإحسان، ونيل الحظ الوافر من خاص العرفان، يا كريم يا منان. يا الله بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، واحفظنا من الآثام، واجعل لنا في هذه الأشهر من جودك وكرمك توفيقك لما تحب ودخولًا في من تحب، واجعل لنا دفعًا للبلاء والآفات عنا، وفرجًا للمسلمين وغياثا للمؤمنين وكشفا لكروب المؤمنين، ورفعا لهذه البلايا والأمراض والعلل والحروب والكروب والخطوب، يا مُصْلِح القوالب والقلوب أصلح قلوبنا وقوالبنا، وتولنا في حاضرنا ومآبنا لما توليت به محبوبيك في عافية تامة وفضل ولطف برحمتك يا أرحم الرحمن. 

 

بسر الفاتحة

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

08 رَجب 1443

تاريخ النشر الميلادي

09 فبراير 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام