تفسير جزء عمَّ - 91 - تفسير الآيات الأولى من سورة التكوير
للاستماع إلى الدرس

يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1438هـ.

نص الدرس مكتوب:

 (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7))

الحمد لله مُكرِمِنا بإنزال القرآن، في شهر رمضان، على حبيبه المصطفى من عدنان، سيِّدِ الأكوان، اللهم أدم منك الصلوات والتسليمات في كُلِّ لمحةٍ ونَفَسٍ وآنٍ، عَنَّا على حبيبك المجتبى المصطفى محمد بن عبدالله وآله وأصحابه مَن رفَعَتَ لهم الشأن، وعلى من تبعهم بإحسان، وعلى الأنبياء والمرسلين أئمة أهل العرفان، وعلى آلهم وصحبهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وكرمك يا أكرم الأكرمين.

أما بعد: فإنَّنا في تأمُّلِ آيات ربِّنا -جلَّ جلاله- في شهر نزول القرآن، مَرَّ بنا تأمُّل قصار السور من سورة "الناس" حتى أنهينا بعض التأمُّلَاتِ في سورة "الانفطار" ووقفنا عند سورة "التكوير"..

يقول الحق جَلَّ جلاله: بسم الله الرحمن الرحيم (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)).

الحَقُّ يَتَحدَّثُ عن أمورٍ تَحدُثُ بأمرهِ في هذه الكائنات عند قيام الساعة، وهو من أعظم الغيب، -المستُقبِل لنا- ولمن كان قبْلنا، ولمن يأتي بعدنا؛ اليوم الآخر.. بما فيه من أحوالٍ وأهوالٍ وعذابٍ ونكالٍ ونعيمٍ وعطايا جِزَال. ذلك اليوم العظيم المُقبِل على الجميع؛ مَن آمن ومَن كفر، ومَن صَدَّق ومن كَذَّب، ومن أقبل ومن أدبر (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة:49-50].

وهذا أعظم مستقبل يستقبل كل إنسان، إذا عَقَل، ومَن لم يُعِدّ العُدَّةَ لهذا المستقبل، فلا يُغنِيه شيء من تُرَّهاتِ الناس في مظاهر هذه الحياة وزينتها -كائنا ما كان- بنى أو شيَّد، دخل أو خرج، ترأَّسَ أو دخل في هيئات، أو أنشأ مؤسسات أو اخترع اختراعات -ولم يستعد لهذا اليوم- فهو المغبون الخاسر البليد الأبله الأحمق العاجز، اليوم الآخر يوم فصل القضاء..

وقد روى الإمام أحمد في مسنده، والإمام الترمذي والحاكم في المستدرك وابن حِبَّان وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: "مَن أراد أن يَنظُرَ أحوال يوم القيامة فليقرأ؛ إذا الشمس كورت" تُعطِيكَ نَبَأً عن خبر ذلك المستقبل العظيم.

وهذه أبوابٌ مفتوحةٌ لتتنوَّرَ بها القلوب والأرواح، وتدرك حقائقا من عجائب ذلك الأمر المُقبِل، فيحرم الناس أنفسهم خير الله بإعراضهم وتولِّيهم!

فربما كان في رمضان، والفِكر غير مُوَجَّهٍ إلى أن يَنشُرَ المطويَّ من معاني القرآن، وأن يَستَمْلِيَ الإشارات من دلالات الآيات البينات فيما أوحى الله إلى خير البريات!

فكيف إذا كان مؤمن ومسلم في رمضان، فيصوم رمضان، والفِكر مشغولٌ بمتابعة ألعاب أو بمتابعة مناظر سيئة أو مجالسة قوم غافلين! متى ينفتح لقلبه أسرار هذه المعاني؟! متى يستفيد من كنوز القرآن؟! متى ينكشف لقلبه حقيقة البيان؟ الذي بيَّنه الله تبارك وتعالى عن خبر المستقبل العظيم؟!

ووجود هذا في القلب وانجلاء الغِشَاوَة والغُبَار والغِطَاء عن القلب لإدراكِ نصيبٍ من معنى ذلك المستقبل العظيم، عُدَّة لأن يُكرَم صاحب هذا الإدراك، وأن ينجوَ ذاك اليوم من كُلِّ هلاك، بل وسبب لرفع الدرجة عند الحاكم في ذاك اليوم؛ مَلِكُ الأملاك -جَلَّ جلاله- تَكسَبُ ذاك بحُسنِ التأمل والتدبر، وتوجيه الفكر والقلب والوجهة إلى حُسنِ النظر فيما أورد الحق وعلَّم وأرشد. حتى قال سيدنا جعفر الصادق: "إنَّ الله تجلَّى في خلقه، في كلامه، ولكنهم لا يُبصِرون". يعني جعل لك الطريق القريب لشهوده وإدراك الحقيقة الكبرى، لو فَتَحتَ لقلبك باب الاتصال بسرِّ هذا الوحي والتنزيل.

"مَن أراد أن ينظر أحوال القيامة فليقرأ: إذا الشمس كورت"، يقول الحق تعالى عن هذه الآية العظيمة البديعة، واحدٌ مما خلق سبحانه وتعالى من هذه النجوم فيما بين السماء والأرض، الشمس كان كما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى".

كم مضى عليها سنون، وغاية ما يتبَجَّحون به أن يقولوا أنَّ هناك تقدير لأن هناك ملايين من السنين لهذه الشمس! كيف؟ مَن أوجدها؟ ولِمَ؟ أيُّ شركاتكم تقوم بصيانتها؟ أيُّ دِولكم تقوم بترتيب تسيِّيرها؟ أمَا آن لكم أن تسجدوا؟! أمَا آنَ لكم أن تخضعوا؟!.. يا مغرورون بالاختراعات بالابتكارات بالموادِّ: أمَا آن لكم أن تُدركوا عظمة المُكَوِّن، وتخرجوا من وهم عظمة الكون بلا مُكَوِّن؟!.. الكون بلا مُكَوِّن عدَم، الكون بلا مُكَوِّن هباء، وما في الكون إلا عظمة مُكَوِّنه، وجلالة مُكَوِّنه، وألوهية مُكَوِّنه، وربوبية مُكَوِّنه -جَّل جلاله- فما أجهلهم! ويسمّون أنفسهم بيننا بالعلماء!! ويُصفِّق وراءهم مسلمون يقولون آل العلم العلميّون! هؤلاء جُهَّال! ما عرفوا مَن خلَقهم ولا إلى مَن يرجعون! ولا إلى ماذا يصير هذا الكوكب!.. 

وعندنا خبر عن مكوِّنه أنه يُكَوَّر: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) التكوير: جمْع الشيء إلى بعضه البعض. كما إنه يحدث عند وقت القيامة تغييرات كبيرة في هذه المُكَوَّنات كلها؛ أرضا وسماء وما بينهما؛ لهذا فالأمر بعيد بين أسلحة الدمار الشامل، وقيام الحروب على ظهر الأرض وبين القيامة.. القيامة أكبر وأجل وأعظم، يتغيَّر فيها كل شيء من تركيبات هذه الكائنات؛ الأرض والسماوات وما بينها، كله يتغيَّر، كله يتقلَّب، كله يتبدَّل، وسبحان المكوِّن المُغَيِّر المُبَدِّل الذي لا يتغيَّر ولا يتبدَّل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11].

(كُوِّرَتْ): زُوِّيَ بعضها إلى بعض، فأحدَثَ ذلك أن يَذهَبَ ضوؤها ويتلاشى، وتبقى حرارتها فتُدنَى من رؤوس الخلائق في يوم القيامة، حتى يكون بينهم وبينها مقدار مِيل، وتؤثِّر وقد ذهب الضوء، وبقيتْ الحرارة، خروج العرق الكثير من أجساد الناس تحت الشمس حتى يغوص العرق في الأرض سبعين ذراعا ويرتفع فيُلجِم هذا إلى ركبتيه وهذا إلى كعبيه وهذا إلى حِقْوَيْهِ وهذا إلى رقبته وهذا إلى فِيِهِ، وهذا ينغطس في ذلك العرق.. فلا تتصوَّر كيف تكون الحالة!

أحدنا على ظهر الأرض في هواها الفسيح، في وقت الصيف في الأماكن الحارة يقول؛ تعبتُ من هذا الأمر! إذا مشى خطوات في الشمس أو وقف في مكان فيه زحمة يقول ما هذا، ما هذا التعب. والشمس قرُبَت وقد كُوِّرَت والمسافة خمسون ألف سنة! كيف الحال؟! في زحمة يكون فوق القَدَم ألف قدم من كثرة الزحمة! في ذاك اليوم تحدث هذه الآيات العظيمة.. (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) فما يُعلَم عنها من هذه الأشعة والخصائص الموجودة الآن تضمحل، تبقى المهمة التي أراد الله أن تبقى فيها من تلك الحرارة التي تكون فوق الناس مدة القيامة ليتميَّزَ مَن يستظِلُّ بظِلِّ عرش الرحمن: "يوم لا ظل إلا ظله"، اللهم أظِلَّنا في ظِلِّ عرشك.

وهم الذين استظلُّوا في حياتهم الدنيا بظِلَالِ الآيات البينات والأحكام البديعات والرسالة التي جاءت من رَبِّ العرش.. فمَن أحسن الاستظلال بالرسالة المُنزَّلة من رَبِّ العرش -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- في هذا العالَم، إذا تغيَّرَت هذه المُكَوَّنات وتعب الناس من حر الشمس، كان في ظِلِّ عرش الرحمن الذي استظلَّ بظِلِّ تنزيله أيام كان في الدنيا.

ولقد ذكر النبي ﷺ أوجه الاستظلال بظِلِّ الشريعة والوحي والتنزيل في مثل ما ذكر من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظِلَّ إلا ظله.. كلٌّ منهم خرج من مقتضى طبعه ودواعي الشرور التي تحيط به إلى امتثالٍ لأمر الرَّبِّ: 

  1. إمام وحاكم عنده قدرةٌ على إصدار القرار -وكما يسمونهم صُنَّاع القرار- يَقِفُ تحت ظل الأدب مع الرَّبِّ لا يُحَكِّمُ نفسه ولا رأيه ولا هوَاهُ ولا مصالحه ولا شيء، ولكن يبتغي مرضاة الرب.
  2. ويأخذ وصية خيار الأئمة من أوائل هذه الأمة: "خَفِ الله في الناس، ولا تخف الناس في الله"، "لا تخف الناس في الله" فإنهم لن يضروك ولن ينفعوك من دونه.. لكن خِفْه في عباده، وخِفه سبحانه وتعالى- في بَرِيَّتِهِ..
  3. "شاب نشأ في طاعة الله" عنده دواعي الانحراف والمَيْلِ مع المنجرفين وراء شهوات النفوس وغرورها فابتعد عن ذلك، واستظل بظل لواء شريعة الحق وتنزيله، وعانق العبادة؛ فليأتِ تحت ظل العرش في ذاك اليوم. -هذه مظاهر الاستظلال- 
  4. "ورجل قلبه معلّق بالمساجد" ووراؤه دواعي ليتعلَّق بالمال وبجمعه وبالسمعة بين الناس، فقال؛ لا، أحب المسجد وأعشق المسجد وأفرح بالجلوس في المسجد، فإذا دخلتُ المسجد اجتمعَ قلبي ووجدتُ مرادي، فإذا خرجتُ خرج جسدي وبَقِيَ قلبي مُعَلَّق بالمسجد..قال ياصاحب القلب الذي لم يرضَ التعلُّق بمظاهر الحياة وفتنتها وزينتها، وتعلَّقتَ حيث يكون السجود لرَبِّ العرش والاتصال به، استظِلْ بظلِّ عرش ربك في القيامة.
  5. "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال"؛ فكان جميع مثيرات الشهوة والنزوع إلى المعصية مجتمعة له، لا يخاف فضيحة بين الناس ولا يخاف من أحد؛ "فقال إني أخاف الله رب العالمين" استَظَلَّ بظِلِّ الشريعة والحق والاتصال بالحق، فله أن يَستَظِلَّ بظِلِّ العرش يوم القيامة.

وهكذا تواصلَ أخبار بَقِيَّة السبعة، حتى فيهم وفي أواخرهم مَن يكون خاليا وحده ليس تحت أنظار أحد من الخلق، فيَذكُر الخالق فيبكي "رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"؛ 

  • إمَّا على رتبة الخوف والخشية، 
  • وإمَّا على رتبة السرور بربِّه والفرح بإلهه، 
  • وإمَّا على رتبة المحبَّةِ والشوق؛ فبكى شوقا. 

على أيِّ رتبة من هذه الرُّتَبِ الرفيعة استظل بظلٍّ عجيبٍ من الشريعة، فله أن يَستَظِلَّ بظل عرش الرحمن يوم القيامة.

ثم خذ بقيَّة ما جاء من الخصال -سواء في ذكر السبعة- ومنهم: 

  1. الذي يتصدَّق بصدقة، فتُنَازِعُه النفس أنك منفِق، أنك معطي، أنك مُحسِن، ليرى الناس، فيقول؛ لا، فيُخفِي ذلك عن أعين الخلق، ويقول؛ المال مال الله، والفضل فضل الله وأنا عبدالله، فإذا تصدَّقتُ فمن الله وإلى الله، وله الفضل عليّ، ولا أريد أن يطَّلِعَ أحد حتى لو قدرتُ أن أُخفِيَ ذلك عن نفسي لأخفيته عن نفسي "حتى لا تعلم شماله ما تُنفِق يمينه" فيُقَالُ: أيُّها المخلص في وجْهنا، في إنفاق ما آتيناك، نُظِلُّك بظل عرشنا، كما أحسنتَ المراعاة فيما سبَقَ من عمرك.

وهكذا.. ثم بقيَّة الخصال التي جاءت في الأحاديث الأُخَر، تجدها كلها تحت هذا المعنى. حتى ألَّفَ الإمام السيوطي "تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظِلِّ العرش" وذكر نحو السبعين خصلة في الأحاديث، توجب أن يَستَظِلّ صاحب كُلِّ خصلة منها بظلِّ عرش الرحمن "يوم لا ظلَّ إلا ظله"، ومنهم:

  1. "المتحابون في الله -إخوان- تحابَّا في الله"؛ ارتفعت العلائق بين الناس، تدفع إليها دوافع مرادات وأغراض ومصالح ومطامع وأرزاق وتحصيلات حِسِّيَّة، تدفعهم إلى أن يتواصلوا بينهم، فأخذ هذا يتصل بالآخر من أجل الرَّبِّ "تحابَّا في الله" وصَدَقُوا في ذلك، لم يبدأ التَّحَابُب في الله ثم يرضخون ويخضعون للدواعي التي تَلحَق، فينحرفون في إراداتهم ونياتهم؛ بل اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه.. طول ما اتصلوا كانوا من أجل "الله" واجتمعوا على ذلك وتفرَّقوا على ذلك، فلهم ظِلُّ العرش.

وهكذا.. (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) سيأتي وقتٌ على هذه الكواكب تتغيَّرُ في تركيباتها وتكوينها بأمر مُكَوِّنها -جَلَّ جلاله- ثم ينتهي أمر هذه الشمس بعد أداء هذه المهمة في اليوم الطويل (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ) -جميع الكفار ومن شابههم- (يَرَوْنَهُ بَعِيدًا) ويستغربون الأمر ويستبعدونه ولا يحسون بحقيقته ووقوعه؛ (وَنَرَاهُ) -الله ورسوله والصادقون مع الله كلهم- (وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [المعارج:4-7]؛ مُحَقَّقَاً مُسْتَيْقَناً أمام أعيننا، لا شكَّ ولا مريَةَ فيه، فكأنه قد جاء (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل:1]، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ) [المعارج:6-9].

هذا الأمر المُقبل، كان إذا ذكره نبينا وهو على منبره أو بين أصحابه (احمرَّ وجهه وانتفخت أوداجه كأنه مُنذِرُ جيش، يقول صبَّحكم أو مسَّاكم، وقد يقول (أنا النذير العريان). وأخطر الأخبار بين الناس يُنذِرون عنها، بأن يُعَرُّوا المُنذِر، ويشقُّوا ثوبه، ويأتي يُخبِر القوم بخبر خطير، وقف فقال ﷺ: (أنا النذير العريان) أخطر الأشياء وأكبر الأشياء أنا أنذركم بها وأُحَدِّثكم بها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

هكذا.. (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) بعد هذا الموقف تتحوَّل فيقال؛ مَن المغترُّون بظواهر هذه الكائنات وأجسامها؟ مَن الذين عبدوا الشمس بعقولهم السخيفة في الدنيا؟ ونسُوا ربها الذي خلقها؟ أين عبَدة الشمس؟ تعالي يا شمس؛ هؤلاء عبدتك خذيهم إلى النار (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) [الأنبياء:98]. وكذلك يُعمَلُ بالقمر، وكذلك يحصل -من جملة معاني التكوير- أن يُضَمَّ أجزاء الشمس مع أجزاء القمر فتجتمع.. قال تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [القيامة:7-10]؛ كُلٌّ يرجع إلى عقله، وكُلٌّ يُدرِكُ ما هو الرُّشدُ، وما هو الهدى، وما هو الحق، وما هو الباطل!.

فإذا قال الكفَّار عند المَبعَثِ من المَرقَدِ -وهو ما بين النفختين- عندما يَصعَق مَن في السماوات ومن في الأرض كما دلَّت الآيات ثم يقومون بالنفخة الثانية فإذا (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا)؛ قالت لهم الملائكة: ( هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52].

(وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) لم يقُل؛ صدقتْ الدول، ولا صدقت الحضارات، ولا صدقت الأحزاب، ولا صدقت، (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) الأنبياء، الرُّسل؛ آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى وما بينهم ومحمد سيِّدهم (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) الذي قاله هؤلاء هو الصِّدق والحق، هذا موعد التنفيذ والتطبيق لِمَا حدَّثوكم وأخبروكم وأنذروكم (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)؛ وكلُّ مَن خالفهم كَذَب، مهما ادَّعى ومهما ظن.. كُلُّ من خالفهم هو الكذَّاب (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).

وهكذا أنواع ما يُعبَد من دون الله -تبارك وتعالى- يُصَوَّرُ للناس يقول؛ أين عبَدَتهُ؟ فيُدخَل به معه إلى النار-والعياذ بالله- لا يتناول ذلك شأن مَن شَذَّ فعبَدَ نبيَّاً من الأنبياء أو وَلِيَّاً من الأولياء، كالذين عبدوا سيدنا عيسى ابن مريم -عبدالله ورسوله- (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) [مريم:171]. (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72]. فيدخلون هم النار، دون أولئك الأنبياء والأصفياء..

ولذا لمَّا سأل بعضهم رسول الله ﷺ قال: إنه أُنزِلَ عليك (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) فهؤلاء النصارى عبدوا عيسى، أيكون في جهنم؟! قال: ما أجهلك بلغة قومك؛ {مَا} لمن لا يعقِل. ما قال "مَن" إنكم ومن تعبدون.. لا، قال؛ (وَمَا تَعْبُدُونَ) يعني مالا يَعقِل من الكائنات التي لم نُودِع فيها هذا العقل. أمَّا مَن عَقَل وكان مُكَلَّف فبعمله يُحاسَب. وما دخول هذه الكائنات النار إلا تبكيتًا لعَبَدتها، وإهانة لهم..

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2)) يقولون "انكدر الطائر" إذا سقط من عُشِّه، (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2)) إذا تناثَرَت وتساقطَت جوم! .. الآن يتعجبون فيها، هذه بيننا وبينها مائة سنة ضوئية، وهذه ألف سنة ضوئية، وهذه مائة ألف سنة ضوئية؛ بيننا وبينها! و يحاولون أن يقرُبوا من هذا، ويصوّروا هذا، وهذه مجموعة تُشبه المجموعة الشمسية وفيها ما فيها.. وبينهم شغل كبير بهذا الجزء المبدئي في معرفة الكون.. و: "مَن لم يعرف المُكَوِّن فمَا عرَف الكون". 

ولكن كلُّ تلك النجوم بمسافاتها ومساحاتها تتساقط وتتناثر كما جاء (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ) [الانفطار:2]. ومَرَّ معنا في سورة "الانفطار".

(وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2))، تناثرت وتساقطت بعضها على بعض فتدكدكَت، ودُكَّتِ الأرض والجبال؛ (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) [الحاقة:14].

(وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2)) فإذنْ شأن القيامة عظيــــم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ..) -عظيم بميزان العظيم جَلَّ جلاله- (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ) ماهم بسكارى من شرِب شيء، ولا من مؤثرات على طبيعة هذا الجسد (وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج1-2]. خَامَرَ عقولهم، فأذهلَهُم.

اللهم أجرنا من عذابك واجعلنا من الآمنين يوم تبعث عبادك (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا..) -عن النار- (مُبْعَدُونَ* لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ) [الأنبياء:101-102].

(وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3))، أحد مراحل الجبال المذكورة في القرآن مما يحصل لها في القيامة.. 

  • يحصل لها تسيير فَتُنزَعُ من مواطنها، وتُقلَع وتُدَكُّ بالأرض (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) [الحاقة:14]. وتصير (كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) [القارعة:5]. 
  • ثم تُنسَفُ نَسْفَاً فلا يبقى لها أثر (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:105-107]. لا ارتفاع ولا طلوع، وهو مما يتعلَّق بمعاني امتداد الأرض (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) [الانشقاق:3]. -كما تقدَّم معنا- 
  • فتَتَّسِع اتساعاً؛ حتى تسَع هؤلاء الخلائق؛ من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة، ومعهم الجن ومعهم الحيوانات.. كيف لهذا الكوكب الأرضي أن يسعهم؟ يتغيَّر الأمر (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) [إبراهيم:48]. تمتد وتتسع.. والجبال فوق الأرض، والأرض ببحارها وبِبَرِّها كلها صارت (قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:106-107].

فتأخذ الجبال مراحلها، من قَلْعِهَا إلى تَفْتِيتها إلى أن تصير كالعهن إلى أن تُنسَفُ نَسْفَا (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)).

يقول الحق تبارك وتعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ) أعزّ أموال العرب الناقة العُشراء الحامل، الحريصين عليها المبالغين فيها (عُطِّلَتْ)،  لا يُلتَفَتُ إليها ولا يُعَوَّلُ عليها، (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)) صار الشغل بما هو أكبر يُلهِي عنها؛ أي في ذلك اليوم لا يَلوِي الإنسان على ماله، ولا على مظاهر ما كان يَعتَزُّ به في هذه الدنيا؛ بل يشتغل عن ذلك بما يواجهه من الهول والشدة!

(وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ) -حيوانات البَرِّ- (حُشِرَتْ (5))، قد تقارضت بموتها ثم جُمِعَت، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام:38]، حتى الوحوش تُحشَر؟! يحشرها الذي أنشأها وخلقها من العدم.. لِمَ؟ لِيَقتَصَّ من بعضها البعض، ويقتصَّ بينها وبين المكلَّفين من بني آدم ثم تعود تراب، ويبقى المكلَّفون إمَّا جنة وإمَّا نار.. والوحوش والحيوانات كلها تأتي في القيامة..

(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِرَتْ (6)) وفي قراءة: (سُجِّرَتْ)، (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور:6]. 

  • إمَّا الممتلئ، 
  • وإمَّا المُسَجَّر ناراً فتتحوَّل مياه البحار إلى نيران مشتعلة.

(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِرَتْ (6))، ثم يقول ربنا -جَلَّ جلاله-: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7))؛ فكُلُّ نَفْسٍ تكون لها تزويجات؛ أيّ رَبَط واقترانٍ بأمورٍ؛ 

  • فأوَّلُ ذلك: تُزَوَّجُ كُلُّ نفسٍ، كُلُّ روحٍ؛ جسدها الذي كان في الدنيا فيُعِيدُ الأجساد مَن صُنعها ويأمر إسرافيل فينفخ في الصور فتطير الأرواح -كلُّ روحٍ إلى جسده- فتُزَوَّج. 
  • ثم تُزَوَّجُ بأعمالها (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) [الكهف:49]. (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30]. فيُزَوَّجوا بأعمالهم يُقرَنُونَ بأعمالهم. 
  • ثم يُزَوَّجون أيضا بمن كان معهم من الملائكة ومن الشياطين، قال تعالى: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق:21]. وإذا المَلَكُ الذي كان يمشي معه في الحياة الدنيا حاضر اليوم معه (وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) [ق:23]. حاضر..
  • ثم التزويج الرابع لكل النفوس في القيامة؛ -وهو الخطير-: يُقرَنُ أهل كلُّ وصفٍ وأهل كُلِّ عمَلٍ ببعضهم البعض؛ وذلك يوم (يُحشَرُ المرء مع مَن أحب).

"أرباب الخير وأرباب الشر" كما قال سيدنا عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، وذكر عند قوله (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)) أنَّ أرباب الخير- كُلُّ أهل خير- يُزَوَّجون ببعضهم البعض، يقترنون ويرتبطون، وأهل الشر كذلك، وقرأ قوله تعالى: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) [الواقعة:7-10]:

  • فالسَّابقون، 
  • وأصحاب اليمين، 
  • وأصحاب الشمال. 

الكُلُّ من الثلاثة مقترنٌ ببعضه البعض، وكُلُّ واحدٍ منهم: فالسابقون يقترن بعضهم ببعض؛ على حسب حالاتهم ودرجاتهم؛ تناغم أو تقارب، أو انسجام صفاتهم وأحوالهم. كذلك أصحاب اليمين. ومَن غلَبَ عليه وصفٌ من الأوصاف أو عمل من الأعمال اجتمعوا مع بعضهم البعض..

(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)) كذلك أصحاب النار بين بعضهم البعض، واجتمع أرباب الفواحش مع بعضهم، وأرباب السرقات مع بعضهم، وأرباب الكِبْرِ مع بعضهم.. وكُلٌّ مع الآخر يجتمع مع أغلب الوصف الذي يَغلُبُ عليه مع صاحبه المُقارِن له فتُزَوَّجُ النفوس (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7))

فَمَعَ مَن نكون ذاك اليوم؟! انظر؛ أنت تُشابِه مَن؟ انظر، تُتابِع مَن؟ انظر، تُحِبُّ مَن؟ انظر، تتولَّع بمن؟ انظر، تخضَع لمن؟ انظر، تتقارَن وتتشابَه بمَن؟ فهناك ستُزَوَّج بذاك الفريق..

(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)).. فانتبه لنفسك.. قد قرأت في عمرك سورة: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)؟ هل تأمَّلت معانيها؟ هل ارتبطتَ بهذه الحقائق فيها؟ هذا شهر ربطك بالقرآن.. فلتُزَوَّج القرآن ولتُربَط بالقرآن؛ فإنَّ من عباد الله المؤمنين -في مختلف الأزمان- مَن يَمتَزِجُ القرآن بلحومهم ودمائهم..

وقد كان بعض مشائخنا كلما نام قرأ القرآن، فإذا نام المرة الأخرى قرأ من حيث وقف في المرَّة السابقة.. هذا حاله في النوم! وفي اليقظة هو مع القرآن ومع التلاوة.. فانظر بمَن ترتبط؟ بمن تتصل؟ مَن توالي؟ بمن تقتدي؟ مَن تُشابه؟ مَن تتبع؟ فسيكون الحشر معه، وسيكون الرَّبطُ بهم في ذاك اليوم..

رَقَّانا الله وإياكم أعظم الرُّقيّ، وجعلنا من خواصِّ مَن يرجوه ويخشاه وله يتقي، وربطنا وإيَّاكم بعبده المصطفى محمد ربطاً لا انحلال له حتى نُحشَرَ معه في ذاك اليوم، مع خيار القوم..

اللهم أوردنا حوضه المورود، أظلِّنا بظلِّ لوائه المعقود، اجمعنا في ظل عرشك يوم لا ظلّ إلا ظلُّك، ثبِّتنا على الصراط، اجمعنا في دار الكرامة في أعلى الجنَّات، من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، واجعل من بركة رمضان على الأمة أن تتحرَّك قلوبهم لإدراك المعاني التي أنزلْتها على حبيبك وليتصلوا بك؛ فيخرجوا من وحشة الاغترار بالزائلات والفانيات ويقتدوا بنبيك خير البريات، وتجعل من آثار ذلك رَفْعَاً للبلايا والشدائد والرَّزَايا عنهم في المشارق والمغارب..

يا خير مُجيب، يا أكرم مُستَجِيب، بارك لنا وللأمة في رمضان هذا، بارك لنا وللمسلمين في رمضان هذا، اجعله من أبرك الرمضانات، تُنَوَّرُ فيه القلوب، وتُغفَرُ فيه الذنوب، ويُجمَعُ فيه شمل أهل "لا إله إلا الله" على "لا إله إلا الله" وحقيقة "لا إله إلا الله" يا قريبُ يا مجيبُ.

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

06 رَمضان 1438

تاريخ النشر الميلادي

31 مايو 2017

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام