الجلسات البحثية في اليوم الثاني (المحور 3،4،5) للدكتور جمال فاروق والأستاذ هاشم العطاس والحبيب علي الجفري - ملتقى الدعاة السنوي (19)

تواصلت في يوم الجمعة 2 محرم 1447هـ، فعاليات ملتقى الدعاة السنوي (التاسع عشر) بعنوان: "حقيقة العقل وحسن استعماله ومهمته في العدل بين الشهوات والغضب والحكم في المحسوسات المادية والغيبيات المعنوية وأثر كل ذلك على اتجاه ووجهة الأفراد والجماعات والشعوب والدول"، 

حيث عقدت جلسات علمية بحثية تناولت محاور هامة حول دور العقل في المنظور الإسلامي، وقد شهدت الجلسات طرحًا عميقًا من قِبَل نخبة من العلماء والدعاة.

المحور الثالث: (حسن استعمال العقل في العدل بین غرائز النفس (الشهوة والغضب) وأثره على السلوك والاستقامة)

 مقدم البحث: الأستاذ الدكتور جمال فاروق الدقاق 

افتتح الدكتور الشيخ جمال فاروق بحثه بالتأكيد على أنّ العقل هو أشرف ما وهبه الله للإنسان، وهو مناط التكليف وأساس التمييز بينه وبين سائر المخلوقات، ووصف العقل بأنه "لطيفة ربانية" تُمكِّن الإنسان من إدراك الحقائق، ولكنه شدَّد على أن العقل لا يستطيع أن يهتدي بمفرده، بل لا بد له من الاستنارة بـ"نور الشرع" ليحقّق كماله، فالعقل والشرع هما نوران متكاملان، كما في قوله تعالى (نور على نور)، لا يوصلان إلا إلى طريق واحد مستقيم، وبدون هداية الوحي يظل العقل عُرضة للانحراف.

وفي تطبيق عملي، أوضح أن الإسلام لا يدعو إلى قمع غرائز الشهوة والغضب، بل إلى تهذيبها وتوجيهها بالعقل المستنير بالشرع، فالعقل يوجِّه الشهوة نحو الحلال الطيب لتكون طاقة بنّاءة تساهم في عمارة الأرض، ويوجِّه الغضب ليتحول من قوة تدميرية إلى شجاعة محمودة في الدفاع عن الحق ونُصرة المظلوم، كما كان حال النبي ﷺ الذي لم يكن يغضب لنفسه قط، وإنما كان يغضب إذا انتُهكت حُرمات الله.

وتضمنت المداخلات نقاشاً حول حديث افتراق الأمة، وأشاروا إلى أن المقصود بالحديث قد يكون "أمة الدعوة" لا "أمة الإجابة"، مما يجعل الأمة الإسلامية كلها هي الفرقة الناجية، وعقّب الحبيب عمر بن حفيظ بأن الحبيب محمد بن أحمد الشاطري له كتاب سمّاه: "الوحدة الإسلامية"، رجّح فيه رواية "كلهم في الجنة"، وذكر أن المراد بالوحدة الناجية: أهل مِلة الإسلام، وبقية الأمة هم أمة الدعوة.

تحميل البحث الثالث (نسخة الكترونية PDF)

 

 المحور الرابع: (موقف العقل من الغيبيات)

 مقدم البحث: السيد الدكتور هاشم بن عبدالله العطاس

عرض الأستاذ هاشم العطاس الإشكاليات التي تعترض الحُكم العقلي السليم، وعلى رأسها تأثير العواطف والمشاعر، والتسرُّع في إصدار الأحكام، واختلاف القُدرات بين البشر، وبيّن أن هناك خلطاً شائعاً بين أنواع الأحكام المختلفة: الحُكم العقلي المُجرد، والحكم العادي المَبني على التجربة والتكرار، والحكم الشرعي المبني على الوحي، وأوضح أن العقل يستطيع إثبات "الكُليات" في عالم الغيب كوجود الخالق، لكنه يعجز عن إدراك "الجزئيات" وتفاصيلها كصفات الله الدقيقة وحقيقة الملائكة، وهنا يأتي دور الشرع.

لتوضيح منهجيته، طرح مسألة إثبات وجود الله كنموذج، تبدأ العملية من "الحُكم العادي" أو الدليل الحسي، المتمثل في رصد النظام الهائل والدِّقّة المتناهية في الكون، بعد إثبات هذا النظام يأتي دور "الحكم العقلي الضروري" الذي يستنتج حتماً أن لهذا التصميم الدقيق مصمماً حكيماً، وأخيراً، يأتي "الحكم الشرعي" ليقدّم التفاصيل التي يعجز الحس والعقل عن إدراكها، فيعرِّفنا بهذا الخالق وصفاته الكاملة وبقية عوالم الغيب.

تحميل البحث الرابع (نسخة الكترونية PDF)

 

لمشاهدة المحور الثالث والرابع ثم الأسئلة والمداخلات:

 

 المحور الخامس:

 مقدم البحث: الحبيب علي زين العابدين الجفري

قدم الحبيب علي الجفري طرحاً مُعمّقاً حول مراتب العقل، مقسماً إياها إلى ثلاث مراتب:

  1. عقل الحس: وهو المستوى الأدنى الذي يشترك فيه الإنسان مع سائر المخلوقات، ويتعلّق بردود الفعل الحِسية والتفاعلات الأساسية للبقاء.
  2. عقل التمييز: وهو مناط التكليف الشرعي، وبه يميّز الإنسان بين الخير والشر، ويدرك الواجبات والمستحيلات والجائزات العقلية.
  3. عقل القلب: وهو أرقى المراتب، وينشأ عن ثمرة إعمال "عقل التمييز" في الشرع مع الإخلاص والمجاهدة، فينبثق نور في القلب يورِث معرفة بالله تتجاوز الإدراك الحسي والعقلي المُجرد.

واستعرض الحبيب علي تاريخ تعامل الفكر البشري مع قوتي الشهوة والغضب، بدءاً من الفلاسفة القدماء الذين دعوا إلى إخضاع هاتين القوتين لسلطان العقل، ثم بيَّن النقلة النوعية التي أحدثها الإمام الغزالي، الذي أكّد على أمرين أساسيين: أولاً، افتقار العقل إلى نور الشرع لبلوغ كمالاته، وثانياً، أن الشهوة والغضب ليستا شراً في ذاتهما، بل الإفراط والتفريط فيهما هو المذموم، وأن الاعتدال فيهما يحوّلهما إلى فضائل كالشجاعة وعمارة الأرض.

ثم ما جاء على يد الشيخ الأكبر ابن عربي، الذي أضاف أن التهذيب الكامل للنفس لا يتم بِمُجرد النظر العقلي والمجاهدة، بل بالشهود القلبي والتجلي الإلهي الذي يخمد النفس ويوصلها إلى اليقين، واختتم بالإشارة إلى الانتكاسة التي شهدها العصر الحديث وما بعد الحداثة، حيث تم إقصاء كل مصادر المعرفة عدا الحس، وانهار مفهوم الفضيلة ليحل محله مفهوم القوة والنِّسبيّة، مما أدى إلى الأزمات التي يعيشها العالم اليوم.

المداخلات والأسئلة: تضمنت أسئلة حول مكان العقل بين الدماغ والقلب وموقف العلم الحديث منه، والفرق بين تأثير العالم الذي يخاطب العقل والعالم الرباني الذي يؤثّر بحاله قبل مقاله ودور القدوة في تزكية النفس، كما تضمنت مداخلة مهمة على أن ما يُطرَح اليوم باسم العقلانية هو في حقيقته "هوى متبع" وليس عقلاً، مع الإشارة إلى الحاجة الماسة لإحياء مفهوم العقل الصحيح في مواجهة العبث المعاصر.

لمشاهدة المحور الرابع ثم الأسئلة والمداخلات:
 
وخُتِم المجلس بدعوات مباركة للحبيب عمر بن حفيظ:

نظر الله إلينا وأخذ بأيدينا، وأصلح ظواهرنا وخوافينا، وثبَّتنا أكمل الثبات، وأعاننا على القيام بالأمر كما يُحبه في إنقاذ أنفسنا والتسبُّب في إنقاذ من يُمكن إنقاذه وما يمكن إنقاذه، في شأن هذا العالم الذي أُرسل إليه من قِبَل رب العالم سيد أهل العالم، حبيبه محمد ﷺ، أعقل الخلائق وأوفاهم بالرحمة للعالمين، وحملت رسالته ذلك العنوان من الرحمن الرحيم.

وأن الله يُثبتنا على صراطه المستقيم، ويُدخلنا في دائرته، ويُحضرنا في حضرته، وينظر إلينا وإلى الأمة نظرة تُزيل العناء عنا وتُدني المُنى منا، وكل الهنا نُعطاه في كل حين، ويوقظ قلوب المؤمنين ليعرفوا عظمة ما آتاهم الله، وواجبهم في القيام بالأمر لأنفسهم ولأهاليهم ولأهل ديارهم، وللأمة في المشارق والمغارب، ويجعلنا في أنفع الأمة للأمة، وأبرك الأمة على الأمة، وينفعنا بالأمة عامة وبخاصتهم خاصة.

 

رابط للاطلاع على المحور (الأول والثاني) للحبيب عمر الجيلاني والداعية محمد الجفري (اضغط هنا)

 

تاريخ النشر الهجري

02 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

27 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

آخر الأخبار