(536)
(228)
(574)
(311)
كلمة حول آداب مجالس العواد، للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ ، فجر الجمعة 8 شوال 1444هـ
علِمتم أن مجامع المؤمنين محل نظر الله سبحانه وتعالى وعنايته، ومحل تردّد الملائكة وتَنَاديهم إلى حضورها في مجالس الذكر، كما حدثنا صاحب الرسالة وخَتْمُ الرسالة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، مَن أحسنَ البيان وأحسنَ الدلالة عليه الصلاة والسلام.
ومهما كانت وعُقدت مجامع فيها ذكر الله تبارك وتعالى وإرادة وجهه.. فهي المَثني عليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كانت مُتّصلة بشعائر الله مثل رمضان ومثل صيام الست من شوال، ومثل أيام العيد التي يُهنَّأ بها المؤمنون ويفرحون بفضل الله تبارك وتعالى، والتي يترقّبون آثار قبول الحق تعالى لهم في صيامهم وفي قيامهم، والنتائج التي تحصل لهم في أخلاقهم وفي وجهاتهم وفي نياتهم.
ثم كانت تأسيسها على أيدي ورثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاء عنه، فيتضاعف الخير على حاضر هذه المجامع، ولكن يُخلص قصده لِوجه الله تبارك وتعالى، ويُحضِر قلبه مع الله جل جلاله، وليحذر أن يبتعد بفكره أو بنظره عن مقصد الاجتماع من التوجه إلى الله تعالى وزيارة هؤلاء المؤمنين وتزاورهم في الله تبارك وتعالى.
ينوي أن يزور جميع الحاضرين، من الإنس والجن والملائكة والأرواح الطاهرة التي تحضر هذه المجامع، وينوي زيارتهم في الله.
وينوي تعظيم شعائر الله تبارك وتعالى، لأنها متعلقة برمضان، والخروج من صيامه، وإتباعه بالست من شوال، والخروج من صيامها لمن باشر وعجّل بذلك.
ثم أنها مجامع ترتكز على إنشاد كلام الصالحين، يُفتتح كل إنشاد فيها بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونحن محتاجين لِأن تقوى استعاذتنا منه، لِخفاء دسائسه علينا، وإرادته الخبيثة في صرفنا عن الخير ولو في صورة الخير، وفي إيقاعنا في الشر ولو في صورة الخير.
فنحتاج تكون قلوبنا حاضرة لمّا نسمع قوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، والبسملة وأسرارها، وآية عظيمة يرددونها، آية (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) جمعت المحاسن في الدارين لِمن أحسن طلبها من رب الدارين جل جلاله وتعالى في علاه.
ثم يأتون مِن أنفاس العارفين والصالحين والمقربين بما يكون فيه ثناء على الحق جل جلاله، وذِكر لصفاته، وبما يكون فيه ثناء على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصلاة عليه وذكر لشيء من صفاته، بما يكون فيه ذكر للمقربين والصالحين، وبما يكون فيه دعاء، وبما يكون فيه وعظ وإرشاد وتوجه.
فيكون قلبه حاضر مع هذه الأشياء، لا يلتهي بِفكرة، ولا بوسواس، ولا بمتابعة قهوة، ولا ماء ولا دخون، ولا من دخل ومن خرج! يبقى يكون خاشع.
وليحذر أن يزاحم من هو أكبر منه ومن هو أسن منه، في مشي أو في جلوس، ينبغي ينتبه من كبير السن.
ومن تيسر له مصافحته من المؤمنين يصافحهم، لِتقوى الألفة والأخوة بين المؤمنين، وليتعرض لرحمة الله بكل مصافحة يصافح بها أحد، ويتعرض لمغفرة ذنوبه بذلك، وإذهاب الغل عن القلوب ولغير ذلك مما ورد في السنة عنه صلى الله عليه وسلم، من فوائد التلاقي والتجالس في الله والمصافحة بين الإخوان المؤمنين.
وتصافحوا يذهب الغل عن قلوبكم.. "إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر الله لهم قبل أن يتفرقا".
"إذا التقى المسلمان فتصافحا قُسمت بينهما مئة رحمة؛ تسعون لأكثرهما بِشْراً، وعشرٌ للآخر".
فيكون بالبشاشة والفرح بفضل الله تبارك وتعالى، والتعظيم لأمر الله تبارك وتعالى، ورعاية المقصد، والحذر من إيذاء أحد من الناس، ولو أردت أن تصافح كبير سن أو عالم، أو أحد من الموصوفين بالصلاح والولاية.. فلا تؤذي أحد في طريقك إليه، إذا بتؤذي أحد في طريقك إليه؛ تركك للمصافحة مع الاعتقاد الحسن أفضل لك، وأكسب للثواب.
قال النبي لسيدنا عمر بن الخطاب: إنك رجل جلد، فإن وجدت فجوة -لتقبيل الحجر الأسود واستلامه- يقول له وإلا فأشر إليه؛ لا تزاحم على الحجر الأسود الذي يسن بفعله صلى الله عليه وسلم، وبقوله استلامه وتقبيله، مع قوله أنه يشهد لمن استلمه بالموافاة، فأرشد إلى البُعد عن الإيذاء وعن مزاحمة الغير، فهكذا يجب تكون آدابنا.
ونستشعر بعد ذلك تبعية لداعينا إلى هذه الخيرات كلها، ونستشعر أننا أمام إله ما لنا غيره، هو وحده العُدّة لذنوبنا، وهو وحده العُدّة لقبول حسناتنا، وهو وحده سبحانه وتعالى العُدّة لصلاح أحوالنا،
وهو وحده العُدّة لدفع البلايا والآفات عنا، وهو وحده العُدّة لصلاح أحوال المسلمين.
فنستحضر في قلوبنا النيابة عن إخواننا المسلمين، من قراباتنا وجيراننا، وأهل الأخوة في الله خاصة والمسلمين عامة.. ننوب عنهم في حضور هذه المجالس، في الاستماع لما يُقال، من الإرشاد ومن الوعظ ومن التذكير.. في القصائد..
ومن الحمد لله والثناء عليه، ومن الثناء على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن الصلاة عليه..
ومن الدعوات التي ترفع إلى الله تبارك وتعالى.
فنكون على ذلك الأدب، حَسَنِي الظن بالله، وحَسَني الظن بخلق الله جل جلاله..
كلٌّ مننا يعتقد أنه أقل من في الجمع، وأنه أذل من في الجمع، وأن جميع من في الجمع خيرٌ منه، وأعلى وأفضل..
فيكون هذا أكسب للمراتب والمواهب والدرجات.
جعل الله لنا العِبرة بمظهر الرحمة الظاهرة والسيل المطر إذا جاء وسال، ما يقصد الأماكن المرتفعة! وإنما كل ما انخفض انهال عليه، ومهما كثر.. ما يصل إلى المرتفِع، إلا إن فاض.. والمقصود هو المنخفِض؛ هو الذي يمتلئ بهذا السيل، كذلك رحمة الله في المجالس؛ أكثرنا انخفاض قلب من أجله.. تنصبّ الرحمة عنده وتنهال عليه.
الله يرزقنا الأدب معه، فهي مجالس ذكر ومجالس علم، ومجالس دعاء وتوجه إلى الله تعالى، ومجالس مجالسة ومصاحبة لسند، ورجال سند والأرواح الطاهرة، ونيابة عن بقية الأمة.
الله يجعله من أبرك الأعياد علينا وعليكم، ويوفّر حظنا من الإمداد والإسعاد والفتح والمنح والنُّجح، والفوز والسعادة وصلاح الغيب والشهادة، وصلاح القلوب والقوالب، ويكتب لنا القبول لما كان منا في رمضان ويعيدنا إلى أمثاله مع صلاح أحوالنا في السر والإعلان، وأحوال أهل الإسلام والإيمان، والحمد لله رب العالمين.
08 شوّال 1444