تفسير سورة الزخرف -03- من قوله تعالى: { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)} إلى الآية 28
الدرس الثالث من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الزخرف، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:
{ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) }
الإثنين 29 رمضان 1445هـ
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مكرمنا بآيات الكتاب وشريف الخطاب، وبيانه على لسان سيد الأحباب عبده المختار وصفيه المنتقى سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف؛ صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله والأصحاب ومن والاهم واتبع سيرهم إلى يوم المآب وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادة أهل الاقتراب، وعلى آله وصحبه المتابعين، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أرحم الراحمين الكريم الوهاب.
أما بعد،،،
فإننا في نعمة تأمل خطاب ربنا -جل جلاله وتعالى في علاه- مررنا على آيات من سورة الزخرف، ووصلنا إلى قوله -جل جلاله وتعالى في علاه-: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)) يجترئ الإنسان على إلهه وخالقه وينسب إليه ما لا تصح نسبته إليه، وينكر صفاته العلا وأسماءه الحسنى؛
- (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت: 40].
- (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ) [الأعراف:180].
فمن ذلك ما (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ..(15))؛ نصيبا.. فمنه ما تقدم في القرآن ذكره في:
- الحرث: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الأنعام: 136].
- ومنه يقولون ويدعون والعياذ بلله يتجرؤون أن لله بنات، ويقولون على الملائكة أنهم بنات وأنهم إناث.
- ومنه ما يقولون إذا ولد لهم للابن الذكر فرحوا به، فإذا ولدت الأنثى لهم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:58-59].
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ..(15))؛ وجعلوا له من العباد شركاء يُشركونهم مع الله -تبارك وتعالى- في عبادتهم لهم أو اعتقادهم أنهم يستقلّون بنفع أو ضر دون الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.
(إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ)؛ كثير الكُفران بعظمة الخالق المنعم المنان وما ينبغي له ان يدين به من الخضوع والخشوع والعبودية.
(الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)) أي: بيّن الكفران؛ بجراءته على اله الرحمن جل جلاله تعالى في عله، هؤلاء ينسبون له ولد، وهؤلاء ينسبون له بنات، وهؤلاء يجعلون معه شريك آخر، وهؤلاء يجحدون بوجوده من الأصل ويلحدون به، ما أجرأهم..! مع أنهم هم وكل ما حولهم مذكر به، ومشير إليه ودال عليه -جل جلاله-..
يقول سبحانه وتعالى: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [سبأ:30-35]، (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ)؟ هل يخلقون من غير شيء؟ (أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)؟ طيب، لم هذا الإلحاد؟ لم هذا الإنكار؟ لم هذا الإشراك؟ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [سبأ:36-37]؟!
(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ)؟! هكذا الحكم..! (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا) [سبأ:38-40]. تريد منهم شي تقول الضرائب تصلح عليهم ضرائب تقول: هاتوا جبايات عندي أثقلت كاهلهم بها؟! (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ:47]، أم لا أسألكم عليه أجرا؟ (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ) [سبأ:40]؟! ويقولون؟(أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُون * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا)؟! يقول إذا كان كذا.. (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) [الطور:41-42] يحل الكيد عليهم؛ (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) [فاطر:43]، (أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ)؟! [الطور: 30-43]، من أين سيجيء؟! كيف يتأتى؟ (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) [الانبياء: 22]، (وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) [المائدة:73] -جل جلاله وتعالى في علاه-. فعلى ماذا يمشُون؟! فأغبى الناس وأبعدهم عن العقل الكفار والملحدون بأصْنافهم، هؤلاء أغبى خلق الله، وهم شرار الخليقة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة:6]، فالحمد لله الذي ألحقنا بالمسلمين المؤمنين، اللهم زدنا إسلاما وإيمانا وثبتنا عليه.
يقول: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16)) هو خالق كل شيء.. وهو اصطفى لنفسه بنات وأعطاكم البنين أنتم! لا إله إلا الله.. يعني على أي أساس بنيتم هذا الفكر العقيم والتصور الباطل الذي ما له أساس أصلا ولا أدنى ذرة من عقل ولا علم.. من أين جاء بهذا التصور؟!
(أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا..)، يقول له: هذا عنده بنات.. وإذا قال له: أنت جائتك بنت؛ (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)) أنت أردت تنزه نفسك عن شيء تنسبه إلى الخلّاق!! يعني تجعل نفسك في مرتبة فوق إلهك..! وإيش من آدمي أنت؟! إيش من عاقل أنت؟!
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ..(18)) من الإناث اللاتي جعل الله تبارك وتعالى لهن الزين بالحلال، وجَعل الحلية والزينة أنسب لطِباعهن وأنسب لمُهمتهن في الحياة في مكانها وعلى وجهها. (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)) كذلك كانوا يحلّون الأصنام ويضعون لهم زينه..
- (وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18))؛ أما البنات والنساء فغالبهن لا يستطعن المُجادلة وإقامة الحجة، وكثير منهم إذا أرادت أن تحتَج لنفسها تُظهر الحجة على نفسها في كثير من الشؤون، وما عندهن في عموم طبعهن الجسارة على إقامة الحجة..
- (وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)) والأصنام ما يعرفن يحاجّين عن شيء ساكتات.. يقول أنه إله، كيف يمكن أن يفعل هذا؟
ونكت والده في المدينة المنورة، وهو جالس عاكف على الصنم في بيته، واضع الصنم في بيته، ولده يقول: رسول الله جاء أسلم وأترك هذا، قال: لا. تركه يغفل، جاء في الليل وكسر منه كسر. ثم صلّحه وطيّبه، ثاني يوم جاء له وكسر منه، ساعة يده .. ساعة رجله يحصله.. ما هذا؟! ثالث مرة تعب، أتى بفاس وحطوه وربط وقعد انظر الفاس عندك أن أحد يعتدي عليك انت دافع عن نفسك.. أما اظل انت في الليل يعتدون عليك والصبح نجي ونصلحك هل من إله أنت؟! تكسر.. ما حصل شيء ولا قدر يتصرف.
كما نكت سيدنا إبراهيم كان يعتب عليهم: (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا..) [الأنبياء:62-63]، شوفوا الكبير حقهم يمكن زعل عليهم وكسرهم.. يعني يحاجّهم بذلك، يعني يبين لهم الحجة.. هل أنتم بعقول ولا بلا عقول؟ وهو بعد ما كسرهم ربط الحبل الفاس بالكبير حقهم وراح.. جاء وحصلوا الكبير مربوط بفاس والصغيرات مكسرات كلهن، (قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:59]، ما معنى انه من الظالمين؟ يضع الناس موازين باطلة بعيدة عن الحق يقيمون بها أنظمة ويسنّون بها قوانين؛ هذا معنى ظالمين.. ظالمين على ماذا؟! ظلم من أين الظلم الذي عنده؟ يذكر لكم الحقيقة ويرفعكم من هذا السّفل في عبادة أصنام وأوثان إلى الرّفعة وعبادة الخالق ويقولون له ظالم؟! من الظالم؟!
فرعون يقول: إني أخاف -على سيدنا موسى- (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26]، وعلى وجه الأرض أفسد منه؟ شي أفسد من فرعون؟ على ظهر الأرض ويقول: هذا يفسد .. ويبدل الدين .. سيبدل باطل بحق، سيبدل ضلال بهدى، لكن هكذا الموازين. هذا قرار الدولة وهذا النظام .. نظام على ماذا ؟!
فهكذا يعمل الناس كل من لم يتنور بنور ربه فهو على عمى وهو على خبل:
- (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الرعد:19].
- (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل:4]، ورأينا عمههم إلى أن وصلوا حتى ما أبقوا للإنسان الخلقة الصحيحة وَلَا عَادْ ذُكُورَهُ وَلَا أُنُوثَهُ قُدَّ خرَبطوا وَبِصَلحوا قوانين بهذا، عمه، عمه. (إِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ زَیَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَهُمۡ یَعۡمَهُونَ * أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ وَهُمۡ فِی ٱلۡأَخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ) [النمل:4-5]، والعياذ بالله تبارك وتعالى، فالحمد لله على نعمة الإسلام، يا رب ثبتنا عليها.
قال: (أَوَمَن يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ)، وَفِي بعض القراءات: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ..(19)) الدعوات والملائكة خلق من خلق الله من نور الله ذكور ولا إناث، قال الله: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ..(19)) هل أنتم حضرتم لما خلقناهم؟ طيب ما حضرتم لما خلقناهم؟ فتشتم عليهم الآن وجئتوا إلى بنيتهم وتكوينهم فتشتو عليهم شاهدتم؟ عاينتم شيء؟ طيب فمن أين جئتم بالحكم؟ يعني ما لكم فيه أدنى باب من أبواب العلم ولا الحجة، وكيف جاء كيف ادعيتم؟ لا حضرتم وقت ما خلقناهم ولا تمكنتم الآن بعد خلقكم، وخلقهم أن تفتشوا عليهم وتشوفون كيفية تركيبهم (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ..) فكيف يحكمون بهذا الحكم؟ (مَّاۤ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّینَ عَضُدًا) [الكهف:51]، هو الذي خلقهم هو أعلم بهم جلّ جلاله؛ (بَلۡ عِبَادࣱ مُّكۡرَمُون * لَا یَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ یَعۡمَلُونَ * یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡیَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ) [الأنبياء: 27-28]. هؤلاء الْمَلَائِكَةَ خَلَقُهُمْ مِنْ نُورِهُ وَهو أعلم بهم.
يقول: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينُ عَبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقُهُمْ ..(19)) ما الحجة؟ ما الدليل؟ تماماً كما يحضروا لنا النظريات، يسمونها النظريات العلمية، ويقول أصل الإنسان قرد، ليش أبوك ولا جدك كان قرد؟ ولا جد جدك مَن؟ من سنة كم تحول الإنسان؟ ولماذا القرود الموجودة في العالم ما تحولت؟ ما السبب؟ يعني أنت حضرت خلق الإنسان؟ وبدأت -لا حول ولا قوة الا بالله- كيف..؟ وتسميها نظرية علمية وتدرس في المدارس (فَهُمۡ یَعۡمَهُونَ) [النمل:4]؛ تعرف العمه؟ عمَهْ؛ وهكذا.
رحم الله الشيخ البيحاني جاء كان في عدن وواحد من أصدقائهم يجلسون معهم تأثر من مدرسة.. من أصدقائهم، قال: الإنسان أصله قرد وبعدين تطور.. قالوا: الإن من أي آدمي هذا.. صادف معهم رحلة ويخرجون يتنزهون، قال لهم: اسمعوا بنادي على رجال لا أحد ينادي؛ أنا بنادي.. لا أحد ينادي، وصل تحت البيت، قال: يا ابن القرد .. يا ابن القرد .. وهذا يسمع من يتكلم كذا؟ أنت شيخ بيحاني تقول كذا؟ قال ما أنا قلتها؛ إلا أنت قلتها، أنا ما بغيتك ابن قرد أنت قلت: أنك ابن قرد، قال: لا .. لا تقول كذا، قال: وأنت لا تقول الإنسان أصله قرد، قال، أنا ما أقول، قال: خلاص هيا أخرج؛ ما رضيه .. ما رضيه لنفسه.
كيف النظرية؟ ونظرية علمية وهمية، خيالية، ظلمانية، ما لها أساس مهم، قال: علمية، وما نوع العلم؟ نريد أن نعرف نوع العلم الذي قامت بالنظريات؟ قل لنا! بسم الله! (أَشَهِدُوا خَلْقُهُمْ ..(19)) هل أنت خلقت وشفت أول واحد تحول من قرد لإنسان من هو؟ وسنة كم؟ هل أنت كنت موجود؟ طيب ما انت موجود؟ من أين جئت بالخبر؟ أبوك قال لك ذلك! قال: لم يقل لك أبوك! من جدك؟ ولا جدك! من أين جئت؟ حتى في سنة في أحد من الشيوخ قال هذا الكلام، قال: ولا شيء، قال: أنا فكرت وأصبحت نظرية علمية …بسم الله الرحمن الرحيم؛ لعب ومسخرة على العقول باسم العلم، وما عندهم من علم:
- (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [البقرة: 78].
- (وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ) [الأنعام: 116].
- (وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُون * یَعۡلَمُونَ ظَـٰهِرًا مِّنَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ غَـٰفِلُونَ) [الروم:7]، يعني الحقائق الكبيرة والمهمات العظيمة ما يعرفون فيها ولا كلمة؛ جهال.
قال: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًاۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19))، قالوا إلا أباءنا قالوا لنا، أباءكم صادقين وأباءكم حضروا خلق الملائكة من أين أتوا بالخبر؟ مَن أول واحد من آباءكم قال هذا المقال؟ وكيف قالها؟ وعلى أي أساس؟ ستُكتب شهادتكم أنتم وآباؤكم كلهم، سيكتب ما يقول ويسألون عن ذلك في يوم القيامة هات بنفاذ ما قلت، ويا ويلك! (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)).
ويرجعوا يقولون: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ..(20)) سواء الذين عبدوا الملائكة بوهمهم أو الذين عبدوا الاصنام وأي شيء غير الله تعالى، (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ..(20))؛ لأنهم يقولون: (لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم) يعني: يعنون ويقصدون أنه الرحمن راضي أنا نحن نعبدهم ولما بنعبدهم (مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ)! من قال لكم؟ مَن مِن الأنبياء من عهد آدم أوحى إليه أنه راض بأن يعبد أي شيء غيره؟ أين العلم الذي معكم؟ من قال لكم أنه يرضى بذلك؟ (إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَغۡفِرُ أَن یُشۡرَكَ بِهِۦ وَیَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَ ٰلِكَ) [النساء 48]؛ هذا الظلم الذي لا يغفره الله أصلًا.
(لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)) مجرد خَرْصْ وارادة احتجاج للنفس الامارة ويملى ابليس عليهم (یَعِدُهُمۡ وَیُمَنِّیهِمۡۖ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120]، (وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِیُّ حَتَّىٰ جَاۤءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ) [الحديد:14].
(إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ ..(21))، أنزلنا كتاب على واحد من أنبيائنا الذين اخترناهم قبلكم من أيام آدم فأنتم تستمسكون بهذا الكتاب تمشون عليه، (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)) يعني يقول الله: أي طريقة للخلائق المكلفين من بني آدم والجن على ظهر الأرض ليهتدوا الى الحق وليعرفوا الحقيقة، اي طريقة لهم؟ الطريقة أن أعلمهم .. أن أوحى لهم، إذا ما جاء الأمر من عندي فمن أين يعرفون؟ (وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَیۡـًٔا) [النحل:78]، يقول هل من كتاب أنزلنا على أحد من الأنبياء قبل وأنتم تستمسكون به؟ ما دمتم إنقطعتم عن كل وحي الله الذي أوحى من السماء فمن أين الهداية لكم؟ ومن أين إدراك الحقيقة لكم؟ ومن أين معرفة الشيء على ما هو عليه؟ من أين؟ من أين؟ كيف يتم؟ (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
(أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ ..(21))، قال: هذه الطريقة لحصول الهداية وإدراك الحقيقة؛ إنزال كتب من عندنا وإرسال رسل، هيا قولوا لي: أي من رسول؟ وأي من كتاب عندكم تكذبون بإله محمد ﷺ وما جاءكم به عن الله؛ في كتاب؟ ما دام ما في أي كتاب وهذا الهكم الذي خلق والأنبياء كلهم يجيئون يقولون لكم: إن ما في الوجود والكون إله إلا الله -سبحانه وتعالى-، كل ما ادعيتموه أو ادعيتم الألوهية غيرهم أرسل لكم من؟ طيب، ما جاءكم رسول؟ لو كان هناك آلهة -كما تظنون في وهمكم الباطل- كيف سكتوا وتركوا الرسل واحد بعد الثاني، يقول: ما من إله إلا الله في الكون كله، لا يوجد إله إلا الله تعالى؛ وساكتين ما تكلموا، هم نايمين ولا ميتين ما يصلحون آلهة! نايم ولا ميت، ما هذا الإله هذا؟ وعدد منهم واحد بعد الثاني على مدى القرون يعلنون أخذ كل شيء منهم وأنه ما من إله إلا الله، وهم ساكتين بكم .. عمي، فكيف ادعيتم لهم الإلوهية أنتم؟ لو في إله ثاني كان يرسل! يقول: لا، هذا يقول لكم: أنه غيري خلق أنا الذي خلقت، سنة كم أرسلت لهم الأصنام .. الشمس .. الملائكة من ادعوا له الألوهية غير الله من أي شيء كان؟ سنة كم أرسلت لهم رسول يقول: أنا إلهكم، فقول الحق تعالى على ألسن الأنبياء قرنًا بعد قرن والعالم صامت؛ أقوى دليل على أنه لا إله إلا هو، أين الإله الثاني هذا؟ لو كان في موجود إله ثاني! كان يتكلم، كيف يأتي واحد يأخذ منك كل شيء؟ وإنت ساكت! ما تقدر ترد عليه! هذا وحده وصف يخرجك عن الألوهية من أصلها ما أنت.
إذًا لا إله إلا الله جلّ جلاله؛ ولأن إدراكنا الإله ومن هو وصفاته ليس مرجعها إلى العقول، فالعقول تفكر وتعلم أن للكون إله، لكن من هو؟ وما وصفه؟ هذا ليس من وظيفة العقل، لابد يبلغ عن نفسه، وهكذا لو كان الناس في غرفة مغلقة، ثم سمعوا طرق بالباب، فعندهم الآن مهمة للعقل، تحكم بأن طارق يطرق الباب؟ في موجود طارق يطرق الباب، فإذا يقول هذا: لا يوجد طارق، وهذا شوف اسمع، قال له: هكذا طبيعة .. طبيعة ماذا؟ طبيعة في رأسك، ماذا من طبيعة هذه؟ كيف طبيعة؟ قال له: هكذا طبيعي طبيعي ما في أحد يطرق؛ هذا كلام الملاحدة نفسه، هذا كلام الملاحدة نفسه طيب.
فالعقل يحكم حكم واحد أن في طارق موجود بالباب وإذا أردنا أن نتصور من الطارق هذا ليس حكم العقل، هنا يأتي الاختلاف الآن، يقول أحدهم: رجال، يقول: إمرأة، يقول: صغير، قال: لا كبير، قال: جاء ببشارة وخير، قال هذا جاء يتحدى ويتحدى و.. هذا ومعه شر، وما يزالون يختلفون؛ لان ما هو وظيفة العقل يعرف من هذا الذي ورا الباب، الطريقة الصحيح: من؟ أنا فلان ابن فلان خلاص، هل في أحد تكلم غيره؟ ما أحد تكلم غيره خلاص جاء الغرفة فلان بن فلان ولا واحد متكلم، يبلغ عن نفسه هذا الطارق ولا أحد ثاني يقول له: لا ما هو انا الذي طرقت؛ هذا قصتنا مع الوجود والكون، وجدنا الكون يشير إلى أنه الإله، من الإله؟ أنزل الكتاب وأرسل الرسل، أنا الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور، خلاص هل في أحد ثاني يتكلم، لا يوجد، ماذا باقي؟ ما يجوز الاختلاف بعد هذا، ولكن الأهواء واتباع الظن والجهالة -والعياذ بالله تبارك وتعالى.
قال: (..إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)) -لا هي إلا أهواء وعصبية- (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ..(22)) على طريقة ملّة، مسلك، دين، مذهب، منهج، فكرة عليها آباءنا نحن ورائهم، (..قُلْ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [المائدة:104]، إذا كان آباءكم ما عرفوا أصلًا الحقيقة، وليس لهم دليل عليها، وأنتم تأتون تتبعونهم بغير حق، إنما يُتَّبع الآباء الأكياس الأخيار العارفين، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ..) [يوسف:38] على أدلّة، وعلى وضوح، وعلى نور، أما آباء على ظنون وأوهام ما يجوز نتبعهم، نتّبع الآباء الصالحين، نتبع الآباء العلماء الأتقياء، أما آباء مخربطين مخبّطين غافلين وجاهلين لا يجوز اتباعهم.
(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)) يقول الحق لرسوله ﷺ: هذه الطريقة في التفكير هذا عند الأمم من السابق، كلهم عندهم هذا، (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23)) يعني: هذا التعصّب الأعمى لأهل الباطل هو الذي يصدّ الناس عن الحق، بعض أشياء كان يُضرب المثل فيها المغفلين والجُهّال من المسلمين، انظر قدامك أهل فرنسا، أنظر قدامك أهل أمريكا؛ أهم حجة يعني؟ (.. قُلْ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [المائدة:104]، ما معهم حجة أصلاً، فقط عصبية، طبعاً هؤلاء متقدمين أحسن مننا -سبحان الله- أحسن مننا في ميزان من؟ بأي أصل؟ بأي معنى؟ (..وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ..) (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ..) [البقرة:221] إذا عجبك شيء بتصلحه إليه ولا ماذا؟ وكانوا عبدة الأصنام والحجر إذا رأى حجر أحسن من ذاك يرميه ويأخذ الثانية، ما الشرع هذا؟
(وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا ..(23))، أهل الترف والبذخ والصلف، هؤلاء هم محطة الإفساد والإضلال (..إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ..(24)):
- وجدتم آباءكم على الشرك جئتكم بالتوحيد.
- وجدتم آباءكم على الضلال جئتكم بالهدى.
- وجدتم آباءكم على الباطل جئتكم بالحق.
(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ..(24))، لا ينظرون في الأهدى ولا في الأفضل ولا في الأنور ولا في الأحق؛ لا يوجد إلا عصبية، (..إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24)) ما نتبعكم، ما نمشي إلا وراء آباءنا، أباء الكفر، آباء الضلال، قالوا: هكذا، عصبيتهم (..قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24))، قال الله: فالذين مضوا قبلهم وعاكسوا الأنبياء هكذا، وقالوا لهم وأبوا أن يطيعوا الأنبياء؛ (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)) في أي أمة من الأمم، وأي قرن من القرون، ما هي نهايتهم؟ على طول الخط ولا واحد مُستثنى، كل الذين عاندوا الرسل وخلفهم الى أين وصلوا؟ (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)).
واتبع الآباء الكرام العظام، مثل: إبراهيم أبونا نتبعه، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ) -يعني: بريء، متبرئ، متخلي- (..مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ..(27)) -وحده- (..فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)) إلى الحق والهدى.
(وَجَعَلَهَا كَلِمَةً..(28)) -كلمة: لا إله إلا الله- (..كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ..(28))، قالوا: (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ..) [البقرة:132] وصّى بنيه: (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ..) -تخيّر لكم دين الحق والهدى وبيّنه لكم- (..فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132-133]، (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ..(28)) فلا يزال في عقبه مؤمنون موحدون على مدى القرون، حتى بُعث من عقبه خاتم النبيين محمّد ﷺ.
والسدّي يقول: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ..(28)) قال: في ذرية محمّد، في عقب محمّد، (..فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)) وبقي هذا الخير من خلال سيدنا الخليل إبراهيم، ومن جاء من الأنبياء من بعده، من صلبه اثنان كلهم أنبياء ورسل، إسحاق وإسماعيل هؤلاء أنبياء ورسل، ثمّ توالت النبوة من بعد إسحاق في يعقوب ويوسف، فصار الكريم ابن الكريم ابن الكريم، ولم يأتي من عقب سيدنا إسماعيل إلا خاتم النبيين محمّد ﷺ نبيّنا، إلا أن الكلمة مستمرة في العقب، يشهد لها: "لم يزل الحق ينقلني من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية الفاخرة" ﷺ، وحتى فسّر ابن عباس قوله تعالى: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:219]، قال: تنقّلك من بطن إلى صلب، من صلب الى بطن، من صلب إلى بطن في الساجدين، كلهم عبّاد ساجدون لله، موحّدون إلى عند أبيك (عبدالله) كان من الموحّدين، وأمّك (آمنة بنت وهب)، (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:219].
يقول: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28))؛ أي: يذكِّرهم بهذا لعلّهم يرجعون عن غيِّهم وضلالهم إلى الحق والهدى، يقول الله: (بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)) لاحول ولا قوة إلا بالله، وذكر الحق أقاويلهم الباطلة وردّ عليهم فيها.
زادَنا اللهُ إيمان ويقين وتقوى، وأصلَح لنا السِّر والنَّجوى، وجعلنا وإيّاكم من الظافرين بنورِ القرآن، وسِرّ القرآن، وهِداية القرآن، ورفعَنا بالقرآن، وجعلنا من خواصِّ أهل القرآن لديه، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، إلهنا الشهر الذي أنزل فيه القرآن أزمَعَ على الرحيل مِن بيننا، ولم يبقَ معنا إلا هذا اليوم إن أبقيتنا اليوم الآتي، ثم يرحل عنا .. فاللهم فلا يرحَل عنّا إلا وقد رحلَتْ عنّا الحُجب التي تحجِبنا عن إدْراك معناه، وعن الدخول في مَيادين دلالاته وإرشاداته وأنوارِه.
اللهم هيِّئنا للاتصال بالكتاب، والاتّصاف بالإيمان بالكتاب، والاغتراف مِن بحر علم هذا القرآن، والاهتداء بدلالة رُشده، اللهم اجعله أمامَنا وإمامَنا يقودنا إلى جنّات المعارف في الدنيا، وجنات النّعيم في العُقبى يا حي يا قيوم، شفِّع القرآن فينا وأصلح ظواهرنا وخوافينا، وبالقرآن وشهر القرآن ومن أنزلت عليه القرآن اكشف الكَرب عن أمّة النبي محمد، وعجِّلْ بِدَفع البلاء والأذى والضرّ.
ولا تزالوا على الدعاء لكم و لِمَن أصابهم الضُرّ من إخوانكم المسلمين، سواء مِن أهل فلسطين، ومِن غيرهم؛ اثبتوا على الدُعاء والتضرُّع إلى الله حتى يأتي غَوثُ الله ويأتي وَعد الله -ولا بد أن يأتي- ولا تستبطِئوا أمرًا ودُومُوا على الإلحاح على مَن بيدِه الأمر، فإن ذنوبنا ومعاصي أهل المِلَّة قد كثُرَت وكبُرَت، وتحتاج إلى حُسن رجوع إلى الله، وثباتٍ على طَرْق باب الله، وهو الرحيم -جلّ جلاله-.
وما مِن دعاء مُخلَص لوجه الله إلا وله أثر في الدنيا وفي الآخرة، ظَهَر أو لم يظهَر لنا في الوقت القريب أو على مدى، ولابد أن ينتهي هذا الأمر إلى ظهورِ راية محمّدٍ، والباطل الذي ظنَّ نفسه استحكم الأرض، وتسلَّط عليها سيُزعْزَعُ وسيُبعَدُ شرُّه وضرُّه، ويُظهِر الله راية نبيِّه (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]، (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32]؛ وذلك وعد الله وهو لا يخلف الميعاد، والله يجعلنا من أنصارِه، وأنصارِ رسوله، وأنصار الشريعة والدّين والمِلّة، بأموالنا وأنفسنا وعُقولِنا وقُلوبِنا وأرواحِنا وما آتانا، مُوفون بعهده الذي عاهدنا عليه، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، اللهم آمين .. اللهم آمين بوجاهة الحبيب الأمين.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
29 رَمضان 1445