تفسير سورة الشورى -12- من قوله تعالى: { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)} إلى الآية 36

للاستماع إلى الدرس

الدرس الثاني عشر من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الشورى، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1446هـ ، تفسير قوله تعالى:

وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)

الأحد 23 رمضان 1446هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرِمنا بِنورِ الوَحي والتنزيل، وبَيانِه على لِسانِ عَبدِه المُجتَبى المُصطَفى الجَليل سيدنا محمد، أكرَمِ هادٍ وخَير دليل، صلى الله وسلم وبارك وكَرَم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار خير جيل، وعلى من وآلاهم واتبعهم بإحسان في النية والقَصد والفِعل والقيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسَلين أهل التكريم والتبجيل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المُقَرَبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

في نِعمَة تَأَمُلنا لِكَلام رَبِنا -جل جلاله وتعالى في علاه-، انتهينا في سورة الشورى إلى قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ (35)).

بَعدَ أَن ذَكَّرَنا:

  • بِخَلق السماوات والأرض، وهي مِنَ الآيات العظيمة.

  • وما بث فيهما من الدواب. 

  • وأنه قادرٌ على جَمعِهِم كما قَدَرَ على خَلقِهم. 

  • وقُدرَتهُ -سبحانه وتعالى- لا غايةَ لها ولا نِهاية، (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحديد:2].

وذَكَّرَنا:

  • بما يُصابُ الناس به من مَصائب.

  • وما يكون من حِكَمٍ في تعجيلِ العذاب لبعض الناس. 

  • وفي وجود العفو لمن يشاء الله -تبارك وتعالى-. 

  • وأنه ليس أحدٌ بِمُعجِز في الأرض، لا فَرد ولا جَماعة ولا شعوب ولا دُوَل. 

(وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ)؛ الكُلُّ في قَبضَته، و(مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود:56]. يُحيي من يَشاء منهم ويُميت من يشاء، ويُقَدِم مَن يَشاء ويُؤَخِر مَن يَشاء، ويُوَلّي المُلك مَن يَشاء ويَنزِع المُلكَ مِمَن يَشاء، ويُعِزُّ مَن يشاء ويُذِلُّ مَن يشاء، وما أحدٌ منهم يستطيعُ أن يَخرُج عن قَبضة الله تعالى وعن مُرادِه فيه، ولكن "الله يُمْلي للظالِم حتى يَأخُذَه، فإذا أَخَذَه لَم يُفْلِتْهُ" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. 

(وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31))؛ فَذَكَّرَنا بَعدَ ذلك، بالسُفُن الجارِيَة في البِحار، قال: 

  • (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ) أي: السُفُن اللاتي يَجرين.

  • (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)) أي: الجِبال الشاهقة، وكل ما ارتفع يُسَمونه في اللغة  عَلَم.

(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) هذه السفن التي تَجري، وضَرَب -سبحانه وتعالى- بها المَثَل وعَلامةً على قُدرَتِهِ وإرادته وتَسيّرِه للأكوان، وأنه القادر على أن يُعيدهم كما بدأهم، وأن يُميتهم ثم يُحييهم كما أحياهم ولم يكونوا؛ فكلها آياتٌ تدل على صحة البعث والنشور والرجوع إلى العزيز الغفور -جل جلاله-.

(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)) تَجرينَ بالناس وبَأثقال الناس، ويَنقُلنَهُم مِن مَكان إلى مَكان، فَجَريُهُنَ كَحال الطير التي تَطير أيضًا في الهوى: 

  • قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [الملك:19]. 

  • وقال -جل جلاله- في آية أخرى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل:79].

يقول جل جلاله: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) فوجودُ الأرض بهذه الصورة وفيها البَر وفيها البَحر آية من آياته العظيمة وقُدرة وحِكمة من حِكَمِه، ثم جعل من المواد ما لا يغوص في الماء كمثل هذا الخشب، ومهما وُضِعَ عليه من حمل ثقيل فلا يَغوص، ويتوصل أيضاً بالركوب فيه من الإنتقال من بلد إلى بلد وعبور البحر من منطقة إلى أخرى. 

(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)) -مرتفعة كأنها جِبال أو كأنها بيوت- (إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ)

  • أمرُهُم يَقومُ في جَري السفن هذه في العصور السابقة على الريح؛ فَيَنصِبون أشرِعَتهم لِيَغتَنِموا مَجيء الريح؛ لِتَجري بهم في الجِهة التي يُحِبونَ التوجه إليها.

  • وقد تُلقيهم الريح إلى مَكان آخر. 

  • قال: (إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ): يَمنع انطلاقها، فإنه ما يَنطَلِق شَيءٌ من هذه الرياح إلا بأمره. 

(إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ) غير جارِيات، فكيف تَجرونهم؟ وهكذا سواء كان السفن ومِثلُه ما استُحدِثَ مِن سيارات، أو من طائرات، ومثله الطير هذا الذي يَطير بين الأرض والسماء. 

  • كُل ذلك جارٍ بِقُدرَتِه وبِمَشيئَتِهِ ومُحتَكَمٌ عَليها قَبضَتُه سُبحانه وتعالى. 

  • وإن شاء أن يوقِفَ أي شيء من هذه بأي سببٍ أو بلا سبب للناس ظاهر فَيوقِفهُ. 

(إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ)  فَمَن يُجريها لهم؟! (رَوَاكِدَ): غير جارِيات، ما يُمكن أن تَجري  وربما تَتَمايل مَكانها ولا تَجري (فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)).

وَكَون الماء بهذه الكَمية وبهذه الطبيعة وبِكَونه لا يَختَرِقهُ هَواء ولا تَغوص فيه هذه الأخشاب؛ كُل ذلك من آياته وكل ذلك بِجَعلِهِ هو، ما رَتَّب هذا هَيئةَ ولا مُنَظمةَ ولا دَولة، لا أحد مِنهم رتب هذا، هكذا وَجَدوه بإيجاده جل جلاله وتعالى في علاه، فَكُلهم في قَبضَته سبحانه. وإن اغتَرَ المُغتَرون مِنهم.

(إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33))، ثم ضَرَب لنا في عدد من الآيات المَثَل بأحوال الماشيّن في البحر عندما تشتد بهم الريح أو تتلاطم بهم الأمواج، والكل حتى المُشركون منهم يَلجَؤون إلى الله، ولا عاد أحد يذكر شيئًا من أصنامه ولا هُبَل ولا اللات ولا العُزى ولا شيء. وكذلك الذين يعبدون غير الله وقت الشدة ما عادوا يَذكُرونَهُم، وتَذهَب فِطرة الإنسان إلى اللُجوء إلى الله وإلى الإستِغاثة بالله سُبحانه وتعالى (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ) [الإسراء:67]، وهكذا حال الإنسان الذي لم يَتَهَذَب ولَم يَتَنَوَر بِنور الله -جل جلاله- الذي بَعَثَ بِه عَبدُه المُصطَفى محمد: 

  • (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) [المائدة:15]. 

  • (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) [النساء:174].

وهذه البَصائِر والآيات جاءتنا، فالإعراض عنها  والعياذ بالله -تعالى- يَجعَلُ الإنسان في ظُلمة لا يَدري أين يَمضي ولا أين يَمشي.

 (إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33))  أي: لِكُل مؤمن قال: لأن الإيمان صَبرٌ وشُكر، فَكل مُؤمن صَبار شَكور يَعتَبِر ويُحسنُ النظر في هذه الآيات، ويوقِن بعظمة مُكَونها ومُبدعها -جل جلاله- والمُتَصَرِف فيها.

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ) -كثير الصبر- (شَكُورٍ (33)) كثير الشكر

  • وعلى قدر حظ الإنسان من الصبر والشكر يكون له حظ من العقل، وحظ من إدراك الأشياء على ما هي عليه؛ الذي هو العلم، العلم إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع. 

  • ولكن من لم يحسن استعمال الصبر ولم يكن صبارًا، ولم يقم بحق الشكر ولم يكن شكورًا، فلا حظ له في المعرفة، ولا في إدراك الحقيقة، ولا في حقائق العلم. 

ولذا قال: (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:6-7]، فسمى علمهم للظاهر من الحياة الدنيا لا شيء، (لَا يَعْلَمُونَ)

  • لأنه عند العلم بالحقيقة لا يساوي شيء لا في ثمرته ولا في نتيجته ولا في مآله، ماذا يساويه؟ يروح وينتهي متلاشيًا فكأنه لم يعلم. 

  • ولكن من عَلِمَ عظمة الله هذا هو العلم النافع الرافع لصاحبه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]. 

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(33)) رزقنا الله الصبر والشكر في عافية، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

  • (أَوْ يُوبِقْهُنَّ) يهلكهن، يغرقهن بأهلها. 

  • (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا) يعني: الراكبين عليها وأهلها التي فيها فيغرقون بسبب ذنوبهم. 

  • (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا) بسبب سيئاتهم، وهو حاصل في كثير مما يحصل من مثل ما تقدم ذكره فيما يصيب الناس. 

ومع ذلك: (وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34)) فلو كان يؤاخذ الناس بما كسبوه كله، ماعاد بتسلم ولا سفينة واحدة، كل من ركب بيقع له غرقه -سيقع في الغرق- في محله وانتهت المسألة، لكن (يَعْفُ عَن كَثِير) ويؤخرهم إلى أجل سبحانه وتعالى.

وقال: (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ) -يعني: إلى وقت، اما بقاء لا يوجد، بقاء غير متأتي، ما يتأتى معهم. قال: (إِلَىٰ مَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) وقت محدد فقط يؤخرهم عني سنة ثانية .. سنة ثلاثة .. كذا سنين؛ والموت لابد منه، لكن هم إذا قدهم وصلو في السفينة قال: (إِن يَشَأْ يُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ) لا أحد سيسمعهم ولاحد سينقذهم ولا سيخرجهم؛ (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) لا يوجد بقاء، بقاء ما في، بقاء فقط قليل جدا، مازال في وقت، هذا يعدي، هذا يقضي سنتين، هذا يقضي أربعة هذا يقضي عشر، الموت للكل خلاص، الكل يموت إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا (وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) [يس:43-44] لا إله إلا الله.

قال: (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34)) الله أكبر..

  • قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [يونس:22-23].

  • قال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس:24]. 

وهذه قصة ملايين البشر على مدى القرون والعصور، ظنوا أنهم قادرون عليها، وجاء أمره ليلاً أو نهارًا وانتهى كل شيء، ولا في دولة ولا دولتين، ولا عشر ولا عشرين، ولا مئة ولا مئتين، ولا ملك ولا ملكين، ولا عشرة ولا ألف، كلهم وقع لهم مثل هذا. لا إله إلا الله. 

(أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ) يخاصمون في آياتنا، ويردون على نبينا وعلى أتباع النبي ﷺ، يعلمون ويوقنون أن (مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ (35)) ما لهم منقذ، ما لهم مخرج، ما لهم مرجع، ما لهم ملجأ، وأن كل ما يعتمدون عليه رَاح هباء، ولم يبقى إلا الله جل جلاله. ويعلمون أن كل ما كانوا عليه من الجدال باطل وإثم. 

(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، يقول: كل ما نمدكم به في هذه الحياة ونمتعكم به هو متاع منقض زائل، أي: فلا ينبغي أن تجعلوه الغاية ولا القصد ولا أن تنحصروا فيه (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ) -أي شيء كان- (فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..(36)).

 إذًا فكيف الطريق للاستفادة من هذه الأشياء التي نؤتاها في الدنيا؟ 

  • بواسطة الإيمان وعلم السلوك الذي بعث به الأنبياء، نتعامل مع الأشياء في الدنيا من أسماع وأبصار وقوى أوتيناها. 

  • أو أي مُتَعٍ جاءت من لباس أو طعام أو شراب وما إلى ذلك، نتعامل معها تعامل العبيد مع السيد، مطبقين لمنهجه، ذاكرين له، موقنين أنه المنعم بها، ونصرفها فيما شرع وأحب.

وبهذا يقول: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) [سبأ:37].

  • هذا هو وماله وأولاده كله عدة؛ له النيات الصالحة وله التربية فيهم، وله التزود بهم للآخرة. 

  • أما مجرد الذي يريد الأولاد للمتعه في الدنيا أو للمناصرة على خصومة وما إلى ذلك، فهذا ما يبقى له شيء من منفعة الأولاد ولا من منفعة المال، والذي هو محل الغرور، محل غرور المغترين بما أوتوا من الأموال ومن الأولاد.

 فبذلك يظلون معظمين لشأنها ويفتخرون ويحاجون بها، قال الحق سبحانه وتعالى: ليست بشيء حتى تجادلوا بها أو تحاجوا بها أو تعظموا شأنها وأمرها؛ يقول: (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:37].

يقول سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [سبأ:34]، فالمترفون دائما في أغلبيتهم يشق عليهم الاعتراف بالحقيقة، ولا يميلون إلا إلى متعهم وسلطاتهم. كل ما جاء رسول في أي قرية يقول المترفون: (إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) . بعد ذلك الاحتجاجات عندهم والغرور بماذا؟ قالوا: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا)، بعدين؛ من كان أكثر مال وولد رجع هو صحابي حق ولا ماذا؟ هو سعيد ولا ماذا؟ ويقولون: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ:35]، من أين استفدتم؟ ومن أين فهمتم أن من عنده أموال وأولاد ما يعذب؟ كيف يعني؟ كيف (مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)؟.. من الذي يعذبه؟ .. الله قادر، هل هو قال إن عنده مال وولد ما يعذبه؟ فمن أين يجيء الحكم هذا؟ هذا خبال وخيال. 

(وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، يظنون أن هذا بشطارته، وذا فاز، وذا حصل الدنيا سعيد، وذا منهم. (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ)، ما تقربكم من الله ولا ترفع قدركم؛ (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا): 

  • فهؤلاء لا يغرهم مال ولا يرضون بالشبهة فضلا عن الحرام، وإذا تمكنوا منه أنفقوا في محله.

  • هؤلاء أموالهم تنفع وأولادهم يربونهم على تقوى ربهم، وعلى فهم دينهم، وعلى النصرة لخالقهم ولرسوله. 

(فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:36-37]، (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) [يس:56].

(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الزمر:15]: 

  • خسران الأهل يوم القيامة: بإهمال وَضعهم في الدّنيا، بعدم تَسيِيرهم في المسلك الذي أحبّه الخالق لهم، بجهلتهم بأمر دينهم، باتّباعهم على ما يُخالف الشرع، هذا الخُسْران. 

  • لكن من أقام الأهل والأولاد على ما قال: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]، هذا ما يخسر أولاده ولا أهله يوم القيامة. 

يقول: (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ): 

  • وليست العبرة بوجود المال ولا عدمه؛ إلّا بكيفيّة كسبه وإنفاقه، (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:38-39].

  • (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا) [الفجر:15-17]، ليس الأمر هذا، ليس هذا علامة وليس هذا غاية. 

ولكن المُكرَم مَن أطاع الله والمُذَلّ المُهان مَن عصى الله، كائن ما كان، أفراد أو جماعات؛ 

  • ولِذَا كان يقول بعض العارفين: مَا أَعَزَّت العِباد أَنْفُسها بِمِثْل طَاعة الله، وَلَا أَهَانَت أَنْفُسها بِمِثْل مَعْصية الله. 

  • (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج:18]. 

(فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ..(36))، (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ) للأبرار، ما عِنْدكُم يَنْفد ومَا عِند الله بَاقٍ.

وهكذا يُروى أنّ سيّدنا سليمان -عليه السّلام- كان مارّ على الرّيح يمشي ومعه جنده من الإنس والجنّ والطّير، نملة رأت جنده مقبلين وقالت لإخْوانها مِن النّمل: هِييْ الجماعة مقبلون يدحقونكم -أي: لم يبالوا بكم وسيسحَقونكم- وما أنتم داريون بأنفسكم، (يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا)، (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النمل:17-18]؛ 

  • كان بعض أهل الذّوق يقولون: هذه لمّا رَحِمت أخوانها وحَرَصَت على مَصْلَحتهم، أبقى الله كلامها في القرآن، قالت: (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ). 

  • لأنّ عندها رحمة وشفقة وحِرْص على أصحابها أن لا يُؤذَوا؛ قال فهكذا شأن الذي يحرص على النّاس تكون له منزلة عند الله؛ هذه نملة ونُقِلَ خَبَرُها في القرآن.

كان يمشي، قال تعالى: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا) [النمل:19]، وإذا بمزارع يرى سيّدنا سليمان ويمشي على الرّيح، تعجّب: سبحان الله! لقد أُوتِي ابن داود مُلْكا عظيما؛ ونقلت الرّيح صوت الرّجل، أمرها تَقِفْ وأَقْبل على الرّجل. قال له: ماذا قلت عندما رأيتني مُقْبِل معي، قال: يا نبيّ الله، ما قلت شيئا، قلت: سبحان الله! لقد أوتي ابن داود مُلْكا عظيما. قال: والله إنّ قولك سبحان الله هذه، خير ممّا أوتي ابن داود ومثله مُلك، قال،؛ الأعظم من مُلْكِي هذا، كلمتك هذه: سبحان الله، كيف؟ قال: هذا مُلكي سيزول والكلمة هذه سيبقى لك ثوابها؛ مع أنّه نبيّ وهو ومُلكه كلّه سخّره لله تبارك وتعالى؛ لكن مظهر هذا الملك زائل، لا إله إلا الله. 

أبى الله؛ " أن لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِن الدنيا إلا وضعَه"، حتى لمّا كانت النّاقة القصواء للنّبيّ ﷺ مشهورة في السّباق ما تُسبق أبدا، ما قد سبقها أحد، جاء واحد أعرابي على جمل سابق، فسبقها وكان بعض الصّحابة تأثّروا، فلمّا أحسّ بهم ﷺ قال: أبى الله؛ " أن لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِن الدنيا إلا وضعَه"، أيّ شيء من الدّنيا ارتفع يوضع، لا إله إلا الله! والعزّة في الطّاعة والبرّ والتّقوى والقُرب من الله ونُعرَف بها، فقط، هذه أبديّة سرمديّة، أعزّنا الله بطاعته وتقواه ورضاه عنّا.

(وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36))، وأخذ يشرح لنا أوصاف هؤلاء الذين يجدون الجزاء الباقي، والنّعيم الباقي، والفوز الباقي، والسّعادة الأبديّة، أهل هذه الأوصاف، حلّانا الله بها وجعلنا من أهلها، اللّهمّ آمين .. اللّهمّ آمين .. اللّهمّ آمين، ورُبّما يكون مِن المؤمنين مَن ليس مِن أهل هذه الأوصاف، فما ينقضي بهم رمضان إلّا وقد دخلوا في دائرة أهلها، وجعلهم الله من أهلها.

نسأل الرّحمن ربّ رمضان، أن لا يُخرج عنّا رمضان إلّا وقد حقّقنا بأوصاف أهل الإيمان، الذين يَجدون الجزاء الباقي، والنّعيم الباقي، والسّعادة الأبديّة، اللّهمّ آمين، حلِّنا بحُلاهم وارْزقنا الاتّصاف بصفاتهم وخلّقنا بأخلاقهم، يا حيّ يا قيّوم، يا أرحم الرّاحمين، وأهلنا وأولادنا وأهل مجمعنا ومَن يسمعنا، ومَن يُتابع مَجمعنا، وجميع أهل الولاء فيك. 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد ﷺ

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه

 الفاتحة

القصة والكلمة التي يُشير إليها الحقّ سبحانه وتعالى في أحوال أهل هذه الدّنيا، (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس:24]، هذا الذي يذكر الإمام الحداد في وصفه وكانوا يسمّونه فاضح الدّنيا الذي يكشف حقائقها، يقول عن قوم اغترّوا بها يقول عنها: 

سَحَّارَة تُحْكِمُ التَّخْيِيل حَتّى يَرَى *** كَأَنَّهُ الحَقّ إِذْ كَانَتْ مِنَ الفِتَنِ

يقول عن الذين آثَروها: الموفق

يَرْمِي بِقَلْبٍ مُنِيرٍ فِي مَصَائِرِهَا *** فَلَا يُصَادِفُ غَيْرَ الهَمِّ وَالحَزَنِ 

يَجُولُ بِالفِكْرِ فِي تَذْكَارِ مَنْ صَرَعَتْ كم؟ 

يَجُولُ بِالفِكْرِ فِي تَذْكَارِ مَنْ صَرَعَتْ *** مِنْ  مُؤْثِرِيهَا  بِسَعْيِ  القَلْبِ  وَالبَدَنِ 

مِمَّنْ أَشَادَ مَبَانِيهَا وَأَحْكَمَهَا ****

 (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا) [الشعراء:149]، لا إله إلا الله!..

مِمَّنْ أَشَادَ مَبَانِيهَا وَأَحْكَمَهَا *** لِيَسْتَجِنَّ مِنَ الأَقْدَارِ بِالجُنَنِ 

نَالُوا مَكَارِمَهَــا أَحْيَوْا مَعَالِمَهَــا *** سَلُّوا صَوَارِمَهَا لِلْبَغْيِ وَالضَّغَنِ 

رَقَوْا مَنَابِرَهَا قَادُوا عَسَاكِرَهَا: جيوش و جنود.

رَقَوْا مَنَابِرَهَا قَادُوا عَسَاكِرَهَا *** بِقُوَّةٍ وَابْتَنُوا الْأَمْصَارَ وَالمُدُنِ 

وَعَبَّدُوا النَّاسَ، يقول له: حقّ الفيتو أين؟ لا يوجد شيء لك..

وَعَبَّدُوا النَّاسَ حَتَّى أَصْبَحُوا ذُلُلًا *** لِأَمْرِهِمْ  بَيْنَ  مَغْلُوبٍ  وَمُمْتَهَنِ 

وَجَمَّعُوا المَالَ وَاسْتَصْفَوْا نَفَائِسَهُ *** لِمُتْعَةِ النَّفْسِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ 

حَتَّى إِذَا امْتَلَؤُوا بِشْرًا بِمَا ظَفِرُوا *** وَمُكّنُوا  مِنْ  عُلَاهَا  أَبْلَغَ المِكَنِ 

نَادَاهُمُ هَـــاذِمُ اللَّـــذَّاتِ فَاقْتَحَـمُـــوا *** سُبُلَ المَمَاتِ فَأَضْحَوْا عِبْرَةَ الفَطِنِ 

تِلْكَ القُبُورُ  وَقَدْ صَارَوا بِهَا  رِمَمًا *** بَعْدَ الضَّخَامَةِ فِي الأَجْسَامِ وَالسّمَنِ 

بَعْدَ التَّشَهِّي  وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ غَدَا *** يَأْكُلْهُمُ الدُّودُ تَحْتَ التَّرْبِ وَاللَّبِنِ

تَغَيَّرَتْ مِنْهُمُ  الْأَلْوَانُ وَانْمَحَقَتْ *** مَحَاسِنُ الوَجْهِ وَالعَيْنَيْنِ وَالوَجَنِ 

وخَلَتْ  مَسَاكِنُهُـمْ  عَنْهُمْ  وَأَسْلَمَهُـمْ *** مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ  فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ 

وَعَافَهُمْ كُلُّ مَنْ قَدْ كَانَ يَأْلَفُهُمْ *** مِنَ الأَقَارِبِ وَالأَهْلِينَ وَالخَدَنِ

  مَا كَانَ حَظٌّهُمُ مِنْ عَرْضِ  مَا اكْتَسَبُوا *** غَيْرَ الحَنُوطِ وَغَيْرَ القُطْنِ وَالكَفَنِ

تِلْكَ  القُصُورُ  وَتِلْكَ  الدُّورُ  خَاوِيَةٌ *** يَصِيحُ فِيهَا غُرَابُ البَيْنِ بِالوَهَنِ 

فَلَوْ  مَرَرْتَ  بِهَا  وَالبُومُ  تَنْدُبُهَـا *** فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَمْ تَلْتَذَّ بِالوَسَنِ  

وَلَا اعْتَبَرْتَ إِذَا شَاهَدْتَ مُعْتَبَرًا *** تَرَاهُ  بِالعَـيْن  أَو تَسْـمَعْـهُ  بِالأُذُنِ 

يَكْفِي اللَّبِيبَ كِتَابُ اللَّهِ مَوْعِظَةً *** كَمَا أَتَى فِي حَدِيثِ السَّيِّدِ الحَسَنِ 

الله يَملأنا بالإيمان واليقين، ويجعلنا في الهُداة المُهتدين ويُحسن لنا خاتمة الشّهر المبارك، ويجعلنا من خواصّ الظّافرين بعجائب إفضاله وجَزيل نواله في لُطفٍ وعافية.

تاريخ النشر الهجري

24 رَمضان 1446

تاريخ النشر الميلادي

23 مارس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام