تفسير سورة الجاثية -05- من قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ..} الآية 23 إلى الآية 25
الدرس الخامس من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الجاثية، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
الجمعة 19 رمضان 1445هـ
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بتنزيل القرآن، وبيانه على لسان حبيبه سيد الأكوان، محمد ابن عبد الله عظيم القدر وسيع الجاه جليل الشأن، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه في كل لمحة ونَفْسٍ ونَفَسٍ وآن، وعلى آبائه وعلى آله وأهل بيته المطهرين عن الأدران، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين الأعيان، وعلى مَن والاهم واتَّبعهم بإحسان على ممر الزمان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مَن رَفع الله -تبارك وتعالى- لهم المنزلة والقَدْرَ والمكان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين أهل العرفان، وعلينا معهم وفيهم إنه الكريم المَنّان.
وبَعْدُ،،،
فإن في نعمة تدبرنا لكلام رَبِّنا، وخطاب رَبِّنا، وتعاليم رَبِّنا، مررنا على أكثر آيات سورة الجاثية حتى وصلنا إلى قوله جل جلاله: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23))، نسأل الله أن يهدينا ويكشف عنا الغِشاوات، ويفتح أسماعنا وأبصارنا حتى نسمع ونَعِيْ ونبصر الحق، ونهتدي بهدي الله -تبارك وتعالى- اللهم اهدنا فيمن هديت.
وهذا الْهَوَىٰ الذي لمَّا سُئل عنه بعض الصالحين قال: هو الهوان إلا أنَّ نونه مسروقة؛ هو الهوان، النون فيه مسروقة؛ فكلُّ من ركب الْهَوَىٰ فقد وقع في الهوان، يقول الإمام العدني -عليه رحمة الله-: إنَّ اتباع الْهَوَىٰ هوان.
وحذَّر الله منه حتى للمبالغة في التحذير خاطب الأنبياء المعصومين وقال: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26].
فقُوى الشر ونوازع النفس وشهواتها في باطن الإنسان تسمى الْهَوَىٰ، الميل إليها والاِستسلام بها باب الهلاك الأكبر:
- بالْهَوَىٰ أُنكِرَت الحقائق.
- بالْهَوَىٰ كُذِّب أصدق الخلائق.
- بالْهَوَىٰ ارتُكِبَت البوائق.
- بالْهَوَىٰ عَظُمَتْ العوائق.
- بالْهَوَىٰ تخالفَ الناس، وتباغضَ الناس، وتقاتل الناس.
وهذا الْهَوَىٰ الذي هو الميل إلى الباطل، نوازع النفس ودواعيها بشهواتها إلى الميل إلى الباطل تُسمى هوى، بتَهذِيبها تسمو فتَنْحَلُّ عنها عقد التَبعية للشر والميل إلى الباطل؛ فتصير بالحنيفية مائلة إلى الحق فيصير الْهَوَىٰ تبعًا لما جاء به رسول الحق عن الحق، وهناك يَصِحّ الإيمان: "لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لما جئتُ بهِ"؛ يعني يُهذِّب نفسه ويزكيها حتى لا تشتهي إلا الاتِّباع والاِنقياد والطاعة؛ هذه النفس المُزكّاة هي المؤمنة.
هذا الميلُ إلى الباطل بأنواعه:
- منه ما يأتي وقت الغضب، وهذا من أبشعه وأشده وأشنَعِه، وعنه يُمَثَّلْ ما قِيل عن إبليس الرجيم: إني أوسوس على ابن آدم في قلبه، فإذا غَضِبَ طِرْتُ إلى رأسه فَصِرْتُ ألعب به كما يلعب الصبيان بالكُرة. ولِذا قال نبينا: "ولَكِنَّ الشَّديدُ.."؛ يعني: القوي الشُّجاع صاحب القدرة، "ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، ولَكِنَّ الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ"؛ الصُّرْعة؛ الذي يَصْرَعُ الرجال، قال: ليس هذا الشديد، وكما عند بعضهم هواية للمصارعة ويحبُّ المصارعة، ويتفرَّج على المصارعة، يمكن هو لا يقدر يصارع لو أحد يقدر يصارعه سيصترع، لكنّه يحب المصارعة ويتشوّف عليها، و"ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ"، ما هذا قوة! ولا هذا قدرة ولا هذا شجاعة، "ولَكِنَّ الشَّديدُ" القوي صاحب الحزم "الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ"؛ هذا هو الشجاع القوي.
- ويأتي في هذا الْهَوَىٰ: التَعصُّب للرأي والتَعَصُّب للمذاهب، يدخل من الْهَوَىٰ وباب الْهَوَىٰ.
ومَن كان هواه تبعًا لما جاء به السيّد المعصوم؛ فهو بالقدر المعلوم من أهل العقول والفهوم، بعيدًا عن موجبات الهموم والغموم، فإنّ الذي يكظِمُ غيظه من أجل الله يملأُ الله قلبه أمنًا وإيماناً، ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظِمُها صاحبها من أجل الله، "مَنْ كَظَمَ غَيظه ولو شاء يُنَفِّذُهُ لنَفَّذَه، دعاه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة حتى يخيِّره من أي حُلَل الجنة شاء"؛ ولذا يقولون: إذا غَضِبَتْ نَفسُك فتذكَّر غضب الله عليك، أنك لا تُطيقُه ولا تَسكُن. لا إله إلا الله الجبَّار الذي لا طاقة لأحد بغضبه.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ..(23))؛ ما تهواه نفسه، كما قلنا: أنّ الْهَوَىٰ يأتي حتى في المذاهب ولو كان أصلها صحيح، وفي الآراء ولو كان لها نصيب من الصحة؛ يدخلها الْهَوَىٰ؛ من باب أولى ما يتَشدَّقُون به من نظام، من حريّة، من قانون، من عدل، من مساواة؛ يتشدَّقون بما يقولون، ويطرحون لها أنظمة وقوانين، عامَتها يُداخلها الأهواء.
- إن الذين يتبعون الْهَوَىٰ؛ (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26]، فـ(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26]؛ إشارة إلى أن أقوى ما يُمكن أنْ يتمكَّن به الإنسان من غضبه ويضبطُه: يقينه بيوم الحساب والرُّجوع إلى ربِّ الأرباب، إذا عنده هذا؛ يقدر يكظم غيظه، يقدر يكظمه على قدر يقينه بهذا الرجوع والمصير.
- إنّ الذين لا يرجون لقاء الله؛ ما يستطيعون أن يُغالبوا أهواءهم؛ بل تغلِبهُم أهواءهم، ويقول:ِ (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ) [النازعات:37-41].
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ .. (23)). استعداده ليفهم الحقيقة عِلم؛ فتركه. وقد يعلم أنه لابُدَّ له وللكون من خالق وأن مرجعه إليه؛ ولكنه يُكابر ويجحد ويُنكر -فهو على علم- ومع ذلك يتّبع الْهَوَىٰ ويتخذ إلهه هواه، يتخذ إلهه هواه يعني: يُقيم الْهَوَىٰ مقام الإله المعبود؛ يُنزله منزلة الإله المعبود (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ .. (23))؛ يعني: الأمر المتوجّه عليه والواجب بالحُكم الحقيقة، وبحكم العقل وبحكم المنطق من الطاعة والإنقياد للذي خلقه؛ يصرفه الْهَوَىٰ؛ فيصير أمام الْهَوَىٰ كأن الْهَوَىٰ إلهه؛ ينقاد ويخضع له، لا خلقه الْهَوَىٰ، ولا يُفيده الْهَوَىٰ، ولا يرجع إلى الْهَوَىٰ، ولا يستطيع الْهَوَىٰ أن يُنَعمه، ولا أن يُنجيه من عذاب.
ولكن ( .. اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ .. (23))؛ يعني: أنزل الْهَوَىٰ وميل باطنه إلى السّوء؛ أنزله منزلة الإله الذي يُعبد، فما يجب أن يتوجه به من الطّاعة لخالقه، هو يتوجه به الطّاعة كاملة لهذا الْهَوَىٰ -أعوذ بالله من غضب الله-؛ وهذا هوانٌ من غير شك! كيف ما هو هوان؟ هذا هوان مُوجب للهوان الأكبر؛ لأنه استخفاف بعظمة الخالق الذي خلق، ونزولٌ عن شرف التسليم للخالق، واعتياضٌ عن ذلك بالذِّلة والخُضوع والخُشوع لهذا الأمر الدَّني والأمر التّافه، وأمر هذه الشّهوات وهذا الميل إلى الباطل -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
قال في بيان أن المُتخلِّص من الْهَوَىٰ هو الذي يستقيم على منهاج قويم: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ..) [الأنعام:153] يَمنَة ويَسرَة ميل؛ ولهذا سُمّي اتباع الحقّ والدِّين الحقّ حنيف.
- والحنيف: الذي لا يميل إلى الباطل، ولا يخرج عن مسلك الهُدى لا يَمنة ولا يَسرة، لا يميل كذا ولا كذا.. هذا الحنيف.
- والجَنيف: المائل إلى الباطل -الجَنيف- هذا الجَنيف. قال تعالى: (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا ..) [البقرة:182]؛ ميلًا إلى الباطل؛ (..فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ..) [البقرة:182].
وهكذا فمُقابل الحَنيف، الجَنيف، ومقابل الحَنَف، الجَنف. فالميلُ عن الميل إلى الباطل يَمنة ويَسرة بالاستقامة على الوسط هو الحَنَف، وهذا الدِّين الحنيف و(.. مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ..) [النحل:123]؛ لا يميل يَمنة ولا يَسرة، لا تحكُمُه الشّهوة ولا الغضب -الْهَوَىٰ-، استسلم للذي خلق:
- (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].
- (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ..) [الأنعام:125].
هذا مُحرر هذا، لا فلوس أوقفته؛ ولا هوى استبدَّ به، ولا شهوة غلبته؛ ولا عربي ولا عجمي؛ ولا إنسي ولا جِنّي ولا ملاك؛ ولا جماد ولا حيوان ولا نبات؛ أسلم لله هذا المُحرر.
- (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].
- (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا..)، ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا..) [النساء:125].
يقول: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ..(23))، وبعد ذلك الأنبياء وأتباعهم يخاطبون عامة النّاس، مجرد الفطرة والعقل يخفف فيهم الانصياع الكامل والاسترسال وراء الْهَوَىٰ، ليقفوا عند حدود:
- رفض الظلم.
- والاعتداء على الغير.
- وسلبِ حُرية النّاس من مسالكهم ودينهم.
هذا العقلاء يتفقون عليه إذا اصطلحوا عليه اندفع كثير من الظلم والإجرام في الأرض، ولكن هذا الإنسان لا يرضى يستسلم، هؤلاء الأنبياء يدعون جماعتهم لا تظلموا لا تؤذوا، لا تضروا بعضكم البعض، لا تتعدوا على حقوق بعضكم؛ فهذا أقل ما يمكن أن يتفق عليه العقلاء على ظهر الأرض.
ولكن أين عقلاء الأرض؟
- ينظمون أنظمة ليضاد هذا.
- وليضر هذا.
- ويستحوذ على هذا.
- وليتسلط على هذا وليأخذ حق هذا.
- ويصلح سياسته كلها على هذا.
هذا عقل هذا؟ فواقع الناس هذا؛ هذا هو الذي تحكمه الأهواء، ولهذا كلٌ يُعدّ الجيوش من أجل يتقوى على الغير ويأخذ حق الغير، والنّادر الذي يريد فقط الدفاع عن نفسه من ظُلم الغير. ومع ذلك فهناك شؤون غريبة في استبداد بعضهم على بعض (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) [آل عمران:64] -جل جلاله-.
ولكن ما يعدّ الأنبياء وأتباعهم قوة ولا عدة إلاّ لإنقاذ النّاس، إلاّ لرحمة النّاس، إلّا لصلاح النّاس، إلاّ لإرشاد النّاس؛ لا لشيءٍ آخر (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]، ولكن يبقى ولو كان واحد على ظهر الأرض نبيّ أو تابع لنبيّ صادق مخلص يبقى أمّة:
- حاله عجيب وشأنه غريب.
- وأمره مع الله -سبحانه وتعالى- حسن.
- وباطنه بنور المعرفة والحضور مزيّن.
- وله الطمأنينة والسكينة في الحياة.
- وله البشارة عند الوفاة.
- وله أن يلقى مولاه برضاه.
- وله أن يرافق أصفيائه.
فهذا هو صاحب العيش الهنيّ.
ومرت أيام على سيدنا إبراهيم في الأرض كان وحده موحِّد، قال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ..) [النحل:120]، ثم آمن به لوط ، وقليل ممن آمن معه وزوجته سارة، وقليل حتى حفظ الله المِلَّة فيه وفي من تبعه حتى نسب المِلَّة كلها إليه، يقول: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) [الحج:78]؛ لأنه صدق وقام بها وصبر من بعد ما كان وحيد واُدخل النّار من أجلها، وضحى من أجلها، وصبر من أجلها؛ فصارت المِلَّة منسوبة له -عليه سلام الله-.
وعلمنا النبي إذا أصبحنا أن نقول: "أصبحنا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وعلى مِلَّة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين". اللّهم ثبّتنا على هذه المِلَّة، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبينا محمد ﷺ.
قال: (وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ ..(23))، فلا يستمع إلى الحق والهدى ولا ينصت إليه. أحياناً بمجرد ما يسمع صوت الحق يقول: دعك من هذا الكلام؛ سكوت سكوت.. ما يريد يسمع، حتى يقول الكفار بعضهم لبعض: (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ) [فصلت:26]، لا تسمعوا .. لا تسمعوا .. لماذا لا تسمعوا؟ إذا كان عندك حجة، عندك علم، اسمع وأجب، لا تسمع .. لا تسمع .. كيف لا تسمع؟! (وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ) [فصلت:26].
وقال: (وقلبه..) ختم على القلب فلا يُحسن التفكير ولا النظر ولا التبصّر.
وقال: (وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً ..(23)) فلا يُبصر النّور، ولا الحقّ ولا الهدى؛ وإلاّ سيدنا عبد الله بن سلام أيام كان في يهوديته، سمع بمجيء نبيّ المدينة، قال: خرجت أنظر إليه، جاء وبعده في طريقه من قباء إلى أن يصل إلو محله في المدينة فرآه، قال: أول ما وقع نظري عليه علمت بأنه وجه رجلٍ ليس بكذّاب. هذا لا يمكن لا يمكن أن يكذب هذا الوجه أصلاً؛ لكن جعل على بصره غشاوة لو ترى وجه تعرف؛ من نظرَ في وجهه علم أّنه ليس بوجه كذّاب ﷺ. قال: وسمعت أول ما سمعته يقول: "أيّها النّاس أفشوا السّلام، وواصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا باللّيل والنّاس نيام تدخلوا الجنة بسلام"؛ فعلم أنّه رسول الله وأنه صاحب الحق وأنّه المبشّر به، ثمّ نظر إلى وصفه الموجود في التوراة عنده تماماً، فجاء إلى النّبي ﷺ وقال: سل عنّي اليهود قبل أن يعلموا بإسلامي فإنّهم قومٌ بُهت، فدعا جماعة من أعيانهم وكبارهم قال: "ألا تؤمنوا بي تعلمون أنّي رسول الله منعوت عندكم"، قالوا: لا لا.. ما نجد نعتك ولا أنت.. قال: "فما تقولون في عبد الله بن سلام؟" قالوا: ذلك عالِمنا وابن عالِمنا وحِبرُنا وابن حبرنا، خيرنا وابن خيرنا هو وأبوه وأمه.. ناس عظام، قال: "أفرأيتم إن أسلم"، قالوا: حاشاه لا يُسلم هذا، خرج عليهم خرجت من عبد الله قال: ويحكم إنكم تجدون صفته عندكم وهو رسول الله قالوا: هذا شرّنا وابن شرّنا وجاهلنا وابن جاهلنا ورد حولوا قال: ألم أقل لك إنهم قوم من بُهْت؟ وهكذا أتباعهم على هذا الحال إلى الآن -لا إله إلا الله-.
قال: (فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ..(23)) يعني: لي حكمة أُبقي ضُلالاً على ظهر الأرض، منحرفين عن الحق؛ اختبار لعباده لا أحد يقدر يهديهم، إنّما تَعبَّدنا نحن الذين آمنّا به أن نسعى لهداية الجميع، وهو يهدي من يشاء؛ أمّا نحن نسعى، حتى قال لسيدنا موسى وهارون: (ٱذۡهَبَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُۥ یَتَذَكَّرُ أَوۡ یَخۡشَىٰ) [طه:43-44]؛ يعني يستعملوا الوسائل التي تجلبونه بها؛ وهو يعلم أنه لن يهتدي ولن يهتدي لكن أمرهم بهذا و تعبّدهم بهذا؛ فهذا واجبهم -الله أكبر-.
قال: (فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23))؛ هذه الحقائق، وقال: هؤلاء المنكرون للإله أو المنكرون للبعث والآخرة أو الجامعين بين الإنكار للإله والإنكار للآخرة (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ..(23))، لا يوجد إلا هذه، (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) بنيتموه على ماذا؟ هل أنتم جئتم ورأيتم الدنيا وقلتم ما هي إلا الدنيا؟! هذا بلاده وبلاهة، أطفال عندنا ما يعرف الاّ بيته ما يعرف الاّ أبوه ما عنده شيء إلا هذا هو، ولا يعرف إلا النعنع والكرة كما ذي ولاعاد شيء في الدنيا إلا هي، هذا مثل كما ذا، كيف (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا)؟ لم تكونوا فيها ولابدّ لها بداية! وما له بداية لابد له من نهاية، ولماذا جاءت؟ ومن الذي ابتدأها؟ وكيف ينهيها؟ والجماعة مُصمِّخة-تعني عبيط غبي وعقله لا يفقه شيء- عقولهم.
وقالوا: (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا)؛ رجعوا مثل هذا المتناقضين مع أنفسهم يقولون: ما يمكن نؤمن بشيء لا رأيناه وشاهدناه.
وقال بعض هؤلاء الملاحدة لطلاب في الفصل: لا تصدقوا إلا بشيء رأيتوه بعيونكم، ما لا ترونه غير موجود، ما يكون موجود إلا شيء ترونه بعيونكم؛ يريد إنكار الإله وإنكار الآخرة. يقول: يضرب لهم المثل: هذه السبورة ترونها أم لا؟ قالوا: نعم نراها، قال: إذًا السبورة موجودة، هذا الطبشورة عندي ترونها؟ قالوا: نعم نرى؛ قال: إذًا هي موجودة. قال: الذي موجود لا بد أنْ نراه، قال واحد من الطلاب: ترون عقل الأستاذ؟ هل أحد منكم يرى عقل الأستاذ؟ قالوا: لا، قال إذًا عقل الأستاذ غير موجود؛ لأنه ما يُرى، الذي لا يرى غير موجود. قال: صحيح عقله غير موجود، لو كان فيه عقل لا يتكلم الكلام هذا، لا إله إلا الله!.
