فوائد من خطبة: باعث الإحسان في العمل في شئون الحياة وخصوصية المؤمنين
العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ فصار الكثير منهم مِن أقل مَن في الأرض إحساناً؛ إن كان في مهنة أو في عمل، أو في وضع أسرة، أو في شؤون الحياة من وظيفة وسواها، وبذلك خسِر بقية البشر اهتداءً إلى هذا النور الأبهر، والشأن الأعظم الأكبر، والمقام الأرقى الأفخر، بسبب تأخُّر وانحطاط هؤلاء.
ولو قام المسلمون بما يقتضيه إسلامهم وإيمانهم من إحسان لكانوا سبباً لظهور نور الله على ظهر الأرض، وهداية كثير من عباد الله إلى الحق والهدى.
ماذا يرْتجي غير المؤمنين؟ حتى جاهدوا وجالدوا وتكبّدوا وخالفوا كثيراً من دواعي نفوسهم لما يعتقدون أن في ذلك وصولاً إلى غرض من الأغراض وإلى شهوة وهوى، وهم مع ذلك فيهم من قصّر النوم وقلّل فيه، وفيهم من قلّل الطعام والشراب، وفيهم من كابدَ الأسفار ومفارقة الأهل والأولاد، لمقاصد فانية وقليلة وقصيرة، وكان الأَولى بمن آمن بالله واليوم الآخر أن يكون أعظم من على ظهر الأرض تضحيةً وبذلاً ومُقاساةً ومُكابدةً ومُجاهدةً وعطاءً، لأنه يرتجي ما لا يرتجون ولأنه يطلب ما لا فيه يطمعون، ولأن شأنه أكبر، ولأن ارتكازهم على استحضار مصالحهم، وشأنه في الإحسان استحضار خالقه الذي إليه المرجع والمصير.
كان إحسان المؤمنين للأعمال في الحياة بل وللأقوال وللأحوال أعمق وأوثق وأتم، لأنه يرتكز على هذا الاستحضار الأعظم: مُراقبة الحي القيوم ﷻ.
فما يحصل من الإهمال والتقصير إلا نتيجة: ضعف إيمان، وقلة استحضار لشهود الرحمن واطلاعه علينا ﷻ وإحاطته بنا وعلمه بسرائرنا.
الذين يقومون بشيء من الإحسان أو المُكابدة أو الإتقان أو الجِدّ في شيء من شؤون حياتهم ينطلقون باستحضارِ معنى الأهمية في قلوبهم، وأنَّ الحياة جِد، وأنّ ما يقومون به تعود منافعه عليهم، وبهذا يجِدّون ويجتهدون ويتقنون ويحسنون، ولكن هذا الأمر العام لجميع الأنام يوجد ما هو أكبر منه وأقوى وأعظم وأتمُّ وأثبت؛ وذلكم ما يُنازل قلوب المؤمنين من استحضار اطِّلاع رب العرش عليهم ورؤيته إياهم وإحاطته بهم.
شأن المؤمن: يُحسن إن توضأ، يُحسن إن صلى، يُحسن إن ذكر، يُحسن إن عامل زوجه، يُحسن إن برَّ والداً أو أماً، يُحسن إن وصل رَحِمَه، يُحسن إن تكلم مع مسلم، يُحسن المشي في الطريق، يُحسن اللباس والنية فيه والمقصود، يُحسن الوظيفة إذا توظف فيها، يُحسن المعاملة مع الحيوان فضلاً عن الإنسان.
مَن تعلّق بإقامة الإحسان أمدّهُ الرحمن وأعان، فذلَّ له الصّعب وهان، وأدرك الرُّقي إلى أعلى مكان، لكن من مات قلبه فلم يُخاطب نفسه بالإحسان والقيام بأمر الإحسان في كل شأن، فهو الذي يمُرّ عليه العمر فيموت وهو حَسران خَسران، يعظمُ حسرته إذا نُصِب الميزان، عند مشاهدة عطايا الرحمن لأهل الإحسان.
اللهم املأ قلوبنا بأنوار الإحسان، وارزقنا مراقبتك في السر والإعلان، وارزقنا شهود اطلاعك علينا في كل شأن، وارفعنا في مُراقبة عظمتك إلى أعلى مكان، يا قديم الإحسان يا عظيم الامتنان.
___
خطبة مكتوبة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ بعنوان: باعث الإحسان في العمل في شئون الحياة وخصوصية المؤمنين.
في جامع الروضة، بحارة الروضة بعيديد، مدينة تريم، 6 جمادى الأولى 1446هـ
لقراءة الخطبة كاملة:
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):
04 جمادى الآخر 1446