فوائد من: تفسير سورة مريم (6) دروس قرآنية: ثمرات الدعاء وفضل ذكر الصالحين واعتزال دعاة السوء

للاستماع

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:

لا يشقى مُخلصٌ صادقٌ بدعاء الله؛ ولهذا تعلَّقت قلوب الملائكةِ والنبيين والصديقين بالدعاء، وكان مِن أفضل ما يتواصلون به مع الحق:

  • - لتقوية تذللهم، وإعلان فقرهم واحتياجهم إليه
  • - واستفراده سبحانه وتعالى بالأمر تقديمًا وتأخيرًا، ونفعًا وضرًا، ورفعًا وخفضًا
الصورة

 

يؤكِّد الله تعالى آثار الدعاء في العاجل والآجل: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) وقال ﷺ: "إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيتعالجان إلى يوم القيامة"، لا يصيب أهل الأرض بسبب دعوة مقبولة عند الله.

(رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ)، في إشارةٍ مِن اللهِ أنَّ دعاءنا لأهل الإقبال عليه والتوجه إليه، وأهل الدرجات عنده وأهل التوبة إليه: مَقْرَبةٌ لنا إليه، ومرحَمة منه لنا، وسبب لرضوانه عنَّا.

على المؤمنين أن يقيموا واجب الدعاء لله تعالى موقنين بالإجابة، ومعتمدين على الله، وواثقين بقدرةِ اللهِ وعظمته، ويعلمون أنَّهم رابحون، كان يذكرُ بعض أهل المعرفة ويقول: لو فرضنا أنَّ داعيًا دعا الله في نيل مسألة 20 مرة دعاه فالاستجابة تكون بواحدة، وبقية العشرين مُدَّخرة كلها ثوابًا له وأجرًا، درجات له ومنازل عند الله؛ فالداعي للرحمن رابح غير شقي إذا أخلص لله وصدق معه.

(فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) ننال مواهب مِن الله على قدر ما نعتزل مِن دعوات فُسَّاق الأرض، ونُوَّاب إبليس مِن شياطين الإنس والجن: الدعاة إلى السفور، الدعاة إلى التبرُّج، الدعاة إلى التقاطع، الدعاة إلى التباغض والتدابر، الدعاة إلى الزنا واللواط، الدعاة إلى الخمور والمسكرات؛ ويدعوننا لأن نُعظِّم غير الله، وأن نُقدِّم على الأنبياء بعض الفساق والأغبياء بدعوة اكتشاف أو تَقدُّم إلى غير ذلك، وعلى قدر اعتزالنا لهم؛ ينفتح لنا باب المواهب مِن الوهَّاب، فحظُّ كلِّ واحدٍ منَّا على قدر قوة اعتزاله لدعاة السوء والشر، وما يبثونه بيننا لننحرف عقيدةً أو سلوكًا، كلَّما اعتزلنا ذلك قرُبنا إلى الله وعظُمت علينا مواهب الله.

(فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) اتّصِل به واصدق معه وهو الذي يُحِيز لك خيرات الدنيا والآخرة، ويحميك من شرورهما وهو القوي القادر، اعتزِل مَن يصدُّك عن سبيل الله، لا ترتضي إغراءاتهم ولا تخف مِن تهديداتهم، ولا ترتضي برامجهم تلعب بعينك ولا بأذنك ولا بفكرك.

الصورة

 

(وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) رفيعًا شريفًا؛ يعني أن كثيرًا مِمَّن قد يُذكر بخير على أي ميزان مِن الموازين قد لا يكون هذا الثناء له نافع ولا مفيد ولا له حقيقة، وأنَّه ليُنشَر لبعض الناس مِن الثناء ما بين المشرق والمغرب وهو لا يزن عند الله جناح بعوضة؛ ولكن مَن يُثنى عليه بصدقٍ وحق بأوصافٍ يحبها الله ويرضاها فهذا لسان صدق عليّ؛ يدوم لصاحبه ويتأبَّد ويتخلَّد، ذلك الشرف والكرامة.

إذا أثنينا على نبيّ أو وَلِي بصفاته؛ فثناؤنا عليهم:

  • - يُقرِّبنا إلى الرب.
  • - ويكون سبب لرضوانه عنّا.
  • - يكون سبب للقرب منهم في مواقف القيامة وفي الجنة.

أمَّا ثناء الغافلين على الغافلين، والجاهلين على الجاهلين.. ماذا يفيد؟ وما عاقبته وما نهايته؟

الصورة

 

(وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) وبذلك تعرف شرف المناجاة للعُبَّاد والمُقبلين على الله من خواص المؤمنين، حتى يكون من أعلى ما يُعجّل لهم من النعيم في الدنيا ذوق لذة المناجاة، وإن كانت ليست بمناجاة الأنبياء، وليس بكشف الحجاب الذي يسمعون فيه خطاب الله لهم؛ لكنَّهم يوقنون بسماعه إياهم فيتلذذون بخطابه بقوة شهود "كأنهم يرونه" فيذوقون لذة المناجاة.

(وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا) والحقُّ يوالي اذكر فلانًا واذكر فلانًا، فما أعجب ذكْرهم وما ألذَّه! وما أحوجنا إلى ذكر هؤلاء: لتنقية بواطننا، ولزيادة إيماننا، ولتصفية أفكارنا، ولتقويم صفاتنا، ولتهذيبِ نفوسنا، ولتقويمِ أقدامنا وتثبيتها. 

(وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، فلنحرِص عليها وعلى تأمُّلها، ولنتذاكر فيها بيننا البين، ولنُذَكِّر بها أبناءنا وبناتنا، ولنخفِّف وطأة ما يَنشر لنا القُطَّاع للطريق وأعداء الحق ورسوله ﷺ، فقد لعبوا كثيرًا بأوقاتنا وأعمارنا وأفكارنا وأخلاقنا، فيجب أن نعتزلهم وما يعبدون من دون الله، ونستبدل بذْكرهم وذكْر أفكارهم؛ ذكر المقربين من النبيين والصديقين وأخبارهم؛ فإنَّها تُنوِّر وتُطهِّر، وتُزكِّي وتُصفِّي وتُقرِّب.

 

لقراءة الدرس كاملاً أو المشاهدة:

https://omr.to/q-mariam6

#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #عمر_بن_حفيظ #تفسير_القرآن #معاني_ودلالات #جلسة_الإثنين #سورة_مريم #القرآن #معاني #habibumar #habibumarbinhafidz #tarim #quran 

تاريخ النشر الهجري

23 ربيع الثاني 1446

تاريخ النشر الميلادي

26 أكتوبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية