(228)
(536)
(574)
(311)
الدرس الثاني من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الجاثية، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:
{ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) }
الإثنين 15 رمضان 1445 هـ
الحمدلله المانِّ علينا بتأمل كلامه، وتدبر آياته وما أنزله على قلب عبده وحبيبه، خير بريَّاته، وخاتم إنبائه ورسالاته؛ صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل محبته ومتابعته وموداته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الرحمن تبارك وتعالى من بريَّاته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
أما بعد،،
فإننا في نعمة التأمل والتدبر لكلام ربنا مررنا على أوائل آيات سورة الجاثية، وسمعنا تهديد الجبار -جلّ جلاله- لأهل الإفك الأثَّامين وقال: (وَیْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِیمٍ (7)):
(وَیْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِیمٍ (7))؛ ومن علاماتهم ما ذكر الحق:
ولكن هؤلاء أحدهم (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ) ما ينتفع بها؛ ما يستفيد بها؛ ما يتنور؛ ما يتطهر لأنه لم يُقبل عليها كما ينبغي (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ)، (وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُوا۟ لَهُۥ وَأَنصِتُوا۟ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204]، فتتصل الرحمة بِحُسْنِ الْإِصْغاء وَالْإِنصات بِالْتَعْظيمِ وَالْمَحَبَّةِ. (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ..(8)) مع أن لها مقتضى في تطهيره وفي استخراجه من ورطات غيه وطغيانه؛ ولكنه (كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا..) ما أثرت فيه أي تثير.
(فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)) أي: بليغ الإيْلام موجع، عذاب أليم هذا جزاء إعراضه عن الآيات واستكباره عنها.
(وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا ..(9)) -شاهدها أو رآها أو سمعها أو بُلِّغها- (اتَّخَذَهَا هُزُوًا..) يضحك ويستهزئ، (إِنَّ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ كَانُوا۟ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یَضۡحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِهِمۡ یَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِینَ * وَإِذَا رَأَوۡهُمۡ قَالُوۤا۟ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ لَضَاۤلُّونَ) [المطففين 29-32].
يقول: (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا..) -استهان بها واستخف- (أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (9)) بالغ الإهانة يهينهم أبلغ الإهانة، قال تعالى: (وَمِن وَرَاۤىِٕهِۦ عَذَابٌ غَلِیظٌ)، يقول جلّ جلاله في سورة سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: (وَیُسۡقَىٰ مِن مَّاۤءٍ صَدِیدٍ * یَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا یَكَادُ یُسِیغُهُۥ وَیَأۡتِیهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَمَا هُوَ بِمَیِّتٍ وَمِن وَرَاۤىِٕهِۦ عَذَابٌ غَلِیظ) [إبراهيم: 16-17].
هذا إهانة فوق أشد الإهانة -والعياذ بالله تعالى- وهذا جزاء من استهان بكلمات الله العظيمة من استهان بآيات الله الشريفة الكبيرة أن يهان هذا الهون -والعياذ بالله تعالى- (فَٱلْیَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِی ٱلْارْضِ بِغَیْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف:20]، فنعوذ بالله من غضب الله وقد أنذر كل من بلغتهم الدعوة أن نتيجة هذا الإصرار أمور شنيعة كبيرة؛ لا يقدرون عليها فيا ويل من أصر.
قال تعالى: (مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ..(10)) كيف من ورائهم؟ قد جاوزوها ولا قدامهم.. أمامهم!
ما وراء الإنسان يطلق على:
لذلك في ناس يقول: عاد ورانا سفر، عاد ورانا كذا؛ وعاد ورانا.. يعني: أمامهم قدامهم ليس خلفهم؛ لكنه أمر مهم كبير سيقبلون عليه.
(مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ..(10)) -اللهم أجرنا من النار ومن جهنم- وإن كان تُخصَّصْ طبقة من الطبقات بإسم جهنم لكن يطلق جهنم على النار كلها بطبقاتها السبع:
يقول: (مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا ..(10)) هل تعرف (مَّا كَسَبُوا)؟ طائرات بدون طيار، أسلحة دمار شامل، هل يُغني؟ حكم في البلاد، صنع القرار كما يقولون؛ أي شيء كسبوه ما يغنيهم، صار ما يفيدهم، عذاب .. عذاب وغضب وطرد ولعنة، ما الذي بقي يفيدهم من كل ما كسبوا؟ يقولون: عندنا خبرات .. عندنا مهارة .. عندنا حضارة؛ نار موقدة أُدخل فيها.
يقول: (وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا ..(10))، وهكذا يحدثنا رب الخليقة عن الحقيقة حتى لا نغتر كالمغترين ولا نفتر كالمفترين وندرك الحقائق ونستعد للقاء الخالق ونتهيأ لحسن المصير.، (رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةً وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) [البقرة :201].
(وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا..) كسبوا ماذا؟! من الاستراتيجيات، وهل كسبوا شيء من العلاقات؟ ما الذي يفيد من هذا كله؟ ما يدفع عنهم شيء من العذاب، ما يعفيهم عن شيء من المخاطبة والسؤال.
(وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا) أي شيء ما يفيد، لا قليل ولا كثير، ولو يقول: أنا كنت أحمل شهادة دكتوراه؛ وعندي بروفسور..! خلاص ما أدخل النار، كيف؟
(وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ..(10)): ما والوه من أصنام، ما والوه مما سموه علمًا، ما والوه من صناعة، ما والوه من رئاسة أو أنظمة خارجة عن منهج الله تعالى وعن الفطرة، ما عاد يفيدهم شيء، ما يغني عنهم شيء أصلًا، أحد بيحتاج إذا وصل قبر سؤال منكر ونكير بيحتج ويقول نظام الأمم المتحدة مثلا، هل ممكن يمشي شيء؟
(وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ ..(10)) توالي من لم يخلقك ولم يرزقك ولا بيده أمرك ولا إليه مرجعك في مقابل أن تعادي الذي خلقك ورزقك وإليه مرجعك، (مَثَلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِیَاۤءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَیۡتࣰاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ) [العنكبوت:41]. لا إله إلا الله.
فالله مولانا، حققنا اللهم بأن تتولانا بما أنت أهله.. (ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَأَنَّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ) [محمد:11].مش كل ما تشوفهم يوالون بعضهم البعض، كله ولاء هش؛ عند المرض لا ينفع، عند الموت لا ينفع، في الآخرة ما ينفع، إيش من هذا؟ ما لهم أولياء (لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ).
من له مولى يحكم الدنيا والبرزخ والآخرة، قوله الحق وله الملك هذا له مولى ومن لم يوالي هذا أي مولى معه؟ هل من مولى معه؟ مهما كان له ولاء أصنام ولا صناعات ولا شهوات، فلا تنفعه في شيء، هذا كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً هذا أوهن البيوت بيت العنكبوت لا ينفع.
إن واليت القوي القادر الحي الذي لا يموت، فمعك مولى، أنت معك مولى؛ وتحقيق موالاته بأن توالي ملائكته وأنبيائه وأوليائه وصالح عباده:
يقول سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) كلها موالاة هشة قصيرة، اليوم يتصادقون وبكرة يتقاتلون وعلى بعضهم ينقلبون، أمورهم مشاهدة بالحس كيف هي؟.. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ..) -إلا تمضوا على الحقيقة- (..تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ..) [الأنفال: 73]؛ هذه الفتنة والفساد من موالاة الكفار، من موالاة أعداء الله -جل جلاله-.
وانتشرت أنواع الفتنة والفساد في الأرض، ولو أن المسلمين شعوبا وحكامًا لم يخونوا الأمانة ولم يوالوا أعداء الله ما كان في أراضيهم ولا بلدانهم لا فتنة ولا فساد، يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:72,73]؛ فيحرم موالاة أعداء الله كائنين من كانوا، وتجب دعوتهم إلى الله..
وينبغي لكل مؤمن يتمنى إسلامهم ويتمنى إنقاذهم من النار، ويجب أن يُبلَّغوا شرع الله ومنهاجه ولكن لا يوالون.. لا يوالون أبداً؛ (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22].
تقوم فئة الإيمان بالبر والقسط لكل من لم يحارب ولم يؤذي من الشعوب أو الدول الكافرة، ففي نظام الحق لهم أن يقوموا بالبر والقسط معهم..
لا هو موالاه ولا مودة.. برّ وقسط.. خُلق، حسن معامله، أمانة، وفاة بالعهد نعم؛ من دون ولاء؛ ولا نصرتهم على الكفر وعلى المعصية، ولا قبول ما يخالف شرع الله منهم أبداً.. لا ولاء لهم، لكن بر وقسط وسلام، (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) [الأنفال:61]، نعم.. أما الولاء لا، لا يجوز موالاة أعداء الله، ولا موالاة الكفار، إن الله يغضب إذا مدح الفاسق.. لا تمدح واحد فاسق يغضب الجبار عليك، يخالف ربه الذي خلقه ويخرج عن شرعه وأنت تمدحُه؟! "لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أغضبتم ربكم"، "فإنه إن يك سيدكم فقد أغضبتم ربكم"؛ والمعنى: أن الله يفرح إذا مدح المؤمن، إذا مدح الصالح، إذا مُدِحَ الولي، كما يغضب إذا مُدِحَ الفاسق يفرح إذا مُدِحَ النبي، إذا مُدِحَ الولي إذا مُدِحَ العارف.. وإذا كانت أسر المؤمنين تتربى في رجالها ونسائها وأطفالها على مدح الأنبياء وعلى مدح الأولياء وعلى مدح الصالحين ولا يمدحون أحد من الفجار والكفار والأشرار؛ فيتعمّق فيهم الولاء الصحيح للرب جل جلاله، ومن أجله يوالون أنبيائه وملائكته وأوليائه.. الله أكبر.
قال سبحانه وتعالى: (وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ..) مكان النتيجة هذه الحتمية (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10))؛ فلا شيء ينقذك منه، لا تكنولوجيا ولا كمبيوتر ولا طائرة بدون طيار ما شيء ينقذك منه.. (عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)) -عذاب عظيم نعوذ بالله-.
(وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَـذَا هُدًى ..(11)) البيان للحقائق، الكتاب المنزل على خير الخلائق؛ هدى، هداية إلى الحق والصواب الذي لا مريّة فيه، (هَـذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ (11)) الرجز: هو العذاب، كيف عذاب من عذاب؟ آيات العذاب معناها الحظ، أي: لهم حظ من عذاب أليم.
(لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ ..)، أي: بليغ الإيْلام شديد الإيجَاع، موجِع؛ لهم حظ من العذاب الموجع المؤلم.. -اللهم أجرنا من عذابك- (فَيَوْمَئِذٍ..) -يوم القيامة- (لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر:25,26]، قال تعالى: (هَـذَا هُدًى..) الحمد لله، اللهم اهدنا بهداك، (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9].
(هَـذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ..) -الذي خلقهم و أوجدهم- (لَهُمْ عَذَابٌ..) حظٌّ (مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ (11)) من عذاب أليم شديد الإيلام.
بيّن لكم الخير والهدى في القرآن وما فيه واعطاكم أمور حسيّة، وسخر لكم (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ..(12)) ولا شيء من الشركات سخرت البحر!.. شيء من الحكومات!.. شيء من الأصنام!.. من الذي سخر البحر لهذا البني آدم؟ لا شريك له.. (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ..)، وجعله بهذه الطبيعة وبهذه الصورة بهذه السيولة وأملس من فوق يمكن.. وأنواع ما جعلها تعالى من الخشب ما تغوص وما حُمل عليها تحمله ولو كان ثقيل ولا تغوص وسط هذا البحر..! من الذي خلقها هكذا؟! فهل يقدروا يغيروا طبيعة البحر؟ مقهورون ومتكبرون.. وهم تحت القهر ومتكبرون.
قال: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ..(12)) تحسبون أن السفن تجارية ولا حربية ولا نوع من أنواع السفن من دون أمره تجري في البحر؟! إذا بيغرق وحدة بتغرق.. وإذا بيوقفها توقف.. وإذا بيحرقها تحرق.. وإذا بيوصلها توصل.. فالأمر أمره؛ يحرقها تحرق، وإذا بيوصلها توصل، فالأمر أمره..
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ..) تطلبوا من فضله الأسماك والدرّ والجواهر والياقوت والمرجان، وتسافرون من بلد إلى بلد تبتغون الرزق؟
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) بعد هذا كله اشكروا الذي سخّر لكم البر والبحر هذا، وسخر لكم هذه الأسباب وبعدكم تكفرون وتلحدون وتعصون؛ هذا غاية في الجفاء وفي قلة الحياء وفي التجرّي.
قال: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ ..(13)) يُنزِل إليكم؛ يُرسل لكم نور الشمس ونور القمر والنجوم من فوقكم لها علائق بأشياء عندكم، وينزل لكم المطر إلى غير ذلك مما يصل لكم..
(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ..(13)) وما في الأرض تصلون إليه بجنابكم.. يستثمرون هذا، ينبتون هذا، وتزرعون هذا، وتبنون هذا وتشربون هذا وتركبون هذا وتُطعَمون من هذا.. من الذي يرتب هذا؟! هل شيء من الشركات صلحت لنا هذا؟!
(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ..(13)) ولا يكاد شيء من الكائنات والمخلوقات إلا بارتباط الكون ببعضه لوحدة المُكوّن يعود منه النفع على بقيّة الكائنات فيعود على هذا الإنسان. والكائنات هذه ُجُعِلت مكان التسخير للإنسان.
وعند النظر في أجناس الموجودات عندنا على ظهر الأرض نجد:
فإذا نظرنا وجدنا الجمادات مُسخّرة تخدم النباتات وتخدم الحيوانات وتخدم الإنسان أليس كذلك؟ هذه الجمادات بأنواعها تخدم النبات وتخدم الحيوان وتخدم الإنسان:
إذًا باقي الإنسان يخدم من؟ إذا سخرت هذه الكائنات له.. فهو باقي يخدم من؟
ولذا يروى في بعض الأحاديث القدسية: "خلقت الكائنات من أجلك وخلقتك من أجلي يا ابن آدم، فلا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك من أجله"، خلقتك للطاعة والعبادة تصب خدمات هذا الوجود عندك وأنت تقوم تخدم الموجود؟ أخدم المُكون لك الشرف والكرامة، ولك الرفعة والعزة، ولكن مِن الناس من يبيع نفسه للنّبات والجماد والحيوان ويقع، (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا..)[الفرقان:44] -والعياذ بالله تعالى-، ولكن من تشرف بعبادة الربّ فله الكرامة في الدنيا والقيامة.. أعنا اللهم على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ..(13)) منه ..منه .. ما أحد أشركه في تسخيرها لكم منته وفضله وإحسانه منه من عنده هو هو الذي سخرها.
وكله يخدم هذا الإنسان، فعلى الإنسان أن يتشرف بخدمة منهج ربه؛ ودين ربه؛ وشريعة ربه -جل جلاله-.
(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)) يحسنون النظر في الأمور وحقائقها، وعواقبها، وما بطن فيها، وما انطوى فيها، فيجدون تسخير عظيم من الرحمن -جل جلاله- لهذا الإنسان، فجعله سيدًا في هذا الكون، فعليه أن يعرف عظمة من اختصه ومن ميزه، وأن يتشرف بخدمته وبعبادته وبطاعته والخضوع لجلاله -جل جلاله وتعالى في علاه-؛ وهذه طريقة العزة لهذا الإنسان: (وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ) [8:المنافقون]، ما أعزت العباد أنفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله. فالعز كل العز في الطاعة والتقوى للرب الذي خلق -جل جلاله وتعالى في علاه-.
اللهم أعنا على طاعتك واقبلها منا، يا من أكرمتنا بالإسلام والإيمان زدنا إسلامًا وإيمانا. يا من أكرمتنا بالصلاة، حققنا بحقائقها، واجعلنا من الخاشعين فيها، واقبلها منا، يا من وفقتنا للزكاة اقبلها منا، واجعل نفوسنا بها طيبة، يا من وفقتنا للصوم حققنا بحقائقه، واقبله منا، واجعل نفوسنا به طيبة، يا من وفقتنا للطاعة والخير، نقها عن الشوائب، واقبلها عندك، وادخرها لنا عندك إلى يوم القيامة، إلى دار الكرامة، إلى الأبد برحمتك يا واحد يا أحد. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم يا من وفّّقَ أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وفقنا للخير وأعنَّا عليه.
بِتَوفِيقِهِ صَارَ المُطِيعُ يُطِيعُهُ *** وَخَالَفَ بِالْعِصْيَانِ كُلُّ مُفَارِقِ
فَسَلْ رَبَّكَ التّوْفِيقَ وَالْعَفْوَ وَالرِّضَا *** وَكَوْناً مَعَ أَهْلِ الْهُدَى والطرائقِ
فبذلك تدرك الفوز الأكبر وإذا عرفت الخالق المكون؛ وخرج هيبة من سواه؛ صرت عبدا محضًا له فأكرمك وشرّفك وهكذا تصير في مثل هذا الحال..
دَعِ النَّاسَ يَاقَلْبِي يَقُولُونَ مَابَدَا *** لَهُمْ وَاتثِقْ بِاللهِ رَبِّ الْخَلاَئِقِ
لو مرجعي إلى واحد منهم بتحمل أمره بقول ماذا يقول عني؟ وكيف أنا عنده؟ لكن ما برجع إلى واحد منهم، دعهم يقولوا ما بيقولوا، شوف كيف هو؟ ماذا بينك وبينه؟
دَعِ النَّاسَ يَاقَلْبِي يَقُولُونَ مَا بَـــدَا *** لَهُمْ وَاتثِقْ بِاللهِ رَبِّ الْخَلاَئِقِ
وَلاَ تَرْتَجِي فِى النَّفْعِ وَالضُرِّ غَيْرَهُ *** تَبَارَكَ مِنْ رَبٍّ قَدِيرٍ وَخَالِـــقِ
فَلَيْسَ لِمَخْلُـــوقٍ مِنَ الأَمْـرِ هَاهُنَـــــا *** وَلاَ ثَمَّ شَيءٌ فاعْتَمِدْ قَوْلَ صَادِقِ
هُوَ الرَّبُّ لاَرَبُّ سِــــوَاهُ وَكُلُّهُــــــــمْ *** عَبِيدٌ وَتَحْتَ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ فَارِقِ
نَعَمْ بَعْضُهُمْ مِمَّــنْ يُحِبُّ وَيَرْتَضِي *** لِطَاعَتِهِ وَالْبَعْضُ عَاصٍ وَمَارِقِ
بِتَوفِيقِهِ صَارَ المُطِيعُ يُطِيعُهُ *** …..
بتوفيقه صار المطيع يطيعه: يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، اللهم وفقنا للخير وأعنا عليه، واقبله منا.
بِتَوفِيقِهِ صَارَ المُطِيعُ يُطِيعُـــــهُ *** وَخَالَفَ بِالْعِصْيَانِ كُلُّ مُفَارِقِ
فَسَلْ رَبَّكَ التّوْفِيقَ وَالْعَفْوَ وَالرِّضَا *** وَكَوْناً مَعَا أَهْلِ الْهُدَى والطرائقِ
رِجَالٌ إِلَى الرَّحْمَنِ سَارُوا ***....
إلى أين؟ إلى الرحمن ساروا، أولئك أحسن أم الذي سار إلى التكنولوجيا؟ أولئك أحسن أم الذي سار إلى السلطة؟ أولئك أحسن أو الذي سار إلى كسب المال؟ إلى الرحمن ساروا، الله، ساروا إلى الرحمن.
رِجَالٌ إِلَى الرَّحْمَنِ سَارُوا بِهِمَّةٍ عَلَى *** الصَّدْقِ وَالإِخْلاَصِ مِنْ غَيْرِ عَائِقِ
فَنَالُوا الذِّي كُلُّ المَطَالِبِ دُونَهُ *** فَلِلهِ مِنْ عَيْشٍ كَرِيمٍ وَرَائِقِ
ما تتخيله في بالك وذهنك من مطالب؟ كله أقل من الذي حصَّل هؤلاء.
فَنَالُوا الذِّي كُلُّ المَطَالِبِ دُونَهُ *** فَلِلهِ مِنْ عَيْشٍ كَرِيمٍ وَرَائِقِ
ممكن تحدثنا قليل عن خبر هذا العيش؟
دُنُوٌّ وَتَقْرِيبٌ وَأُنْسٌ بِحَضْرَةٍ *** مُقَدَّسَةٍ فِى مُنْتَهَى كُلِّ سَابِقِ
يا ما أحسنه من عيش!
فآهٍ عَلَى عَيْشِ الأَحِبَّةِ كَمْ أَسىً *** عَلَيْهِ وَكمْ دَمْعٍ عَلَى الخَد دَافِقِ
اللهم يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وفقنا للخير وأعنا عليه، واجعل النصف الثاني من رمضان خير لنا من النصف الأول، زدنا زيادة يا من عليه المعوّل، واقبلنا يا أكرم من يقبل. ولاحظنا في حركاتنا وسكناتنا بعين عنايتك يا كريم. واقبل منا جمعنا.
تدري إذا قبل الجمع من واحد منا؟ صلى الصبح في جماعة، قعد في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، صلى ركعتين أو أربعة، انقلب إلى بيته حجة وعمرة في رمضان، حجة في رمضان وعمرة في رمضان، العمرة في رمضان قال: "كحجة معي". هذا واحد؛ واحد مما يكسبه من قُبِلَ في الجمع وثاني وثالث ورابع وخامس؛ مكاسب يحصلها من نظره، مما يأتي من امتزاجه بالأرواح الطاهرات، والملائكة المقربين، من قبول دعائه، من تنوير قلبه، من مغفرة ذنوبه، من رحمة تنزل يكتب له بها حسن خاتمة، رحمة تنزل يكتب له بها مرافقة للجناب، إلى غير ذلك من المكاسب التي يحصلها، "أن قوموا مغفورًا لكم، قد بدلت سيئتكم حسنات".
فالله يقبلنا، الله يقبلنا، الله يقبلنا، بفضله إنه أكرم ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ومن أين نجيب هذا الخير العظيم كله؟ لولا توفيقه (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُ) [النور:21]، اقبلنا يا رب، وباقي الشهر اجعلنا فيه أقوى إقبال عليك، وأحسن وأصدق وجهة إليك، وأخلص لوجهك الكريم. وليلة القدر لا تحرمناها، ولا تحرمنا خيرها، ولا تحرمنا فتحها، ولا تحرمنا نصرها، ولا تحرمنا بركتها، ولا تحرمنا نورها، ولا تحرمنا جودك على أهليها. ووفق كل واحد مننا ومن أهل ديارنا لأن يقوم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا.
وعجل بالفرج المسلمين وتدارك المسلمين في غزة والضفة الغربية وأكناف بيت المقدس وفي السودان وفي الصومال وفي العراق وفي ليبيا وفي الشام وفي اليمن وفي الشرق والغرب يا كاشف كل كرب، يا دافع كل خطب، يا قوي لا قوي سواه يا من بيده ملكوت كل شيء، رد كيد الكافرين والفاجرين وأعداء الدين وأعداء الإنسانية وأعداء الملة، لا تبلغهم مراداً فينا ولا في أحد من أهل لا إله إلا الله، واجمع قلوب المسلمين، ألِّف ذات بين المسلمين، واختم لنا بالحسنى وأنت راض عنا.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
15 رَمضان 1445