شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -34- آداب الحج: آداب دخول مكة

للاستماع إلى الدرس

الدرس الرابع والثلاثون من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، ضمن الدروس الصباحية لأيام الست الأولى من شوال 1444هـ، آداب الحج: آداب دخول مكة. 

فجر  الثلاثاء 5 شوال 1444هـ.

يتضمن الدرس:

  • أفضلية مكة والمدينة
  • شرح حديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
  • إذا دخل الهوى أفسد العلم
  • الأنعام في مكة (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله)
  • شعيرة السعي
  • تعظيم المؤمنين وخواصهم
  • أعظم شعائر الله خمس
  • دعوات إبليس في تعظيم الفانيات
  • التعظيم عند زيارة النبي ﷺ (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله)
  • استسقاء عمر بن الخطاب بالنبي بعد وفاته، وفتح سيدتنا عائشة الكوة
  • دخول الحرم بالتعظيم والاغتسال
  • أحوال النظر إلى الكعبة
  • دوام الطواف والزيادة منه
  • كثرة العمرة
  • أمور تمنع الفقر
  • من آداب دخول الحرم

 

آداب الحج: آداب دخول مكة 

 

آداب الحج: آداب دخول مكة

"دخول الحرم بالتعظيم، والنظر إلى مكة بالتحسر، ورؤية المسجد بالتفضيل، ونظر البيت بالتكبير والتهليل، ودوام الطواف، ومواصلة العمرة، ودخول البيت بتعظيم الحرمة، ودوام التوبة بعد دخوله."

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله جامعنا بفضله لتلقّي فضله، واستبيان قويم سبيله في بلاغ صفوته وعبده ورسوله، سيدنا محمّد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه وأهل محبّته وقُربه والاتّباع له والاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله صفوة الله -تبارك وتعالى- من أهل تفضيله وتبجيله وتكريمه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمين.

وبعدُ،

  فإننا في ذكر الآداب؛ ذكرنا فيما يتعلق بالحج "آداب الطريق" وبعض ما ينبغي أن يصاحبُ الإنسان في ذهابه للحج، بل في ذهابه لأي سفر كان من الأسفار، بل في كل خروج له من البيت إلى المسجد أو غيره من الأماكن لمختلف الحاجات؛ ينبغي أنْ يكون متصلًا بآداب ذلك الخروج من البيت والمشي في الطريق، فإنَّ هادينا إلى أقوم الطريق ﷺ، بيّن لنا ما نحتاجه في الدخول والخروج والمشي إلى المسجد وإلى غيره وآداب للطريق، فصلّى الله وسلم وبارك وكرّم على من هو بالائتمان على حسن البيان حقيق.

ويذكر لنا آداب الإحرام وقد تقدم ذكرها، ويذكرُ لنا "آداب دخول مكة"؛ البلدة التي شرّفها الله وعظّمها واختار أنْ يكون فيها بيته، واختار أن يولِد فيها نبيّه وينشئه فيها ويرسله ويبعثه فيها، ثمَّ أنْ يهاجر منها إلى طيبة التي به طابت وأن تكون وفاته هناك ﷺ. 

وبذلك دار الكلام من عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم عن أفضلية الأماكن على ظهر الأرض، فإنَّ الله فضّل بعضها على بعض وكلها أرض الله، ولكن فرق بين مكان ومكان، وبقعة وبقعة، فالخلق عيال الله وفرقٌ بينهم، ولا الأحجار تتساوى ولا البحار تتساوى ولا الحيوانات تتساوى، ولكن انظر إلى هذه الخصائص التي يميّزها الله ويجمع الكل إتقانٌ وحسن صنعة وإكمال وإتمام وإحسان، فهي من هذه الناحية لا تفاوت فيها، (مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُت) [الملك:3].

  ثم انظر إلى الخصوصيات والمزايا والتعيين والتخصيص تجدها متباعدة متباينة كثيرة التفاوت، لا إله إلا الله الخالق سبحانه وتعالى، وخيرة الخالق من جميع خلقه أنبياءه ورسله، ومع ذلك فقد قال: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) [البقرة:253]، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وكذلك البقاع على ظهر الأرض، ما وجدنا فيما دار بين الصحابة والتابعين وتابعيهم من علماء الأمة النقاش في أفضلية البقاع شيء يتقدم على مكة والمدينة، ولا شيء، إلا محل مولده ومبعثه، ومحل مهاجره ومدفنه الكلام يدور بين البقعتين، ولا أحد يقول أنَّ شيئًا من بقاع الأرض في الشرق أو الغرب أفضل من هاتين البقعتين. 

  • والذين مالوا من الصحابة ومن العلماء من بعدهم من التابعين إلى أفضلية مكة استثنوا البقعة التي دُفن فيها جسد رسول الله ﷺ، قالوا هذه أفضل من مكة. 

  • والذين قالوا أنَّ المدينة أفضل كسيدنا عمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة ومن جاء من علماء التابعين ومن بعدهم استثنوا بقعة الكعبة المشرفة؛ فقالوا: إن غير البقعة التي دُفن فيها رسول الله من المدينة، بقعة الكعبة أفضل منها وبقية بقاعها أفضل من بقاع مكة غير بقعة الكعبة وحدها.

 فصارت الأفضلية تدور بين هذه الأماكن. والمساجد خصّ الله منها: 

  • المسجد الحرام 

  • والمسجد النبوي 

  • ومسجد بيت المقدس

 ففاقت كل المساجد.

 ولم يكن في مساجد الأرض مساجد أحق أن يُضرب إليها أكباد الإبل وأن يُشدّ الرحال إليها من هذه المساجد، ولا أولى من هذه المساجد الثلاثة؛ فهي أولى المساجد يُشد إليها الرحال وأولى المساجد أن تُعمل إليها مطيّ الإبل للوصول إليها. متميزة عن بقية المساجد؛ وهذا المعنى الذي حمله حديث: "لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"، وقد جاء التصريح به في بعض الروايات، وهو في مثل قوله: لا تُشد الرحال إلى مسجدٍ للصلاة فيه إلا المساجد الثلاثة.

وفي لفظ بالتصريح بالمعنى: إن أحق المساجد يُشد إليها الرحال المساجد الثلاثة؛ ذكر المساجد الثلاثة؛ لأنه تبيّن من سنته أنَّه فضلا عن عموم المقاصد والأماكن خصوص المساجد أنه بنفسه شدّ رحله إلى مسجدٍ غير المساجد الثلاثة؛ وذلك لما كان يزور مسجد قباء في كل سبت ﷺ، ويمشي أحيانًا على رجله ويمشي راكبًا يشد رحله، ويمشي من المدينة من عند بيته ومسجده الشريف إلى مسجد قباء يصلي فيه ركعتين، ثم قال لنا في حديثه: من توضأ وأتى مسجد قباء فصلّى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة. فتبيّن أن شدّ الرحل حتى إلى المساجد الأخرى لا منع فيه؛ إنَّما في الحديث بيان أنَّ الأفضل من بين المساجد والأولى بشدّ الرحل هو المساجد الثلاثة.

 أمَّا ما لحق بعد ذلك من الأهواء في تفسير الحديث وتحريم شدّ الرحل لزيارة قبر، أو لقراءة مولد،  أو شيء من هذا؛ هذا ما نجد له مجال في معنى الحديث لا من قدام ولا من وراء، ولا من يمين ولا من شمال، ما ذكرت أصلاً ، ولا أشار إلى شيء من هذا أصلاً!

وقد شدّ رحله ﷺ مرات كثيرات؛ بخصوص الغزوات سبع وعشرين شدّ رحل ليس منها إلى المسجد الحرام إلا واحدة؛ لما جاء لفتح مكة، وبقية الغزوات في أماكن أخرى وشدّ رحله إليها؛ فلا معنى بتحريم شد الرحل إلَّا لحرام؛ لفعل حرام هذا أمر معلوم أو محرم؛ من يشد الرحل يقطع الطريق من يشد الرحل ليشرب الخمر، من يشد الرحل ليقطع الرحم، من يشد الرحل ليؤذي المسلمين، من يشد الرحل ليهدم بيوت الله؛ هذا شد الرحل عليه حرام من غير شك، أمَّا ماعدا ذلك الناس يشدون رحالهم شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا.

ونجد عند أهل الهوى، هذا الحديث جامد نهائيًا ما له حركة؛ إلا إذا ذكر مولد أو  قبر قالوا: لا تشد الرحال!.. والشدّ ليل ونهار وصباح ومساء وإلى أمريكا وإلى روسيا!.. كلهم ما فيه شد الرحال؟ وإذا في مولد أو في قبر لا تشدّ الرحال؛ لو كان المعنى هكذا فالأسفار هذه كلها مصيبة، بطّلوا حقكم المواصلات خلوا بس مواصلة إلى مكة ومواصلة إلى المدينة وبيت المقدس فقط! مشكلة مواصلاتكم ما تروح بيت المقدس!!.. لو تفكروا فيها أحسن وتروح مواصلاتكم إلى فرنسا وإلى أمريكا وإلى روسيا وإلى أوروبا؛ ولكن ما تروح إلى بيت المقدس! فلو عدّلتم المفهوم أحسن وصلحتوا طريق إلى بيت المقدس هو أحقّ أن يُشد الرحل إليه.

ولا نفهم من الحديث تحريم شد رحل:

  • لمباح؛ تجارة وسفر. 

  • فضلًا عن مندوب أو مسنون؛ لطلب علم أو لزيارة رحم أو لدعوة إلى الله

هذا يشد الرحال فيها، وينال أهلها الثواب، وينال أهلها الأجر عند الله تعالى وليست من المساجد الثلاثة. 

فإذا دخل الهوى أفسد العلم، ولو أنَّ عند الإنسان بحر من علم فوقعت فيه قطرة من هوى لفسَد، لأنَّ قطرة من الهوى تخمّج بحرًا من العلم، فصرنا نشكي وجود قطرة من علم وبحر هوى… بسم الله الرحمن الرحيم ايش بيكون الحال؟ قطرة علم وبحر كامل هوى.. ما الذي بقي من صلاح في هذا؟!  لو كان بحر كامل علم وقطرة هوى لفسد، وكيف إذا البحر هوى وقطرة علم؟! لا حول ولا قوة إلا بالله..

واعلم هُديت وخير العلم أنفعه *** أنّ اتباع الهوى ضربٌ من الخَبَل

فكم وكم ضلّ بالأهواء وطاعتها ***  من عاقلٍ جامعٍ للعِلم والعمل

واتبع هواه.. ولا عاد نفعه عقل ولا علم ولا عمل وصار عبدًا للهوى، (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:43-44].

شرّف الله هذه البقعة مكة المكرمة، فاستُحب للدخول إليها الاغتسال تعظيمًا، وقد اغتسل ﷺ بذي طوى لأجل دخوله إلى مكة ﷺ. وأمّن فيها حتى الوحوش، وحرّم اصطياد الصيد فيها، وحدّد أعلامها من الجهات: 

  • فكان أدنى الحِل من جهة التنعيم. 

  • ومن الجهة الثانية الحديبية. 

  • ومن الجهة الثالثة الجعرانة. 

  • وما قبل ذلك فهو داخل في حدود الحرم الآمن؛ الذي يجب أنْ يؤمن من دخله.

(سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ) [الحج:25]، العاكف والمقيم والذي خُلق والذي له سنين والذي جاء أول يوم مسلم كلهم سواء في هذا المكان؛ أي: كلهم يُؤمَّن وكلهم يُحترم وكلهم يُعظّم وكلهم تُرعى حرمته (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ). ولذا لما ذكر آداب دخول مكة قال: "دخول الحرم بالتعظيم"؛ فإن الدين تعظيم الدين، وإن لله شعائر؛ أي: علائم لدينه، وإن تعظيمها من تقوى القلوب، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

صاحب القلب الذي لا يميّز من الدخول إلى المسجد وغيره، ومن الدخول إلى أماكن الصالحين والأخيار وغيرها عنده والسوق سواء والمقهى سواء وذا كله سواء؛ هذا القلب يفقد حقيقة الإيمان؛ ما عنده إيمان، وليس عنده من التقوى شيء؛ ولو عنده إيمان وتقوى لميّز وفرّق بين الشعائر، وعرف منزلة شعائر الله -تبارك وتعالى- وتعظيمها. 

ما تعلّق بدين الله يجب أن يُعظَّم، إلى حد أنَّ هذه البلدة وإهداء الأنعام؛ الإبل والبقر والغنم إليها بسَوْقها من خارجها لذبحها فيها وتقسيمها على من يكون فيها من المسلمين؛ تتحوّل به تلك الجمال إلى شعائر من شعائر الله إذا قُصد بها هذا المكان، وإذا نُويت لهذه البقعة لتُذبح في هذه البقعة! وممكن ذبحها في أي مكان لكن إذا تجيبها هنا تُذبح فجعل لها علامة (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)؛ سقطت؛ نحرتموها (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج:36]. 

لكم فيها خير، خير من جمال؟  لكم فيها خير.. فيها خير، النية!.. لأنه بعدها يقول: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) [الحج:37] نيّتكم أن تعظموا البيت، وأن تعظموا هذه الشعيرة، صارت هي من شعائر الله.

 جبل هنا وجبل، هنا شرع الله بينهما السعي بالمشي من هذا إلى هذا ومن هذا إلى هذا ومن هذا إلى هذا. ويذكر لنا فيما ورد أنَّ بداية السعي وسببه سعي أمنا هاجر زوجة الخليل إبراهيم، أم إسماعيل، وراحت تسعى من هنا إلى هنا تطلب ماء لولدها الظامئ الذي خافت عليه أن يموت، حتى أرسل الله جبريل لينبع ماء زمزم، وأمره أن ينزل ويضرب برجله فيفور الماء، ونبع ماء زمزم، بعدما كملت السبع الأشواط، فقال الله عن هذا الجبل وهذا الجبل من شعائر ديني، من شعائر الله، (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ) [البقرة:158].

وإذا كان حتى البُدن وجبل الصفا وجبل المروة من شعائر الله.. كيف ما تعظم المصحف؟ كيف ما تعظم الكعبة؟ كيف ما تعظم المؤمن؟

 كان يقول بعض الصحابة يستقبل الكعبة: أعلم أن حرمتك عند الله عظيمة، ولكن حرمة الرجل المؤمن أعظم عند الله، حرمة الرجل المؤمن أعظم عند الله منكِ، فلا بدّ من تعظيم المؤمنين، فكيف بخواص المؤمنين؟ (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

 قال أهل العلم: أعظم الشعائر لله عندنا على ظهر الأرض خمس: 

1. محمد رسول الله ﷺ؛ الشعيرة الكبرى.

2.  القرآن الذي نزل عليه. 

3. الكعبة المشرفة. 

4. الصلوات الخمس.

5. شهر رمضان.

هذه الخمس كبار الشعائر؛ أمهات الشعائر؛ أعظم الشعائر لله تبارك وتعالى، وكل معالم دينه شعائر، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).

وإبليس وجنده يدعون الناس أنْ يعظّموا المال، أنْ يعظّموا الوزارات، أن يعظّموا الوظائف أن يعظّموا الفانيات، أن يعظّموا حتى بعض المعاصي، وأن يعظّموا الألعاب وأن يخرجوا من القلوب عظمة الحق وشعائره ودينه، فلا تستجيبوا لدعوة إبليس وجنده من الإنس والجن.

وهذا الله ورسوله يدعونا لأن نعظمه ونعظم شعائره، فاحيوا وموتوا على تعظيم شعائر الله بقلوبكم، وإن دُعيتم لتعظيم الوظائف أو لتعظيم الألعاب، أو لتعظيم الفانيات، أو لتعظيم الملك في الدنيا فارفضوا ذلك، واعلموا: 

  • أنَّ ما ليس عند الله بعظيم فتعظيمه نفاق في الإيمان بالعظيم.

 أنت مؤمن بالله العظيم لا تعظم إلا ما عظّمه الله، وإنَّما عظّم الله أنبياءه وملائكته ورسله وأولياءه ودينه والمؤمنين به وشعائر دينه، هذا الذي عظّم الله.

يدعوننا الآن يريدون ويربون أولادنا على تعظيم التوافه وتعظيم زائلات وفانيات وتعظيم أمور حقيرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وكثير منهم ينشأ في عقليته هكذا؛ فيُعظم الأشياء التي يُعظمها بعض جنود إبليس وهو يعظمها، ناقص في باله تعظيم المسجد، تعظيم القرآن، تعظيم الأولياء، تعظيم الأنبياء، التعظيم هذا ناقص في قلبه هذا دليل ضعف الإيمان أو فقده والعياذ بالله تبارك وتعالى!

 فلا تعظموا إلا ما عظّم الله إن كنتم تؤمنون أن الله أكبر؛ فلا تعظم إلا ما عظّم الله. إن كنت تعلم أنه أحاط بكل شيء عِلمًا لا تعظم إلا ما عظمه هو، ما لم يعظمه فليس بعظيم. "ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها قطرة ماء". فإذا اختلت الموازين وعظموا هذا، يرجع بعدين يستدل على عظمة الكفار بوجود الدنيا عندهم! والدنيا اللي عندهم منغّصة منكدة ملآنة بكذا كذا همّ وغم وكدر وانزعاج… هذه الدنيا التي عندهم؛ وضروري تكون هكذا، لأن الله يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه:124]. وهي ما تزن عند الله جناح بعوضة وهذا يبغاها دليل على أن هؤلاء عظماء لأن هذه الدنيا عندهم!.. (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [الزخرف:33-35].

وهكذا صحّح الله لنا الموازين قال: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)؛ تريد عند المشركة مال أو جمال أو مظهر؟ هذه المؤمنة خير منها، (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) [البقرة:221]. عندكم موازين ثانية؟! هذا المشرك عنده صلاحية؟ عنده حكم؟ عنده سلطة؟ عنده مال؟ قال الله: لا، هذا أحسن، العبد المؤمن خير منه وأحسن منه، وصرّح بذلك في كتابه ميزان الحق. 

  • (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البيّنة:6].  بريّة خلقي الذين خلقتهم شرهم هؤلاء، هم شر البرية يجب تعتقد أن هؤلاء شر البرية. 

  • (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البيّنة:7].

تريد لك ميزان ثاني أنت؟! هذا ميزان الله خالقهم جل جلاله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) اللهم اجعلنا منهم وألحقنا بهم (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البيّنة:7-8].

 "دخول الحرم بالتعظيم"

  • استفادة الداخلين للحرم على قدر تعظيم قلوبهم له. 

  • كل صلاة نصليها على قدر تعظيم قلبك للصلاة تستفيد من الصلاة، تتنور بنور الصلاة، تحصّل خصائص الصلاة ومزايا الصلاة. 

  • كل قراءة تقرأها على قدر تعظيم قلبك للقراءة ينكشف لك نور القرآن وسره وبركته تستفيد منه على قدر التعظيم الذي عندك.

  • كل مجلس تحضره من مجلس العلم والذكر على قدر تعظيم قلبك له تنتفع بما ينزل فيه من رحمة، وبما يُدار فيه من كؤوس معرفة أو دلالة أو علم أو تنوير أو تطهير أو تقريب أو تعرف أو تعريف أو محبة على قدر تعظيمك.

إن قصر تعظيمك يقصر حظّك، يقصر نصيبك وسهمك؛ ولهذا قالوا: الدين تعظيم الدين، الدين تعظيم الدين، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات:3]. فكيف يأتي ميزان عند بعض العقليات الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قالوا مبالغين هذا! مبالغ زيدوا على هذا بعدين بيُقرب من الشرك!! هذه حقيقة التقوى.. (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ) ولهذا يصعب عليهم حتى إذا أحد جاء في روضته أو أمام حجرته يخشع، هذا محل خشوع، هذا محل خضوع.. القيام على القبور الذين نُهينا عنه هو القيام على قبور المنافقين الكفار، (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِه) [التوبة:84].

 أمَّا مسلم مؤمن! سيّد الوجود كم يطيل القيام في القيام أمام قبور الصحابة؟ ليالي كثيرة!.. حتى يقول بعض الذين شاهدوه: "فأطال القيام"؛ هذه قبور المؤمنين، تلك قبور الكفار هي التي قال له فيها: لا تقم على قبرهم، هذا منافق فاسق قال: (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة:84]، أمَّا مؤمن أو ولي أو نبي كيف ما تقوم على قبره! قُم على قبره، تذكر واخشع واخضع وابكِ وادعُ.

وقد جاء سيدنا بلال بن الحارث المزني -عليه رحمة الله- في عام قحط، وأكبّ على القبر الشريف يقبّل التراب، ويقول: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا. وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب أمام الصحابة الكرام ويرى النبيّ ائتِ عمر وقُل له يستسقي بالناس وأخبره أنهم يُسقَوْن وقل له الكيس الكيس. ويجيء سيدنا بلال ويخبر سيدنا عمر بالرؤيا، ما يقول له أنت تجيب لنا مرائي وكذا.. ولا قال له أنت تجيء تقبّل القبر وتقبّل التراب!.. ما قال شيء من هذا، بكى لمّا قال له: أنه قال لي قل لعمر يستسقي بالناس وأخبره وقل له: الكيس الكيس، بكى وقال: اللهم لا آلو جهدًا فيما قدرت وما استطعت. ودعا الناس، نفّذ الأمر، عمر بن الخطاب الذي يفرق الشيطان من ظله، نفّذ الأمر ودعا الناس للاستسقاء، وصلّوا الاستسقاء وسُقوا بفضل الله تبارك وتعالى. 

هكذا عرفوا تعظيم الشعائر، ولماذا سيدتنا عائشة لما اشتكوا سنة قحط، قالت: انظروا إلى كوّة فوق قبر النبي في السقف افتحوها حتى لا يكون بين القبر والسماء حجاب يسقيكم الله! فتحوا الكوة، والصحابة وأمهات المؤمنين ما أحد قال ايش دخل هذا! أين ورد هذا؟ من أين جاء؟ من علّمهم هؤلاء؟ من أين أخذوا عقيدتهم هؤلاء؟ أنت اذهب عند شيخك، هؤلاء عرفنا شيخهم، سنرى في القيامة الشفيع شيخهم ولا شيخك؟ والمحبوب عند الله شيخك ولا شيخهم هؤلاء الذي علّمهم هذا ﷺ!! وبقي ذلك بعد عهد الصحابة جاءوا جددوا الحجرة الشريفة فحافظوا على الكوة، بنوا قبة صلّحوا الكوة يمكن فتحها، بنوا قبة ثانية فوق القبة، صلحوا فيها كوة تحتها كوة تحتها كوة، لا اله الا الله عزّ وجل عظّم رسوله وميّزه فلم يعظم مثله أحدًا.

"دخول الحرم بالتعظيم"، قال نبيّنا في عام الحديبية، وقد بركت القصواء، حرّكوها فلم تقُم، فقالوا: خلأت القصواء ناقته، قال: ما خلأت؛ "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق؛ لكن حبسها حابس الفيل"؛ الذي حبس الفيل عن مكة.. الله، حابس الفيل: الله تعالى حبسها، قعّدها هنا ربي الذي حبس الفيل عن دخول مكة تعظيمًا لمكة  ورعاية منه بمكة، قال: والذي نفسه بيده لا تدعوني اليوم قريش إلى خطة فيها تعظيم هذا البيت إلا أجبتهم له. وجاء  صلح الحديبية، فهو ﷺ معظّم للحرم، معظّم للبيت ﷺ.

يدخل بالتعظيم، يغتسل قبل ما يدخل استعدادًا لدخول مكة، فانظر! وهكذا يجب أن يدخل المؤمنون إلى مكة، أما أن يذهب بالسيارة ويدور له موقف ولا تعظيم في قلبه يريد فقط أي موقف، ويطوف ويسعى كما ما الناس يمشون، ما هكذا يُعتمر بيت الله! ما هكذا يُطاف ببيت الله، ما لهذا أُقيمت الشعائر! (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ) [المائدة:97]؛ يقوم أمرهم وصلاح شأنهم عليها، (قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المائدة:97] جلّ جلاله.

يقول: "والنظر إلى مكة بالتحسّر"، على فراقها، وعلى خوف إقلال الأدب فيها، قلة الأدب فيها أن يريد فيها سوءًا والعياذ بالله تبارك وتعالى. "ورؤية المسجد بالتفضيل، ونظر البيت بالتكبير والتهليل"، وكان نادر خصوصًا لأول مرة من يجيء فيقع نظره على الكعبة إلا دمعت عيناه رجال ونساء هكذا كانوا. لمّا ذهبت الحج بعض الصالحات يعتلج الشوق في قلبها تقول: أين بيت ربي؟ يقولون لها اصبري بنصل مكة وبتشوفين، كل ما مشوا قالت: أين بيت ربي؟ وصلوا إلى مكة أين بيت ربي؟ قالوا لها: الآن نحن داخلين إليه، حتى بدت لهم قالوا: ذاك بيت ربّك، هرعت إليه ألصقت صدرها بالكعبة وماتت مكانها! هذه عرفت ربّ البيت، عظّمت البيت من أجل ربّ البيت، جلّ جلاله وتعالى في علاه.

قال: "ودوام الطّواف"؛ يعني: الاستكثار منه يزداد سبعًا سبعًا، فكل سبع طوفات يقال لها أسبوع هي الطواف الكامل، ثم سبع وهكذا.. تبتدئ من عند الحجر الأسود وتنتهي بالحجر الأسود، فيكون جسد الطائف كله أمام الحجر الأسود حين يبتدئ الطواف. 

  • ولو ابتدأ يطوف من بعد الحجر الأسود لكان هذا لغو لغو لغو إلى أن يصل إلى مقابل الحجر يبدأ الآن الطواف، ذاك ما يحسب. 

  • فإذا كمّل لا بد أن يتجاوز جسده يحاذي الحجر الأسود أو يجاوزه، فإذا انصرف قبل ما يكمل فالطوفة الأخيرة باطلة ما تصح، لا بد يرجع يكملها.

 وجسده كله خارج البيت، فالذي هو جنب الكعبة لا يضع يده عليها فوق الشاذروان ولا شيء من ثيابه حتى يعدي به فوق الشاذروان وهو الحجر الملتصق في جدار الكعبة من الأرض، هذا الشاذروان؛ يُعتبر من البيت فلا يجعل الطائف شيء من جسده ولا حتى من ثيابه التي يلبسها تمر فوق الشاذروان هذا يبطل طوفته؛ يكون كله خارج الشاذروان؛ خارج الكعبة ووسط المسجد؛ لا يصح الطواف خارج المسجد فيكون وسط المسجد وإن اتسع المسجد وخارج الكعبة، لذلك من مرّ وسط الحجر يريد أن يختصر الطوفة ما تصح؛ لأن ستة أذرع من الحجر هي من الكعبة؛ فلابد أن يمشي وراء الشاذروان المرتفع خارج الحجر؛ خارج حجر إسماعيل على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام. ويقال أنه قد قُبر في الحجر سبعون من الأنبياء، ويقال أن سيدنا إسماعيل قُبر هناك.

قال: "دوام الطواف"، وكان في من مضى في القرن السابق قبلنا من يعتني بالعُمَر في رمضان، فيعتمر في خلال يوم وليلة أربع عمرات، وعلى رجليه يمشي للتنعيم ويرجع يكمل عُمرة ويرجع ثاني مرة في كل ليلة ويوم يأتي  بأربع طوفات، وهكذا وبعضهم إلى وقت متأخر.والآن قِدهم مع السيارات وجاءت الزحمات وقَصُرت الهِمّات، وضَعُف في الحضور مع الحق والتعظيم، والله يردّ على الناس ضالّتهم في الإيمان واليقين والمعرفة وتعظيم شعائره وحُسن امتثال أوامره.

قال: "ومواصلة العُمرة"، فإن المتابعة بين الحج والعمرة "ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد". فلهذا يقول: لا إمعار مع حج ولا مع اعتمار؛ يعني: أن الذي يكثر الحج والعمرة لا يمعر؛ لا يفتقر ما يكون فقير. وهكذا كما أن الذي يحافظ على قراءة سورة الواقعة في كل يوم لا تصيبه فاقة أبدُا؛ أي: فقر.

"ودخول البيت بتعظيم الحرمة" وقد دخله ﷺ وصلّى بين العمودين عند الدخول من باب البيت إلى الجدار المقابل ودعا الله تبارك وتعالى ثم خرج، وكان معه سيدنا بلال وجماعة من الصحابة، "بتعظيم الحرمة، ودوام التوبة بعد دخوله"؛

  • دوامها في اللحظات والأنفاس بدوام الحضور مع الحق جلّ جلاله الملك القدوس. 

  • وتنزيه الباطن عن الذنوب والسيئات. 

فهذه آداب دخول مكة، وسيشرح لنا آداب دخول المدينة.

أوصلنا الله إليهما في عافية وصلاح وفلاح وتقوى وخير وأرباح، وبارك لنا في الواصلين إليهما من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ورزقهم الأدب وقَبِلهم وأجزل لهم المثوبة ورفع لهم الرتب، وجعلهم في نيابة عن بقية أمة حبيبه الأطيب ﷺ، وأذِن بكشف الكرب ودفع الريب وإبعاد البلاء والعطب، وتحويل الأحوال إلى أحسنها، وأكرمنا بالسعادة في الدنيا وفي المنقلب بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

05 شوّال 1444

تاريخ النشر الميلادي

25 أبريل 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام