(536)
(228)
(574)
(311)
الدرس التاسع من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة (ق)، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1444هـ ، تفسير قوله تعالى:
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}
الحمد لله المبدئ المُعيد الفعّال لما يريد، الرحيم الودود ذو العرش المجيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين يوم الوعد والوعيد، ونشهد أن سيدنا ونبيّنا وقرّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله وصفوته من جميع العبيد، سيّد أهل حقيقة التوحيد، الشافع المبتغى في يوم الهول الشديد.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على صاحب الجاه الوسيع لديك، أكرم الخلق عليك عبدك المصطفى سيدنا محمّدٍ وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن على منهاجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الصدق والأسرار والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقرّبين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا كريم يا غفّار.
أما بعدُ، فإننا في نعمة تأمّلنا وتدبّرنا لخطاب وكلام وتعاليم ووحي ربّنا -جلّ جلاله وتعالى في علاه- المبلَّغ إلينا بلسان حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم. وصلنا في سورة ق إلى ما ذكر الله تعالى من الوعد والوعيد وذكّرنا بيوم القيامة، يوم الوعيد أي: يوم وقوع الوعيد، ويقول للذين يختصمون: {..لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29)}. ذاك اليوم الذي يقول الله فيه لجهنّم وقد ألقى فيها طوائف وطوائف وأعدادًا كثيرةً كبيرةً من الإنس والجن، حتى يُخرج من بني آدم من كل ألفٍ: تسعمئةٍ وتسعةٍ وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة، ويقول لها الحقّ تعالى: {..هَلِ امْتَلَأْتِ..}؟ لأنه وعَدَ كلًّا من الجنة والنار أن يملأها، فهما مخلوقتان مسخّرتان بأمر الله تعالى، هذه لرحمة عباده، وهذه لتعذيب الكافرين والفاجرين والمنافقين.
ولمّا جَبَلَ الله الكائنات على التسبيح بحمده وعلى ولاء أوليائه ومعاداة أعدائه، أحبّت الجنة أن تؤدي الدور المناط بها بأمر ربّها الذي خلقها من تنعيم الكثير من عباد الله -تبارك وتعالى- ورغِبَت إلى ربّها -جلّ جلاله-، وكذلك النار أحبّت أن تؤدي الدور الذي خلقها الله من أجله وهو تعذيب وحرق من كفر به ومن كذّب برُسُله ومن خالفَه وعصاه، فهي تكرههم وتبغضهم في الله -جلّ جلاله- وتحبّ ورودهم وكثرة ورودهم إليها حتى لا يبقى أحدٌ ممن يعصي ربّها إلا عذّبته بما جَعَل الله فيها من أنواع العذاب، أجارنا الله من النار.
وتحاجّت الجنة والنار، وقالت الجَنّة: ربّ مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس؟ أي: الغالب الكثير منهم أكثر من يدخلني! وقالت النار: يدخلني الجبّارون المتكبّرون، قال: فأوحى الله -تعالى-: أنتِ رحمتي -يقول للجنة- أرحَم بكِ من أشاء من عبادي، وقال للنّار: أنتِ عذابي أُعذّب به من أشاء من عبادي ولكل واحدةٍ منكما عليّ ملؤها، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:119]. فلذا يقول لها -سبحانه وتعالى- بعد أن يُدخل إليها ذلك النصيب من العدد الكبير من الناس ومن الجانّ: {هَلِ امْتَلَأْتِ..}؟ {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30)} يعني: خلقتني على هيئة أتّسِع لكل من يدخل فيها وإن عاد باقي أحد من أهل عصيانك والكفر بك: هاته! حينئذٍ يتجلّى عليها الجبّار -جلّ جلاله- من هيبة جبروته فيُذلّها فتقول: حسبي قط قط قط يارب! وهو الذي عبّر عنه صلى الله عليه وسلم فيما جاء في الحديث: أنه إذا قالت هل من مزيد؟ ولا تزال تطلب الواردين إليها، قال: "فيَضَع الجبّار فيها قدمه" وفي رواية: "رجله" ولا شيء من الأجسام ولا ممّا يتخيّل الناس من الخيال، ولكن من جبروته -جلّ جلاله- يضربها من جبروته بصوت تَذِلَ له كما قال تعالى في الجبل: {فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا} [الأعراف:143] فكذلك إذا تجلّى عليها من الجبروت بهذا التجلّي، قالت: بس يكفي يكفي يارب خلاص! كفاني من وضعت فيّ، يُعذّبون فيها أبدًا -والعياذ بالله تعالى- {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167].
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيد (30)} فهذا هو المعنى والقول الراجح في قولها هل من مزيد كما فسّره الحديث الذي جاء في الصحيحين وغيرهما. وقولٌ أن معنى قولها، يقول بعض الصحابة وبعض التابعين في قول: {..هَلْ مِن مَّزِيد} تقول كيف ما امتلأت وعاد شيء فوق هذا الذي أدخلت فيّ من الأعداد الكبيرة؟! ما هناك مزيد على هذا! {..وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيد}.
قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ..} أُدنيت وقُرّبت وزُيّنت وأُعدّت وهُيئت للمتقين، اللهم اجعلنا من المتقين، وألحقنا بالمتقين، وآتنا ما آتيت المتقين، وارزقنا مرافقة المتقين الذين اتقوا الشرك وتركوا الذنوب والمعاصي، وارتقوا في درجات التقوى من ارتقى منهم فاتقوا الشبهات واتقوا المكروهات، وارتقى في مراتب التقوى من ارتقى فاتّقوا الغفلات، وامتلأوا بالحضور مع ربّ الأرض والسماوات في الأنفاس واللحظات وجميع الساعات، وارتقى من ارتقى فاتّقى الالتفات إلى ما سوى ربّه -جلّ وعلا-. وهم درجاتٌ عند الله، فمنها التقوى التي تثبّت بها النجاة وهي: تقوى الشرك وتقوى الذنوب والسيئات، ثم التقوى التي ترفع بها الدرجات وهي: تقوى المكروهات والشبهات والعمل بكثرة الطاعات والأعمال الصالحات، ثم التقوى التي تكون بها الشفاعة ويكون أصحابها شفعاء عند الله -سبحانه وتعالى-، {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران:163].
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ..} هُيئت وقُرِّبَت وأُدْنِيَت {..لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)} قُرْبًا مُحَقَّقًا لا بُعد فيه، يُعاينونها بأبصارهم ويشمّون ريحها وإن كان من مسافة مئة عام يوجد ريحها لمن يشمّ، ثم بعد ذلك تُزلَف لهم فيدخلونها آمنين كما سيأتي معنا في الآيات الكريمة، يُقال لهم ادخلوها. قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}
ربّ ادخلنا جِنانًا أُزلِفَت للمتقينَ * * * إذ يُنادون ادخلوها بسلامٍ آمنينَ
يا رب العالمين. {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ..} وعدًا من الرحمن الذي لا يُخلف الميعاد {لِكُلِّ أَوَّابٍ} رجَّاعٍ إلى الله {لِكُلِّ أَوَّابٍ} أي: كثير الأوبة والرجعة {لِكُلِّ أَوَّابٍ} يؤوب إلى ربه في مختلف ساعاته ويُكثر التسبيح كما قال الله للجبال أوحى إليها: {..يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ..} يعني: ردّدي التسبيح والذكر مع سيدنا داود عليه السلام {..يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ..} [سبأ:10] فالأوَّاب الرجَّاع إلى الله في الشدّة والرخاء، في الفقر والغنى، في المرض والصحة، إن أراد شيئًا فمرجعه إلى الله، وإن خاف من شيئٍ فلِيَاذه بالله، فهو في مختلف الأحوال رجَّاعٌ إلى ربّه ذاكرٌ له، منه يطلب ما يُحب، وبه يستعيذ ممّا يخاف ويكره، يعتمد عليه، يتوكل عليه، يستند إليه، فهو أوَّاب رجّاع، وقد وصف الله خليله إبراهيم بالأوَّاب، ووصف أيضًا عبده داود {..إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:17].
يقول تعالى: {هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ..} وبه قرأ الستة من السبعة وقرأ ابن كثير: {ما يُوعَدون} {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)}، حفيظ: حافظٍ للأمانة، حفيظ: حافظٍ لما بينه وبين الربّ من عهد، حفيظ: مُحافظ على أوامر الله بالامتثال ونواهيه بالاجتناب، حفيظ: يرعى حقّ الله ويُحافظ على طلب مرضاته والعمل بما يُحبّ وبما شرع وبما سنّ وبما وجّه -سبحانه وتعالى-. هذا {حَفِيظٍ} يحذر الوقوع فيما يُسخط الرب وما يخالف شرعه، {حَفِيظٍ} فيصير مستودعًا حفيظًا لأسرار الصلة بالرحمن والمعرفة الخاصّة والمحبة الخالصة، بهذه المحافظة على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، المحافظة على الأمانة التي بينه وبين الرحمن والعهد الذي عاهده عليه {هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} فيه صفة مبالغة يعني: حَسَن شديد المحافظة على الأمانة والأوامر والنواهي والمراقبة لنا {حَفِيظٍ}.
{مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33)} هذا هو الأوَّاب الحفيظ، يقوم أوَبته ومحافظته بسبب هيبة المولى، هابَ المولى وخَشِيَه فآبَ وحافظ فكان أوّابًا حفيظًا. {مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..} وهو لا يراه لكنه مُوقن بأنّ الله يراه. ولمّا سُئل نبيّنا عن الإحسان قال: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك" -جلّ جلاله-، {..خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..} وعلامته إذا كان مُختليًا ولا يراه أحدٌ من الخَلق كان على الحال اللائق الطيّب لا يقدم على مالا يليق ولا على ما حرّم ربّه -جلّ جلاله- ولا على ما خلفه في خلوته، فهو يخشى الرحمن بالغيب. ولمّا كانت حقيقة الخشية والخوف الصحيح من الجبّار إنما يقوم على معرفته؛ فلابدّ أن يكون مُقترِنًا بالرجاء فيه والطمع فيما عنده والرغبة فيما عنده ولهذا ذكر اسم الرحمن، ولو كان قال من خَشِيَ الجبّار أوالقهّار لكان الأمر شديد، لكنهم يَخشون الرحمن، صاحب الرحمة، فخشيَتهم خشية مع محبة ومع وداد ومع حنانٍ وصِلةٍ بهذا الإله، {..الرَّحْمَٰنَ..} يستشعرون إنعامه كلّما زادَ خوفهم: زاد بزيادة رجائهم فيه وطمعهم فيما عنده لمعرفتهم بعظمته أنه الذي يُعطي ولا يُبالي ويمنع ولا يُبالي، ويُسعد ولا يُبالي ويُشقي ولا يُبالي، يرحم ولا يُبالي ويُعذّب ولا يُبالي، فمن كان وصفه هكذا فمِن حقّه أن يُرجى ومن حقّه أن يُخشى. {مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..} ولمّا كان برهان الخشية استقامة وتفقّدٌ لصفات القلب قال: {.. وَجَاءَ بِقَلْبٍ..} استدامَ على طاعتنا والإقبال علينا، لا يصرفه عنّا شدّةٌ ولا رخاء، ولا خوفٌ ولا أمن، ولا غِنى ولا فقر، ولا مرض ولا صحة، بل يستمر على الإقبال علينا والصدق معنا حتى يَلقانا بقلب منيب {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} خاضعٍ خاشع ذاكرٍ للرحمن حاضرٍ معه، القلب المنيب،
فما من سرٍّ اتصلَ به قلبُ منيب * * * إلّا من سوابغ فضل الله على هذا الحبيب
سيّد المنيبين إلى الرّحمن عبده المصطفى محمّد. {مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..} وإن كان يصل إلى مراتب تُدرك بصيرته فيها عظمة هذا الإله وعظيم صفاته ومجيد شؤونه، يراها بنور البصيرة، ولكن هو يخشى هذا الرحمن من قبل وصوله إلى هذا ومن قبل اعتلائه هذا المقام، فهو يخشى الرحمن بالغيب مُوقنًا بما دلّت عليه دلائل الوجود، وأقامه الأنبياء والمرسلون على عظمة المعبود، والكائنات شهود بأن لا وجود لها إلا بإيجاد الواجب الوجود -جلّ جلاله-.
{مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} هؤلاء أهل جنة الله هم المتقون، وهم الأوّابُون الحفيظُون، وهم أهلُ الخشية للرحمنِ بالغيب وأهل القلوبِ المنيبة يُقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ..(34)} سالمينَ من أهوالِ العذاب والنار والجحيمِ والطرد والغضب والسخط والحجاب والقطع، سـلام! {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ..} آمنين من التحوّل والانقلاب إلى الموتِ أو إلى المرض أو إلى الانقطاع بل: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ..} سالمين من كل ما تخافون، لا موتَ لا مرضَ لا بؤسَ لا وسخَ ولا قذرَ لا هَرم ولا ضعف. {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ..} ويواجهُكم الملائكة بالسّلام، ومن جعلهم سادةَ الجِنان يُسلِّمون عليكم من أنبيائه وعبادِه المقرّبين وفوق ذلك كله يُرسل إليكم ربكم السَّلام: {سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس:58] الله أكبر! {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} فحُق لها أن تسمى: دار السلام. اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام فحيِّنا ربنا بالسلام وأدخلنا برحمتك داركَ دار السلام تباركت ربنا وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ…} [الأحزاب:44]. قال في الجنّة: { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [الواقعة:52-26]، {…وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ..} [الرعد:23-24]. ومن وقتٍ لآخر مَلَك يقول: إنّ ربّك يُقرئك السّلام. الله أكبر! {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)} الدائم المستمر، ويُنادَى الداخلون إلى الجنة -جعلنا الله وإياكم منهم-: "إن لكم أن تشِّبوا فيها فلا تهرمُوا أبدا، وأن تنْعمُوا فلا تبأسوا أبدا، وأن تصِّحوا فلا تمرضُوا أبدا، وأن تحيَوا فلا تموتوا أبدا"، لا موت لا شيخوخة وهَرم بل شبابٌ مستمر، إذا مرّت عليهم ألف سنة، ما أحوالهم؟ يُضرب لك المثل: كأبناء ثلاث وثلاثين سنة كما دخلوها، يدخلونَ في هيئة أبناء ثلاث وثلاثين سنة ويستمرون على ذلك، فإذا مرّت مئة ألف من السنين، ما حالهم؟ أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنة، فإذا مرّ مليار من الأعوام فما حالهم؟ حالهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة! وتمرّ المليارات من السنين والأعوام وعلى الدوام وهم على هذا الحال: شباب لا يهرمون، أصحّاء لا يمرضون، منعّمين لا يبأسون ولا قذر ولا كدر ولا مخاط ولا بول ولا شيئًا من الأوساخ ولا القاذورات من أصلها. الله أكبر ! ويحيون فلا يموتون أبدا.
ويُنادي المنادي في ساعةٍ خطيرة من أخطر الساعات على المكلّفين، أخطرُها في الفوز والفرح والسّرور، وأخطرُها في الهلاك والثُبور والخزي، ساعةً يُنادي المنادي: "يا أهل الجنة خلودًا فلا موت، ويا أهل النار خلودًا فلا موت" وذلك بعد أن يُصوّر الله الموت؛ والأمور المعنوية في العالم الآخرة تُصوّر، فتُرى كما تُرى الأمور الحسية، فيصُور الموت ويُبرزه الله في صورة كَبش، وإذا نُودي أهل الجنة: انظروا ما هذا؟! فيعرفون أنَّه الموت الذي مرّ عليهم هذا معناه، معنى هذا الإفناء الذي كان الله يُفنى به خلقه، فيفزع أهل الجنة ويفرح أهل النَّار إن شي موت بيقع -إن كان هناك موت حاصل- فيأمر الله سيدنا يحيى أن يتناول المدية فيذبحه، إشارة أن الله قدَّر وكتب لكم أن لا موت بعد الآن، أنتم في جنتكم، وأنتم في ناركم، الموت ما عاد أحد يحلم به، ماشي موت! - لا موت تحلمون به بعد الآن- يا الله!
وإنّما خصّ الله النبي يحيى لأنه الذي من أجل الله شُقَّ بالمنّشار وأُفنيت حياته الدنيا بهذه الصورة؛ فكافأه الله فقال له: تعال للموت أنت اذبحه بنفسك! فقد شَقّوه ونشروه بالمنّشار، صلى الله على نبيّنا وعليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. واسمه مناسب لذلك، اختار الله له هذا الإسم من أول ما خلقه {…إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:7]، ما حد قبله سُمّي يحيى، أول واحد في العالمين، أول واحد في البشر سمِّي يحيى هذا يحيى ابن زكريا ، يقول أنت تحيا والحياة عندك واذبح الموت ما عاد شي إلا كلٌ يحيا خلاص! كلٌ يحيا بعد ذبح يحيى للموت، وكلٌ تدوم حياته.
{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} كلُ الطلبات كلُ الرغبات كلُ الأمنيات كلُ المشتهيات إلى غاياتها {..وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71]. وعاد فوق هذا! ايش فوق هذا؟ {..وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} نهاية ما تشتهون وتطلبون حاضر! وعاد فوقه -وزيادة- من عندنا ما لم يخطر على بالكم، ولا تنتهي إليه طلباتكم وأسئلتكم فيعطيهم -سبحانه وتعالى- من مثل النظر إلى وجهه الكريم، وعطايا كبيرة لا تُعدّ ولا تُحدّ ولا تحُصر ولا تُقدر بمقدار.
{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} زيادة فوق طلب كل طالب، وفوق سؤال كلُ سائل، فكلهم يُعطون ما تمنّوا وما طلبوا وعاد وراء هذا ما لم يطلبوا وما لم يتمنّوا ممّا أحاط به علمه ممّا يخصّ به من جوده كل واحدٍ من أهل الجنة، كلٌ منهم تُعطى مشتهياته كلها، وعاد فوق ذلك شيء آخر، مزيد من الله {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، وواحدة من طبقات الجنّة سُميت بالمزيد، وواحدة سميت عليّون وواحدة سُمّيت الفردوس هذه أعالي الجنة، عليّون والفردوس ومزيد هذا أعالي الجنة، هذا الذي يسكُنها من عقلَ ووعى عن الله في حياته الدنيا حتى نال النصيبَ من المعرفة الخاصّة والمحبّة الخالصة، تجاوزَ أوهام الخلائق وظنونهُم وحُجبهم التي حُجبُوا بها عن نيل هذه الرتب في المعرفة الخاصة، فمن سواهم هو بالنسبة لهذه المدارك والأذواق من البُله، أبله، " أكثر أهل الجنة البُله"، وعليّون لأولي الألباب، من وَعوا عن ربّ الأرباب شريف الخطاب، ولبسوا حلة الآداب، ودخلوا في ميادين الاقتراب مع خواصّ من إلى الرحمن أناب، هؤلاء أولو الألباب. ومن مظاهر وعلامات أولي الألباب ما قال الحقّ في صريح الكتاب: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191]. هذه مظاهرهم يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، ذكرٌ وفكر، انتهوا به إلى عالي الحقائق وأدركوا النصيب من المعرفة الخاصّة بالخالق والمحبّة الخالصة.
{لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا..} قل لجماعة الكفار هؤلاء الذين عندك يتركون الغرور بما عندهم وبما بأيديهم وبما سُخّر لهم وبما تجمّعوا عليه وبما استندوا إليه من قوة أو تَحالف أو تكاتف بينهم البين أو علائق يتصلون بها بذا وذاك قل لهم: اتركوا الغرور هذا! {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ..} أمثالهم وأشدّ منهم قوّة وأكثر أثر في الأرض أهلكناهم {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا..} معهم إمكانيات وقوّة في الفتك ليست عند هؤلاء، وقد مضى على ظهر الأرض من ينحت من الجبال بيوتًا! ما يبني البيوت في السهول ولا فوق الجبال! من الجبال نفسها يصلّح له الغرف الذي يشتهي هنا وهنا وهناك يطلع وينزل ويصلّح له.. من وسط الجبال ينحت مقادير الغرف الذي يريد، والارتفاع والانخفاض يقطّع يقطّع.. {..وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا..} [الشعراء:149] غُرفاً تسكنونها وسط الجبال، وهذا أمر غريب ما انتهوا إليه؛ لأن مع القدرة على تقطيع الجبال وهدّ الكثير منها، ولكن تقطيعها بيوت وسَكَن ما انتهوا إليه! وكان يقولون قوم عاد: {..مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً..} [فصلت:15]. {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ..} نقبّوا: راحوا يمين وشمال وأمام وخلف وتحت ونزلوا بالبرّ والبحر والشرق والغرب وحفروا هنا وحفروا هنا واستخرجوا معادن من هنا: نقبوا في البلد، تقلّبوا وتنقّلوا وسافروا وقاموا وبنوا وزرعوا: نقبوا في البلاد، تنقيب، فقل لمن ينقّب في زماننا قد نقّب قبلك كثير وقرون وانتهوا {..فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)} هل نجوا من الموت؟ هل خرجوا عمّا حتَّمناه على عبادنا وفرضناه على خلقنا؟ هل منهم أحد حصّل محيد؟ مخرج؟ حصّل له قفزة؟ حصّل له مخلَص؟ ولا أحد منهم حصّل محيص بل كلهم هُلكُوا وأُفنوا وماتوا، كذلك نفعل بمن حضر كما فعلنا بمن مضى {…إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:19-20]، وقال في الآية الأخرى: {…كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام:133]، إذا شاء يُهلككم ويُنشئ غيركم {كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} هلكوا وأنتم جئتم من بعدهم. الله أكبر! {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ} إنَّ في هذه الحقائق المجلوّة أمام كل بصيرٍ وكل ذي قلبٍ {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ..} تذكُرٌ للحقيقة وتعرّفٌ على عظمة ربّ الخليقة {..لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ..} يَعي ويَعقل ويُدرك، أمّا القلب الذي لا يَعِي هذا الوحي والخطاب فهو كالعَدَم ما له قلب، صاحبه بلا قلب، من له قلب لا يفقه به فكأن لا قلب له، هذا ما معه قلب، ومن كان لا يُبصر يُقال معه عين؟ عيني فيَّ يقول: عيني فيَّ.. يُقال له: رح أنت بلا عين! عين ما تبصر بها ما كأنها عين! ولهذا العاقل الذي عَمي يقول: فقدت بصري ما عاد معي عيون، ما عاد ما عيون مع إن الصورة هذه حق العين محلّها! لكن العين التي تبصر ما حد هي، وهذا الذي معه قلب ما يُدرك حقيقة خلقه وإيجاده ومَعَاده ومصيره وخالقه الذي خلقه هذا ماهو قلب هذا، ماعنده قلب أصلًا! بلا قلوب!
وأمّا أهل القلوب فيتذكّرون {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ..} يعني: أصغى وأنصت {..وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} حاضر القلب متدبّر {..أَلْقَى السَّمْعَ..} يعني: أقبل بالكلية على الاستماع بالإنصاف والصدق. حتى في زماننا هذا بعض الذي كان نصراني ثم ألحد، لمّا وقعت ترجمة القرآن في يده وراح يقرأ يقرأ .. وكان في البداية يظن إن هذا مصنّف واحد، صنّف الكتاب هذا أحد من الخلق ولكن شّدّه وأخذه حتى خلّصه من إلحاده ومن كل ما انتهى إليه، كان يعيش في بيت من الكاثوليك وكان لهم شيء من التديّن النصراني، ولكن كان أبوه جاف حاد الطبع، وأتعب زوجته -التي هي أمّ هذا الإنسان- بتعبٍ شديد، وأخذ هذا يفكر لماذا هذا الإله الذي نروح له في الكنيسة يسلط هذا على هذا؟ ولماذا نسمع كل يوم هذا الصياح وهذا التعب؟ ولماذا؟… فوقع في الإلحاد! ولم يزل حتى أهدى إليه صديق من المسلمين القرآن راح يقرأ وحده، وحصّل الإشكالات التي عنده كلها عن الخلق والوجود وسط القرآن! وكان يعتقد في البداية أن هذا مصنّف، أحد صنّفه لمحمد، حد جابه، فلمّا تأمل وتأمل اشتد حتى آمن وعاد بقوّة إلى الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-. {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} وبذلك تجد وتعرف تقصير المسلمين في إيصال هذا الكتاب ومعانيه إلى كثير ممّن على ظهر الأرض، هذا واحد الذي ظهر لنا وانتشر خبره وهزّ عدد كبير من الملحدين ومن النصارى، وفاجأهم بعظمة هذا القرآن، وهذا وحده أمثاله في الأرض مئات وألوف لو وصلهم الكتاب لرجعوا لربّ الأرباب ولوَعَوا الخطاب، فالله يُعيننا على أداء هذه الأمانة وتبليغ عباد الله ما بعث به عبده المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، "بلّغوا عنّي ولو آية "، "فوالله لئن يهديَ الله بكَ رجلَا واحدَا خيرٌ لكَ من حُمْر النّعم".
اللهمّ إننا نسألك أن تجعلنا من أهل القلوب الواعيةَ المستبصرةَ الرشيدةَ الفاهمة العالمة العارفة بأسرار وَحْيك وتنزيلك، واجعلنا أمام كتابك وسنّة نبيّك ممّن يُلقي السمع وهو شهيد، فلا يزال في مزيد من عطائك المديد، ونصرك والتأييد، يا من يُبدئ ويُعيد ويفعل ما يريد، وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد، أكرمنا بنيل هذه المطالبْ. ويوم الجمعة مميّز في المطالب والعطايا حتى في الجنة، يشتاقون أهل الجنة إلى ما يناسب أو يكون في مقابل الخطة التي كانوا يحيون عليها على ظهر الأرض من أيام الأسبوع، يجعل الله لهم علامات، هم في نور مستمر ما هناك شمس تشرق ولا تغرب {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان:13]، لكن على مرور الزمن هذا يُماثل ما كان في الدنيا يوم الجمعة يوم السبت، يوم الأحد، ويوم الاثنين، يوم الثلاثاء، فيتميز يوم الجمعة حتى أنهم ليَشتاقون إليه اشتياقًا لأنهم ينظرون فيه إلى وجه الله ويعطيهم فيه في كل مرة ما لم يخطر على بالهم من سرّ النظر إليه والقرب منه -سبحانه وتعالى-.
اللهم اجعلنا من أهل جنّاتك، وفّر حظنا من هذا اليوم في الدنيا ووفّر حظنا منه في البرزخ ووفّر حظنا منه في دار الكرامة، اللهم زِدنا زيادة، وأسعدنا بأعلى السعادة، واجعلنا عندك من أهل الحسنى وزيادة، وهب لنا من لدنك المزيد، يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين، أنجز لنا وعدك وأجرنا من جميع الوعيد، واجعلنا من أهل حقيقة التوحيد نزداد قُربًا منك في كل لمحةٍ ونفسٍ أبدًا سرمدًا برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبسرّ الفاتحة،
وإلى حضرة النبي اللهمّ صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة.
10 رَمضان 1444