تفسير عبس -4- تتمة السورة
يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1438هـ.
نص الدرس مكتوب:
﷽
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (28) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (29) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) (أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42))
الحمد لله.. سَعِدَ من وجّه وجْهه إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا تَظهَرُ حقيقة الفوز والسعادة، وحقيقة الهلاك والخُسْران للمُكلّفين إلَّا يوم العرْض عليه، وأشهد أنَّ سيدنا ونبيّنا.. وقرة أعْيُننا.. ونور قُلوبنا.. محمداً عبد الله ورسوله، أكرم الخلْق عليه، فهو أنْور الخلْق وجْها، وهو أزْكاهم خُلُقَا، وهو أعظمهم عقلًا وهو أجلّهم عند الله قدرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك النبي المُجتبى المُصطفى محمد، سيِّدِ أهل الدنيا والأخرى، وعلى آله مَن وهبْتهم وزِدتهم طُهراً، وعلى أصحابه مِن رفعتَ لهم منْزِلةً وقدرًا، وعلى مَن سار بمسيرهم وجرى بمجْراهم خيرِ مجرى، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين الكُبَرَاء، وعلى آلهم وصحبهم والملائكة المُقّربين، وجميع عباد الله الصالِحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
فإنَّ الله -جَلَّ جلاله وتعالى في عُلاه- قد جعل لكلِّ شيء وجه، وكل الوجوه لجميع الأشياء، لا يكون منها باقياً، ولا عالياً إلا ما قَصَدَ وأرادَ وجه العليِّ الأعلى الذي (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص:88]؛ ولأجل أن تَصِحَّ لنا وجوه، يَثبُتُ لها خيرٌ وبقاءٌ وعُلاً ورفعة؛ عُلِّمنا أن نُوَجِّه وجوهنا إلى مولانا، وأن نقتدي بإمامنا الذي قال: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[الأنعام:79].
وهذا الإنسان في ترْكيبته وشكلِه وَجهٌ للجسد؛ تكون به المُواجهة، ويُقرَأُ فيه الملامح التي تُنبئ عن حال صاحب هذا الجسد، صِحّةً أو مرضاً، فرحًا أو حزنًا، محبّةً أو بُغْضًا، إقْبالًا أو إدْبارًا.. وما إلى ذلك؛ ولكن هذه الوجوه من حيث الظاهِر والصورة، يكْتنفها شكل وقد يُتصَرَّفُ فيه بأدهَانٍ وبِحِلاقةٍ وبعمليات تجميلٍ وبغير ذلك، وقد يُشَوَّهُ بشيء مما يُنازله؛ إمَّا مِن الألوان وإمَّا من البِثور، وإمَّا مِن وجود الجروح، أو الأورام، أو وجود الضرب والطعن.. إلى غير ذلك.
وللإنسان عِنايةٌ بهذا الوجه؛ ولكن هذا الوجه الذي يغْلُب بُروزه على الناس في عالم الدنيا، لا يبقى مِنه إلا الأثر والإشارة في عالم العُقبى ويبْدو وجهه الآخر، وعندك وجه آخر؟ نعم معك وجه آخر، معك وجه واحد أو وجهان؟ معك وجهان! ما وجْهُك الآخر؟ قلبُك، وجْهتُك، نيّتُك، إرادتك، قصْدُك؛ هذا وجْهُك، وجْهُك الآخر المُخبأ اليوم هو البارِز الظاهِر بعد اليوم، في الغد هو هذا البارِز، هو هذا الظاهِر، هو هذا المُشَاهَد.
وانتهت مُهمّة الوجوه الظاهِرة مِن عِند الغرغرة إلى الأبد، لا يبقى إلا إشارة من الصورة يُعرَف بها أنَّ هذا كان فلان ابن فلان.. فقط، أمَّا الاعْتبار، أمَّا المكانة، أمَّا المنزِلة، أمَّا الرُتّبة، أمَّا الجمال، أمَّا الخيرية؛ لا تتعلَّق بهذه الصورة أصلاً؛ وجْهُك الباطِن هو الذي يترتب عليه الأمر كلّه.
وأنت كما تصل إلى تغْطية وجْهُك الظاهِر بأي شيء، فيتغطَّى وجْهُك الباطِن عن أكثر الخلائق، لكنّه بَارِزٌ للخالِق (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، و (يَعْلَمُ السِّرَّ) [طه:7]، بل لا ينْظُر إلا إلى ذاك الوجه؛ أي نظر الاعْتِبار ونظر المُعاملة.. لا ينْظُر إلا إلى ذاك الوجه، دون هذا الوجه.
وفي التِفات عقل الإنسان وفِكْرُه إلى هذا الوجه الظاهِر ونسْيانه لِحقيقة وجْهِه، يَتَعَجَّب المُتعجّبون مِن العُقلاء ويقول:
نعم أرى من يعاني غَسْلَ ظاهِره *** وقلبه قد غدا من خُبثِهِ جُنُبُا!
هذا الوجه الباطِن للإنسان، باطِنٌ في الدنيا، هو البارِز الظاهِر في الآخرة، لا تنْتظِر أن تُحشَرَ بِحسب وجْهِك الحِسِّي، ولا تظُن أنَّ مَن كان أسود اللون في الدنيا، أو أبيض اللون أو أصفر اللون أو أحمر اللون، يجِد ببياضِه أو سَوَادِهِ أو صُفرَتِهِ أو حُمرَتِهِ منْزِلة في الآخرة بهذا اللون.. لا، وإذا ابيَضَّت وجوه واسوَدَّت وجوه، فلا عِبْرة لِمَا كان لون البشرة في الدنيا من ذا ولا من ذاك قط قط قط قط!
ذاك مُجرّد عُبورٍ ومُرورٍ لُوِّنَت فيه الوجوه ليُرَى فيها آثار المُدَبِّر والمُكوّن -جَلَّ جلاله- والمُصَوِّر؛ وليُعبرَ مِنها إلى عظمة المُكَوِّن، فمن وقف عِند الصُّوَر ونَسِيَ المُصَوِّر فويلٌ له يوم ينفخُ في الصُّور؛ وفي ذلك نادى المُنادي وقال لمن يَعقِل ويفهم مُهمّته في هذا الخلْق والوجود:
دع كل صورة وأشهد الحقائق
وكان رجلاً ذميم الخِلْقة مِن جهة التكْوين الجِسْماني الظاهِر، وكان محْبوبا عِند الله وعِند رسوله، وكان ﷺ يُمازحهُ كثيراً، وينظرُ إليه كثيراً، ودخل يوم وهو في السوق، فجاء مِن خلْفِه ولم يره، فوضع يديه على عينيه فعرف أنه رسول الله بِطيبِ رائحته وبُرودة يديه، فجعل يَحُكُّ ظهْره به، ويقول: مَن هذا؟ مَن هذا؟ والنبي ﷺ فتَح عينيه وقال: "من يشتري منّي هذا العبد؟" -يمزح معه؛ يعني أنّه عبد الله- قال: إذاً تجِدُني كاسداً يا رسول الله -لا أحد سيرضى بشكْلي وصورتي- قال: "لكنّك عندَ اللهِ غَالٍ"
فإذا ظهرت حقيقةُ الوجوه هذا الذي ذكره ﷺ ستجِده فيمن قال الله فيهم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (28) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (29)) وهذا الذي وقفْنا عليه في قول ربِّنا -جَلَّ جلاله-. وستَجِدُ أنَّ كلّما كان من دمامة الصورة لا يضيره شيء ولا يُنقِصِهُ شيء؛ وأنَّ الجمال له، وأنَّ الكمال له، وأنَّ الحُسنَ له، وأنَّ النعيم له، وأنَّ النُّضْرَةَ له، وأنَّ الفضْل له، وأنَّ الرِضاء له.. فماذا نقص عليه؟
- وأبو لهب كان مِن بياض وجْهِه كُني بــأ أبي لهب؛ لِلُهْبَتِهِ وحُسنِ الصورة الظاهِرة، وستراه في ذلك اليوم (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (41) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (42))، فما أفاده حُسن صورته في شيء أبدا.
- وقد قال الله في أعداد مِن المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) [المنافقون:4]. هل تنفع في شيء؟ أين هم يا رب؟ (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء:145]. ماذا نفعت أجسادهم؟ ماذا؟
إذا عَلِمت ذلك.. مُهمّة الصلاة، مُهمّة رمضان والصوم، مُهمّة الزكاة مُهمّة القِراءة؛ أن تُبَيِّض وجَهك الباطِن، أن تُحسِّن وجَهك الباطِن، أن تُصَفِّي وجَهك الباطِن.. هذه مُهمّته، حتى إذا حُشِرنا، كنت مع الوجوه التي تبيَّض، الوجوه الناضِرة، التي هي إلى ربِّها ناظِرة، الوجوه المُسفِرَة الضاحِكةُ المُسْتبشِرة.
فهل وقد مضت عليك الأيام مِن رمضان، احدى عشر ليلة وعشرة أيام مرَّت مِن رمضان، هل اِبيَضّ بها وجْهُك؟! تنقَّى؟! تصفَّى؟! عَرَف يسْتقْبِل القبِلة؟! عرف وجْهُك الباطِن يسْتقْبِل القبِلة؟! يقْصُد وجه الله؟! ووجهُ مخْلوقٍ قَصَدَ وجه الخالِق أجْدر بأن يُكرَمُ وجه المخْلوق؛ لأنّه قَصَدَ وجه الخالِق، وتوجَّه إلى الخالِق؛ لذا عُلِّمنا:
- من أفْضل أفضل دُعاء للاسْتِفْتاح في الصلاة: "وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا، وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ"
- بعدما تُحرِم تكْبيرة الإحْرام قبل أن تقرأ الفاتِحة تقول: "وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا مُسلِمًا، وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ".
يقول أهل المعرفة: ومَن توجَّه وجْهُه إلى الذي فَطَر السماوات والأرض لم يبقَ له في السماوات ولا في الأرض غَرَض، عَدَلَ عنها إذ توجَّه إلى مَن فطرها "وجَّهتُ وجهي لله" فلا يبقى له مطْلوبٌ أرْضي ولا سماوي "وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا مُسلِمًا، وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ":
- حنيفًا: غير مائل ذات اليمين بالرغْبة فيمن سِواه، ولا ذات الشِمال بالرَّهبة مِّمن عداه.
- مُسلِمًا: مُنقَادًا خاضِعًَا مُسْتسلِمًا، لا أُحَكِّم على أمره، ولا على حُكمِهِ، ولا على وحْيه،. ولا على شرْعِه، عقلي ولا عقل غيري، ولا نظري ولا نظر غيري، ولا إنسان ولا حيوان ولا نبات ولا جماد ولا جّان ولا ملائكة ولا أي شيء -مُسلِم-.
- "وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ" المُتردِّدين في الحُبِّ معه "وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ".
يقول ربك: "من عمِل عملاً لي أشرك فيه معِي غيري فكُلّه للذي أشْركه معي، وأنا أغنى الأغنياء عن الشِرك"، يقول ربك: فَوَجِّه وجْهك.. وجِّه وجْهك.
نحن ما عقدْنا هذه المجالِس إلا لتتوجّه وجوه إلى مَن تعْنو له الوجوه فيقْبلُها، لا والله.. وإلا ما لنا حاجة، لا بالمبنى ولا ما فيه، حاجتُنا أن نجِد مِن رحْمة ربِّنا وجوهًا تعْرِف مَن خلقها، مَن فطرها، وتتخلَّى مِن الوِجْهة إلى غيره إلى الوِجْهة إليه، فإذا جاء المحْشر جُمعِنا وإيَّاهم تحت خير مظْهر، تحت وجه خير البشر، اللهم لا تجعل لنا مقْصِداً سوى ذلك.
ذكر الحق: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36))، أيُّ فِرار؟ فِرار الدَّهش، والشأن الذي يُغْنيه، حتى لا يبْقى يعْنيه شي ثاني -واحد-، فِرار غير هذا أيضًا، فِرار الخشْية من أن يُطالِبه بِحق وهو في حالة يخاف، لا يدري أين يضع قدمه؟ وهل تَثقُل كِفَّة الحسنات أو السيئات؟ وهل يثْبُت على الصِراط أو يسْقط؟
فما عِنده استعداد يُقابِل أحد أو يُطالِبه بِحق، يُعْرِض ويذهب حتى لا يقول له أحد؛ قصَّرت فيَّ في اليوم الفُلاني، أو تكلّمت عليّ في اليوم الفُلاني.. يَهرُب عسى لا يُطالَب وما هُناك هرب، مَن له حقّ عليك فلا بُدّ أن تُؤدّي حقّه صَغُر أو كَبُر قريب أو غير قريب!
يقول ﷺ: في المواقِف التي لا يعرف فيها الإنسان صاحِبُه
- عند وضع الميزان: حتى يرى أيخُفّ وزْنُه أم يثْقُل -واحد-، قبل لا يدري -لا يعرف مَن حواليه-، أب لا يعرف، أم.. لا يعرف، بنت.. لا يعرف، أخ.. لا يعرف!! لا يعرف حتى يثْقُل ميزانُه يعود إليه إدراكُه وحِسُّه، يدري مَن حواليه، أو يخف ميزانه؛ فقد انشغل! شُغِل ولا يدري بأحد.
- كذلك عند تطاير الصُحُف، قال: لا يعرف أحد، "حتى يرى أيؤتى كِتابه بيمينه أم بشماله" فإن أُوْتيه بيمينه عاد إليه وعْيُه وحِسُّه، (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ) [الحاقة:19-20].
- يعني؛ كنت مُسْتيقن -على يقين- أنّي ملاقٍ الحسِاب فاسْتعْددتُ، (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) [الحاقة:20 -22]، فيعْرِف مَن حواليه
- (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ..) [الحاقة:25] يذهب يبْكي ويصيح على نفسه لا يدري بأحد.
- وعند نصب الصِراط، لا يدري بأحد، لا يعْرِف أحد.. حتى ينْظُر أيثْبُت أم يسقط، فإن جاز على الصِراط، عاد إليه حِسُّه وعقْلهُ، وعرِف أنّه له إخْوان، له أهل، له أولاد.
وبعد ذلك يسأل، يارب أين ولدي فلان؟ أين أخي فلان؟ أين صاحِبي فلان؟.. بعد ما يمر، أمَّا عِند المُرور! فلا يعْرِف أحد، ولا يدْري بأحد : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) كُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37))، كلام خالِق أيُّها الأحْباب.. ما أعْظمه! وأكبر مِن أن نتصوّر! (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر: 47].
فَيَا فوز من رحمه الله في ذلك اليوم، وعفا عنه وغفر له، اللهم إنّك عفوٌّ تّحِبُ العفو فاعفُ عنَّا، وألْحقه بأنبيائه وأصفيائه وأوليائه، ويا ويل مَن أعْرض عنه! ويا ويل مَن غَضِبَ عليه! -جَلَّ جلاله-
إذا كان وقت الطوفان (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ) [هود:43]، فما يكون الطوفان عند حوادِث القيامة؟! (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ) اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة.
قال الله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (28))، تبدو حقائق الوجوه في ذاك اليوم، وإن كان يُقرأ منها خيط أو ذرة؛ أثر في الدنيا.. لاترى وجه المؤمن مِثل وجه الكافِر! وجه الصالِح مثل وجه الطالِح! ترى إن كان عِندك أدنى مسْكة مِن الفطْرة السليمة -تُفرِّق-، بل ترى وجوهًا في الدنيا إذا رأيتها رأيت الإيمان يُداخِل قلْبك.. لا تعرف ما السبب! وترى وجوهًا في الدنيا إذا رأيتها رأيتَ الظُلْمة تدْخُل قلْبك، هذا ونحن في الدنيا، ولازال الغِطاء مُسْدَل، وسيُكْشف الغِطاء وإذا انْكشف! (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ).
- (مُّسْفِرَةٌ) مُشرِقَة مُضِيئة كإسْفار الشمس والضوء.
- (مُّسْفِرَةٌ) وإذا أسفرت الشمس بضوءها أرتْك؛ هذا لونُه كذا، وهذا لونه كذا، والطريق هُنا مكانه،
- (مُّسْفِرَةٌ) وهذه وجوه لو اهْتدى قلبك لاستجلى نورها وأنت في الدنيا؛ وضِحت لك الطريق وأرتُك ألوان الأشياء؛ هذا لونه كذا، وهذا لونُه كذا، مثلما تطْلع الشمس، وتُريك هذا لونه وهذا شكله، وذاك ما حجْمه، والطريق أين، هكذا تفْعل الشمس في هذا الحِسّ، الوجوه الصالِحة والقُلوب المُنورة في الدنيا تفعل بِك في الطريق المعْنوي هكذا، إذا اهتدى قلَبك لِنورها.
وقد كان يقول قائلهم:
أَمُرتَقِبَ النُجوم مِن السماء *** نُجوم الأرض أَبهَرُ في الضِياء
كيف؟
فتلك تَبِينُ وقتٌ ثُمَّ تخفى *** وهذه لاتُكَدَّرُ بالخفاءِ
هداية تلك في ظلم الليالي *** هداية هذه كَشفُ الغَطَاءِ
تجْلو سُحُب الغفلات عن قلبك..فما قيمة هذا عند نجم يدُلك على أن البلْدة الفُلانية في المحل الفلاني، كذا وهذا في اتْجاه كذا؟ هذا يكشف غِطاء عن قلْبك لترى عظمة وجْه ربّك -جَلَّ جلاله-.
هذه هِداية أبدية.. تلك هداية البلدة الفلانية.. البلدة الفلانية هُنا، وغايتك خرجْت مِن البحر، وجئت إلى البر في المكان الفُلاني وبعد ذلك؟ مُتَّ ولا عاد بر ولا بحر ولا الدولة الفُلانية؛ لكن هذه هِداية في القلب تبقى معك إلى الأبد؛ تُعظِّم بها العظيم، وتَقرُب بها من الكريم.
هِداية تِلك في ظُلم الليالي ** هِداية هذه كَشفُ الغَطَاءِ
وفي ذلك قالوا: "مَن لم ينْظُر إلى وجْه مُفلِح فكيف يُفلِح؟" وكيف لم ينْظُر إلى وجْه مُفْلِح؟! ما يُخلي الله تعالى الأمة ما دام القرآن موجود من مُفْلِحين.. ما نظر إليهم بِعين المحبّة ولا بِعين التعْظيم! غايته يُمجّد لاعِب أو مُصارع، أو صاحِب فتْنة، أو صاحِب دُنيا! فقط، يرى وُجوه هؤلاء، مسكين ما رأى وُجوه المُفْلِحين فلا يُفلِح..
"مَن لم ينظر إلى وجْه مُفلِح فكيف يُفلِح؟"، وهذه حقيقة كان نبي الله خير الخليقة، يُقَرِّرُها ويُقَرِّرُ مِن شُؤونها وفوائدها في الأمة، حتى أنها في مواقف صعْبة تنال الأمة، يكون الحَلُّ مِن خِلال تِلك الوُجوه، نقرأ في صحيح الإمام البُخاري، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "يغْزو فِئام مِن النّاس.." يغْزون في سبيل الله لإعْلاء كلِمة الله يُجاهِدون الصّادّين عن سبيل الله، الكافِرة بالله "فيُبطئ الفتح عليهم.." مُشْكِلة! مُشْكِلة عامّة في المُسلمين، مُشْكِلة كبيرة، يُبْطئ الفتح عليهم، "فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله؟" لأنه لم يبقَ مِن الصحابة إلا قليل.. هل معنا في هذه الغزوة في الجيش من رأى رسول الله؟ أنظر إلى سِرّ الوُجوه! سِرّ النظر إلى الوجوه! هذا حلّ المشُكلة؟
النبي يُقَرِّر أنّ هؤلاء القادة الذين يقودون الجيش في ذاك الوقت مؤمنون عُقَلاء يحلّون الأشياء بحلّ صحيح، عندما يبطئ الفتح، يقول: ما القوة الناقصة عندنا؟ ما التكتيك والخطة عندنا؟ يقول لك: "هل فيكم من رأى رسول الله؟"، هل في بيننا وجِه رأى وجْه رسول الله؟ قال: "فيقال نعم، فيُقدِّمونه" يُنْزِلونهم منْزِلتهم، يعْرِفون قدْرهم "فيُفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيُبطئ الفتح عليهم فيقال: هل فيكم من رأى من رأى رسول الله؟" قد انْقرض الصحابة، وانْقرض أكثر التابعين، وبقي مِن التابعين قِلَّة، فالأمر يرجع إليهم، عند فقْد أولئك نرجع لهؤلاء.. أيام وُجود الذين رأوا الوجِه مُباشرة ما نفع هؤلاء! فإذا انْقرضوا علينا، فالذين انْتقل إليهم النَّظر بعد ذلك، هم هؤلاء "هل فيكم مَن رأى مَن رأى رسول الله؟ فيُقَال: نعم فيُقدِّمونه فيُفتح لهم، ثم يغْزو فئام مِن الناس فيُبطئ الفتح عليهم فيقال هل فيكم من رأى من رأى من صَحب رسول الله؟".
تسلْسُل سِرّ الرؤية إلى وجْهٍ ما خَلَقَ الله مِثْله، وجْهٌ بلحمه ودمه جاوز سِدرة المُنْتهى، حيث وقف جبريل ومضى النبي الجليل.. فأيّ وجْهٍ هذا؟!.
- وهكذا بذلك نسمع قولهم: بخت مَن قد رآهم أو رأى مَن رآهم.
- وكان يقول بعض أهل العبادة: إذا أحسستُ بِكسل فتْرة عن العِبادة إذهب إلى خالي محمد بن واسِع أنظر إليه فاستفيد نشاطاً أسبوع في العِبادة، قال: لمّا تقع نظري عند ذاك الوجِه، انْشط في العِبادة أسبوع كامل!.
سِرُّ هذا النظر جاء فيه: "أنَّ مَن نَظَر إلى وجه كافِر أو فاسِق -يعني بإرادة، باسْتِشراف ومِن باب أولى إذا كان بإكْبار أو تعْظيم!.. قسى قلْبه أربعين يوما"، يقْسو قلْبُه!
وقد كان يعيش في مثل هذه البُلدان وكثير مِن بلاد المُسلمين مِن المؤمنين مَن يكون مِن أيام صِغره إلى كِبره لا ترى عينه وجه كافِر، ولا وجه فاسِق، ويُصَابِح ويُمَاسِي عُبَّاد وزُهَّاد وقُوَّام ورُكَّع وسُجَّد ومُنيبون وخاشِعون؛ فظهرت الولاية في الرجال والنساء والصغار والكبار.. لا تقع أعينهم إلا على وجه مُقَرِّب، على وجه مُنَظِّف، على وجه مُنَوِّر! (مُّسْفِرَةٌ) يقول لك ربك.
(يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ..(39)):
- ضاحكة مِن فرح قلوبها فرحاً بفضل الله
- وضاحِكة على الذين أبوا دعوة الرُّسُل وخالفوهم وخالفوا مَن حَمَل دعوتهم مِن بعدهم واغْتّروا بدنياهم، فصار مصيرهم شنيع شديد، يَحسَرُونَ عليهم، يتحسّرون عليهم، يضحكون منهم (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) [المطففين: 34].
(مُّسْتَبْشِرَةٌ (39)) بما أُكرِمَت مِن قُربَة، مِن ستِر، مِن غفِر، مِن إحْسان، مِن رِضْوان، مِن دخول إلى الجنة (مُسْتَبْشِرَةٌ).
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39))، اجعلنا اللهم معهم، اجعلنا اللهم معهم، اجعلنا اللهم معهم، احْشُرنا اللهم في زُمْرتِهم، بِحَقِّ كِتابك الذي أنْزلته، ونبيّك الذي أرْسلته، لا تجعل مِنَّا واحدًا ولا مِن أهْلينا وأولادنا وأصْحابنا وأحْبابنا وطُلابنا إلا في تلِك الوجوه المُسْفِرة، الضاحِكة المُسْتبْشِرة، ونعوذ بِعزّتِك وعظمتِك أن يكون أحد مِنَّا ومِنهم في الوجوه التي عليها غبرة، نعوذ بك.. نسْتجيرك فأجرنا يا خير مُجير.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40))، (غَبَرَةٌ): يعْلوها الغُبار! من أين جاء الغُبار؟ حتى قال بعض أهل التفسير: تتحوّل الحيوانات بعد القِصاص بينها إلى تُراب، ويعْلو التراب وجوه أولئك الكُفار والفُجّار؛ (عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا) -تُصِيبُها عن قُرب- (قَتَرَةٌ (41)) كُسوف، سواد، ذِلَّة.
- (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) اللهم اجعلنا منهم.
- (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ)،
- مَن يعصمهم مِن دون الله؟! مَن يعصمهم مِن الله؟! مَن؟! أحزاب؟! هيئات؟! دول؟! مَن؟! مَن؟! مَن يعْصِمهم مِن الله؟! (مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) تعرف قِطع الليل المُظْلِم؟
- (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس:27] أجارنا الله من ذلك.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)) وغَبَرَة وقَتَرَة مُقابل: (أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42))، كَفَرَةَ بالله، فَجَرَة في خَلقِ الله، (أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)؛ كَفَرَة في أديانهم، فَجَرَة في أفعالهم، كَفَرَة بالله، فَجَرَة بخلق الله! كفرة فجرة.. غبرة، قترة! (جَزَاءً وِفَاقًا) [النبأ: 26].
فمن كان يعود وجْهه هكذا في القيامة، والله لا تُغنِيه رئاسة، والله لا تُغنِيه وزارة، والله لا تُغنِيه أنه مليونير، والله لا يُغنيه أنّه صاحب الشهرة، والله لا يُغنيه أنه صاحِب المكانة في المجتمع الفلاني، لا يغنيه ويعود وجْهُه (عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)) -مع- (الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)) ماذا يُغْنيه؟! على العاقِل أن يُحسن التفْكير، و يتهيَّأ للمصير، وجْهُك وجِّهه للواحد.
نوَّر الله قُلوبنا، أصلح الله وجوهنا، بيَّض الله وجوهنا يوم تبيضُّ وجوه وتسوَدُّ وجوه بِنوره، ولا سَوَّد وجوهنا يوم تسوَّد وجوه أعدائه، اللهم بِكِتابك العزيز.. ولا تفْضحْنا يا مولانا في حاضِر القيامة بِموبِقات الآثام، واعفُ عَنَّا ما ارتكبنا مِن الحرام، وارحم بالقرآن العظيم في موقف العرض عليك ذُلَّ مَقامِنا، ثَبِّتنا عند اضْطِراب جُسور جهنم يوم المَجَازَ عليها زَلَّة أقْدامِنا، ونَجِّنا به مِن كُرَب يوم القيامة وشدائد أهوال يوم الطّامّة، وبيِّض به وجوهنا إذا اسودَّت وجوه العُصاة في موقف الحسرة والندامة، ياكريم.. يا الله .. والحاضِرين ومن يسْمعُنا، وأحبابنا وأحبابهم، بحقِّك عليك اجعلنا في أهل الوجوه الناضِرة، التي هي إليك ناظرة و الوجوه المُسْفِرة الضاحِكة المُسْتبْشِرة، في ذلك اليوم يا أكرم الأكرمين.
فانظر ماذا يُصنع بك باقي رمضان؟
- كثير مِن المسلمين إذ قد مرَّت العشر يبدأ يتكاسل ويتخاذل! بيِّض وجْهك، صَفِّ وجْهك، وجِّه وجْهك للواحِد الأحد.
- ووجْهٌ توجَّه لوجِه ربّ العالمين حَقٌّ أن يُنوّر وحَقٌّ أن يُكرم، وقد قال الله: في وصف ساداتنا الصحابة في الكتب السابِقة في التوراة والإنجيل (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح:29].
- وهذه الوجوه المُسْفِرة في القيامة؛ كانت تبكي مِن خشْية الله، كانت تخاف المرْجِع إلى الله، كانت تَغْبَرّ في سبيل الله، و"لا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخَانُ جهنَّمَ".
سيّدنا أبوبكر خرج مع سيدنا أُسامة ابن زيد -عليهم رضوان الله- يودِّعه للقيام بالجِهاد، وقد عقد الراية له رسول الله وكان مِن جُنده أبي بكر وعمر، ولمَّا مرِض رسول الله تأخَّروا، حتى توّفي ﷺ، فجاء ناس يراجعون سيدنا أبا بكر، يقولون له أسامة صغير السِّن، والآن مشاكِل كبيرة، بعد وفاة النبي، ويظهر أهل الرِّدَّة وكذا تُحِلُّ رايته تُعْطيه واحد ثاني، قال: أنا! أنا؟! أنا أحلّ رايةً عقدها رسول الله بيده! أنا!
هذا شأن الخِلافة، هذا شأن الإيمان، قال: مَن أنا؟ أنا بعْقلي وفِكْري؟! رسول الله يعقد راية، أنا أحلّها؟! لا! أوّل عمل أبدأ به في خِلافتي إنْفاذ جيش أُسامة، وقد سمِعت رسول الله يقول: "أنفذوا جيش أسامة" وهو على المِنْبر.
تُفكِّرون بهذا التفْكير تُريدون أبو بكر يتجرّأ؟! مَن أبو بكر؟! الله أكبر.. عَرَف قدْرُه -أبو بكر-، و أعلى الله قدْرُه..
قال: راية يعْقِدها محمد بن عبدالله، تُكلِّمون أبو بكر فيها؟! أنا؟! أنا أحلّ لواءً عقده رسول الله؟! أول عمل أبدأ به في خِلافتي إنْفاذ جيش أُسامة -عليه الرضوان-. خرج يُودِّعه ويمشي معه يسْتأذِنه، يقول: أنا شُغِلت الآن بالخِلافة، يقول: الأمر لك يا خليفة رسول الله، يقول: تطلب من عُمر، يُساعِدني على أمر الخِلافة، قال: الأمر لك يا خليفة رسول الله، قال: بإذنك، ثم خرج يمشي وسيّدنا أسُامة راكِب على الدابة، يقول: يا خليفة رسول الله، اركب معي أو أنزل أنا! قال: لا، لا تنْزِل أنت، ولا أرْكب أنا، وما علي أن أُغَبِّر قدمي في سبيل الله، وقد سمِعُت رسول الله يقول: "لا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخَانُ جهنَّمَ" راح يمشي معه إلى خارِج المدينة يُودِّعه ويوصيه -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.
الله يُرينا تِلك الوجوه، قابلتْ وجه محمد وبالمُقابلة أقْبلت على ربِّ محمد، فكان الذي أسلم وجوههم إلى الرَّبِّ، حبيبُ الرَّب (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران:20]، هذا وجْهي لك يا رب، ومن اتبعنِ خُذ وجوههم (أسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ).
اللهم ارزقنا حُسن اتّباعه، حتى يُسلِم وجوهنا إليك، (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران:20]، اللهم أكْرِمنا بهذا، إسلام الوجوه إليك، واجعل وُجْهتِنا في كلّ حال إليك، وإقْبالنا دائماً عليك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
انظر إلينا والحاضِرين والسامِعين، اجعل لنا في باقي رمضان إقبالاً صادقاً ووجْهةً قويّة؛ تُبَيِّض بها وُجوهنا الباطِنة ونُحشَر مع أهل تِلك الوُجوه الرَّضِيَّة برحمتك يا أرحم الراحمين.
سلْـهُ يُدخِلك في أهل الوُجوه السعيدة *** أهل علِم التُقاة أهل الصِفات الحميدة
وصُْفهم وصف مَن يخْشى مِن الله وعيده *** للخُمول ارْتضوا يرونه أكْبر وَجِيدة
اللهم سّر بِنا في أكْرم سبيل، واسْقِنا مِن أحْلى سلْسبيل، وأدْخِلنا في خير جيل، وثبِّتنا على مُتابعة صاحِب الوجه الجميل في كُلِّ فِعْلٍ وفي كُلِّ قصْدٍ وفي كُلِّ قِيل.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبسِرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي ﷺ .
مِن أقوى الطُّرُق إلى تنْوير وُجوهنا ودُخولنا مع أهل تِلك الوُجوه؛ صِدق محبّتهم.. صدق محبتهم؛ فما يُحشَر المرء إلا مع مَن يُحِب، فأحِبّوا تِلك الوُجوه المُنيرة.
الله يرْزُقنا حُسن محبّتهم وثبِّتنا على طريقتهم.
سُبحانك اللهم وبِحمْدِك أشهد أن لا إله إلا أنت أسْتغْفِرُك وأتوب إليك..
11 رَمضان 1438