- وكل الناس يرون، كم البلدان التي رأيتها في العالم؟ وكم البلدان التي تصدق بها وأنت ما رأيتها؟ وراء العالم ملايين أنت رأيت كم منهم؟ الباقين موجودين أم لا؟ لأنك ما رأيتهم، أنت مجنون؟ أنت تستدل بالموجود على غير الموجود، بالمرئي على غير المرئي، بما يدل عليه المرئي وما يحمله من دلالة.
- وكم موجودين عندك في بلادك في البلدان الثانية موجودين كذلك ناس كثير يتوالدون، وتقول أنا ما شفت! ما شفت معناه غير موجود؛ هذا كلام عجيب.
- وإذا عندك ألم ووجع ما نشوفه؟ غير موجود، نقول لك أنت كذاب؟ لأن الألم ما يظهر -لايُرى-، يقول: يدي توجعني، انظر.. انظر؛ لا يوجد وجع يا أخي! يقول: إلا في وجع -ألم-، يقول: ما أرى وكذا .. وكذا وكذا وكذا وكذا؛ لا شيء يظهر.
- بل أكثر الأشياء الجسمانية الموجودة غير المرئية، ما يراها الإنسان ويصدق بها، تصدق أن فيك كبد؟ سنة كم رأيتها؟ وفي أبوك كبد، وفي أمك كبد، وفي أختك كبد، متى شفتها؟ طول عمرك ما شفت كبد إنسان واحد أنت؟ هذا الدكتور الذي يعالج الكبد شاهد عدد المرضى الذين جاءوا عنده، الباقي من أين نعرف؟
أكثرُ أشياء الجسمانية الموجودة غير مرئية لنا، فكيف بغير الأجسام كل الأمور المعنوية وكلها ما نشاهدها بالعيون، ما تشاهدها بعينك، ما لها صورة في العين عندك، لا إله إلا الله.
قال: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ..(24)) كيف نموت ونحيا؟ يعني:
- يموت بعضُنا ويحيا بعضنا، ويموت الآباء ويحيا الأبناء، واحد.
- أو (نَمُوتُ وَنَحْيَا) يعني: نحيا أولاً وبعدين نقضي مدة في الحياة وبعدين نموت؛ لأنَّ الواو ما يقتضي هذا الترتيب.
- (نَمُوتُ وَنَحْيَا) يعني: بعضنا يموت وبعضنا يحيا، وهكذا أحد يموت وأحد يحيا أحد يموت وأحد يحيا.
(..وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ..(24)) ما هو الدهر؟ تعنون ماذا بالدهر؟ زمن .. زمن .. وقت. والوقت أصلًا هو ظرف، ظرف للأشياء ليس فعَّال ما يفعل شيء، هو ظرف تحصل الأشياء فيه، فكيف هو يُحصِّل الأشياء؟
(..وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ..(24))، فهل الدهر أيضاً خلقكم؟ يعني هو الزمان خلقكم؟ وبعد ذلك هو يميتكم؟ بغينا-نريد أن- نعرف؟ كيف عرفتم أن الزمان خلقكم؟ هذا الزمان عبارة عن ظرف ووقت، هل تكلم معكم؟ ما تكلم، أرسل لكم رسول؟ ما أرسل رسول! نحن نرى الزمان قدامنا لا يطلع شيء ولا ينزل شيء ولا يبني بيت ولا يخرب بيت الزمان.
أسباب مخلوقة أخَر هي تَفعل في الزمان؛ فيكون الزمان ظرف لها؟ ففي الزمان يُبنى هذا البيت وفي الزمان يتخرب ويتهدم، وقد يستعجل على تهديمه، وقد من نفسه يتخرب، وقد يسقط بسبب الأمطار، لكن هو الزمان، ماذا يصلح-يعمل-؟ الدهر ماذا يعمل في الناس؟ هو الدهر يريدوا
أن نعرف كيف وجد؟ ومن الذي يتصرف فيه؟ ومن يُوجد الأشياء فيه؟ كيف تأتون لشيء مخلوق مثلكم وتنسبون إليه الخالقية وتنسون الله الذي خلقكم وخلقه.
(..وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ..(24))، الدَّهر: مخلوق تحدثُ فيه عجائب وغرائب من الإحياء والإماتة، ومن الصحة والمرض، ومن العزة والذِّلة، ومن اليسر والعسر، ومن الخِصب ومن المَحِل، كل شيء يحصل في الدهر ويحصل في الزمان، مُسير هذا الدهر والزمان خالقك، وخالق الدهر هو واحد وخالق السماء والأرض واحد -جل جلاله وتعالى في علاه-؛ لهذا يقول في الحديث القدسي:
- "يُؤذِيني ابنُ آدَمَ يسُبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ"؛ يعني: أنا الذي أقلِّب الدَّهر وأتصرف في الدَّهر وأُوجد الأشياء في الدَّهر وأُعدم الأشياء في الدهر، ليس الدَّهر.
- "يسُبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ"؛ يعني: أنا المتصرف في الدّهر، الدَّهرلا يقدم ولا يأخر، ولا ينفع ولا يضر، ولا يحي ولا يميت.
قال: ولهذا هذا الدهر واحد، وهذا عمره أيام، وهذا عمره أسابيع، وهذا عمره أشهر، وهذا عمره سنوات، وهذا عمره عشرين، وهذا عمره أربعين، وهذا عمره ستين؛ وهذا الدهر واحد كيف يعمل هذا بالناس؟ كيف نظامه؟ لا يحيي ولا يميت الدهرأصلًا، لا إله إلا الله.
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ..(24))، هؤلاء أسفه الناس عقول أهل الإلحاد في الأرض.
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ..(24))، هاتوا لنا عِلْم كيف عرفتم هذا؟ هذه الرسل جاءت بأدلة دامغة وحجج وبراهين ومعجزات أخبرتكم أن:
- خالقكم الله خالق كل شيء ومنه كل شيء، ويحييكم ويميتكم وإليه ترجعون.
- الأدلة موجودة، والرسالة منه جاءت، وعلاماتها في معجزاتهم، وهم على مَدى تاريخ البشرية أحسن الناس اهتداءً وأحسن الناس هدياً، وأحسن الناس خلقاً وأصدق الناس لَهجة، هؤلاء المرسلين.
فأنت من أين جئت لي بخبر أنه لا يوجد بعث؟ أنه لا يوجد إله؟ من أين جئت؟ قل لي الأُسس التي بَنيت عليها هذا الفكر وهذه المعلومة وهذا الحكم؟ من أين؟ من أين يجب لك الدليل؟ من أين يجب لك العِلم؟ لا فقط هكذا وهم توهموه وما أرادوا إلا هو -عقل الأستاذ غير موجود- وهم توهمُوه وما أرادوا إلا هو، هات دليل .. هات حجة.
قال: (وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ..(24))، ما قال(لم يقل) وما لهم بذلك علم؟ ما قال وما لهم بذلك علم، يعني علم يحق أن يذكر معهم شيء طفيف من العلم؟ لا لا. (مِنْ عِلْمٍ) تجي كلمة من علم تنفي صغيره وكبيره وقليله وكثيره لا يوجد أبداً، كله خيال ووهم ما له أصل ولا له حقيقة يبنون عليها هذا الفكر.
(وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ..(24))؛ توهمات وخيالات فقط باطلة وبنوا الأمور عليها، ويكون فيهم شديد البلاهة والغفالة سيتحكم في بداية بني آدم والخلق، ويقول: الإنسان كان قرد. من أين جئت بهذا؟ هل أنت حضرته؟ يعني جدك كان قرد؟ وبعد ذلك ولده تحول إنسان؟ في سنة كم؟ بأي دليل؟ من ذكر هذا؟ بيَّت يتوهم وصبَّح قال: عندي نظرية علمية، والقرد أحسن منه! ما يتعدى حدوده، هذا تعدّى حدوده إنسان تعدى حدوده!
جاءوا بالنظرية أول ما جاؤوا بها في سنوات سابقة، واحد كان حملها وتمسكن كأي شيء يأتي من بعض الشرق وبعض الغرب، خلاص كان مسلَّم به، ويقول: صحيح الإنسان هذا فيه تطور وأصله إلا كان قرد، ومع جماعة من الأخيار والعقَّال أصحابه وقال لهم واحد فيهم عالم: معنا مخرج اليوم أو لا؟ مُتواعدين ينزلون نزهة في مكان، قال: عندما نصل على الرجال لا تنادونه أنتم أنا بناديه، وصلوا لعند البيت، قال: يا ابن القرد! .. يا ابن القرد! .. فقال: ها .. من هذا؟، أنت يا شيخ تقول كذا، قال: لا ما هو أنا الذي قلتها إنت قلت عن نفسك ما أردت أناديك قرد إلا أنت قلت، قال: لا .. لا تقول كذا، قال: وأنت لا تقول كذا، قال: أنا ما بقول، قال: خلاص يا الله أخرج.
كل واحد أتى لنا بوهم وخيال قال: نظرية علمية!، وما عندك من دليل؟ وماهو أصل؟ (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف:51]، وما هي قصة القرود الموجودة ما تطورت؟ من منعها؟ في قانون من دولتك منع القرود تتطور ترجع آدميين كمانا-مثلنا-، كانها باقي على طول، كان شيء يطور وشيء ما يطور، ما السبب؟ كلام فارغ ما له أصل ولا له معنى! لا حول ولا قوة إلا بالله
وكل ساعة يحضرون شيء من هذه الأوهام، (إنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24))، (وإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام:116]؛ الأدلة جاء بها الأنبياء، حجج الله البالغة، وبراهينه الساطعة.
وفي كُل شَيء له آية *** تَدلُ على أنَّه الوَاحد
(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ..(25)) واضحات، قالوا: أين أبائنا الذين مضوا؟ وهو يقول لك: أنه يجمعهم لكي تجتمع إنت وإياهم في الدار الآخرة، وتقول: أين هم؟ هو قال لكم: سيردهم للدنيا، قال: ما يمكن أن يرجعوهم؛ (فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الواقعة:86-87]، حتى من قبل ما يموت بعده في النزع عند الغرغرة، ردوا الروح عليه؛ دعوه يرجع ما تقدرون عليها؛ لأن الذي يحيي ويميت فوقكم، لستم أنتم الذين تُحيون ولا تميتون. لا إله إلا هو!.
اللهم ارزقنا كمال الإيمان، وبارك لنا في خواتيم رمضان، نودع عشره الأواسط، وبقي معنا العشر الأواخر بما فيها من جواهر ومفاخر، وعطا متواتر، وغيث من الرحمن الفاطر. يا رب اجعلنا من خواص أهلها عندك.
سيد الجود كان يعتكف فيها ويتلقى فائض فضله، وفي كل سنة، في كل ليلة من ليلة العشر لأجل المناجاة، يغتسل ويلبس ثيابه ويتطيب، ويتبخر؛ من أجل المناجاة؛ تعظيم من ذي الحق جل جلاله، فالله يرزقنا نصيب مما أفاض على قلب هذا الحبيب، ومن اتصل به.
يا رب بارك لنا فيما بقي من ليالي رمضان وأيام رمضان، وعجل بالفرج لأمة الحبيب محمد، وادفع البلاء عنهم، وادفع الشدائد عنهم، وادفع الآفات عنهم، واجمع شملهم، وأخرجهم من الظنون والأوهام والخيالات إلى النور والحكمة والعقل والفهم، والعلم، يا حي يا قيوم يا رحمن ويا رحيم، بوجاهة النبي الكريم.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
18 رَمضان 1445