(229)
(536)
(574)
(311)
فوائد من محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في ملتقى العلماء في سورابايا، جاوة الشرقية، إندونيسيا، الثلاثاء 6 صفر 1445هـ
لقراءة الملتقى مكتوبا، أو الاستماع والمشاهدة
قال الإمام مالك عليه رحمة الله: ((إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها)) وذلك لأن الخالق واحد، ولا يُمكِن لمخلوقٍ أن يستدرك شيئاً على الخالق نسِيَهُ أو أهمَلهُ، حاشاه تبارك وتعالى، فلن تصلُح الخلق إلا بِمنهج خالقها.
يجب أن يعلم مُنتَسِبو هذه النهضة أنهم في مقام شريف يجب أن لا يُخدَعوا بأطروحة أي أحد من الشرق ولا الغرب، ولنَعُد إلى الأصل والأساس:
كانوا يدَّعونَ الحُرِّيّة للإنسان وحُرِّيّة الأديان.. وصاروا اليوم يفرضون على الأطفال في المدارس تعليم الشذوذ الجنسي والاختيار! لأن يتحوَّل من ابن إلى بنت أو من بنت إلى ابن، على رغم أنف أبيه وأمه، عبث وتفاهة وسفاهة ما عرفتْها البشرية في تاريخها الماضي!
وفي الأشهر القريبة الماضية أرسلوا بعض أذنابهُم وأتباعهُم من المُغترِّين بهم من المسلمين إلى بعض بلاد المسلمين، وعملوا محاضرة في مدرسة للبنات، وكان من جملة ما ذكروا في محاضرتهم أننا نخاف عليكم أكثر شيء أيها البنات من آبائكن وأمهاتكن، هم الذين يحُولون بينكم وبين الحرية، ويحُولون بينكم وبين التطور، أخطر شيء عليكم آباءكم وأمهاتكم، فتعجَّبت بعض البنات قالت بطبيعتها: إذا كان أبي وأمي فأطمئن على مَن في العالم؟! قالوا لها هذا رقمنا وتفضلي، فأي شيء يقول لك أبوك وأمك اتصلي بنا ونحن نخرجك من عندهم!
وفي الأيام القريبة أيضاً عندهم كان في ألمانيا امرأة غير مسلمة كافرة، وعندها دراسات عن التكوين البشري وأنه لا يمكن أن يوجد في البشر إلا ذكر أو أنثى، بالأدلة العِلمية المادية البحتة، لا تؤمن بِقرآن ولا بِسُنة ولا تعرف إيمان ولا تعرف إسلام، بقوانينهم هُم، بعلمْهم هم، وأعلنت عن محاضرة تُقيمها في هذا المجال، فوصل الخبر فمُنِعت من المحاضرة، وهُدِّدت إن تكلمت بمثل هذا، هذه حُرَّيتهم انتهت إلى هذه الأحوال!
وصولهم إلى هذا الحد والمستوى وهذه الحالات دليل واضح على فشلهُم، وقُرب انتهاء هيْمنة وسُلطة حضارتهم المزعومة، لكن ما البديل؟ ومن الذي يُنقذ الأمة؟ من الذي ينقذ البشرية؟ هذه مهمة من آمن بالله واتَّبع رسوله محمد، هذه مُهمتكم يا أهل النهضة، ومن اتصل بمهمة التصديق بمحمد وما جاء به، إذاً فالمُهمة عظيمة يجب أن ننهض بها.
كان للعلماء الصادقين المخلصين دورٌ في إصلاح حياة الناس، ومنهم من تهابهُ الحكام والأمراء ويخافون مِن مكانته بين الناس، حتى لا يستطيعون أن يُخالفوا المنهج أو الشريعة مع وجود هذا الاتحاد بين العلماء واتِّباع الناس لهم، ومنهم من لا يتسنّى له ذلك ولكن لا يبخلون بالنصح على كل أحد، ويقومون بواجبهم في المحافظة على حقيقة الدين بين من يطيعهم ويسمعهم.
وعلى هذا السبيل مضى الصحابة حينما تولى يزيد بن معاوية وكان رجلاً فاسقاً وظالماً وكان كل الموجودين من الصحابة أحق منه بالإمارة، بل من غير الصحابة من سادة التابعين الموجودين كعلي زين العابدين وكالحسن البصري وسيدنا سعيد بن المسيب وغيرهم من أئمة التابعين، كانوا كلهم أحق منه ولكن أحد منهم لم ينازعه فيها ولم يطلبها منه، ولم يكونوا مُقصّرين في نصرة الله ورسوله ونحن إلى اليوم في بركة هؤلاء الذين لم ينازعوا على الإمارة ولسنا مستفيدين من ذلك الظالم ولا من ذلك الفاسق.
➖➖➖➖➖➖➖
نقول: إن في هذا ميزان يجب أن يُقام ويُتّبَع، فالجلوس على مائدة فيها خمر أو أي مُسكِرٍ لا يجوز بحال من الأحوال، بل ذلك من المنكرات التي لا تُقَرِّب إلى الله ولا تهدي الخلق، كذلك مُصافحة المرأة الأجنبية ليست طريقًا للدعوة إلى الله، فَسيِّد الدعاة عبده وحبيبه محمد لم تمس يده يد امرأة أجنبية قط وكان يبايع النساء كلاماً، أما الحضور معهم في وقت لا يُلابسون فيه شيئاً من المعاصي لِدعوتهِم ودلالتهِم أو التلطُّف بهم أو لين القول معهم لإرشادهم فهذه أساليب مشروعة، قال الله لسيدنا موسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).
➖➖➖➖➖➖➖
أما أهل الإلْحاد وأنواع المُنحرفين عن الدين والذين يتشدَّقون بكلام.. كلهم لا حُجّة معهم ولا بُرهان، رُبّما زخرف القول الغرور يُخيف بعض الناس أو يرعبهم، لكن والله لا حُجة معهم عقلية ولا حُجة معهم علمية صحيحة في كل ما يَدَّعونه، إنما علينا أن نُحسِن التبيُّن، نتبيَّن الأمر من كلام الله ورسوله، ونُحسن كيف نُبيِّن للناس، وقد نحتاج بذلك إلى شيء من التعاون أو عقد دورات في هذا المجال لنؤدي دورنا في المحافظة على أمة الإسلام، وذلك يسيرٌ وسهلٌ لكل صادق مع الله تعالى.
كان مُدرِّس أخذتْهُ بعض الجهات والتنظيمات الكافرة وملأته بالإلحاد وفكر الإلحاد، ووظفته أنه من خلال تدريسه ينشر الإلحاد في الطلبة، فدخل يوم للفصل ويقول للطلبة يا طلاب لا تُصدِّقوا إلا بالذي ترونه بعينكم والذي لا ترونه بأعينكم غير موجود، أنتم ترون يدي هذه؟ قالوا: نعم، قال: إذاً يدي موجودة، أنتم ترون هذه السبورة؟ قالوا: نعم، قال: إذاً السبورة موجودة، أنتم ترون هذا الطبشور الذي معي أكتب به؟ قالوا: نعم، قال: إذن فالطبشور موجود، وما لا ترونه غير موجود، قال واحد من الطلاب: أترون عقل الأستاذ؟ قالوا: لا، قال: إذن عقل الأستاذ غير موجود، فما عندهم من حجة أبداً أصلا؛ لا عقلية ولا عِلمية ولكن زُخرُفَ القولُ الغرورُ، وَهُمْ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوَهَنَ الْبِيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ، وكُل استعمال صحيح لِعقلِ الإنسان الذي أتاه الله إياه يهديه إلى الله وإلى صِدق رُسُلِه.
➖➖➖➖➖➖➖
تأتي في بلاد المسلمين ما يُسمّى بهذه الانتخابات وهو نظام أوردوه علينا، وكان النظام في الإسلام وعند عقلاء بني آدم في الشرق والغرب أنّ كبارهم وأهل النظر فيهم وأهل الفهم، يُرتِّبون الأمور ورأيهم هو الذي يمشي عليه الأمر، فجاؤوا بنظام الانتخابات وعدد الأصوات؛ يقع بليد، يقع جاهل، يقع صغير، يقع كبير، يقع مسلم، يقع كافر، كُلّه سواء سواء!
نظام الانتخابات هذا نظام غريب! مثالهُ مثال واحد عنده مرض في بطنه أو في عينه، المفروض يستشير من؟ يستشير الأطباء، قال لا، نريد انتخاب من الأسرة والجيران والمزارعين الذين عندنا نُصلِّح انتخاب؛ نصلِّح عملية أم لا؟! من النوع هذا أو النوع ذا؟ و الصوت الأكثر نمشي عليه! هذه بلاهة وبلادة لابُدّ ترجع إلى عنده.
إن أردْتَ أن تنتخب أحد فاتقِ الله وانتخب من ترى أنه يخاف الله تعالى أو ترى أنه أصلح للأمة، لا تأخذ اعتبار غير هذا، ثم بعد ذلك لا يجوز لك أن تكذب ولا يجوز لك أن تسب ولا يجوز لك أن تتضارب مع عباد الله تبارك وتعالى، وإن لم تنتخب أحد فالأمر واسع أمامك ولا مسؤولية بينك وبين الله تبارك وتعالى، وسيختار الله تعالى من يشاء، وحتى يأتي الوقت الذي يريد الله فيه اجتماع الخِلافة الظاهرة في الحُكم مع الخلافة الباطنة في العلم فيُسَخِّر الله سبحانه وتعالى أسباب من وراء عقول الناس حتى يعود الأمرُ لأهله من غيرِ أن يكون منهم طلب له.
➖➖➖➖➖➖➖
الميزان فيما أشار إليه الأخ مِن أنّ العِلم يؤتى ولا يأتي، العِلم شيء والدعوة مهمة أخرى غير العلم؛ عندنا علم وعندنا تزكية وعندنا دعوة، الدعوة إلى الله يجب أن تصل إلى كل مكان، وأن نوصلها إلى الصغير وإلى الكبير وإلى الذكر وإلى الأنثى، بما فيها تعليم المبادئ والفروض العينية، هذه دعوة إلى الله تبارك وتعالى يجب أن توصل.
سيدنا موسى وهارون هل جلسوا في مكانهم وقالوا تعال يا فرعون؟ بل راحوا إلى عند فرعون وقالوا: (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ)، لكن المراد بأن العلم يؤتى ولا يأتي؛ أن لا يُحتقَر لأرباب الدنيا ولا لأرباب السياسة، ويظل العالم مُهان مُحتقر لهم، وهو الذي أراده مالك عليه رضوان الله، الإمام مالك داعي إلى الله ويعلِّم الأمير وغير الأمير، ويوصل الهدى إلى ما استطاع، ولكن لما قال له الأمير في المدينة تعال ليتلقَّى أولادنا عنك المُوطأ، قال: العلم يؤتى ولا يأتي، قال له؛ فاجعل لهم يوماً وحدهم يأتونك، قال إنه حديث رسول الله ولا أمنعه على أحد، يأتي أولادك يتفضلوا مع غيرهم ممن يأتي من المسلمين ولا أُخصص لهم وقتاً وحدهم، لأنه ليس علمي بل علم رسول الله وحديث رسول الله.
فهذا المعنى؛ المعنى أنهُ لا يجوزُ إهانة العلم بتسخيره لأغراض ولا لمقاصد ولا لسياسات، ولا بأن يُهان أصحابه بأن يأتوا على أبواب الأمراء أو الأغنياء.
➖➖➖➖➖➖➖
ليس من علماء السوء من نصح حاكم أو تعاون معه على خير أو أبعدهُ عن قرار سوء قرَّره، بل هو من الناصحين، ولكن كل مَن أقرَّ الحاكم على معصية ومَن رضي بقرار يُقرِّره يخالف الشريعة، أو قام يُدافع وينافح عنه فهو عالم سوء، ولو لم يرى الحاكم طول عمره، لو هو جالس في بيته وحده ولا رأى الحاكم ولا جاء إلى عنده ولكن يؤيد قراره المخالف للشريعة، أو يبرِّر له المخالفة للدين فهذا عالم سوء ومِن علماء السلطة.
➖➖➖➖➖➖➖
هذه من جُملة الفلسفات التي ضحكوا بها بعض الكفار على بعض المسلمين؛ معنى الرحمة وكيف تكون الرحمة، وهل في القتل رحمة؟ والقتل عندنا والذبح مشروع لحيوانات ولبني آدم كذلك.
عندنا القاتل نقتله والزاني المُحصَن نقتله والصائِل المُعتدي نقتله، والصَّاد عن سبيل الله الذي يُحارِب دين الله نقاتله كذلك، ونحن في كل ذلك راحمون، ونحن في كل ذلك ذَوُو رحمة، ومَن قال لك أن الرحمة ألا تقتل حيوان؟! الرحمة أن تنظر أمر الخالق الذي هو أرحم بك وبالأشياء من نفسها، وتتبع شرعه فيما شرع لك، تقتل من أمرك بِقتله وتنتهي عمّن نهاك عنه، وتُحسِن إلى من أمرك بالإحسان إليه وتَكُف عمن أمرك بالكف عنه، وهذه رحمة الله لخلقه أكبر من تفكير شرقي ولا غربي يقول معنى الرحمة كذا! معنى الرحمة أن نتبِّع أمر الرحمن هذه الرحمة للعباد والخلق كُلّهم.
26 صفَر 1445